بعد مشاركته فى الـJTC المخرج توفيق الجبالى: المسرح تجاوز مرحلة النص والممثل وأكثر ما يميز تونس عدم وجود أكاديميات/هند سلامة

له منظوره الفنى الخاص، يقدم كل ما هو جديد ومثير للدهشة والتساؤل، لا يعترف بأى قيود أو تقاليد أكاديمية تحكم الإبداع، فهو دائما ما يثور على المعتاد ويغير كل التقاليد، كذلك وجدنا المخرج المسرحى التونسى توفيق الجبالى الذى شارك ضمن فعاليات مهرجان أيام قرطاج المسرحية، فى دورته الثامنة عشرة بعرض «المجنون» وقدم فيه خلاصة تجربته وثورته على المسرح التقليدي، كما يحتفل الجبالى هذا العام بمرور30 سنة على إنشاء مسرح التياترو التابع له ولفرقته، وعن التياترو وحال المسرح التونسى والعربى قال الجبالى فى هذا الحوار:
■ لاحظنا فى عرض «المجنون» تركيزك على تقديم الفنون البصرية أكثر من أداء الممثل.
ـــ عادة انقلب على الأشياء أقدم شيئاً بشكل ثم انقلب ضده حتى أقدم شيئاً آخر مغاير للشكل السابق تماما وهكذا، فلا أستقر على شكل معين من الفنون لأننى أؤمن أننا فى عجالة لصياغة الأشياء وفن المسرح يتقدم سريعا، ومجتمعاتنا للأسف مازالت تقف فى مكانها راكدة من حيث بدأت، ودائما لدينا تصور كلاسيكى للمسرح كما عرفناه فى بدايات القرن الماضي، لكن فى النهاية كل الأساليب تتلاقى فى شيء واحد وإذا لم تكن هناك إثارة للمتعة لن تكون هناك لعبة حقيقية، وعلى سبيل المثال فى تونس ليس هناك واقع مالى أو فنى يحكم محيطنا الثقافى وليس لدينا مؤسسات تأخذ حريتنا فليس هناك من يمنعنا من تقديم ما نريد وبالتالى لدينا امتياز بهذا الأسلوب فى إدارة العملية الثقافية.
■ لماذا اخترت من أعمال جبران «المجنون» على وجه التحديد؟
ـــ هذا العمل قدمته سابقا منذ 10 سنوات، وهذه الإعادة تحمل أكثر من اقتباس ولا تقتصر على عمل جبران وحده، وعادة لدى نوعين فى توجهى بالمسرح إما أن يكون عملاً فكرياً لمن ولماذا وكيف؟، ونوع آخر من الكتابة ما بين السخرية والعبث مثل ما قدمته فى «كلام الليل» وهى سلسلة من المسرحيات حوالى 12 مسرحية ليست سياسية، ولكنها فى الفكر السياسى، كسرت بها كل القيم والتقاليد، ثم اقترحت أشكالاً أخرى فيها تعارض مع المستحب والمعتاد كان من بينهم جبران وكأنه دعوة للابتعاد عن المتوقع، يحمل مجالاً للتأمل فى الحياة والكون، ورؤية للدخول والتعمق بالذات، وتمت إعادة «المجنون» هذا العام احتفالا ب 30 سنة تياترو وسوف نعيد أيضا بعض الأعمال الناجحة مثل «أرقص مع القرد» وهو مثل شعبى تونسى يحكى عن الحياة الجنسية فى مجتمعنا لأن القرد هو الذى يتسبب فى مرض الإيد، و»عطيل» وكل عمل سيعرض لمدة ستة شهور.
■ هل استخدمت تقنية معينة فى مشهد الصعود ؟
ــ الموضوع ليس به أى تكونولوجيا خارقة بل هو مجرد استخدام مختلف للإضاءة والستارة السوداء الفيديو بروجيتكتور، تمنح رؤية ثلاثية الأبعاد، فالمخرج والممثل، مثل الساحر ليست لديه آلات بل هو مجرد تكنيك ودقة وأسلوب، وإذا لم يكن بالمسرح انبهار ودهشة فما هى الفائدة؟!
■ هل ترى أن مسألة التطوير فى المسرح مرتبطة بالمعمار؟
ــ الأزمة لا تتعلق بمسألة التكنولوجيا على الإطلاق بينما الأزمة الحقيقية تكمن فى فهمنا للمسرح، لأنه من البديهى أن تطور السينما والتليفزيون لابد وأن يساهم بشكل إيجابى فى إحداث ثورة بالمسرح، فلا يمكن أن يظل باقيا ضمن هذه الأجهزة الجماهيرية الكبيرة كما هو بلا تغيير، لابد أن يكون هناك نوع من التأمل والخبرة الشاعرية أكثر من الخبرة الاجتماعية، لأن هناك فنونا أخرى تمارس الدور الاجتماعى والتربوى لذلك يجب أن تكون للمسرح لغة تخاطب مختلفة وأصبح من البديهيات العزوف عن مناقشة المفاهيم الأكاديمية الفارغة لأن كل النظريات الأكاديمية انتهت، وليس هناك منطق لصنع ومناقشة المفاهيم البالية والعتيقة، لأن هذا لن يضيف جديداً ويجعلنا محلك سر، وما يميز المسرح التونسى أنه ليست به مدارس أو أكاديميون، فليس هناك كتاب كبار وأسماء مثيرة، لأن المسرح فى رأيى تجاوز وتخطى مرحلة النص والممثل الجيد أو السيئ، فالشاب المصرى للأسف عندما يحب تقديم عمل مسرحى مختلف لا يجرؤ على تجاوز حدود ما تعلمه فى المدرسة!!
■ هذا يعنى أن تونس خالية من معاهد المسرح تماما؟
ــ شكليا هناك معهد عال للمسرح بجانب وزارة الثقافة لكن ليس لدينا أكاديمية كبرى تخرج عباقرة، لأن المسرح فى تونس ميدانى كله ميدانى يعتمد على التكوين الذاتى والتجربة الشخصية، وكل مخرج لديه مقترح جمالى فنى أو فكرى هم مخرجون ميدانيون وليسوا أكاديميون، ينفذون ما تعلموه بالمدارس، لأنه فى رأيى من يعمل من خلال النظريات دائما ما تكون لديه نظرة سيئة بالمسرح، لكن التكوين الشخصى يمنح فرصة بديلة لتجاوز ما تعملوه فى المدرسة.
■ إذن لماذا تصرح دائما بأن تونس ليست دولة رائدة فى المسرح؟
ـــ لأننى ضد الشعور بالرضا وعشنا كشعب تونسى فترة كبيرة من الكذب على أنفسنا بفكرة الريادة سواء بالسينما أو المسرح، ففيما يخص السينما لدينا ثلاثة أو أربعة سينمائيين يعملون والباقى حطام والمسرح نفس الشيء هذه كذبة وعندما قلت ذلك سبونى فى تونس فلا اتصور أن تونس رائدة، لأن مجتمعنا سييء ويعانى مثل كل المجتمعات العربية.
■ ماذا عن فضاء مسرح التياترو التابع لتوفيق الجبالي؟
ــ هذا العام نحتفل بمرور 30 سنة على انشاء التياترو، قدمنا فيه مسرحاً خاصت دون مبالغ مالية كبيرة، وكنا عادة نتصرف بنوع من اللباقة مع المحيط السياسى، بالطبع أنتج اعمالى بنفسى واحيانا نستضيف العروض الناجحة والتى يحكمها خط واضح، اختار هذه العروض بعناية، وحتى لو كان العمل رابح تجاريا لا استقبله إذا كان رديئاً، فنحن لا نقدم عروضا بلا قيمة ونستقبل هنا فنانين لهم خط فنى واضح.
■ إذن أنت تعمل بمنطق مستقل؟
ـــ بالتأكيد وكل من لديه ممارسة مسرحية جيدة مثل رجاء بن عمار وفاضل الجعايبى كلهم عصاميون، وهذا المنطق فى العمل يقدم شكل أرحب فى الإبداع، لأن لعبة التكوين الشخصى هى التى ميزت الموهوبين من خريجى المعهد وأكملوا بأنفسهم من خلال تجاربهم الذاتية، وليس لدينا سوق للمسرح، لكن لدينا فرق قطاع خاص وعددها 150 فرقة مسرحية وهو أنشط من القطاع العام الذى يضم أربعة فرق فقط تابعة للدولة، لكن الخاص انشط فنيا وابتكاريا من القطاع العام.
■ هل ترفض تقديم مسرح كلاسيكى على خشبة التياترو؟
ــ ماذا تعنى كلمة كلاسيكي، وبأى معنى نقدمه، فلابد أن تكون هناك نظرة شخصية للعمل الكلاسيكي، لأنه ليس دورى إعادة تقديم واحياء مسرح كلاسيكى أهله أنفسهم ثاروا عليه، فلا يمكن ومن غير المقبول تسليط أشكال متحفية على المجتمع، لذلك أنا ضد تقديم الكلاسيكى كما هو، لأن تكوين الإنسان الفطرى تغير وما عاد يثير دهشته المسرح القديم، وأعتقد أن التمسك بهذا الشكل يعطل مسيرة وإبداع الشباب.
■ هل لديكم رقابة تعطل مسيرة المسرح فى تونس؟
ــ فى تونس وبلا فخر لدينا تفتح فى مسألة الرقابة، وكسبنا مناطق مهمة وكل يوم نكسب الجديد وأصبحت هناك أشياء نتعامل بشكل  أرحب من خلالها.
■ كيف ترى المسرح العربى بعد الثورات؟
ـــ لم أعد بإتصال مباشر مع الدول العربية حتى مصر، لكننى استطيع التحدث عن تونس على الأقل، وفى رأى أن الحرية لم تعد مضمونة بعد الثورة، بمعنى أن المسرح من قبل كان محميا، فلم يكن هناك ضغط، ولم يكن هناك مسرح جيد قمع من أجل حرية التعبير، بينما بعد الثورة المسرح السييء أصبح موجودا بكثرة والجيد أيضا موجود والقيمة الفنية تبقى هى المعيار،  وليس هناك أعمال فنية برزت كفن لكنها برزت كتعبير سياسي، فالأعمال العبقرية لا تطفو على السطح فجأة بين يوم وليلة، لابد من تراكم الوقت والخبرة، وبعد الثورة أصبح رد الفعل السياسى أهم من رد الفعل الفنى وما عاد الأسلوب مهم، وهناك تغير فى القيمة النوعية للمسرح لكن التجارب المفيدة موجودة نسبيا.
■ هل كان من السهل قراءة المشهد السياسى فى عمل فني؟
ــ سبق وأن قدمت ثلاث أعمال متعلقة بالثورة مثل «الخلوة»، «صفر فاصل» عن الإخوان، ثم «التابعة»، تدور هذه الأعمال حول فكرة ما بعد الثورة، لكن الأعمال التى تأتى بعد الثورات ليس نتيجة وعى فكرى بل تكون نتيجة حقد، نقمة، أو انفعال سياسي، فهناك عملية حدثت وسيأتى يوم تستقيم فيه الأمور.
■ لماذا لم تأت إلى مصر طوال هذه السنوات؟
ــ كنت أشارك بالمهرجان التجريبى أيام الدكتور فوزى فهمى وكان صديقا عزيزا، وسبق وأن شاركت بعروض، كان أول عرض بالدورة الأولى «مذكرات بين السور»، وحصل على جائزة وقتها، وكتب عنه الدكتور صبرى حافظ وعمل ضجة بالقاهرة، وقال وقتها وزير الثقافة فاروق حسنى اذهبوا وتعلموا مسرح عند فلان، وثار عليه الكثيرون، وكانت دورة رائعة، ثم شاركت فيما بعد بعروض «حظر النيابة»، «كلام الليل»، ثم «عطيل» وكان آخر عرض، ولم يوجه لى الدعوة مرة أخرى ومن وقتها لم أذهب إلى مصر، لكن هناك احتمال بالمشاركة ضمن فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح برئاسة المخرج الشاب مازن الغرباوى دعانى كى أقدم افتتاح المهرجان بدورته الجديدة.
■ كيف رأيت دورة مهرجان قرطاج هذا العام؟
ــ الحقيقة المهرجان كان ردىء لأن قيمته الفنية صفر فليس هناك عروض جيدة سوى أعمال محدودة للغاية، فإذا دخلت مسرح ولم اتعلم منه، فما القيمة التى يقدمها للأسف معظم الأعمال سيئة فلم تكن هناك أعمال أجنبية محترمة ولا حتى عربية، هكذا كان المهرجان فى دورتيه الحالية والسابقة.
■ لكن ألم يلفت نظرك هذا الكم من الإقبال الجماهيرى على حضور فعاليات المهرجان؟
ــ هذا جمهور زائف لأنه جمهور موسمى يأتى من أجل موسم المسرح فقط، وقد يحضر الجمهور فعاليات المهرجان بكثافة لأن المسرح أصبح فى متناوله ماديا بجانب أنه يحدث حالة من البهجة  ويخرجهم من جو الكآبة الذى تعيشه البلد، بينما إقبال الجماهير الحقيقى يقاس فى فترات بعيدة عن المهرجانات وهنا فى التياترو لدينا جمهورنا الخاص، جمهور مواظب ثابت من الشباب المتعلمين ومن لديهم طموح الفرجة والمتابعة.

المصدر/ روز اليوسف

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *