“الملتقى العربي لفنون العرائس” القراءة التركيبية والخلاصة للندوات الفكرية بالدورة الثالثة بقلم د.عمرو دوارة

“الملتقى العربي لفنون العرائس”
القراءة التركيبية والخلاصة
للندوات الفكرية بالدورة الثالثة
بقلم
د.عمرو دوارة
(القاهرة – أكتوبر/ 2015)
تقديم:
– بداية أرى ضرورة توجيه التحية والتقدير إلى اللجنة المنظمة بالهيئة العربية للمسرح على اهتمامها الكبير بفن العرائس والفنون المجاورة، وحرصها على استمرارها وتطويرها، وكذلك على حرصها على تنظيم هذا الملتقى بصفة منتظمة كل عام، وعلى اختيارها لمصر – بإنجازها الكبير في هذا المجال – لتحتضن دورته الثالثة.
ويطيب لي قبل التطرق إلى الأبحاث المقدمة خلال هذه الدورة التأكيد أولا على أهدافه السامية والتي تم إجمالها في أن هذه الدورة تسعى بصفة عامة إلى وضع الفنون الشعبية العربية والمرتبطة بفنون العرائس والفرجة الشعبية على طاولة البحث، مع دراسة إمكانية تفعيلها وإعادة إنتاجها لتصبح وسيلة فنية تساهم في التنمية والتنوير، وبالتالي يمكن صياغة أهدافه تفصيليا في النقاط التالية:
1- تفعيل دور فنون الدمى في الفضاءات المفتوحة0
2- التفاعل الإيجابي مع واقع هذه الفنون في المجتمعات العربية.
3- العمل على إبراز الثراء الفني والتعبيري لتلك الفنون واستعادة مكانتها في المشهد الثقافي.
4- المساهمة في حماية الفنون الآيلة للاندثار.
5- العمل على توثيق هذه الفنون في البلاد العربية.
– وقد تضمن الملتقى في دورته الثالثة ستة أبحاث لأساتذة أفاضل – تم اختيارهم بكل دقة وعناية – فلكل منهم تجربته الثرية في هذا المجال على كل من المستويين التنظيري والعملي، وكانت تفاصيلها كما يلي: بحثين من “مصر”، وبحث من كل من الدول الشقيقية فلسطين، سوريا، الجزائر، المغرب.
وأدعو الله أن يوفقني في تقديم تلك القراءة التحليلية التركيبية، والتي سأتناول من خلالها – وبرؤية نقدية – أهم السمات المشتركة فيما بينها، وأهم النتائج التي توصل إليها كل بحث، ومدى توافقه مع الهدف المحدد له طبقا لخطة البحث، وكذلك مدى توافقه بصفة عامة مع أهداف المؤتمر، مع بيان مدى قدرة ومهارة مقدمه في تناوله للموضوع الذي اختاره بأسلوب علمي، معتمدا على مجموعة من المراجع القيمة بالإضافة إلى توظيفه لبعض خبراته العملية أيضا.
هذا وأفضل أن أشير في البداية إلى ملاحظة هامة وهي: كثرة الأخطاء المطبعية واللغوية بنسبة كبيرة من الأبحاث المشاركة، مما يتطلب ضرورة المراجعة الدقيقة قبل طباعتها وتداولها.
وفيما يلي عرض وتحليل سريع لمجموعة الأبحاث المقدمة مرتبة طبقا لترتيب بجدول المؤتمر:
1- البدايات المجهولة لمسرح العرائس في مصر – د. سيد علي (مصر).
2- تاريخ فنون العرائس في المغرب العربي .. المغرب نموذجا – د. رشيد أمحجور(المغرب).
3- تحديد المصطلحات والمفاهيم لفنون العرائس والدمى وخيال الظل وما جاورها – د.كمال الدين حسين (مصر).
4- تحديد المصطلحات والمفاهيم لفنون العرائس والدمى وخيال الظل وما جاورها – أ/ عدنان سلوم (سوريا).
5- تحرر الدمى من فضاء الواقع – أ/ راضي شحادة (فلسطين).
6- العلاقة السوسيولوجية لفن العرائس بين الباث والمبثوث – أ/ محمد بويش (الجزائر).
وكان من المفترض أن يشارك الرائد والمبدع الكبير/ د. ناجي شاكر (مصر) ببحث بعنوان “التصميم الفني والتقني في عالم العرائس .. الشكل، الحركة، الفضاء” – ولكن لظروف خاصة اضطر للإعتذار عن المشاركة ببحث، وأن كان قد حرص على المشاركة، وبالفعل شرف الملتقى بحضوره وشارك في ندوة عن بدايات فرقة مسرح العرائس ومساهماته الإبداعية بها.

1- البدايات المجهولة لمسرح العرائس في مصر
كعادته دائما استطاع الباحث المسرحي الدؤوب/ د. سيد علي إسماعيل إضافة الجديد بكشفه عن بعض الوقائع والفعاليات الهامة بحياتنا المسرحية، وذلك باستمرار بحثه وتنقيبه في الحفريات المسرحية منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث تناول في بحثه أربعة زيارات لفرق أجنبية تخصصت في تقديم عروض “مسرح العرائس” لتقديم عروضها في “مصر” وهي:
– فرقة “المستر هولدن” الأميريكية التي زارت “مصر” عام 1890، وقدمت عروضا للعرائس الخشبية في القاهرة بدار الأوبرا الخديوية، وكان هذا اللون من الفن المسرحي جديدا وغير مألوف في مصر.
– فرقة “أخوان براندي” التي جاءت إلى القاهرةعام 1897، وقدمت فقرات فنية على مسرح حديقة الأزبكية.
– فرقة “الجوق السيموغرافي” التي زارت مصر كثالث فرقة عرائسية في عام 1900، وقدمت أعمالها في تياترو “السكاتنج رنج” بالأزبكية، وهذه الفرقة كانت تقدم مناظر “سينيموتوجرافية” – أي مناظر سينمائية – وفقرات الفنطوط أو الفنطوش (أي المساخيط الخشبية، وربما كان هذا الاسم أو المصطلح يعني العرائس الخشبية أو فن التمثيل بالعرائس ومشتقا من اللغة الإيطالية كما أفاد الباحث.
– فرقة “الجران جينيول” الفرنسية وهي فرقة عرائسية زارت مصر عام 1929، وقدمت عروضها على مسرح الكورسال.
والحقيقة أن هذا البحث هو بحث أكاديمي هام تم توثيقه بعدد من المراجع النادرة، كما يحسب للباحث أمانته العلمية وإقراره بأن هذا البحث هو مجرد بداية لمزيد من الأبحاث في هذا المجال، ولكن في هذا الصدد لابد أن أسجل أن هذه العروض الأربعة لا يمكن إدراجها تحت عنوان “البدايات المجهولة لمسرح العرائس في مصر” وهو العنوان الثاني الذي اختاره الباحث بعدما عدل عنوانه الأول ” مسرح العرائس في مصر .. النشأة والبدايات”، وذلك لأن العنوان الجديد أيضا عنوان غير دال، وأقترح أن يكون عنوان البحث: “الزيارات الأولى لفرق العرائس لمصر”، خاصة وأن الوثائق المذكورة سجلت تقديم هذه العروض للنخبة والخديوي فقط، ولم توضح تقديمها للعامة، وبالتالي تصبح في مثل هذه الحالة كتلك العروض الفرنسية التي قدمت أثناء الحملة الفرنسية للجاليات الأجنبية، والتي لا نستطيع بأي حال من الأحوال اعتبارها بدايات للمسرح المصري.
فبدايات المسرح المصري يقصد بها بالطبع الانتاج المصري الذي يحقق تفاعله مع الجمهور ويكون له تأثيره في المشهد الثقافي والفني بصفة عامة. والملاحظة الأخرى التي أرجو مراعاتها هي حذف عبارة: أن فرقة “الجران جينيول” التي زارت مصر عام 1929 كانت آخر فرقة للعرئس قد زارت مصر استطعنا اكتشافها، حيث تعددت بالطبع زيارات الفرق بعد ذلك كثيرا ولدى الباحث الدؤوب بالتأكيد كثير من المعلومات عنها، وبالتالي أقترح تصويب العبارة بالتخصيص (بالنسبة للفرق المذكورة بهذا البحث).

2- تاريخ فنون العرائس في المغرب العربي:
وفق الباحث المغربي/ د. رشيد أمحجور حينما كشف في البداية عن تردده في اختيار عنوان بحثه بين: “تاريخ فنون العرائس في المغرب العربي .. المغرب نموذجا” لندرة المراجع في هذا المجال، وبين “تاريخ فنون العرائس في المغرب العربي” وهو المقترح الأول للعنوان، وذلك عندما توصل أثناء البحث إلى أن الوضع في المغرب العربي متشابه إلى حد ما، ولا يختلف إلا بتفاوت بسيط لتبقى “تونس” النموذج والمثال الأفضل.
كذلك وفق حينما سجل في البداية ملاحظة هامة عن فن العرائس والمبدعين في هذا المجال حينما أوضح: (أن لمسرح العرائس مكونات خاصة به يجدها الممارس كما يجدها المتلقي اليقظ في ممارساته الابداعية الأساسية، وهي تتكون مما يلي:
– الكتابة الدرامية، الحكاية، صناعة الدمية المنحوتة المتحركة، صناعة اللباس، تشكيله وتلوينه، سينوغرافية لتشكيل وتأثيث الفضاء، صناعة الأكسسوارات، خلق الدمية كممثل (ة) منحوت (ة) متحرك (ة)، صوت الممثل أو الممثلة، آداء مشترك للدمية كمنحوت (ة) متحرك(ة) وللممثل (ة)، ما يأتي في العرض من مؤثرات صوتية وضوئية، إضافة الى ما يمكن توظيفه من وسائط وتكنولوجية حديثة، واقتراحات فرجوية كالموسيقى، الغناء والرقص)، وقد استعرض بالتفصيل تلك المفردات الفنية الأساسية ليصل في النهاية إلى حقيقة هامة وهي: أن أغلبية الممارسين لفن مسرح العرائس قد يتمتعون في أحسن الأحوال بمعرفة وكفاءة تقنية لممارسة هذا الفن كصناع تقليديين وحرفيين، ولكنهم للأسف لا يتمتعون بتكوين عام في المجال المسرحي، بما فيه قراءة و تحليل النصوص، تكوين الممثل، الأساليب والسينوغرافية، وغيرها من المعارف والتقنيات التي تضيف لممارس مسرح العرائس الشئ الكثير على المستوى الابداعي بالخصوص، ومما يجعل منهم ومن أعمالهم ابداعات حية، متجددة وعميقة.
وقد تناول الباحث موضوع مسرح العرائس في المغرب العربي بتناول تجربة كل قطر على حدة، وذلك نظرا لعدم امكانية اعتبار تجربة أي بلد من بلدان المغرب العربي مثالا بالنسبة لغيره، خاصة وأن كان هناك من بينها من حقق ما لم يحققه غيره، وبالتالي يصعب مقارنة وضعية هذا القطاع بين ماهو عليه مثلا في موريتانيا أو ليبيا بما عليه الوضع في تونس، وجدير بالذكر أنه قد انطلق في بحثه من خلال التوزيع الجغرافي، حيث بدأ من موريتانيا مرورا بالمغرب فالجزائر ثم تونس وصولا الى ليبيا.
– دولة موريتانيا: عرفت تقاليد فنية مهمة من فرجات الرقص والايقاعات الموسيقية، جعلتها تهتم بها أكثر من الفنون الدخيلة كالمسرح، الذي انطلق فيها في بعديه الهاوي والاحترافي في الثمانينات والتسعينات بدعم من التلفزيون الوطني في بعض المدن الهامة، وسيعرف المسرح الموريتاني تطورا ملموسا مع انطلاق المهرجان الوطني للمسرح المدرسي سنة 2011 بدعم من الهيئة العربية للمسرح، الذي يعتبر أهم انجاز مسرحي في البلاد الى اليوم.
– المملكة المغربية: تأسست أول فرقة وأول مدرسة للتمثيل تابعة لوزارة الشبيبة والرياضة سنة 1959، لتشارك بعروضها في جولات في شمال وجنوب المغرب مساهمة بعد نجاحها في حملات التوعية التي كانت تنظمها بعض الوزارات كالصحة وغيرها، وبعد سنتين من التكوين، الممارسة والابداع للمجموعة المكونة لهذه الفرقة، بدأت المدرسة تنظم حلقات تدريبية متواصلة لفائدة الشباب الراغب والمهتم في مختلف أقاليم البلاد، الا أن هذه المجهودات سرعان ماضاعت للأسف لانعدام سياسة واضحة تعمل على ترسيخ هذه الممارسة وتطويرها.
وظهرت بعد ذلك بعض الفرق الهاوية التي تكونت على يد ممارسي الشبيبة والرياضة في معظم المدن المغربية ومن بينها “الدار البيضاء” التي ظهرت بها فرقة “صندوق الفراجة” لعزيز الفاضلي، وفي سنة 1978 تكونت فرقة “مسرح العرائس” التابعة لوزارة الثقافة بمجهود يحتسب للمرحوم/ محمد الجباري ، ونجحت الفرقة في تقديم عدة عروض والقيام بنشاط مكثفا في مختلف جهات البلاد، إلى أن رحل مؤسسها فتدهورت أحوالها إلى أن توقفت.
ومع ظهور المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط سنة 1987 ستعرف شعبة السينوغرافيا بعض المحاولات التكوينية والابداعية من حين لآخر، الا أن النشاط المتميز الذي ستفرزه هذه المؤسسة في هذا المجال هو فرقة الفانوس لادريس السنوسي، الذي عمل على تنويع وتكثيف ممارسته، إلا أن فرقته الاحترافية واجهت التعثر من حين لآخر، نظرا لغياب دعم الدولة.
الى جانب ذلك ستحاول وزارة الثقافة احداث مهرجانا لمسرح العرائس في مدينة الرباط في منتصف التسعينات سرعان ما سيعرف موته لغياب رؤية واضحة، وبموازاة معه أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المهرجان الوطني لمسرح العرائس في الدار البيضاء والذي بدوره لم يعمر طويلا نظرا للسياسات الارتجالية، وذلك بالاضافة الى بعض المحاولات التي قامت بها كل من القناتين التلفزتين الأولى والثانية، اللتين رغم امكانياتهما المادية الطائلة لم يستطيعا المساهمة في تأسيس قطاع مستمر.
وقد تبين لنا من خلال التجربة المغربية أن المغرب لم يقم بمجهود يذكر لترسيخ تقاليد مسرح عرائس مغربي، رغم الفرص التي تمت بمبادرات بعض المولعين بهذا الفن.
– الجمهورية الجزائرية: نشأ مسرح العرائس في المرحلة الاستعمارية، وانخرط في نشر الوعي الوطني في الأسواق والأماكن العامة، لكنه حوصر من طرف السلطة الاستعمارية لمدة دامت أكثر من خمسة عشرة سنة. ويذكر انه في عام 1963 ومع احداث المسرح الوطني الجزائري ظهر اهتمام أيضا بمسرح العرائس، حيث بدأت وراش التكوين وانتاج بعض العروض، كما شهد عام 1968 في المسرح الوطني للغرب الجزائري تنظيم ورشة لمسرح العرائس، وتذكر بعض الوثائق المتناثرة أن مهرجانا انطلق في العاصمة الجزائرية شاركت فيه بعض الفرق من بينها “أصدقاء العرائس” التي تأسست عام 1964 من طرف الإذاعة والتلفزيون الجزائري وفرقة الشبيبة والرياضة التي تأسست عام 1970.
وفي عام 2007 تم تنظيم “المهرجان الوطني لمسرح العرائس” الذي أصبح يستقبل الفرق من جميع المدن الجزائرية للتباري في كل دورة على عدة جوائز.
يتضح لنا من خلال هذه المعلومات المبعثرة أن مسرح العرائس الجزائري يعاني كنظيريه المغربي والموريتاني من نقص كبير في جميع الجوانب، وأن ممارسة هذا الفن تقتصر فقط على الهواة والفنانين الذين يفتقرون الى الخبرة، وهو مازال يعاني من عدم اهتمام الدولة.
– الجمهورية التونسية: تعد أفضل نموذج بدول المغرب العربي، حيث تأسست بها ممارسات ومؤسسات لم تتحقق بباقي دول المغرب العربي إلى الآن، ففيه انطلقت منذ الستينات أنشطة الفرق والمهرجانات تدعمها وتشرف على رعايتها الدولة مباشرة ، ولتنبثق عنها في يناير 1967 منظمة “مسرح الأطفال والدمى المتحركة” التي بدأت تبرمج عروضها في القاعات والمسارح الصيفية، وفي نفس السنة قامت وزارة الثقافة بإرسال ثلاثة فنانين للدراسة والتخصص في مسرح العرائس بأكاديمية براغ بتشيكوسلوفكيا لمدة أربع سنوات، كذلك تم تأسيس فرقة “مسرح العرائس” فعليا في مطلع سنة 1977. وفي سنة 1984 قامت وزارة الثقافة بتدعيم المهرجان المتنقل لمسرح الدمى المتحركة، كما تم اصدار قوانين واحداث مؤسسات وفرق بالقطاعين العام والخاص بالنسبة لممارسة الفن الدرامي بتونس، ليتبع كل ذلك بقرار احداث المركز الوطني لفن العرائس بتونس في 27 مارس من سنة 1993، كما تم أيضا تتويج هذه الجهود ببرنامج أجازة تطبيقية في فنون العرائس بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس، والذي يسعى إلى تكوين أطر عليا في فنون مسرح العرائس.
– الجمهورية الليبية: عرفت حركة مسرحية في وقت مضى خاصة فيما بين مدينتي طرابلس وبنغازي، كان فيها حظ مسرح العرائس في الحقيقة ضعيف جدا، فالممارسين الليبيين لازالوا يحلمون – و للأسف – بتنمية القطاع المسرحي عموما بما فيه “مسرح العرائس” ويطالبون بذلك في ظروف جد صعبة وفي تعتيم اعلامي عن الحياة المدنية في ليبيا في ماضيها القريب أو اليوم، فلا وجود لخبر على الاطلاق لمبادرات مسرح العرائس في ليبيا إطلاقا، ولا وجود لمؤسسات لها علاقة مع فنون العرائس.
ويتضح من خلال هذا البحث أن المسرح عموما ومسرح العرائس بشكل خاص في المغرب العربي في حاجة الى نهضة جديدة ، يراعي الأصيل في ثقافته مع انفتاح على ما يحيط به في هذا العالم.
وقد اختتم الباحث بحثه القيم بتقديم بعض الاقتراحات، والتي أرى ضرورة أخذها بعين الاعتبار ودراستها بعناية، ومن بينها بعض الاقتراحات والتوصيات التي قمت بتقديمها في نهاية تلك القراءة التركيبية، هذا ويحسب للباحث تسجيله بقائمة المراجع لعناوين ثلاثة مراجع هامة تناولت مسارح العرائس في كل من المغرب والجزائر وتونس، كما أرفق بعض العناوين الهامة سواء للاتحاد العالمي لمسرح الدمى أو لبعض المتاحف العالمية الخاصة بمسارح العرائس.
3- فنون مسرح العرائس …أم الدمى ؟:
قدم ا.د/ كمال الدين حسين بحثه الوافي تحت هذا العنوان في محاولة لتقديم كافة المعلومات عن “فن العرائس” بدءا من التعريف وضبط بعض المفاهيم والمصطلحات، ومرورا بأنواع العرائس المختلفة وكيفية صنعها، ونهاية بكيفية توظيف “فنون العرائس” في العلاج سواء لكبار السن أو أصحاب القدرات الخاصة.
تناول الباحث في دراسته كثير من النقاط كما تطرق لكثير من القضايا التي يمكن إجمالها فيما يلي:
– ضبط بعض المفاهيم والمصطلحات ولعل من أهمها إيضاح الفرق بين العروسة والدمى، حيث أكد أن “الدمى” شكل ثابت غير متحرك، حتى وإن تحركت فيه أجزاء بقصد الإبهار، في حين أن “العروسة” تتحرك وتتحدث عن طريق لاعب مدرب يتحكم في حركتها بوسائط تحريك خاصة بكل نوع منها.
– بيان الأنواع المختلفة للعرائس المسرحية Puppets)): ومن بينها الماريونت ( الخيوط Threads)، وعرائس اليد Hand puppets)) وأشهر مثال لها القفاز أو الجوانتي (Glove puppets) وكذلك الأراجوز المصري، والقضيب (Rode puppets)، وعرائس خيال الظل(Shadow puppets) ، والتي ينسب إليها فن العرائس Puppetry.
– بيان تكوين العروسة: والتي يمكن باختصار القول بأنها تتكون من ثلاثة أجزاء بشكل عام (وهي: الرأس، الجسم، وسيلة التحريك التي تتحرك بجزء من أو كل جسد اللاعب، وذلك من خلال قضبان، خيوط أو أسلاك، منفردة أو مركبة من أكثر من عنصر منها).
– تصنيف أنواع العرائس الشائعة الاستخدام في المؤسسات التعليمية والتربوية اليوم، وتصنيفها حسب أسلوب التحكم بها إلى ثماني أنواع، وهي الأكثر شيوعا – وإن كان النوع الثامن لا يستخدم عادة – والأنواع الثمانية هي:- عرائس الخيوط، عرائس القضيب، عرائس العصا، عرائس الخيال، عرائس اليد، عرائس الأصابع، عرائس الأشخاص (الأقنعة)، العرائس غير المرئية.
– إيضاح كيفية تصنيع بعض العرائس خلال مراحل التعليم المختلفة، هذا مع تسجيل ملاحظة هامة وهي أن الهدف من صنع العرائس هو الذي يحدد كيفية صنعها. هذا مع الوضع في الاعتبار تفضيل أن تكون العرائس مبتكرة دوما، وتعتمد في تصنيعها على خيال الأطفال الخاص، والذي يمكن أن تثيره المعلمة أو المدرب بعدد من الوسائل أبسطها الصور، الكتب المصورة، للحيوانات والأشخاص حتى مختلفي الجنسيات والأزياء. كذلك أوضح امكانية استخدام كافة الخامات المعروفة والمتاحة لصنع العرائس (الخشب، الصلصال، الأقمشة والملابس القديمة، البلاستيك، الأسفنج، الورق المقوى، الأكياس الورقية…الخ) وذلك بشرط ألا تسبب أي ضرر للطفل سواء عند استخدامها باليد أو لو اضطر لوضعها في الفم، وأن تكون سهلة التناول والتعامل معها.
وذلك مع ملاحظة أن يكون حجم العروسة مطابقاً ليد اللاعب (المعلمة أو الطفل) حتى يشعر بالأمان الكافى عند تحريكها، كما يجب ألا تكون ضاغطة على أي إصبع أو تعيق حركة اليد، كما يجب أن تخفى ملابس العروسة بشكل مريح يد وذراع اللاعب حتى لا تفسد الإيهام (التوهم) illusion الذي يعتمد عليه فن العرائس للتأثير في الأطفال. كما يجب ألا تكون الملابس فضفاضة بحيث تعيق الحركة، كذلك يجب مراعاة حجم الرأس بالنسبة لجسم العروسة، وأن يكون المظهر العام للعروسة محدداً لشخصيتها وهويتها ويجسد خصائصها بمجرد النظر إليها، وهذا التحديد مهم لكل من المشاهد واللاعب الذي يحاول مطابقة الحركة والصوت مع هذه الخصائص، حتى ولو كانت الملامح كاريكاتورية.
وقد تناول في بحثه بالتفصيل كيفية تصنيع كل من عرائس العصا (العرائس المصنوعة من الورق، عرائس الأكياس الورقية، عرائس الملعقة، عرائس العصا المصنوعة من ثمار الفواكه والخضراوات)، عرائس اليد (سواء العرائس ذات الفم المتحرك أو العرائس ذات الأيدي المتحركة)، عرائس الأصابع (بأشكالها الرئيسية الثلاث: العرائس التي تحل الأصابع بها محل الساقين، العرائس التي تغطي قمة الأصابع، العرائس التي ترسم على الأصابع من الداخل).
وتحت عنوان: “فنون العرائس من الحاضر إلى المستقبل” تناول الباحث ثلاث نقاط هامة هي كما يلي: أولا: فن العرائس في التعليم متعة أم معلم ؟، وقد أوضح الباحث أن فن العرائس في التعليم يختلف عنه في المسرح الاحترافي، حيث تقوم العرائس بدور وسيط متميز في التعليم يساعد الأطفال على التعبير، وأنها تقدم للأطفال الفرص المتعددة للتواصل من خلال العرائس، لرواية القصة أو إعادة إبداع مشهد من الحياة آو الأدب أو التاريخ أو من الخيال، وبالتالي تصبح العرائس امتدادا للطفل حتى وإن انفصلت عنه، فهي تمده بالبيئة الخيالية ليشكل ويعيد تشكيل الخبرات والمعلومات المتراكمة في تجسيد درامي.
ثانيا: فنون العرائس و تنشئة الطفل، حيث تعنى التنشئة اصطلاحا مسار رحلة الفرد منذ ميلاده حتى وفاته، وما يكتسبه في دروبها من أساليب ونماذج للتفكير والسلوك القويم، وحل المشكلات، والتواصل مع الآخر، إذ أنها تهتم بعلاقة الفرد في محيطه الاجتماعي، وتمكنه من تعلم القيم والسلوكيات والجوانب الاجتماعية للحياة. ومما سبق يتضح أن التنشئة ترتبط بجوانب علاقة الفرد بالمجتمع والجماعة، والقدرة على تكيفه مع البيئة الاجتماعية التي يعيشها ويسعى للمشاركة في تنميتها، ومما سبق يمكن القول بأن التنشئة ذات المستوى الجيد تعتبر إرهاصا أو تمهيدا لما نعرفه اليوم بالتنمية البشرية.
ثالثا: العرائس وتعديل السلوك، حيث يؤكد الباحث أن للعرائس مجموعة من الميزات التي تشكل في نفس الوقت المعايير المناسبة لأي وسيط علاجي يمكن التأثير به على الأطفال، سواء الأسوياء أو ذوى الاحتياجات، ويساهم في تعديل السلوك النتاج عن أي اضطرابات نفسية أو اجتماعية، أو أي إحساس بالاختلاف، وتتضمن قائمة المعايير التي تجعل العرائس وسيط علاجي/ تعليمي ذو قيمة، القدرة على تجسيد الواقع، وبالتالي تفيد بشكل خاص ذوي الاحتياجات الخاصة (نظرا لقدرات العروسة على تقديم: الواقعية، المرونة، الإقناع، نقل الأفكار، التأقلم، الاستيعاب، الاستخدام كوسيط، التطابق مع الواقع). وقد تضمن البحث أيضا تحديد أنواع العرائس المفضل توظيفها مع ذوي الاحتياجات، خاصة وأن للعرائس ولمسرح العرائس القدرة على التلامس مع الأطفال ذوى الاحتياجات.
فالعرائس تساعد صغار الأطفال من ذوى الاحتياجات التربوية/ التعليمية/ العلاجية، كما يمكن أن تساعد على تطوير المهارات الاجتماعية والحركية وتتناسب مع الاحتياجات البصرية، اللمسية، الانفعالية للأطفال، كما يمكن للعرائس كبيرة الحجم (الأقنعة الكاملة) مع عرائس القفاز وعرائس الأصبع أن تستخدم مرتبطة مع كافة تنويعات الإشارات، لتشكل أبعادا جديدة في مساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم.
ولقد اختتم بحثه في النهاية بعباراة: أن فن العرائس إبداع إنساني عاشر الإنسان في رحلة تطوره منذ أن كان يحتمي بالعروسة من المجهول في شعيرة أو طقس، إلى أن صارت وسيلته في النقد الاجتماعي والسياسي ومقاومة الظلم، حتى وصل بها إلى وسيلة للتعليم والتثقيف والإمتاع.
هذا ويجب التنويه إلى وجود ملحق متميز بعدد كبير من الصور والرسومات التوضيحية.
4- فنون العرائس المصطلحات- التعريفات
يتكامل هذا البحث الذي قدمه الباحث السوري الأستاذ/ عدنان سلوم مع البحث السابق للدكتور/ كمال الدين حسين، وإذا كان د.كمال حسين قد أضاف إلى بحثه بتقديم بعض الوظائف الجديدة لمسارح العرائس، تلك التي تم توظيفها حديثا للتعلم والعلاج. و
والحقيقة أن بحث المبدع/ عدنان سلوم هو بداية مشروع طموح يهدف إلى تقديم: “دليل متكامل لفنون العرائس في البلاد العربية”، يتضمن المصطلحات والتعريفات وأيضا بعض التوصيفات، وجدير بالذكر أن الباحث لم يكتف بتناول “فنون العرائس” بل قد ضمن بحثه أيضا بعض الفنون الأخرى التي أطلق عليها مسمى الفنون المجاورة”، وهي في حقيقتها فنون شعبية وشفوية وفطرية.
والهدف من هذا البحث هو رصد فنون العرائس والفنون الفرجوية والألعاب الشعبية من خلال “الهيئة العربية للمسرح” وإعادة إحيائها وإنتاجها في الفضاءات الفنية والتربوية والمفتوحة لتكون طقس فني يلتف حوله أفراد المجتمع بكل مراحلهم العمرية ومكملا حيويا للحياة الاجتماعية والثقافية.
ويحسب للباحث تأكيده منذ البداية على عدم استقرار المصطلحات الخاصة بفنون العرائس، وأيضا اتفاقه مع البحث السابق (للدكتور/ كمال الدين حسين) حول تعريف كل من “فن العرائس” و”فن الدمى”، والاحتلافات بينهما، كذلك تقديمه لوجهة نظره حول مدى إختلاف “فن العرائس” عن “العرض المسرحي” بالرغم من تقاطع كل منهما مع الآخر في مساحات مشتركة، كذلك يحسب للباحث تأكيده على أن “فنون العرائس” ليست للأطفال فقط بل يمكن توظيفها أيضا للكبار، كما يحدث في كثير من التجارب والعروض العالمية، كما يحسب له تضمن بحثه (أو مشروع دليله) على مجموعة متميزة من الصور والأشكال التوضيحية.
وتقتضي الحقيقة أن أقرر أن ماقدمه الباحث ليس مجرد بحث تقليدي بالصورة الأكاديمية بل هو في حقيقته مبادرة قيمة وطموحة لإعداد “مشروع الدليل المختصر لفنون العرائس في البلاد العربية”، قام من خلالها بتوظيف كافة خبراته القيمة في مجال مسارح الأطفال فنون العرائس. وبقدر إعجابي بهذا الجهد الكبير إلا أنني أرى أن هذا الدليل يفضل إصداره من خلال جزئين منفصلين، أحدهما عن “فنون العرائس والدمى”، والآخر عن ما أطلق عليه “الفنون المجاورة”، تلك التي اتفق على تسميتها بفنون الفرجة، والتي قد تضم فنون القول (كراوي السيرة، الحكواتي، الفداوي، القوال، شاعر الربابة) أو بعض فنون الفرجة الأخرى (كعروض صندوق الدنيا (صندوق العجب)، البانتوميم، المهرج، الحلقة)، هذا مع ضرورة تسجيل ملاحظة هامة وهي أن “النوبة” هى منطقة جغرافية يتمتع أهلها – بكل من مصر والسودان – بثقافة خاصة، وبالتالي تتميز فنونهم بجمالها وتلقائيتها وطابعها الخاص المميز سواء في الغناء أو الرقص أو باقي لفنون.
وفي هذا الصدد أود أن أؤكد أن بعض الفنون قد تستخدم بها العرائس وقد لا تستخدم إطلاقا ويتم الاعتماد على جسد الممثل البشري فقط، ومثال لذلك كل من “المسرح الأسود” و”خيال الظل”.
5- تَحرُّر الدُّمى مِن فَضَاء الواقِع
يقرر الباحث الفلسطيني/ راضي شحادة في مقدمة بحثه بأن العملية الإبداعية في المسرح بشكل عام تتأسس على الجمالية والفكر والتسلية، وهي بهذا تثير الخيال والتفكير وتؤدّي الى الاستمتاع وترقى بالمتلقي الى ذائقة جمالية أفضل. ولذلك حينما نتساءل فيما إذا كان الأفضل من خلال المسرح الوصول الى هذا الإبداع عن طريق استعمال المسرحيات الدميوية أو مسرحيات الممثلين، نجد أنّ هذين الشكلين على حدّ سّواء يساعدان على خلق العملية الإبداعية، وليس بالضرورة أن يكون أحدهما أفضل من الآخر لأداء المهمة الإبداعية النهائية. فالقاعدة الأساسية قائمة على العملية الإبداعية ذاتها، والنتيجة هي التي تقرر المستوى الإبداعي الكامن فيها مهما تنوّعت العناصر التي نستعملها من أجل تنفيذ هذا الإبداع. فمسرح الدمى هو فنٌّ ساحر كما هو الحال في مسرح الممثلين، وبالتالي فانطلاق الممثل الى عالم تأدية المسرح بعناصره المطلوبة يجعله “يرقّص نفسه” لأداء الدور او الأدوار، كما يرقّص هو بنفسه الدمية، وبما أنّ العملية الإبداعية المسرحية ليست تقليدا للواقع بل تستفيد منه وتجيّرهُ الى عالم الإبداع، فإنّ الدمية هي خير مثال متطرف لنقل الواقع العادي اليومي الروتيني الى عالم الخيال واللامعقول والحلم والإيهام.
ويؤكد الباحث تحت عنوان فرعي: “تطوّر حياة الطفل مع حياة الدّمية” أن للدمية سحر خاص اذا ما وظّفناها في مسرح الطفل كي ننمّي عنده عنصر التخيل والتفاعل ولكي ننمّي فيه ديناميّة التحليل والتذوّق والسّمو التربوي، وأنه كلما ظهرت الدمية في جو مسرحي متكامل العناصر العَرْضيّة، كانت فُرَصُ أدائها السحري أكثر.
ويقدم الباحث من خلال بحثه ستة تطبيقات أو نماذج من التجربة المسرحية، وهي في الحقيقة تجارب عملية اعتمدت على خبرة فعلية لذا يجب دراسة كل منها وتحليلها بدقة، فعلى سبيل المثال نتعرف في النموذج الأول على ردود أفعال الطفل/ عصام عند تحريك الدمية، وبالتالي يجب دراسة هل ردود أفعال خاصة بالطفل/ عصام أم هي ردود أفعال مشتركة بين كل الأطفال وفي كل الدول وفي كل زمان ؟. وطرح الباحث في النموذج الثاني سؤالا ليجيب عليه الأطفال وهو: هل الدمى أفضل أم الممثلون لتقديم العرض؟ وتكون الإجابة النهائية هي وجود مزايا لكل قالب فني منهما.
ومن خلال النموذج الثالث: يؤكد الباحث أن عالم الطفل هوعالم قريب جدا من حياة المسرح، فهو يحب ما فيه خيال وايهام، خاصة وأن اقرب المتع اليه كمشاهد هي متعة الإيهام والتشويق المسرحي، ويؤكد أن الطفل كلما أحب الدمية وازداد تعلقا بها، وأتقن المرقّص تحريكها، كلما ازدادت صورتها كبطلة في نظره، ولذا فإن جمهور الأطفال سرعان ما تجرفهم اللعبة فيدخلون في القصة وتدخل فيهم. أنها حقا لعبة السحر والوهم التي يتعطّش لها بل ويريد أن يدمن عليها المشاهد المتعلق بفن المسرح، فهي التي تعطي الحياة صبغة ممتعة وخالية من الملل والروتين.
وقدم الباحث النموذج الرابع تحت عنوان: “المقنّع الضخم والدمية القزم”، ومن خلاله أوضح أن الشكل الجمالي والعملي والجديد الذي قوّى منطلقه الإخراجي، كان في إمكانية تحويل بعض الشخصيات المتصارعة الى وجوه أو اقنعة يلبسها “الحكواتي” ويدير معركته او إدارته للأمور بشكل عملاقي من الأعلى، بحيث يجلس على برج عال يشرف من خلاله على منطقة أوطأ منه حيث تختبيء مرقّصة دمى خلف ديكور، فأعطى هذا التنوع في المستويات للعبة إمكانيات رائعة ومتعددة، وإذا كان حكواتينا القديم الذي يصف المعركة وصفا تهويليا كلاميا وتعبيريا، يجعل مشاهديه يتخيلون دمويتها وعنفها، فإن حكواتينا الجديد يجسّد أمام مشاهديه الواقعة، فهم يشاهدون الشخصيات ماثلة أمام أعينهم بالدمى والأقنعة والتمثيل العادي والكلام السّردي والمؤثرات المسرحية المختلفة والموسيقى والغناء والشعر والرقص والتكنولوجيا، وكل ما تسمح لي به تقنيات العصر الحديث، لكي يتحول المحكي الى فرجوي ومسموع ، كي يتناسب مع ميول المشاهد العصري الذي يختلف زمنيا ومكانيا مع مشاهد جدّنا الأكبر الحكواتي.
ويتحدث الباحث في النموذج الخامس عن معاناته الشخصية في صنع عروسة لطفل فلسطيني، وهي شخصية “صلاح” التي كنت صنعتها في مسرحية الدمى للأطفال “يويا”، وقد شبه معاناته بمعاناة والدين في انتظار ولادة طفل عن طريق عملية قيصرية، فقد وضع في مخيلته بعض الصفات الخاصة التي سعى لتحقيقها ومن بينها أنْ يشوب شخصيته دلالات خاصّة تجعل الجميع لا يشكون للحظة بأنّه فلسطيني الهويّة، فهو أسمر اللون وجريء وسريع الحركة، يَظهر ويختفي مثل لمح البصر، محترف برمي الحجارة على أنواعها، ويذكر لنا تكرار محاولاته واضطراره إلى تكرار تصنيعه حتى خرج في النهاية بتلك الصورة التي حققت رؤيته.
ويتناول الباحث في النموذج السادس: الجنود المجهولون وراء الكواليس بمسرح العرائس، ومن بينهم المخرجين أو مؤلفين او مصممي أزياء أو مصمّمي ديكور او ملحنين او مرقّصي دمى، ويرى أن مرقصي الدمى (ممثلي العرائس) هم أكثر المتعرضون للظلم، فأمرهم غريب حيث يستحوذون على إعجاب جمهورهم الأطفال، وتترسخ الأغاني والموسيقى في أذهانهم، ويتفاعلون مع العرائس وملابسها ووجوهها وألوانها ايا كان شكلها، معتقدين أنها هي التي تقوم فعلا بدور التمثيل، وحتى وعندما يخرج مرقّصو العرائس (الممثلون الحقيقيون) وهم يحملون عرائسهم أمام الجمهور ويجعلون العرائس تنحني انحناءة وداع للجمهور وابتزاز التصفيق منه، يصفّق الأطفال وأهاليهم لها فتصبح هي البشر وحاملوها يصبحون أدواتها وآلاتها المحرّكة لها. ويؤكد الباحث في النهاية أنه كلما ازداد مرقّص العرائس حيوية في تحريك دُماه وجعلها كأنها آدمية، ازداد نسيان الجمهور له، لأنه بذلك يزيد من تعلّقهم بالعروس ويزيد من نسيانهم له.

6- العلاقة “السوسيولوجية” لفن العرائس بين الباث والمبثوث:
أكد الباحث الجزائري الأستاذ/ محمد بويش في مقدمة بحثه أن مسرح العرائس يقوم على بعث الحياة في الدمية (العروسة) وهذه الحياة لا تسحر الأطفال وحدهم بل تسحر حتى الكبار، وبالتالي طالب بضرورة اكتشاف مسارح دمى خاصة بالكبار فقط في العالم، لأن ذلك ليس من عبثية الفن وإنما من ابتكار الصوت الحقيقي للدمية في أول بوحها وخروجها إلى الوجود.
وأورد في بحثه بعض الأمثلة ولعل من أهمها: قيام لاعب العرائس الروسي الشهير/ سيرجي إيرازوف بتقديم كثير من العروض العرائسية أمام الجنود بجبهات القتال أثناء الحرب العالمية الثانية، وذلك بهدف تحريك التفاعل النفسي والتجهيز العقلي لخوض المعارك الحربية.
وأكد أن حركة العرائس ما هي إلا حراك دلالات رمزية تنطوي على إمكانيات تعبيرية لخلق الدهشة في المتلقي وإيصال الهدف من العرض، وبالتالي تصبح “العروسة” بذلك أقوى تأثيرا من الممثل بكل آدميته وطاقته البشرية، وأنه على هذا الأساس الدلالي الرمزي اكتسب “مسرح الدمى” أختلافه عن المسرح البشري.
ويرى الباحث أن “مسرح العرائس” أفضل وسيلة لتقويم السلوك السليم للطفل وتنمية حسه الاجتماعي، خاصة وأن الطرح العرائسي يساهم في خلق تلك البنية الاجتماعية والسوسيولوجية لعلاقة الطفل بمحيطه وعائلته ومدرسته، كما يتيح له الفرصة لتطوير مكاسبه المعرفية.
والحقيقة أن هذا البحث يأتي مخالفا للسائد في علاقة الدمية بالطفل، ليغرس رؤية أخرى في البحث عن علاقة الدمية بالمتلقي الكبير، ومدى تأقلمه مع السائد النصي في عروض الدمى، وبيان مدى قابلية المتلقي للطرح التشاركي لمعنى الحياة بين المتلقي من جهة والعروسة من جهة أخرى.
ويتطرق البحث في أبعاده الكتابية النظرية إلى البحث عن مدى نجاح إيصال الرسالة “السوسيولوجية” في عرض “مسرح الدمى” إلى جمهور من الكبار المتلقيين سنا، ودراسة هل يمكن للكبار الاحتفاظ بنفس التقبل الذي يبديه الصغار في رؤية العرض من جانبه الطفولي، كما يتطرق البحث إلى محاولة طرح تساؤل عن مدى الاستقبال الشعبي لمسرح الدمى، وعلاقة الشارع بالرؤية الفنية والرسالية للعرض خارج مسرح العلبة التقليدي، وكيف يمكن تحقيق التواصل والتجاوب إذا ما تم نقل “مسرح العرائس” إلى العامة خارج القاعات المغلقة، خاصة وأن “مسرح العرائس” يعد من الوسائل المهمة التي أثبتت جدوى في توثيق العلاقة بين الطفل والفن، وحققت التواصل والدهشة في حراك دؤوب أخرج الطفل من أسئلة البحث عنه إلى أناه الحقيقية المتمتعة بنشاط عقلي يتناسب والمعنى “السوسيولوجي” السائد.
ونظرا لأن هذا البحث يهدف إلى إبراز العلاقة “السوسيولوجية” لمسرح العرائس خارج فارق السن وصلاحية عروضه لكل الأعمار، فإن أهميته تعود إلى النقاط التالية:
– تسليط الضوء على الجانب التاريخي لمسرح العرائس.
– طرح إشكالية التعامل مع هذا النمط المسرحي من زاوية القبول كطرح مقبول للكبار أو الصغار.
– إدراج البحث في بعده “السوسيولوجي” وما مدى التواصل الصحيح بين عرض مسرح العرائس والمتلقي العادي خارج حسابات العمر.
– إدراج البحث كجانب امتداد للدراسات حول مسرح الطفل.
وقد حدد الباحث الحدود الموضوعية لبحثه بمحاولة دراسة التأثير والتأثر لعلاقة “الماريونت” بالمحيط الخارجي خارج المسرح المغلق، وكذلك دراسة المنحى “السوسيولوجي” لها لمتلقي عادي خارج النخبة وفي أعمار مختلفة.
وينتقل الباحث إلى دراسة الأبعاد “السوسيولوجية” للفن من خلال المبحث الثاني، فيتفق مع أقوال بعض الفنانين والمنظرين بأن المشاهدون هم الذين يصنعون اللوحات الفنية، وأن المعجبون بالساحر هم الذين يجعلون لسحره فعالية وذلك لإيمانهم به، ويرى أن هذه المقولة تصلح لأن تكون شعارا لبيان بنائي غرضه إثبات أن الفن شأنه في ذلك شأن أي ظاهرة اجتماعية، ليس معطى طبيعي بل هو ظاهرة تتكون عبر التاريخ والممارسة. كما يرى أن دراسة التلقي لا تفضي في نهاية التحليل إلى فهم العمل الفني فهما أفضل، ولكنها تؤدي فقط إلى معرفة العلاقة التي يقيمها الفنانون مع الظاهرات الفنية – وهذا بحد ذاته أمر فائق الأهمية – وبالتالي الإشارة في عمق “المبثوث” المقدم وطريقة تقديمه لإيصال المفهوم “السوسيولوجي” للتلقي، وهذا ما يدعو إلى دراسة “سوسيولوجيا” الذوق عند المتلقي.
وفي صميم البحث تم طرح عدة استفسارات من بينه: إلى أي مدى يمكن مطابقة أهواء وأذواق المتلقي العادي مع فن من الفنون الراقية؟، ومدى قابلية في إخراج “العروسة” من سجنها العرضي إلى مكان أوسع ومباشر مع المتلقي العادي، خاصة وأن اكتشاف المتلقي العادي للعرائس متقمصة شخصية اجتماعية بكل تناقضاتها يسحبه إلى الاكتشاف أكثر، وإلى التعامل وفق ذلك المبثوث التمثيلي كواقع اجتماعي يرقى بالعروسة إلى شخصية عادية من بؤرة نظره، وهنا يمكن إيصال مفهوم الكائن الفعلي في الممارسة الفعلية بين الباث والمبثوث والمبثوث إليه المتفاعل المكتشف لحركية جديدة في عقله.
ويحاول الباحث من خلال مبحثه الثالث الوقوف أمام صورة مسرحية جديدة لفن العرائس من خلال معاكسة المفهوم الفلكلوري والتهريجي لفن العرائس والمتعة الحسية المبتذلة إلى محاولة خلق التقارب الجمالي والمتعة الفنية الرفيعة والسمو بالمتلقي ومشاعره ، وذلك انطلاقا من الفرجة المتحررة من قيود العلبة الإيطالية إلى توسع فني بوسط شعبي. وذلك لتحقيق تلك المتعة العقلية والنفسية والانفعالية التي يعيش فيها المتلقي وهو متحد مع العرض مباشرة، خاصة وأن دراسات كثيرة قد تطرقت حتى إلى طريقة الجلوس في المسارح المغلقة والتي كانت عائقا حتى في حرية التلقي عند الكثير، أما في حالة إشراكه في العملية الفنية كما أشير في البحث إلى تواطؤ “العروسة” مع المتلقي في خلق العرض فإننا نكتشف صفاء ذهنه ومتابعته لجميع مراحل العرض، خصوصا إذا كان العرض يحاول إعادة صياغة الواقع الإنساني بشكل جميل وخاص. ولتقريب هذا المفهوم السوسيولوجي قام الباحث بمحاولة فك “فن العرائس” من الأسطورة الشعبية والسرد التراثي إلى تحقيق وظائف اجتماعية مشتركة بين الباث (العروسة) والمبثوث (النص المركب اجتماعيا).
وفي ختام بحثه القيم يؤكد الباحث على ضرورة دراسة ردة الفعل من المتلقي العادي البسيط والذي قد لايكون قد شاهد عروضا للعرائس من قبل، مع محاولة ايجاد المفهوم السائد حول الفن بصفة عامة وفن العرائس بصفة خاصة وسط مجتمع بسيط يتحرك تلقائيا من خلال المفاجئة وشد الانتباه، والعمل على ايصال الدعوة الى التحرر من البناء الجاهز حول فكرة المسرح المحاط بهالة الخوف الى مسرح شعبي قابل للتشكل بالوسط الاجتماعي وحالته الحركية وابعاده السيوسولوجية، حيث يمكن من خلال ماسبق التحدث عن العرائس المهيكلة من تقارب اسقاطي على المعاش الفعلي للفرد، ومحاولة اخراجه من مسرح مقيد بالطفل لصناعة فرجة الالوان إلى مسرح هادف ومقبول بالوسط الاجتماعي.
– ويتضح من العرض السابق أننا بصدد بحث أكاديمي طبقا لشروط الأكاديمية حيث راعى الباحث الاشتراكطات الأكاديمية لكتابة البحوث (فقد تضمن مشكلة البحث، أهمية البحث، هدف البحث، حدود أو نطاق البحث، وإن كان يؤخذ عليه فقط أن قائمة المراجع تحتاج إلى المراجعة واستكمال بعض البيانات الأساسية غير مستوفية لتلك المراجع الهامة ( من بينها على سبيل المثال: جهة لإصدار، تاريخ النشر)

الخلاصة:
– أن هناك بحثين من الأبحاث الستة يمكن إدراجهما تحت هدف: العمل على توثيق هذه الفنون في البلاد العربية وهما: مسرح العرائس قي مصر للدكتور/ سيد علي (مصر)، وتاريخ فنون العرائس في المغرب العربي للدكتور/ رشيد أمحجور(المغرب)، كذلك هناك بحثين يمكن إدراجهما تحت هدفي: العمل على إبراز الثراء الفني والتعبيري لتلك الفنون واستعادة مكانتها في المشهد الثقافي، المساهمة في حماية الفنون الآيلة للإندثار وهما: تحديد المصطلحات والمفاهيم لفنون العرائس والدمى وخيال الظل وما جاورها للدكتور/ كمال الدين حسين (مصر)، تحديد المصطلحات والمفاهيم لفنون العرائس والدمى وخيال الظل وما جاورها للأستاذ/ عدنان سلوم (سوريا)، كما أن هناك بحث يمكن تصنيفه أو إدراجه تحت هدف: “تفعيل دور فنون الدمى في الفضاءات المفتوحة” وهو بحث ” تحرر الدمى من فضاء الواقع” للأستاذ/ راضي شحادة (فلسطين)، في حين يمكن تصنيف بحث “العلاقة السوسيولوجية لفن العرائس بين الباث والمبثوث” للأستاذ/ محمد بويش (الجزائر) تحت هدف: “التفاعل الإيجابي مع واقع هذه الفنون في المجتمعات العربية”.
هذا مع التأكيد على أن هذا التصنيف قد التزم بالسمات العامة أو الغالبة بكل بحث فقط، وبالتالي فهو تصنيف غير جامع مانع، حيث غالبا ما يتناول الباحث أكثر من موضوع في بحثه، وبالتالي قد يجمع بين تحقيق أكثر من هدف من خلال بحثه.
– ويتضح مما سبق أن جميع الأبحاث الستة لم تحقق بعض الأهداف السامية لهذا المؤتمر، حيث تناولت أغلبها المنجز الماضي ولم تتناول الأهداف المستقبلية ومن بينها: تفعيل دور فنون الدمى في الفضاءات المفتوحة، التفاعل الإيجابي مع واقع هذه الفنون في المجتمعات العربية، كذلك لم تتناول بالتفصيل موضوع العمل على إبراز الثراء الفني والتعبيري لتلك الفنون لاستعادة مكانتها في المشهد الثقافي.
– تجدر الإشارة إلى أن بعض الأبحاث قد اعتمدت على جهود وخبرات تنظيرية ومثال لها: د. سيد علي (مصر)، د. رشيد أمحجور(المغرب)، أ/ محمد بويش (الجزائر)، في حين أن هناك بعض الأبحاث الأخرى قد اعتمدت بالدرجة الأولى خبرات عملية بجانب الجهود التنظيرية ومن بينها على سبيل المثال: د.كمال الدين حسين (مصر)، أ/ عدنان سلوم (سوريا)، أ/ راضي شحادة (فلسطين).

التوصيات:
– برغم وجود بعض التفاوت في الاهتمام بفن العرائس ببعض الدول عن دول أخرى إلا أن الوضع العام بجميع الدول العربية متشابه إلى حد كبير، مما يدعوني إلى ضم صوتي إلى مجموعة الأساتذة الباحثين بضرورة مناشدة الحكومات دول ووزارات الثقافة العربية إلى الاهتمام بهذا الفن وتقديم كافة الإمكانيات المطلوبة، خاصة وأنه فن يخطب بالدرجة الأولى أولادنا مستقبل هذا الوطن.
– أناشد “الهيئة العربية للمسرح” والقائمين على هذا الملتقى بضرورة الاهتمام بتفاصيل خريطة الإبداع لفنون العرائس بمختلف الدول العربية، خاصة بتلك الدول التي لم توثق تجربتها حتى الآن (على سبيل المثال لبنان، العراق، اليمن) وتكليف بعض الباحثين بهذه المهمة خلال الملتقى القادم، على أن يتم تجميع جهود وإنجازات العرائسيين بجميع الدول العربية والتي وثقت من خلال الدورات المختلفة بهذا الملتقى وإصدارها في كتاب واحد.
– الحرص على استكمال الجهد الكبير الذي بدأه المبدع/ عدنان سلوم، ومبادرته القيمة بإعداد “مشروع الدليل المختصر لفنون العرائس في البلاد العربية”، وحتى يخرج في أفضل صورة ممكنة وفي أسرع وقت أقترح تشكيل لجنة تحت إشرافه تضم رمزا من الرموز المتخصصة في هذا المجال بكل دولة عربية للإتفاق حول مختلف المفاهيم والمصطلحات وتوحيدها بصورة علمية.
– ضرورة دراسة الاقتراحات والتوصيات التي جاءت ببعض الأبحاث وأخذها بعين الاعتبار ومن بينها: تنظيم مهرجان وطني لمسرح العرائس بكل دولة، وكذلك تنظيم مهرجان عربي، المطالبة بتأسيس شعب متخصصة في مجال مسرح العرائس في المعاهد الفنية، التشجيع على تأسيس فرق محترفة سواء كانت فرق خاصة أو تابعة للدولة، دعم البحث والنشر في مجال فنون العرائس مع إصدار مجلة متخصصة في هذا المجال، تشجيع الحكومات والفرق على الاشتراك في بعض الهيئات والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال مسرح العرائس ومن بينها الإتحاد العربي لمسرح العرائس، الإتحاد العالمي لمسرح العرائس.
– الاهتمام في الدورات القادمة بإذن الله بالنظرة المستقبلية، وأعني بها تعظيم الاستفادة بتوظيف خبرات وجهود الباحثين في تقديم رؤى فكرية لكيفية توظيف “فن العرائس” في مجالات جديدة، وكذلك في تقديم خبراتهم لتحديد نوعية العروض الأفضل والأنسب تقديمها لجميع الأعمار. والمقصود بهذه التوصية هو عدم تكرار الجهود في مجال التوثيق أو في مجال التكنيك وصناعة العرائس بقدر الاهتمام بالأفكار والنصوص التي نقدمها من خلال هذا الفن الرائع.
د.عمرو دوارة
(2015)

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *