المسرح يبدأ شعرا ثم يغير مجراه

قدّم الشاعر والكاتب المسرحي العماني الجنسية العراقي المنشأ عبدالرزاق الربيعي للمسرح العربي عددا مهما من الأعمال المسرحية التي عرضت في الكثير من المهرجانات المسرحية العربية والدولية، منها “آه أيتها العاصفة” في صنعاء و”البهلوان” في هولندا و”سقراط” و”أمراء الجحيم” و”ذات صباح معتم” و”ضجة في منزل باردي”، لتشكّل تجربته حضورا مهما على خارطة المسرح العربي، وقد حصد عددا مهما من الجوائز كان آخرها جائزة الشارقة للتأليف المسرحي عن نصه “خريف الجسور”.

والربيعي قبل أن يكون مسرحيّا فهو شاعر أصدر عدة دواوين شعرية من بينها “على سطحنا طائر غريب” الذي ترجم للإنكليزية و”الصعاليك يصطادون النجوم” و”حلاق الأشجار”. وقد كان للشعر دوره في إثراء التجربة المسرحية له.

الكتابة للمسرح

حول النص الفائز يقول الربيعي “يبدو أن فوز نصي ‘خريف الجسور‘ يعود إلى استفادتي من لغة الشعر في تأثيث النص المسرحي، وتشغيل المخيلة، فمعظم الشخصيات هي جسور تتحرك على الخشبة، من خلال نسج حكاية افتراضية عن مدينة يؤكد العلماء أنها ستتعرض لزلزال، فتشعر الجسور بالخطر المحدق بها، لذا تغادر أماكنها من على نهر المدينة، لتبتعد عن منطقة الخطر، وفي المكان الذي لجأت إليه تظهر معاناة من نوع آخر، وما إلى ذلك من أحداث لها إسقاطاتها على الواقع الذي يعيشه إنساننا المعاصر الذي يعاني من شتى الأزمات، والزلازل التي تعصف بحياته”.

يشير ضيفنا إلى أن الكتابة للمسرح ليست بالأمر الهين في مرحلة تشهد تراجعا في هذا المجال، بعد ظهور المخرج المؤلف، وركون النصوص في زوايا النسيان، وبقائها حبرا على ورق، مع إيمانه بأن النصوص المسرحية تكتب للعرض بالدرجة الأساس، وليس للقراءة، هذا الوضع حدّ من الحماس للكتابة المسرحية، وجعلت الكاتب الذي يخلص للكتابة المسرحية وحدها يختفي، بعد رحيل سعدالله ونوس وألفريد فرج ونعمان عاشور.

الكتابة للمسرح ليست بالأمر الهين في مرحلة تشهد تراجعا في هذا المجال، وخاصة بعد ظهور المخرج المؤلف

ومن هنا تأتي أهمية هذه المسابقات التي من شأنها إعطاء شحنة حماس للكتاب من أجل الالتفات إلى المسرح الذي يظل يعاني من شح في هذا الجانب، وحتى على مستوى النشر، فلم تعد هناك مجلة متخصصة بنشر النصوص المسرحية، وبعد رحيل الكاتب قاسم مطرود توقف موقعه “مسرحيون” الذي كان كتّاب المسرح ينشرون فيه نصوصهم، أما في معارض الكتب، فلم يعد الكتاب المسرحي مطلوبا من القراء بعد صعود فن الرواية، على حساب فنون كتابية أخرى عديدة، ومنها الكتابة للمسرح.

ويتابع الربيعي عن علاقته مع المسرح “منذ البداية ظلت علاقتي بالكتابة المسرحية نشاطا موازيا للكتابة الشعرية، وأسعى دائما إلى أن يحتوي نصي الشعري على عناصر درامية، كالسرد والحوار ونمو البناء ورسم الشخصيات، وذلك لكثرة مشاهدتي للعروض المسرحية منذ سنوات تكويني الأولى، ومشاركاتي في المسرح المدرسي، وترددي على معهد وكلية الفنون الجميلة، وقراءتي للنصوص المسرحية العالمية التي تمدنا بها المكتبات العامة في بغداد، وبعضها يندرج ضمن ‘سلسلة المسرح العالمي‘ الكويتية”.

يؤكد الشاعر أنه تأريخيا، خرج المسرح من رحم الشعر، ونشأ على أيدي شعراء كأسخيلوس، اليوناني الذي كان يقوم بكل شيء، ابتداء بالتأليف ووضع الموسيقى وتدريب المنشدين وتمثيل الدور الرئيس، وسوفوكليس (470 ق.م) الذي كتب 120 مسرحية وصل منها سبع مسرحيات أشهرها “أنتيغون”، وظلت العلاقة قائمة بين الشعر والمسرح، في العصر الحديث، فأشهر كاتب مسرحي بريطاني هو شكسبير الذي كان شاعرا، وحتى في بلادنا العربية، فالكتابة المسرحية ولدت على أيدي شعراء كأحمد شوقي وعلي أحمد باكثير وحتى صلاح عبدالصبور.

المسرح العماني

حول رؤيته للمسرح العماني يقول الربيعي “شاركت في ندوات تطبيقية، وحكّمت في مسابقات ومهرجانات وملتقيات مسرحية عمانية، ولاحظت أن المسرح العماني يشبه نبتة برية عنيدة، تقاوم الجفاف، فتمد جذورها في الأرض مقاومة الظروف المحيطة، دون رعاية من أحد، من أجل أن تبقى على قيد الحياة، هذا العناد تمخض عن جهود أثمرت خلال العشر سنوات الماضية أكثر من 15 مهرجانا على الساحة المحلية “الكوميديا بالرستاق، مهرجان مسرح الطفل لمزون، والشارع والطفل والكبار لفرقة الدن، ومهرجان الصحوة، والجامعات والكليات، وإبداعات شبابية ومهرجان ظفار المسرحي، البانتومايم لفرقة صلالة ومهرجان المسرح العماني”.

النص المسرحي عندما يكون على الورق يبقى نصا أدبيا فقط، والمخرج هو من ينتزعه من رحم الأدب ليضعه على الخشبة

وظهرت العديد من الدراسات النقدية المتخصصة عن المسرح العماني كتبها نقاد وأكاديميون، وجرى إنشاء فرق أهلية جديدة، وبعض عروض الفرق استقطبت جمهورا واسعا خلال المواسم والأعياد، فأنعشت خزائن شبابيك التذاكر، وجعلت الفرق تموّل نفسها بنفسها، دون الحاجة إلى دعم، وأتاح لها ذلك المشاركة في مهرجانات عربية ساهمت في إيصال الصوت المسرحي العماني إلى أبعد نقطة ممكنة، ونالت بعض العروض جوائز عديدة”.

أما بالنسبة للمسرح العربي فقد رأى الربيعي أنه تأثر بالأوضاع الراهنة من صراعات سياسية وفكرية. هذه الأوضاع المضطربة انعكست على الحياة والفنون وجعلت الثقافة والفن في ذيل قائمة الأولويات للإنسان العربي من قبل الحكومات، وكذلك ترك إغلاق المسارح ورحيل جيل من المسرحيين العرب الكبار فراغا وعدم وجود بديل عنهم، وأثّر سلبا على هذا الحراك، وأجبرت الضائقة الاقتصادية الكثير من المسرحيين على العمل في المسرح التجاري، ففرطوا بالقيمة الفنية.

ومع ذلك لدينا جيل من الشباب الذين تأثروا بالتقنيات الحديثة، فواكبوا التطور التقني الذي تشهده المسارح العالمية والكتابات المسرحية الحديثة التي تزاوج بين الإبهار في الصورة والتقنيات والمؤثرات، فأحدثوا نقلة، صرنا نشهدها في المهرجانات، رغم أن هذا جعل بعضها “عروض مهرجانات تتعاطى معها النخب الثقافية، كل أملنا أن يمسك المسرحيون الشباب عصا المسرح من المنتصف، فالمسرح بالنهاية جزء من حركة الحياة”.

وأخيرا وحول مشاريعه القادمة يكشف الربيعي أن لديه أكثر من فكرة لم تكتمل وتنتظر مخرجا يتناغم معها، ويقول “النص عندما يكون على الورق يبقى نصا أدبيا، والمخرج هو من ينتزعه من رحم الأدب ليضعه على الخشبة، وهذا لن يكون دون وجود هذا التناغم لتحويل المفردات اللغوية إلى صور وموسيقى وأشكال وشخوص حية تتحرك على الخشبة، التي فوقها تعاد كتابة النص من جديد، من قبل مؤلفَي العرض: الكاتب والمخرج”.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *