تصحيح ألوان عمل تجريبي يستعيد ويقدم رؤاه … سامر محمد إسماعيل: أحاول أن أقدم مسرحاً راهناً وطازجاً بعيداً عن التفاصح واللغة الخشبية

ربما نحتاج إلى ريشة نظيفة وألوان جديدة لكي نغير ما حولنا من ألوانٍ زاهية وواهية لنقوم بتصحيحها وإعادتها إلى طبيعتها وهما اللونان الأسود والأبيض، لأن الأيام تثبت لنا مراراً أن تاريخ الكثير من الشخصيات هو أسود لا محالة، «تصحيح ألوان» هو العنوان الذي اختاره المخرج سامر محمد إسماعيل لعمله الذي أبصر النور على خشبة القباني، العمل الذي استغرق شهراً من التحضيرات احتوى على وجبة عالية من المتعة، فهو لم يكن مجرد مقابلة صحفية مع كاتب مهم حاصل على جائزة فحسب، إنما تتطور الأحداث تدريجياً لنرى أن العرض يحمل على كاهله قضية وطن بأكمله، وتألق العمل بأداء أبطاله المتميز وهما يوسف المقبل وميريانا معلولي وكان التعليق الصوتي ببصمة القدير أيمن زيدان.
«الجريمة تضرب باب القفص والخوف يصدح كالكروان»، هذه المقولة للكبير محمد الماغوط كانت بوصلة المخرج ليقدم مشهداً منسجماً وممتعاً وخصوصاً أن المخرج نفسه هو كاتب النص الأمر الذي أضفى انسيابية وتناغماً كبيراً في العمل.
 
أسلوب المسرح الطبيعي
 
تصحيح ألوان يروي قصة راهنة تتناول واقع بعض النخب التي انكفأت أو صمتت أو تم شراؤها، ويعود بنا إلى فترة الثمانينيات في سورية وصولاً إلى هذه اللحظة حيث أكد المخرج سامر محمد إسماعيل في تصريح له  أن: «العرض يقدم ما يشبه مراجعة لمرحلة بأكملها بعيداً عن «مكيجة»، أو محاولة تلميع وتجميل الواقع، بل إن العمل هو أقرب إلى أسلوب المسرح الطبيعي»، مضيفاً إنه «تم العمل على هذا العرض قرابة الشهر من بروفات متواصلة مع الأستاذ يوسف المقبل، والممثلة ميريانا معلولي، وقمت بكتابة النص أكثر من مرة والكتابة الأخيرة كانت هي النسخة المعدة للعرض».
وحول خصوصية العرض وما يميزه عن أعماله السابقة قال اسماعيل: «أحاول أن أقدم مسرحاً راهناً وطازجاً بعيداً عن التفاصح، وعن اللغة الخشبية، وبعيداً عن النبرة المتعالية، وكما هو معلوم أن معادلة المسرح هي «الآن وهنا، ونحن والآخر»، هذه المعادلة البسيطة قد تبدو معقدة وصعبة إذا لم يتم الركون إلى رؤية واضحة منذ كتابة النص، وأنا لا أكتب أدباً مسرحياً وإنما أحاول أن أكتب للخشبة مباشرة، وهذا ما يختزل وقتاً وبروفات على الخشبة، إلا ما يخص كتابة الممثل بمعنى ضبط تيار المشاعر الخاص بالممثل وهو أيضاً محاولة فهم الشخصية وإعادة رسمها على المسرح».
 
شخصية إشكالية
ومن جانبه رأى الممثل يوسف المقبل الذي جسد دور جابر ابراهيم وهو إنسان متسلق ويشبه الكثير من الشخصيات التي كانت موجودة في فترة من الفترات خصوصاً في زمن السبعينيات والثمانينيات، وقال: «جابر هو شخصية سلبية ومدانة حتى نموذجنا سليمة مدانة، ومن بقي من الجيل الجديد مايا فهذه النماذج السابقة أثرت فيه سلباً، وتسببت له بالصراع فهي لم تعد تعرف أين هي الحقيقة وفي النهاية وضعت في الحقيبة، وفي المسرح لا يوجد شيء ليس له دلالة والحقيبة هي السفر فهذا الجيل أصبح يشّرد ويغادر بشكل كبير»، مضيفاً إنه «إذا كانت كل نماذجنا سلبية فالإيجابية هي عند المتلقي، وبالنسبة لي هو الرسالة وإذا قلنا هذه الألوان التي كانت موجودة لهذه النخب وكان مغلوباً على أمرنا اختيارهم ألوان الوردي والأحمر والأخضر والأزرق، أما عرضنا الذي حمل عنوان (تصحيح الألوان)، فقصدنا به أن نعيد الألوان إلى طبيعتها وهو اللون الأسود»، واسم (تصحيح ألوان) ينسجم مع بنية الشخصية لأنها تنتمي إلى النخبة المثقفة والعرض موجه للناس التي فضحت هذه النخب».
وأفاد المقبل أن خياراته في المسرح أصعب من التلفزيون وقال: «إننا كفنانين نعمل في المسرح بشكل تبرع ولست أبالغ بذلك وأقصد عملياً نحن ندفع مالياً من جيوبنا وهذه رسالة أوجهها عبر منبركم لوزارة الثقافة لدعم هذا المكان ودعم المنتج الذي يتمثل في العرض المسرحي على حساب أساس المكاتب وتصليح السيارات وغيرها من الكماليات، لأن وزارة الثقافة منتجها الوحيد هو العرض المسرحي والفيلم السينمائي والأمسية الشعرية وغيرها، فليهتموا بهذا المنتج كما نحب نحن».
وأشار المقبل أنه أمام هذا التبرع لن يقبل بأي نص مسرحي ولا أي دور، إذا ما استهواه بشكل كبير حيث قال إن «شخصية جابر شخصية إشكالية وضعتني أمام تحدٍ حقيقي، وحقيقة أحببت النص وقبلته مع أنني رفضت هذه السنة ثلاثة نصوص بالقومي وذلك لأني اعتبر نفسي ممثلاً منتجاً، ولست ممثلاً منفذاً وإذا لم أضف من مخزوني الفكري والمعرفي والموهبة للمادة فلا أجسدها»، مشيراً إلى أنه «يرى هذا النص نص عالمي ومن الممكن ترجمته وتقديمه لأي بقعة من بقاع الأرض، ومن الواجب علينا تشجيع الكتاب المحليين ليكتبوا للمسرح، وأعتقد أن سعد اللـه ونوس ومحمود عدوان قبل وفاتهما بعشر سنوات لم يكتبا للمسرح لأن المسرح يحتاج لجهد أكثر من كتابة المسلسل بعشرات المرات، واعتبر أن المسرح لغة عالمية بحيث لا يوجد نص سوري ونص إنكليزي وكنا قد عملنا في بداية الأزمة «هاملت» لشكسبير وبأسلوبنا جعلناها تتناسب وتقترب من جمهور دمشق».
وأضاف المقبل إن «المسرح دائماً هو عبارة عن محاولات ولا يوجد منجز ابداعي كامل أياً يكن هذا المنجز، لوحة أو قطعة موسيقية لأنه إذا انتهى متنا وانتهينا كمبدعين، وكما يقال إن «الأفكار ملقاة على قارعة الطريق» ولهذا كان من المفترض أن نقدم وجبة عالية جداً من المتعة لكي نشد الجمهور لحضور هذا العمل».
 
النص يحتوي على المكاشفة
 
وبدورها اعتبرت ميريانا معلولي أن شخصية مايا هي شخصية مغرية لأي ممثلة لما فيها من تركيبة نفسية وجسدية حساسة نوعاً ما، وقالت معلولي إن «هذه الحالة شدتني كي اختبر نفسي، وبصراحة تعذبت قليلاً حتى استطعت تفكيك الشخصية واكتشاف خيوطها وأن اتماهى معها بلحظة من اللحظات، لأنني مررت بفترة رفضتها وفترة أحببتها ومرة أخرى كرهتها، وأيضاً بفترة عاشت معي»، مفيدة أن «حالة الفقدان التي عاشتها مايا في العمل أثرت فيها نفسياً وأظن أنها ساهمت بزيادة هذه الحالة الجسدية والمرضية التي تعيشها».
ورأت معلولي أن تركيبة النص بشكل عام تحتوي على المكاشفة وتعتمد على تكسير شخصيات حيث نرى قامات كبيرة تنكسر أمام أعيننا وقالت إن: «حالة الانتقام التي كانت بداخل مايا واختيارها لهذا اليوم لتتكلم وتكشف المستور جاء قبل أن يسافر ويختفي هذا الشخص، فهي خسرت كل شيء أباها وأمها وخسرت حياتها الطبيعية، لذلك قامت بجمع كل قواها وكانت على الأقل تريد استرداد المخطوط أو رواية والدها».
ويذكر أن مدة العرض 70 دقيقة وهو مستمر حتى 22 أيار الجاري ما عدا يوم الجمعة.
 
————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – الوطن 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *