الممثل والمهرج والمقهور: مسرح الشارع في مصر

مدرسة ناس للمسرح تعد مبادرة لخلق تيار مسرحي يتفاعل مع القضايا المصرية ويقدّم عروضه حيث يتواجد الناس في الشارع والميادين والمساحات العامة.

مدرسة التمثيل “ناس” هي أحد المبادرات المستقلة الخلاقة التي تهدف إلى الخروج بفنون التمثيل والحكي إلى الشارع، وهو مشروع طموح يتبناه مركز الجزويت الثقافي في القاهرة بهدف خلق تيار مسرحي يتفاعل مع الناس على نحو مباشر، في الشارع والميادين والمساحات العامة في القرى والمدن. يتم تدريب العارضين والعارضات خلال فترة الدراسة على مختلف فنون الأداء ومدارس المسرح التي تعمل على تجاوز المسافة بين المسرح والمجتمع، وفي سبيل ذلك تم تنظيم ما يزيد عن العشرين عرضاً في أماكن مفتوحة داخل العاصمة المصرية والمدن الأخرى مع التركيز على التجمعات السكانية الفقيرة والمهمّشة.

فتحت المدرسة أبوابها في العام 2015، وخلال مدة الدراسة التي امتدت إلى أكثر من عام تلقى المشاركون مجموعة متنوعة من المواد والتدريبات المرتبطة بالتمثيل، فقد شمل منهج الدراسة تدريباً مكثفاً على الرقص الحديث والموسيقى والسيرك والحكي والحكي الجسدي (مايم) وخلق الشخصيات والكوميديا، وشارك في تدريس هذه المناهج فريق عمل من المصريين والأجانب.

عرض الكائن

احتفالاً بتخريج أول دفعة من طلبة المدرسة نظم أخيراً حفل ختامي في حديقة الأزهر شرق القاهرة لتوزيع شهادات التخرج على الطلبة. تخلل الحفل عرض تمثيلي تحت عنوان “الكائن”، وهو عرض يمزج بين الرقص والتمثيل الحر والإيمائي. وكان لافتاً ذلك الحضور من قبل جمهور الحديقة واستمتاعهم بالعروض. لم تقتصر المشاركة على الطلبة المصريين فقط بل ضمت مشاركين من السودان والسويد وجنسيات أخرى.

شاركت في هذه العروض مجموعة من الوجوه الشابة التي أثبتت براعتها التمثيلية من خلال ذلك الأداء اللافت رغم فقر التجهيزات، إذ نجحت مجموعة الممثلين في جذب انتباه الجمهور منذ الدقيقة الأولى للعرض وحتى الختام عن طريق كسر الأشكال التقليدية للعروض المسرحية، وتحويلها إلى نوع أقرب إلى الفرجة الشعبية عبر مجموعة من الاسكتشات المسرحية التي لا تزيد مدة أدائها عن عشر دقائق، مستخدمين كل ما أتيح لهم من خيال وحركة وإيهام وصوت وكوميديا وارتجال وتفاعل مع جمهور المتفرجين، إلى جانب الاشتباك المباشر مع الأحداث الراهنة.
وعن فلسفة الدراسة في مدرسة التمثيل يقول الفنان المسرحي مصطفى وافي مدير مدرسة “ناس”، “مدرسة ناس للمسرح هي مبادرة لخلق تيار مسرحي يتفاعل مع القضايا المصرية ويقدّم عروضه حيث يتواجد الناس في الشارع والميادين والمساحات العامة في القرى والمدن والمدارس والجامعات، وهي مساحة لتدريب العارضين والعارضات على مختلف فنون الأداء ومدارس المسرح التي تعمل على تجاوز المسافة بين المسرح والمجتمع.

ويضيف أيضاً “تنطلق جمعية النهضة من دور الفن في تنمية الإنسان على كافة الأصعدة. وتربط الجمعية بين الإبداع وإظهار الطاقات الكامنة في الإنسان. نحن نعمل مع الأطفال والشباب كي يكون لهم عقل مستنير وقلب محبّ ونحثهم على الإبداع والابتكار والنظرة غير التقليدية وتغيير الواقع إلى الأفضل”.

مسرح المقهورين

تتبع مدرسة التمثيل التابعة لمركز الجيزويت منهجية للعمل تمتد على مدار 11 شهرا للدراسة والتدريب على كافة فنون الأداء التمثيلي، تتبعها ثلاثة أشهر مخصصة لمشروع التخرج. وتهدف التدريبات وورش العمل إلى تطوير مهارات المتدربين الجسدية والتقنية في الممارسات المسرحية المختلفة من خلال ورش متخصّصة، وتنتهي كل ورشة بعرض تطبيقي للمهارات المكتسبة.

تتوزع هذه الورش على قسمين، يتعلق الأول بالفنون الأدائية، وهي ورشة “مسرح الشيء”، وتهدف إلى إعطاء حياة للأشياء وخلق وضعية الكوميديا. في حين أن ورشة مسرح المقهورين هي عبارة قالب مسرحي يحاول فهم القضايا الاجتماعية من أجل خلق حلول بديلة للمشكلات وأيضاً تحويل المتفرجين من عنصر متلقّ إلى لاعب رئيسي في العرض المسرحي.
أما ورشة الارتجال فهي تهدف إلى بناء شخصية الممثل الفنية وبناء ذاته فوق خشبة المسرح وإثارة المتلقي ذهنياً واستفزازه وجدانياً وجذبه للمشاركة في بناء الفرجة المسرحية. وورشة مسرح المهرّج، فيتم من خلالها تطوير مهارات الممثل في كسر القوالب والقواعد الاجتماعية، والعمل على أكثر القضايا تعقيداً بشكل هزلي ويشارك الجمهور في أشكاله البسيطة ويطرح العديد من الأسئلة التي تهم الإنسان أيّا كان وضعه الاجتماعي. ثم تختتم الدراسة بمشروع التخرج، ويعمل الطلاّب خلاله في مناطق محلية بنفس منهجية ورؤية المدرسة لتدريب وإنتاج عرض لمشروع التخرج.
يتعلق الجزء الآخر من البرنامج الدراسي بمجموعة واسعة ومكثفة من ورش المهارات الأساسية التي يخوضها الدارس، ومنها ورشة الرقص، وهي تهدف إلى مساعدة الممثلين على خلق مساحات تعبيرية واسعة من الأداء الحركي ولتعميق العلاقة ما بين الجسد والعقل. وورشة ارتجالات حركية، وهى مجموعة من التدريبات تسعى إلى إكساب الممثل وعيا بالحركة وبنفسه وإعطائه فرصة لبناء معرفته بجسده من خلال دراسة تجريبية وتحليل الحركة.

وورشة الصوت التي تهدف إلى تطوير المهارات الصوتية للممثل، والتعبير عن المشاعر المتباينة ومخارج الألفاظ، وكذلك السيطرة على قوة واتجاه الصوت. ثم ورشة إعداد الممثل، وهي عن مدلولات الجسد من حركة وثبات وطاقة وحضور تدريبات حركية لجسد الممثل والتعرف على تفاصيله وكيفية التحكم في هذه التفاصيل.

وورشة دراماتورجيا النص، من أجل فهم روح النص وتشكيله والتعرف على نماذج متنوعة لكتابة النص المسرحي. ثم ورشة تاريخ المسرح، من أجل إلقاء الضوء على مدارس مسرحية متنوعة وعلاقتها بالظروف الاجتماعية التي نشأت من خلالها هذه المدارس.

————————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – ياسر سلطان – العرب 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *