المسرحي العربي معزول والمسرح في خطر : محمد الحمامصي

يشهد المسرح المغربي طفرة إنتاجية كما وكيفا، حيث قدم المسرحيون المغاربة العديد من الأعمال التي تثبت رهان المسرح وأسئلته وكأنه يعيد ابتكار بداياته الخاصة. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المخرج والفنان المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف.

ربع قرن أو يزيد قدم خلاله المخرج والفنان المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف العشرات من الأعمال إخراجا وتمثيلا وكتابة حققت حضورا لافتا مغربيا وعربيا حيث احتفي بها في المهرجانات الدولية العربية كمهرجان المسرح التجريبي ومهرجان دمشق الدولي للمسرح ومهرجان المسرح العربي بالأردن، وعرضت في العديد من الدول الأوروبية.

قدم الضعيف العديد من الأعمال لعل أبرزها اقتباس وإخراج “ليلة القدر” عن رواية الطاهر بن جلون، و”كل شيء عن أبي” عن رواية “بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات” لمحمد برادة، و”الخادمات” لجان جينيه، و”نعال الليل” لبيرنارد ماري كولتيس، و”العوادة” للويجي بيراندلو، و”ليل ونهار” لغزافييه دورانجييه”، و”الموسيقى” ليوكيو ميشيما ومن أعماله المؤلفة التي أخرجها “رأس الحانوت” و”مسك الليل” و”حياة، حلم وشعب في تيه دائم”. وحصل على الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الأول للمسرح عام 1999 عن مسرحيته “رأس الحانوت”.

مسرحة الرواية

انطلاقا من مسرحة الرواية واشتغاله على أكثر من عمل روائي ورؤيته إلى هذه التجربة يقول بوسلهام الضعيف “اشتغلت على أكثر من نص روائي، بدأ اشتغالي منذ مدة على رواية ‘ليلة القدر‘ للطاهر بن جلون ثم رواية ‘الموسيقى‘ للكاتب الياباني يوكيو ميشيما ثم أخيرا رواية ‘بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات‘ للكاتب المغربي محمد برادة والتي أصبحت مسرحية بعنوان ‘كل شيء عن أبي‘”.

ويتابع الضعيف “إن اشتغالي على الأعمال الروائية ينطلق من شغفي بالمنجز الروائي، ومحاولة تقديمه للمسرح ثم المواجهة الفادحة مع مسرحة الأشكال الروائية إلى المسرح والتي تجعل من فضاء الخشبة تحديا للسرد. فكل رواية تخلق تقنياتها وعالمها وعلى المسرحي أن يكون ملما بالتقنيات الأدبية وكذا التقنيات المسرحية. الرهان هو الوفاء للعوالم الروائية وكذا الدفع بالمسرح إلى مناطق اختراق جديدة”.

ويرى الضعيف أن اقتباسه وإخراجه لنصوص المسرح العالمي سواء تلك التي صدرت في المغرب أو الشرق لا يتعلقان بأزمة النص المسرحي العربي. ويضيف “إن مسرحياتي هي مغامرات في تجارب وعوالم مسرحية متعددة. أنتقل فيها من نصوص عالمية مختلفة، ولكن الأفق هو خلق علاقة مع متلق أراه وإليه أقدم أعمالي. هو حوار مع نصوص كوني ضمن سياق محلي يجعل من المسرح لغة السؤال اليومي المنفتح على أسئلة العالم”.

بوسلهام الضعيف: المسرح المغربي يشهد تنوعا إيجابيا فهو ليس مسرحا واحدا
بوسلهام الضعيف: المسرح المغربي يشهد تنوعا إيجابيا فهو ليس مسرحا واحدا

وحول جمعه بين التمثيل والإخراج والتأليف والاقتباس، يقول الضعيف “في داخلي يتجاور الباحث والمؤلف والمشخص والمخرج. بالنسبة إلي المسرحي يكتب بعدة لغات، إنه مؤلف يركب المعاني فوق الخشبة. رغم أن الإخراج المسرحي هو اشتغال فيه مجموعة من اللغات والأدوات والتقنيات ويتيح العمل بالمادة الانسانية التي هي الممثل. تبقى بالنسبة إليّ الكتابة هي ذلك المكان المريح الذي أستند إليه لأعيد تركيب علاقاتي مع العالم والفن”.

المسرح المغربي

يؤكد الضعيف أن المسرح المغربي يشهد تنوعا إيجابيا فهو ليس مسرحا واحدا، ولكنه تجارب مختلفة ومتعددة ولقد سجل حضوره على المستوى العربي في بعض المهرجانات. هناك تراكم وهناك نقاش وأسئلة وقلق لدى بعض المسرحيين المغاربة لخلق تجارب مسرحية مؤثرة، وبالمقابل فإن هذا المسرح في جزء كبير منه يبدو وكأنه يعيش أسئلة البدايات. يصعب الحديث عن هوية معينة لهذا المسرح. سؤال الهوية هو سؤال النقد الذي يمكن أن يتحدث عن خصوصية هذا المسرح.

ويضيف “في المغرب ليس هناك مسرح قطاع عام، المسرح يمارس في إطار جمعيات مستقلة، وكل الإنتاج المسرحي مرتبط بوزارة الثقافة. وفي السنوات الأخيرة تحققت أشياء كثيرة على مستوى القوانين والهياكل مثل: قانون المهن الفنيةـ خلق تعاضدية الفنانين ـ خلق موسم مسرحي وآليات للإنتاج والترويج وتوطين الفرق المسرحية”.

ويؤكد أن هذه الإجراءات كانت مهمة إلا أنه يبدو أن القطاع المسرحي بالمغرب بقوانينه وآلياته هو قطاع هش ولا شيء فيه ثابث، إذ أن غياب سياسة مسرحية حقيقية لدى الدولة يجعل المسرح في خطر دائم.

وعن علاقة المسرح المغربي بالمشهد المسرحي العربي أولا من حيث التواصل والتفاعل وثانيا من حيث التأثير والتأثر وثالثا من حيث الملامح والتجليات، يقول الضعيف “إننا نتواصل مع أوروبا أكثر مما نتواصل في ما بيننا كدول عربية، فباستثناء المهرجانات العربية وجهود الهيئة العربية للمسرح فإن المسرح العربي يعيش في لا تواصل مع ذواته. فليس هناك مجال تبادل للعروض العربية في الدول العربية. ليس هناك إنتاج عربي مشترك. ليس هناك تبادل للخبرات العربية المختلفة داخل الجغرافيا العربية، ليست هناك حركة نشر مسرحي قوية بين الدول العربية. المسرحي العربي معزول وغريب عن المسرح العربي، قريب من المسارح الأخرى”.

السينما والمسرح

حول ما إذا كانت النهضة السينمائية الأخيرة في المغرب ألقت بظلالها على المسرح سواء سلبا أو إيجابا، يرى الضعيف أن العكس هو الصحيح. ويلفت إلى أن تطور الإنتاج الدرامي التلفزي والسينمائي يرجع إلى قوة المسرح المغربي وعطاءات رجاله ومبدعيه. فالسينما والتلفزة استفادتا من خبرات القطاع المسرحي وخصوصا من الممثلين الذين تمرسوا بشكل قوي في المسرح.

ويؤكد الضعيف أن هناك مجالا لحرية الإبداع في المغرب، ولكن السؤال كيف يمكن أن نوظف هامش الحريات لتقديم إبداع حقيقي. إن أخطر شيء هو أن يمارس المبدع رقابة ذاتية دون أن يكون واعيا بها. عندما تعيش حريتك في مجتمع مقيد، قد تكون حريتك هي عزلتك. وفي ختام الحوار يكشف بوسلهام الضعيف عن ملامح مشروعه المسرحي القادم قائلا “ملامح عملي هو مشروع عمل مسرحي له علاقة بمشروعي المسرحي الذي أشتغل عليه منذ سنوات والمبني على تفكيك ذاكرة المجتمع المغربي في علاقته بالسلطة والتاريخ والحاضر”.

ونذكر أن بوسلهام الضعيف الذي شارك في فعاليات اليوبيل الفضي لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، مدير فرقة مسرح الشامات ومدير مسرح دار الثقافة التابع لوزارة الثقافة المغربية، وممثل مع فرقة رواد الخشبة التي قدم معها مسرحيات “ألفية على سيف”، “التخشيبة”، “ألف لعبة وحكاية” و”أوفيليا لم تمت”. وقدم في تجربته مع المعهد العالي للفن المسرحي كممثل أيضا أعمال “سفر في الحلم” عرض راقص لفايزة الطلباوي و”ذاكرة نور” للفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي و”بيكارسكاس” لسرفانتيس إخراج خوسي غراندا و”فويزك” لجورج بوشنر إخراج أحمد ايزدة و”عزلة” لمحمد خوميس و”ملكية مصادرة” لتينسي وليامس إخراج لطيفة باوعلي.

___________________

المصدر : العرب

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *