«بذور الشرّ» من الإمارات تحاكم التطرف فوق ركح معاص – ليلى بورقعة #قرطاج21

كيف يمكن أن يعيش في عالم متوّحش الطفل والمرأة والضعيف والآخر المختلف والحال أن شياطين في ثوب الإنسان تقف عند الباب بالمرصاد؟ في فلك هذا السؤال، الهاجس تدور مضامين ورسائل المسرحية الإماراتية «بذور الشرّ» بما هي ركح حائر وثائر وخشبة مغشاة بغيوم من القلق والوجع والخطر…

في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية في دورتها«بذور الشرّ» من الإمارات تحاكم التطرف فوق ركح معاصر 21، يقف العرض المسرحي الإماراتي «بذور الشرّ» على خط السباق من أجل الصعود إلى منصة التتويج بالتانيت الذهبي للمهرجان العريق. وقد كان جمهور «قاعة الفن الرابع» بالعاصمة التونسية على موعد مع هذه المسرحية التي أخرجها وكتب نصها مهند كريم من إنتاج «جمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح» ويجسد أدوار البطولة فيها أحمد أبو عرادة ـ نبيل المازني ـ سما بيادر …

«جينات» العنف تحوّل الإنسان إلى وحش
قد يصنع الإنسان المعجزات أو يرتكب الحماقات، وقد ينقذ هذا الإنسان الحياة كما قد يقتل الأرواح، وقد ينشر السلام كما قد يشن الحروب…. هو ذلك الكائن المعقد الذي حيّر الفلاسفة منذ قدم التاريخ فوصفه «هوبز» بـالبشع والهمجي، وقال عنه «فرويد» إنه يولد كالصفحة البيضاء لا هو خيّر ولا شرير، في حين ذهب «أرسطو» إلى أن أخلاق الخير تكتسب بالتعلم… في فلك هذه الجدلية تدور مشاهد مسرحية «بذور الشر» التي نبشت في تركيبة شخصياتها سواء كانت مذنبة أو ضحية عن جينات الشر الكامنة في أعماقها والتي يمكن أن تنمو في كل لحظة لتتحوّل إلى وحش يأتي على الأخضر واليابس!
على ركح مسرحية «بذور الشر» تصعد شخصية شاب يشكو اضطرابا نفسيا ويبدو عدوانيا مقابل شخصيات أخرى تبدو سوية ومسالمة ولكنها في حقيقة الأمر تعاني من عقد نفسية متفاوتة الحدّة بسبب التنشئة الاجتماعية المغلوطة وغير الصائبة.
وأمام سطوة الشر، حتّى سلطان الحب يفشل في وأد بذور العنف في النفس المضطربة، فإذا بالمرأة ضحية عقد الرجل وشمّاعة ذنوبه وهفواته… بل وهدف رصاصه المجنون الذي يخرس فيها صوت الحياة ويصادر حقها في الوجود. هي «بذور الشر» التي تحرّض على العنف والتطرف، فتمارس الإرهاب الفكري والجسدي على الآخر المختلف في الجنس واللون والدين والعرق…

ركح دائري تتوّلد في مداره الأسئلة الحائرة
كان اللقاء الأوّل مع مسرحية «بذور الشر» من الإمارات ممزوجا بالدهشة الجميلة أمام ركح ليس بالخشبة المعتادة بل اتخذ شكل دائرة تستدعي من الجمهور التخلي عن مقاعد الفرجة العادية والجلوس في شكل حلقة تطوّق المسرح الدائري. ولعلّ المخرج مهند كريم أراد أن يكون وفيّا لمدرسة «المسرح التحريضي» كما ابتدعها الألماني بريخت، وذلك من خلال أسلوب كسر الجدار الرابع بين الممثلين والجمهور ودمج المتفرج في اللعبة المسرحية حد التماهي والتوّرط في المدار والمجاز.
على ركح مسرحية «بذور الشرّ» يعلو صخب الموسيقى ويرتفع ضجر الحوار وتتوتر الإضاءة فتتسارع المضامين وتحتد الأسئلة على إيقاع الحيرة.
عن الإنسان في كل مكان وزمان، عن الواقع والافتراض، عن الخير والشر تتحدث المسرحية الإماراتية في طرق لأبواب الصراع الأزلي والأبدي بين السلم والحرب، الحب والكره، الأمان والخوف…
ما بين نص كلاسيكي اللغة وسينوغرافيا معاصرة، يتأرجح عرض «بذور الشرّ» في مناخات شكسبيرية تارة وأخرى حديثة تارة أخرى. وقد اشتغل المخرج بكثافة على لغة الجسد بأن جعل الشخصيات تجيد براعة التعبير عن الحالات النفسية الدقيقة عبر الملامح والحركات والنظرات… مما أضفى على الأداء صدقا وإقناعا.
بعد أن يسدل ستار النهاية على مشاهد «بذور الشرّ»، يرحل الممثلون وينفض الجمهور ولكن تبقى الأسئلة المعلقة مؤرقة وحارقة وقادحة للتفكير والسؤال… فأن يطرح علينا المسرح التساؤلات ويترك لنا الإجابات هو كنه الفن الرابع وسرّ خلود أب الفنون منذ عصر الكهوف وبدائية الحياة وبداية الأبجدية.

ليـلى بورقعة – تونس

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش