تـاريخ المسرح في إيـران/فاطمة برجكــاني

يعود تاريخ إنشاء المسرح على الطراز الأوروبي في إيران إلى ما يقارب قرنين، لكن الآثار المسرحية التقليدية بمعناها الحقيقي، يزيد عمرها على ثلاثة قرون، وهي تتجسد بتمثيلية “التعزية” الدينية، وكذلك غير الدينية.

وفي الحقيقة فإن المسرح له جذور قديمة جدا في تاريخ هذا البلد الذي يرتكز بشكل أساسي على الأدب والثقافة والشعر. فقد أقيمت احتفالات في إيران قبل الإسلام من المحتمل أن يكون قد نسي الكثير منها، لكن المؤكد أنها تمتعت بطابع مسرحي، فتطورت أحيانا وتوقفت أحيانا أخرى، حتى أصبح المسرح على ما عليه في عصرنا هذا.

يقال إن الغريزة عند البشر أدت إلى نوع غير واع من إنتاج المسرح، ظهر في المجتمعات القبلية الإيرانية القديمة، ويمكن أن نرصد مظاهرها من نواحي شتى منها:

ـ القيام بتأدية حفلات رقص جماعي حول النار “المقدس” أو للتدفئة، حيث تتحول أحيانا إلى مسرح حرب أو صيد. وفي قطعة فخار ينسب تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، عثر على صورة شخصين يؤديان الرقص الجماعي وعلى وجههما قناع بشكل ماعز جبلي، تدل على عقيدة دينية في تلك الفترة.

ـ عمليات التمثيل من خلال التعزية بمناسبة موت ” سياوش” وهو بطل من أبطال ملحمة الشاهنامه للفردوسي، اتهم زورا بفساد أخلاقها، ولم تظهر براءته إلا بعد قتله، فأصبح دمه مضرب المثل للدم البريء المهدور.

ـ الممثلون المرافقون للجيوش في تنقلاتها إلى أماكن الحروب، قصد تسليتهم وبعث الروح النضالية في نفوسهم، عن طريق تنفيذ الرقصات المسرحية الحربية.

ـ سرد القصص، وهو شكل من أشكال المسرح الفردي في المجتمع الإيراني القديم، حيث يجتمع أعضاء القبيلة للاستماع إلى حكايات يسردها رئيس القبيلة أو بطل فيها أو حتى مشعوذ. ويمكن اعتبار هذا مقدمة للمسرح الجماعي.

ـ الحكايات، فكانت تشمل الحروب التي عاصرها الراوي، أو الوحوش التي اصطادها، أو القصص العجيبة في نظره. وكان الرواة يضيفون أحيانا الحركات المسرحية، لكسب متفرجين جدد، ولازدياد شعبيتهم، حتى تطورت المشاهد المسرحية وتطورت معها الأساطير أيضا، حتى وصلت إلى نقطة سجلها الكتاب. ومن هنا يمكن القول إن بعض الصفات الأساسية في المسرح نتجت عن تلك الاجتماعات، وذلك من قبيل عملية التمثيل، واستخدام الأقنعة، واللجوء إلى حركات تساعد على نقل الكلام إلى المشاهد، وخشبة المسرح، ونحوها، استخدمها المسرحيون في العصور المقبلة.

أما المسارح في إيران القديم، فكانت تقام في الساحات العامة عادة، لأن العرض في مكان مغلق كان يصعب بسبب الضعف في التقنيات الضوئية. وتثبت الحفريات الأثرية وجود مسارح في همدان وكرمان منذ القرن الرابع قبل الميلاد، استخدمها الممثلون المرافقون للإسكندر المقدوني، في تقديم احتفالات و عروض مسرحية. ومن هنا لا يستغرب وجود عدد من المسارح في إيران القديمة على الطريقة اليونانية.

المسرح في إيـران بعد الإسـلام

دخـل الإسلام إيـران وهو لا يعرف المسرح، فمنع المسلمون تعاطيه بداعي التمثيل والتجسيد، فتوقف التمثيل بذلك في أرجاء الدولة الإسلامية الحديثة ـ بما فيها إيران ـ إلى بدايات القرن الرابع الهجري، فظهرت مصطلحات مسرحية في الكتابات التي وصلت إلينا، تدل على وجود بعض العمليات المسرحية في تلك الفترات، وإن كان بشكل متكتم، وذلك على غرار ” تماشاخانه” أي المسرح أو مكان العرض المسرحي، و”تماشا”، أي المشاهدة والعرض، وهي عبارة عن الألعاب الهزلية والرقص والغناء الهجائي للمطربين المتجولين وأنواع الألعاب البهلوانية، وتقليد الحيوانات للإنسان في الرقص، وألعاب الشعوذة وأمور أخرى يقوم بها ممثلون بصفة فردية.

وقد يعود أسباب نهضة المسرح في القرن الرابع الهجري بإيران إلى عدة أمور منها: ـ ترجمة الكتب المسرحية من قبل علماء إيرانيين، فقد قام الفارابي وابن سينا بتعريف ملخص عن المسرح اليوناني بشكل نظري، عن طريق ترجمة كتاب ” بوطيقا” { De Poetica} لأرسطو وشرحه.

ـ تشجيع بعض الملوك ـ على غرار الملك مردآويج ـ بالمساعدة على ترويج الاحتفالات، والتذكير بما تبقى من الذكريات العتيقة، وتمخض عن هذا التشجيع إحياء العديد من العادات والتقاليد التي تحمل في طياتها طابعا مسرحيا، من ذلك:

ـ القيام بمسيرات تعزية، فهذا التقليد أخذ لونا دينيا في العهود الإسلامية في إيران، وتطور في العهد الصفوي والقاجاري. ولا زال آثار هذا التقليد باقية في زوايا مختلفة من البلاد.

ـ التقليد، وقد كان له دور مركزي في تطوير الغناء وقصص طويلة، وكان المقلدون يقلدون الناس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وتنوع لهجاتهم. وفي العهد الصفوي ترسخ وجود فرق مقلدة في بعض المدن، خصوصا في مدينتي أصفهان وشيراز، تعرض مسرحياتها في المقاهي، خلال مناسبات من قبيل حفلات الزفاف، وتسمية الأولاد، وختان المولودين الجدد ونحوها.

ومن أمثلة القطع المسرحية التي اشتهرت في العهد الإسلامي نذكر: ” أربعة صناديق”، ويتجسد هذا التمثيل بأربعة راقصين، ينقلون إلى خشبة المسرح، حيث يرقصون فرادى وجماعية قبل أن يعودوا إلى صناديقهم.

ـ مسرحيات مستقلة، على غرار ” غولك”، و” لعبة الزجاج”، و” لعبة الأصلع”، و” لعبة البقال”، ومسرح ” تخت حوضي”، وغيرها عديدة.

ويرجع جذور معظم هذه الألعاب والمسرحيات إلى العهد الساساني، ولا يمكن هنا إنكار دور الغجريين المهاجرين في إيجاد هذا النوع من المسرحيات أو انتشاره.

كما كان لليهود المهاجـرة إلى إيـران دور كبير في تنويع المسرح الإيراني والتأثير عليه، بما أن دينهم لم يكن يمنعهم من التمثيل، فكان معظم الراقصين من اليهود والغجريين الساكنين في الضواحي، وكان بعضهم متبحرين في فنهم، وهذا ما يفتح أمامهم أبواب البلاط، ليصبحوا مهرجين دائمين فيه.

وفيما يخـص المسرح الإيـراني الكوميدي، فإن شخصية “الرجـل الأسود” قد سيطرت عليه، ولا سيما في احتفالات عيـد النيروز، وذلك بفعل التبادل التجاري بين إيـران و سواحـل إفريقيا، واستقرار بعض السود بسواحل الخليج الفارسي.

وفي أواسط العهد الصفوي، كانت الفرق الطربية الكبيرة تتلقى الدعوات من الأثرياء والأرستقراطيين لإحياء سهرات مسرحية. وبدأت النساء يظهرن في فرق الطرب والغناء والرقص والعروض المسرحية. وفي العصر القاجاري ظهرت بعض الفرق النسائية المسرحية، التي كانت تشارك في المجالس الرجالية والنسائية.

وفي عهد الملك آقا محمد خان القاجار، توجه معظم الفرق المسرحية إلى طهران، بما أنها أصبحت العاصمة القاجارية، وأصبحت المقاهي والأسواق أماكن للعروض المسرحية، وأهم فرقة مسرحية ظهرت في الفترات الأخيرة من العهد القاجاري ” فرقة مؤيد”، نسبة إلى مؤسسها أحمد مؤيد، وهو رجل أعمال كان يحب المسرح كثيرا، ولذلك حاول أن ينشئه على أسس صحيحة، عبر التعليم والتمويل، فخرج بذلك فرقة في عصره سيطرت على المسرح الإيراني بلا منازع.

المسرح الحديث في إيران

يوجد هناك عوامل عديدة أثرت في دخول المسرح الحديث في إيران، منها:

أ ـ فترة العودة وحركة التجدد: وتمتد هذه الفترة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تميزت بترجمة العديد من الكتب والمصطلحات المسرحية الأجنبية، ليتم مزجها بالمسرحيات الإيرانية الحديثة.

ب ـ حماية البلاط للمسرح: ففي أواخر القرن التاسع عشر اهتم ملوك إيران باستقدام ممثلين إلى البلاط للعرض على طريقة المسارح الأجنبية، بحضور ممثلي السفارات الأجنبية. ورغم أن انتقال المسرح الأجنبي إيران واجه صعوبات كثيرة بسبب العقائد الدينية، والحكومات المستبدة وطبيعة المجتمع التقليدي، إلا أنه استطاع أن يعلن حضوره في إيران بشكل رسمي في عهد الملك ناصر الدين شاه القاجار.

ج ـ التقارير الإيرانية عن المسرح الأجنبي: وذلك بواسطة الرحلات الفنية التي كان يؤديها بعض الفنانين الإيرانيين إلى البلدان الأجنبية { أوروبا وآسيا وأمريكا…}، حيث يتعرفون على فنون تلك الأمم، ومن بينها المسرح الحديث، فيكتبون عنها. وكانت هذه التقارير تأتي في شكل كتب أو مقالات، كان لها التأثير الكبير في إيجاد نهضة المسرح الحديث في إيران كتابة و تنفيذا. ومن أمثلة ذلك: مسير طالبي الأصفهاني إلى بلاد إفرنجي { بريطانيا}، كتاب رحلات ميرزا صالح الشيرازي { بريطانيا وروسيا}، رحلات ميرزا مسعود أفشار { إلى روسيا}، وتقارير الملك ناصر الدين شاه القاجاري إلى الخارج، والتي تمت ما بين 1290 ـ 1306هـ، ونحوها عديدة.

د ـ دور الصحافة في المسرح الإيراني: ونعني بذلك الصحف والجرائد التي كانت تكرس صفحات من يومياتها للحديث عن المسرح الأجنبي، وخاصة الصحف التي كانت تنشر خارج إيران، على غرار أسبوعية ” أختر” في أسطنبول.

وفي 1326هـ، ظهر أول جريدة للمسرح في إيران على يـد ميرزا رضا خان طباطبائي نائيني، تحمل اسم ” تياتـر”، حيث نشر أخبار العديد من المسرحيات المحلية والأجنبية في أعدادها.

ـ بروز الدور الإيراني في المسرح الحديث

بعد تعرف الإيرانيين إلى المسرح الأجنبي بواسطة تلك المؤثرات التي أشرنا إليها آنفا، اتجه اهتمام الإيرانيين إلى الكتابة المسرحية، فكان السيدميرزا فتح علي آخوند زاده، أول إيراني ألف مسرحيات على النمط الأوروبي، ولكن بتركيبة إيرانية من حيث القصص والشخصيات، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. كما أنه كان أول ناقد إيراني في المسرح. ومن أهم مؤلفاته: ست مسرحيات كوميدية {1266 ـ 1272هـ}، حكاية يوسف شاه أو ” النجوم المخدوعة”، {سنة 1273هـ}، روزنامه ملتي { سنة 1283هـ}، ونقد على مسرحيات ميرزا آقا التبريزي { سنة 1288هـ}، وغيرها كثيرة.

أما أول كتابة مسرحية باللغة الفارسية، فيرجع تاريخها إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي أيضا، وتحقق ذلك على يد ميرزا آقا التبريزي.

الترجمة والاقتباس في المسرح الإيراني

اتجه عناية الرحالة الممثلين الإيرانيين منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي إلى البلدان الأربعة: بريطانيا، وفرنسا وتركيا وروسيا، فكان عليهم الإلمام بلغات هذه البلدان الأربعة، وبالتالي ترجمة ما ينقلونه من معارف تلك البلدان إلى اللغة الفارسية. وكان أول مسرحية ترجمت إلى اللغة الفارسية، أخذت من الترجمة التركية لمسرحية فرنسية بوساطة ميرزا حبيب الأصفهاني، ثم قام اعتماد السلطنة بترجمة مسرحية “الطبيب الإجباري” لموليير من الفرنسية مباشرة إلى الفارسية.

ورغم أن الإيرانيين تعرفوا على المسرح الأجنبي في البداية عن طريق المسارح في روسيا وبريطانيا، فإن مسرحيات موليير تمكن من الدخول إلى المسرح الإيراني أكثر من غيره بسبب قابلية تطبيق آثاره المسرحية مع الثقافة الإيرانية، والتي كانت تحتوي على انتقادات أخلاقية واجتماعية، ولا سيما في مسرحيته المعنون ” الكاره للبشر ” Le Misanthrope”، الذي ترجم إلى الفارسية منذ سنة 1286هـ.

ويجدر التذكير هنا أن اللغة الفرنسية كانت منتشرة في إيران في العهد القاجاري، بل كانت اللغة الفرنسية لغة رسمية في البلاط القاجاري. كما أن الشعب الإيراني كانت تربطه عوامل عديدة: جغرافية، ثقافية، سياسية وتاريخية بالشعبين الروسي والتركي.

هـذا، ولقد لعب معهد ” دار الفنون” دورا رياديا في ترجمة العديد من كتب الأدب المسرحي الأجنبي، على غرار ” حكاية تلماك” للكاتب الفرنسي فنلون، و”الحمارية” لـكنتس دوسكور، ونحوها.

وكان علي أكبر خان مزين الدولة أكبر شخصية مترجمة للغة الفرنسية في دار الفنون خلال النصف الأخير من القرن الثالث عشر الهجري.

ظهور الفرق المسرحية

عرفت إيران النظام الدستوري عام 1906م، ومعه أصبح المسرح موضع اهتمام المثقفين والتجديديين، إذ احتل المسرح المرتبة الثانية بعد الصحافة من حيث الاهتمام.

والفرق المسرحية الأولى التي نشأت في عهد النظام الدستوري، كانت ذات ميزات ديمقراطية وانتقادية. وهذه الميزات هي التي حولت مسرح التسلية في عهد ناصر الدين شاه إلى مسرح سياسي انتقادي. فخرجت بذلك زمام الأمور من يد المسرحيين المقلدين إلى يد التجدديين.

كانت الفرق المسرحية تابعة إما لأحزاب سياسية أو لسياسة معينة في القضايا الثقافية، فأثرت بذلك على المسيرة الفنية لهذه الفرق، التي اهتمت بالآثار الوطنية ذات اللون الانتقادي. لكن في المقابل، مهدت تلك الفرق أرضية لتدريب الهواة وتعليمهم المسرح، ليظهر فيما بعد محترفون في المسرح، قل نظيرهم في مجال الإخراج والتمثيل والكتابة المسرحية.

ومن أهم الفرق المسرحية الإيرانية الأولى نذكر:

ـ فرقة ” جمعية الإخوة”، تأسست سنة 1317هـ بطهران.

ـ شركة الثقافة العلمية، تأسست سنة 1327هـ.

ـ المسرح الوطني، تأسست سنة 1329هـ.

ـ الفرق المسرحية الموسيقية، على غرار ” الكوميديا الموسيقية”، تأسست سنة 1338هـ.

ـ فرق المسرح التقليدي، التي كانت تقيم عروضها المسرحية في المقاهي، كالتعزية ونقل الحكايات والمدح وغيرها. إلا أن المسرح التقليدي عرف تطورا في هذه الفترة، حيث بدأ يمتزج بالكوميديا الأجنبية، ويتطرق إلى موضوعات مستجدة، مثل الدستور.

ـ فرقة آكتورال تبريز، استمرت حتى عام 1921م.

ـ نادي التياتر، تأسست سنة 1888م. وغيرها من الفرق المسرحية التي لا تحصى.

ولم تسلم مدينة مشهد ذات الطابع الديني من قاعات للعرض المسرحي وظهور فرق مسرحية أجنبية في أواخر النهضة الدستورية، حيث تم ترجمة مسرحياتها للعرض على أيدي إيرانيين، على غرار رضا آذرخشي.

ويلاحــظ أنه شاع في تلك العصور أن يقوم الرجال بأدوار النساء في تأدية القطع المسرحية.

ترسيخ المسرح في إيـران

يمكن اعتبار سنة 1921م ـ تاريخ اعتلاء الأسرة الفهلوية سدة الحكم في إيران ـ فترة تثبيت فن المسرح في إيران وترسيخه، إذ تميزت هذه الفترة بظهور مسارح متعددة ثابتة ودائمة، وفرق مسرحية مهمة، وأنواع مختلفة من المسرحيات ذات الطابع الوطني. كما شهدت هذه الفترة أيضا ظهور الإخراج بمعناه الحقيقي، و ظهور المرأة في العروض المسرحية. فقبل هذا التاريخ، كانت المرأة الإيرانية تمنع ليس فقط من الظهور على الخشبة، بل من مشاهدة العروض المسرحية أيضا، وكان الرجال يقومون بأداء أدوار النساء في المسرح. وأول امرأة كتبت مسرحية هي صديقة دولت آبادي، أما أول امرأة ظهرت على خشبة المسرح فهي ملوك حسيني، وبعد فترة التحقت بها نساء أخريات، على غرار: لرتا، سيرانوش، قسطانيان، كاراكاش، بري آقابابف،هلن نوري، ومريم نوري، وغيرهن.

كما دخلت الكتابة المسرحية عالم الاحتراف في هذه الفترة، وكان من أهم رجالاتها: رضا كمال شهرزاد، غريغور يقيكيان الأرمني الإيراني، سعيد نفيسي، حسن مقدم، صادق هدايت، ذبيح بهروز، عبد الحسين نوشين، غلام حسين ساعدي، أكبر رادي، بهمن فرسي، عباس نعلبنديان، إسماعيل خلج،بهرام بيضايي، وعلي نصيريان، وغيرهم كثيرون.

المسرح الإيـراني بعـد الثورة الإسـلامية

بفعل التطورات السياسية والتغييرات الثقافية، شهدت الكتابة المسرحية في إيران بعد الثورة الإسلامية صعودا وانحدارا كبيرين، فتطرقت المسرحيات إلى انتقادات للمعضلات الاجتماعية والفردية، وأصبحت انعكاسات لأصوات تمكنت من كسر القيود، لخوض تجربة فكرية جديدة، تعالج الحياة اليومية بقلقها وأمنها ومخاوفها وآمالها التي ترافق الناس. ومن حيث المضمون، فقد تحولت العلاقات الإنسانية العميقة والخالدة كالحب والتعاطف إلى مفاهيم اجتماعية، وتميزت المسرحيات بالواقعية والحماس. وحاول الكتاب المسرحيون تفسير المجتمع والتاريخ من وجهة نظر التغيرات الفكرية الحديثة، معتمدين في هذا المجال، على الكوميديا الانتقادية والمسرح التقليدي، للقيام بإصلاحات اجتماعية راهنة، وانتقاد عدم وجود هوية، والتعبير عنها بشكل صريح، دون اللجوء إلى قصص تلفيقية كانت شائعة في الماضي.

ويمكن أن نرصد في هذه المرحلة نوعين من المسرحيات: الأول: هو الذي يعكس حقائق حياة الناس مع إدراك عميق لهذه الحقائق، ويعطي صورة واقعية عن الآلام والمشاكل الاجتماعية بعد الثورة.

والثاني: يعكس إحساس الإنسان بالعبث والتعب والملل، وتتم عرض هذه الصور عن طريق الحركات ورقصات الضوء وأنواع العرض الحديثة، بطريقة يقرب فن المسرح من السينما والموسيقى والرقص والرسم والشعر.

ومن هنا يمكن القول إن المسرح بعد الثورة ابتعد عن النظرية المستعجلة إلى المجتمع التي كانت تسود سابقا، ودخل إلى مجال المعرفة والتحليل وإيجاد البطل المضاد.

ومن رواد هذه المرحلة أكبر رادي، وبهرام بيضايي، وغيرهما، ولحق بهم جيل شاب منهم نادر برهاني مرند، محمد يعقوبي، ريما رامين فر،شبنم طلوعي، نغمه ثميني، حسين كياني، محمد رضائي راد، حسين مهكام، وحميد أمجد، وغيرهم كثيرون لا يسع المجال لذكر أسمائهم.

وتميزت الكتابة لدى هؤلاء بالواقعية والحماس، فلم يعد الأبطال شخصيات أسطورية على غرار رستم وسهراب وسياوش كما عهدنا سابقا، وإنما أصبح الناس العاديون أبطال التراجيديات الجديدة.

ويمكن اختصار الكتابة المسرحية بعد الثورة على ثلاثة مراحل:

الأول، اعتبار بدايات الثورة { أي الثمانينات من القرن العشرين} عصر البحث عن الذات.

والثاني اعتبار فترة التسعينات عصر اكتشاف الهوية الوطنية الحقيقية، واهتمت الكتابة المسرحية في هذه الفترة بموضوع “الدفاع المقدس” أي السنوات الثمانية للحرب الإيرانية العراقية، إذ تحول الاهتمام بهذا الموضوع إلى موجة قوية أحدثت حركة، عرفت بـ”مسرح الدفاع المقدس”.

والثالث، اعتبار أوائل القرن الواحد والعشرين عصر أوج العلاقة مع المخاطب.

وفي ظل الثورة الإسلامية، أصبحت الفرق المسرحية كثيرة، ففاقت عددها المائتين داخل إيران، وأصبحت تنشط بشكل خصوصي أو في إطار مراكز فنية وثقافية مختلفة، حكومية أو شبه حكومية أو غير حكومية.

أما على صعيد الأنشطة المسرحية، فهناك مهرجانات واحتفالات ومباريات وعروض مسرحية مختلفة، تقام على مدار السنة، وعلى كافة المستويات: الوطني والدولي. ومن هذه المهرجانات والمباريات المسرحية يمكن الإشارة إلى:

ـ مهرجان ” فجر” الدولي للمسرح.

ـ المهرجان الدولي لمسرح الدمى للطلاب.

ـ مهرجان المسرح الدولي لذوي الحاجات الخاصة.

ـ المهرجان الوطني للمراكز الثقافية والفنية، الذي يقام على مستوى جميع المدن الإيرانية.

ـ مهرجان المسرح الجامعي الوطني، ويتم بين الفرق المسرحية في الجامعات الإيرانية.

ـ مهرجان المسرح الوطني لأبناء الشهداء والجرحى، في إطار فرق مسرحية من جميع أنحاء البلد.

ـ مهرجان المسرح الوطني للبسيج { قوات التعبئة}.

ـ مهرجان ” رضوي” الوطني للمسرح، بمناسبة ولادة الإمام الرضا { عليه السلام}.

ـ مهرجان ” ضامن آهو” { ضامن الغزال} لمسرج الدمى.

ـ المهرجان الوطني لمسرح الشارع.

ـ مهرجان العلاج المسرحي لجرحى ومعوقي الحرب.

ـ مهرجان ” ماه” الوطني للمسرح في قسمي مسرح الشارع والخشبة.

ـ المهرجان الوطني لمسرح الأطفال والمراهقين.

ـ المهرجان الوطني لمسرح قوى الأمن.

ـ المباريات الوطنية للكتابة المسرحية على مستوى فردي وفريقي.

هـذا، ولعل عدم الاهتمام الكافي بترجمة الآثـار المسرحـية الإيـرانية، قد ساهم في ابتعاد المسرح الإيراني عن المسرح العالمي، وذلك على الرغم من ثرائه الوافـر.

الـدين في المسرح الإيـراني

للمسرح الديني في إيران مكانة بـارزة، يتجلى أهمه في مسرحيات عن أهل البيت النبوي، وخاصة ” مسرح التعزية”، أو ” الشبيه” الذي يقام بمناسبة يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر ومن شهر محرم، أول أشهر السنة الهجرية.

ويعود جذور التعزية إلى إيران ما قبل الإسلام، من خلال الملاحم الإيرانية، التي يذكر في إحداها أن الناس في بعض المناطق كانوا يقومون بالتعزية لموت سياوش. وقد استبدلت تلك التعزية بإحياء ذكرى مآسي كربلاء.

وتتجسد مظاهر إحياء يوم عاشوراء في إيران بعادات وتقاليد وطرق مختلفة، ويهمنا منها هنا ” التعزية الحسينية”، التي شهدت تطورا في إيران على مدى التاريخ، حتى أخذت شكلا مسرحيا، انتقل من إيران إلى بلدان مجاورة، على غرار لبنان والعراق وغيرهما.

وبالرغم من المعارضات التي شهدها المسرح الإيراني خلال فترات مختلفة من قبل بعض الحكام أو رجال الدين، أو المجابهات التي لقيها من العرف السائد في المجتمع، فقد حظيت التعزية بدعم واسع من الطبقات الاجتماعية المختلفة.

وفي عهد الملك معز الدولة الديلمي { القرن4هـ} أصدر مرسوما ملكيا، اعترف فيه بالمراسيم المذهبية لمأساة كربلاء، التي أصبحت من يومها تقام لها طقوس وجلسات تعزية ووعظ. لكن التعزية في هذه الفترات كانت صامتة، يظهر فيها الممثلون على المسرح لابسين الثياب المناسبة للحدث، وتحولت هذه الطقوس تدريجيا إلى ما عرف بـ”شبيه” ناطق في العهد القاجـاري، ولاسيما في عهد الملك ناصر الدين شاه، يرافقه الشعر والموسيقى في ذلك، فتكونت بذلك نوع من ” الميلودراما”، وهو ما يعرف بالتعزية المضحكة أو ” الغير المذهبية”، حيث طبعت بطابع مسرحي ترفيهي وكوميدي ـ تراجيدي.

وفي العهد القاجاري، ظهرت “التعزية النسائية”، وهي بمثابة ردة فعل أمام موانع دينية لظهورها على الخشبة، ومحاولة لاستعادة حقوقها المسلوبة في العروض المسرحية، التي كان الرجال يقومون بتمثيل أدوارها.

ولم تنتشر تماما التعزية النسائية بين عامة الناس، وإنما كانت تقام في فناء بيوت الأثرياء والملوك، أو في بهو كبير فيها، حيث يقرأن قصة كربلاء، ويمدحن الأئمة، ويغيرن أصواتهن إلى أصوات الرجال.

وقد سميت النساء اللواتي قمن بالتعزية النسائية بـ”ملا”، وكانت “قمر السلطنة” بنت فتح علي شاه أول من بادر بإقامة ذلك النوع من التعزية. وأهم المسرحيات انتشرت بينهن خلال تلك التعزية ” شهربانو”، و “زفاف ابنة القريش”.

واستمر هذا النوع من المسرح حتى أواسط عهد أحمد شاه القاجار، وانتهى تدريجيا.

على أن مسرح التعزية الحسينية بدورها عرفت ركودا نسبيا في أواخر العهد القاجاري، وفقدت دورها الرسمي، بل والشعبي في أيام أحمد شاه القاجار، وذلك لعوامل ظهور الثورة الدستورية والنفوذ الأوروبي، وانتشار ثقافتها في إيران، وترجمة المسرحيات الأجنبية وعرضها.

وفي عام 1920، منع الشاه رضا الفهلوي جميع المظاهر المذهبية، بما فيها مسرح التعزية، فلجأت فرق التعزية إلى القـرى النائية. ولم تكن عهد محمد رضا الفهلوي بأحسن حال من أبيه، حيث تم خلال سنة 1948م تدمير مسرح ” تكية دولت”، أعظم وأضخم مسرح للتعزية، ومنعت التعزية بمرسوم ملكي.

المسرح الديني بعد انتصار الثورة الإسلامية

كانت التعزية الحسينية من أهم العوامل التي ساهمت في تعزيز “الروحية الثورية، والاستشهادية والبحث عن الحقيقة ومواجهة الظلم” لدى الإنسان الإيراني، ولذلك عاد التركيز عليها والاهتمام بها بمجود قيام الثورة الإسلامية سنة 1979م..

ويمكن للمرء أن يتعلم دروسا متنوعة من عاشوراء مما قام به الإمام الحسين عليه السلام، وما واجهه في كربلاء، من قبيل: العمل بالواجب، والقبول برضا الله، وضرورة إحياء الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومواجهة الظلم، والتضحية في سبيل الدين، وعدم الخوف أمام كثرة عدد الأعداء، وانتصار الدم على السيف، وعدم الخوف من الحصار الآتي من العدو.

هـذه المفاهيم وهذا الإيمان بعاشوراء الذي تجذر بين الناس، استمرت إلى ما بعد انتصار الثورة وتعززت. وبفضل الدولة الخمينية واهتمامها بإحياء عاشوراء وإقامة التعازي، انتشرت المجالس الدينية والمذهبية في المساجد والتكايا، وعاد الاهتمام بالتعزية كعمل تمثيلي.

وتقام التعزية اليوم في معظم القرى والمدن الإيـرانية بأشكال وموضوعات مختلفة متفرعة عن الموضوع الرئيـس، وهو تراجيدية عاشوراء. وتتم إقامة معظم مسارح التعزية بمبادرة من عامة الناس مباشرة، وأحيانا برعاية مؤسسات حكومية. ويقوم الناس في الأحياء والمساجد والحسينيات بتحضير احتفالات عاشوراء قبل فترة من بداية شهر محرم الحرام.

وموضوعات التعزية كثيرة، منها قصة مسلم بن عقيل، عبد الله به الإمام الحسن، أطفال زينب، شهادة علي الأكبر والأصغر، استشهاد الإمام الحسين، ورود أهل بيت الإمام إلى المدينة، شهادة الإمام علي، وفاة النبي {ص}، شهادة الإمام الرضا،شهادة السيدة الزهراء، ثورة مختار بن أبي عبيدة الثقفي… وغيرها.

وتقام مسارح التعزية المختلفة في أيام متعددة، تبدأ عادة من اليوم الأول في شهر محرم، وتستمر حتى يوم عاشوراء، وإحياء ما بعده في شهر صفر، ويوم الأربعين لشهادة الإمام أيضا، حيث يختص كل يوم بموضوع معين.

على أن هناك قصص وروايات دينية تعرض قبل الحدث الرئيس للتعزية، ويربط موضوعها بمأساة كربلاء بأشكال مختلفة، منها مسرحية ” الرجل الذي يبيع ابنه”، ونحوها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسرح الديني في إيران لم ينحصر في قصص الأنبياء والأولياء، أو الاقتباس من الاحتفالات والتقاليد الدينية وعروض التعزية، بل تجاوز ذلك ودخل إلى الحياة اليومية للناس، واستلهم منهم أفكارا ليدخلها في المسرح ويعرضها على المشاهدين، من أجل إيجاد حلول لمشكلات تطرحها المسرحيات، أو إيجاد وعي للقضايا البشرية والمجتمعية التي تعني الناس جميعا، وهم يواجهونها في حياتهم اليومية كحقيقة يعيشونها، وإن كان لا يزال أمام هذا النوع من المسرح طريق طويل للاقتراب من القمة.

ومن المسارح العاشورائية التي لاقت رواجا وشهرة وطنية شتاء 2006م، نذكر: ” كربلاء من دون شمر” لرضا صابري، و ” فضل وفتاح”، و ” لن يموت الضمير”، و “الخلاص”، ونحوها عديدة.

أما الإمـام الرضا عليه السلام، فقد أصبح له مكانة خاصة في المسرحيات الدينية الإيرانية بعد الثورة. ووجود مزار هذا الإمام في المدينة الإيرانية ” مشهد” في محافظة “خراسان”، جعل الموضوع أكثر أهمية، فهي مفخرة لإيران وموضع احترام كبير لها.

وفي كل سنة، تقيم المؤسسات الحكومية احتفالات متعددة في المدن الإيرانية بمناسبة ولادة الإمـام الرضا وشهادته، فهناك العشرات من المسرحية التي تطرقت إلى حياة الإمام من نواحي مختلفة.

وفي خريف سنة 2007م، أقامت وزارة الثقافة الإيرانية الدورة الخامسة من “المهرجان الوطني للمسرح الرضـوي”، وتمت خلاله عروض مسرحية، موضوعها حياة الإمام الرضا بأبعادها المختلفة، وتنافس فيها المسرحيون من حيث الكتابة المسرحية والإخراج والتمثيل والديكور والموسيقى.

وقرر المسؤولون في وزارة الثقافة الإيرانية إقامة هذا المهرجان بشكل دولي، ابتداء من سنة 2008، وطرح اقتراح من قبل مكتب المهرجان بإنشاء اتحاد المسرح الديني في العالم الإسلامي، فقوبل بترحيب من مختلف المحافل الإيرانية، وحتى بعض أعضاء مجلس الشورى الإسلامـي.

كما أن الجامعات والمراكز الثقافية والفنية الإيرانية أدلت بدلوها في تطوير المسرح الديني، فشجعت في القيام بدراسات معمقة عن هذا النوع من المسرح، ونظمت ندوات دولية في الغرض، على غـرار ما نظمته مركـز الفنون المسرحـية في وزارة الثقافة الإيـرانية، بدعم من جامعة طهران ودار الفنانين الإيرانيين، في جانفي سنة 2007م بطهران، بعنوان “المسرح والديـن”. وكان من أهم مقالاته التي بلغت 120 مقالة: ” تجلي الدين في مسرح الشرق والغرب” لحسين فدايي، ” القابلية المسرحية لقصة يوسف في القرآن الكريم” لمحمد علي خبري، ” الرمزية والتمثيل في المسرح الديني” لحسن بياني، ” صلة بين مسرح الدمى والدين في إفريقيا الجنوبية” لبت بيسي، ” البحث عن الجذور الدينية للدمى” لشيوا مسعودي، ” المسرح الإسلامي في باكستان” لكلر بمنت من باكستان، ” بوطيقا المسرح الديني” لعلاء عبد الهادي من مصر، ” الأبعاد المعنوية والدينية للمسرح المعاصر الأوروبي” لكلاوس هوفمان، وغيرها.

هـذا، ورغم أن الثورة الإسلامية بطابعها الديني والثقافي، أحدثت تغيرا إيجابيا ملموسا في جميع شؤون المجتمع الإيراني، وكان ـ بالطبع ـ للمسرح الديني ـ الذي أولته الثورة الإسلامية العناية الفائقة ـ دور ريادي في هذا المجال، إلا أنه لا يزال العديد من العوائق، تبطئ حركة المسرح الديني أحيانا وتوقفه أحيانا أخرى، والعديد من الأسئلة العالقة، لا تزال تبحث عن أجوبة قصد التحديث والتطوير، من قبيل: الاستفسار عن ماهية تركيبة المسرح الديني؟ هل المسرح الديني يعالج حصرا أحداث صدر الإسلام وسيرة الأئمة والأولياء؟ ألا يمكن لأي موضوع إنساني أن يكون جوهرا للمسرح الديني؟ هل يجب عرض المسرح الديني في مناسبات دينية فقط؟ ما هي شروط حضور المسرح التقليدي مثل التعزية والاحتفالات الدينية والمسرحية في المسرح الديني؟ لماذا تبقى المسرحيات الدينية أحيانا في مستوى الشعارات فحسب؟ ولماذا لا تسعى منظمة التراث الثقافي الإيرانية إلى تسجيل ” التعزية” كفن إيراني في الدوائر الدولية، مثل منظمة اليونسكو؟ وغيرها من الأسئلة الوافرة، التي إذا أجيبت عنها أو عن بعضها، تفتح للمسرح الديني آفاقا جديدة، وبابا واسعا لمسايرة العصر الراهن، وكسب الرهانات.

المصدر
كتاب: ” تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم”، فاطمة برجكــاني، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ط1، 2008.

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *