تقرير اليوم السابع لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح

 

“شمال جنوب” و “من قتل أسمهان؟” يختتمان عروض مهرجان فلسطين الوطني للمسرح قبل إعلان النتائج بيوم

 

إعلام الهيئة العربية للمسرح. يوسف الشايب. رام الله

من قتل أسمهان، عرض فلسطيني الهوية، عربي المحتوى، عالمي الصورة.

منذ زمن لم يقف الجمهور في رام الله “طوابير” لحضور عمل مسرحي، لكن هذا ما حدث مساء الأربعاء في قصر رام الله الثقافي، بانتظار فتح البوابات الداخلية للعبور نحو المسرح، حيث ينتظم العرض الأخير في المسابقة، وفي مهرجان فلسطين الوطني للمسرح الذي تنظمه وزراة الثقافة بتعاون و دعم من الهيئة العربية للمسرح، قبل ليلة من إعلان النتائج .. عرض “من قتل أسمهان؟” للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس، عن تأليف وإخراج أمير نزار الزعبي، في نص بالإنجليزية ترجمه عامر حليحل إلى العربية، وسينوغرافيا: سمر كينغ حداد، تمثيل: عزت النتشة، ومنى حوا، ونضال الجعبة، وإيفان أرازيان، ومحمد الباشا، وفراس سواح.

لم يخب أمل الجمهور، فكان العرض المنتظر على مستوى التوقعات، وربما يزيد، على حد تعبير الكثير، فلم تغص القاعة التي تتسع لقرابة الألف متفرج بالمتدافعين على المقاعد فحسب، بل غصت بشغف استعادة المسرح الفلسطيني عبر هذا المهرجان الذي حظي بحضور جماهيري كسر الصورة السائدة بالعزوف عن المسرح، كما غصت بدهشة كانت أكبر من مساحة فغر الأفواه.

ولا يبدو هذا مستغرباً لمن تابع مسيرة المخرج الزغبي، وفريق العمل المرافق له، فسمر كينغ حداد من أهم مصممات الحركة في العالم، هي التي أبهرت الجمهور الأميركي بعديد أعمالها، حيث تقيم فلسطينية الأصل، وهو ما ينطبق على حبيب شحادة في الموسيقى والمؤثرات الصوتية، ورمزي الشيخ قاسم وعماد سمارة في تصميم وتنفيذ الإضاءة، ومحمد عطا الله في الملابس، والقائمة تطول، فيما كان عزت النتشة (المحقق) اكتشافاً مدهشاً لفنان بارع لقبه جمهور العرض بـ”شابلن فلسطين”، والأمر ذاته ينطبق على صاحبة الصوت الأسمهاني منى حوا، وبقية الممثلين.

وكان لافتاً أن هذا العمل هو الوحيد الذي يغرد خارج الجغرافيا الفلسطينية، وإن حط رحاله فيها لبعض الوقت كما أسمهان، التي حطت لأكثر من مرة في القدس، وحيفا، وغيرها من المدن التي كانت تشكل حواضر ثقافية بامتياز، ليبحث عن نص ترجمه عامر حليحل، في لغز يتواصل لأكثر من سبعة عقود حول مقتل المطربة اسمهان، أو الأميرة آمال الأطرش.

تحليل العمل على المستوى البصري والفني يحتاج إلى الكثير من المساحة، لكن يمكنني الحديث هنا عن بعض الكشوفات في النص بخصوص أسمهان، التي انتهى العرض بعد تسعين دقيقة من المتعة المتدفقة ولم ينته لغز مقتلها، ففي البداية توجهت الشكوك نحو سائقها، فأرملها، فالملكة الأم لكون عشيق الأخيرة بدأ ينجذب بفعل مغناطيسية أسمهان، ولم تغب أم كلثوم عن الدائرة، كما حال المخابرات البريطانية والفرنسية كعميلة مزدوجة مفترضة، لكن الكل يبقى بريئاً ومتهماً في ذات الوقت، ويبقى أيضاً في النهاية راسخاً، عرض فلسطيني لجهة الإنتاج، عربي الموضوع والهوية واللهجات، وعالمي المستوى والتكنيك.

شمال جنوب

وكان جمهور مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، على موعد قبل هذا العرض مع مسرحية “شمال جنوب وسط” لمسرح الجوال البلدي من سخنين في الداخل الفلسطيني، عن نص لطارق السيد، وإخراج المبدع كامل الباشا، وتمثيل: ميلا غالب، واديب صفدي، ولما نعامنة، وبيان عنتير، ويعالج قضية الهوية المتعددة في فلسطين بفعل الاحتلال، فهذا من الضفة الغربية، وذاك لاجئ في أرضه، أو هجّرت عائلته قسراً من قريتها أو بلدتها الأصلية باتجاه بلدة مجاورة أو غير مجاورة في الداخل الفلسطيني، وثالث من الجولان السوري المحتل، ورابعة من القدس.

ثمة اختلافات كثيرة بين الفلسطينيين الذين يجمعهم وقوعهم تحت قبضة الاحتلال، ولكن الاختلافات ليست بعيدة عنهم، بل تكاد تتملكهم بسبب الانعكاسات السياسية والموروث الثقافي والاجتماعي لكل جغرافيا من جغرافيات فلسطين مقطعة الأوصال، فكل شخصية ترى الأخر أوفر حظاً منها، فيما يصل العرض ذروته مع “لعبة” تبادل الأدوار الجزئي في تلك الورشة التي تجمع كل خيباتهم وخيبات الوطن، في عمل لا يمكن أن يدرك الكثير من تفاصيل إلا من يعيش في فلسطين ويعايش يومياتها ووضعها السياسي المعقد.

ويمكن القول بأن مهرجان فلسطين الوطني للمسرح، الذي نظمته وزارة الثقافة الفلسطينية والهيئة العربية للمسرح، أعاد للخشبة اعتبارها في فلسطين، وكشف عن شغف ظل لسنوات طويلة حبيس الأدراج الكاتمة للأرواح المنطقلة.

الحضور الجماهيري لكافة العروض، والذي توج بما فاض عن القدرة الاستيعابية لقصر رام الله الثقافي، مع عرض “من قتل أسمهان؟” للمسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) حيث كانت الدهشة سيدة الموقف في عمل يؤكد أن المسرح الفلسطيني لا يزال على قيد الإبداع، وهو حال بعض أعمال المهرجان مثل: “مروح ع فلسطين” لمسرح الحرية في جنين، و”شمال جنوب وسط” لمسرح الجوال في سخنين، و”خوش بوش” لمسرح عكا، و”اثنان في تل أبيب” لمسرح المجد في حيفا، وغيرها .. إن كانت الدهشة المرافقة لها متفاوتة.

اليوم  يسدل الستار على كرنفال آخر في فلسطين التي تقاوم الرصاص بمزيد من الإبداع، وترد على من يضغط بيديه الغليظتين على عنقها بغية حبس أنفاسها إلى الأبد برقصة مع الريح، وأغنية تقفز من فوق جدار الفصل العنصري، وفيلم يفلت من عربدة المستوطنين، وشعر عابر للجغرافيا المحتلة كلياً أو جزئياً، ومسرحية تشكل مع أخرى مهرجاناً يجمع الكل الفلسطيني في زمن الانقسام البغيض.

إنها فلسطين بمسرحها، وأدبها، وسينماها، وأغنياتها، وتراثها، وبكل ما فيها من إبداع يفلت من قنبلة غاز يرميها واحد من المدججين بشهوة القتل.

ما قبل النكبة، كانت حيفا ويافا والقدس، واليوم رام الله، وغداً ربما غزة، وقد تعود الحياة الثقافية الفلسطينية لتنبت في حيفا ويافا والقدس مجدداً .. ففلسطين الثقافة، إن قاومت الاحتلال كما الفوضى والتطرف، حتماً ستنتصر، ولو بعد حين.

 

 

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *