المسرحية الجيدة.. الممثل الجيد – العراق

إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين، بدلا من الحصول على عرض مسرحي جيد». هكذا اختصر الفيلسوف الألماني [جوته] الطريق على المسرحيين الباحثين عن المجد السريع، في عرض ناجح قد يزول بعد حين. في حين طالبهم بأهمية ان يعملوا على خلق ممثل جيد يقصر لهم الطريق الى العروض الجيدة. فالفوضى التي كانت سائدة هي من دعت الى البحث عمن يعمل على توحيد الأجزاء وليس غير الممثل الجيد، الممتلك لادواته والقادر على امتلاك وسائل الانتاج وتنظيمها باتجاه العرض الجيد. تماما مثل المدرب الجيد لفريق كرة القدم يبحث عن المنتخب لناديه أو لمنتخب بلاده. فالفريق المنتخب والمتكون من جملة من اللاعبين المجربين، كفيل بخلق الانتصار، وليست الصدفة التي احيانا تخلق انتصارا سرعان ما ينسى.

والسؤال: من هو القادر على صنع الممثل الجيد؟ ـ دعوة (جوته) ـ . بالتأكيد لابد أن يكون شخصاً خارقاً بل وأكثر أهمية. انه في لغة المسرح [المخرج]، القادر على التفكير القادر على الادهاش، المتمكن من قيادة فريق العمل وتنظيمه بالشكل الذي يحقق النجاح في خلق الممثل الجيد، وبالتالي العرض الجيد. فكان لظهور {فن الإخراج} أوقل {المخرج}، كصيغه مستقلة كما نعرفها اليوم، والتي تبلورت في صورتها النهائية، في نهائيات القرن الثامن عشر في ألمانيا، في الفترة الواقعة ما بين الأعوام 1826-1914 ( دوقية ساكس مايننغتن ) على يد [الدوق جورج الثاني] الذي احب المسرح وقاد فرقته الناشئة، وقام معها بجولات في عموم ألمانيا, ليعرض معها أول مسرحية ضمن ما عرف بـ [مسرح المخرج] في الأول من أيار (مايو) 1847. تميز هذا المسرح ـ المايننغتن ـ بما يلي: 

1- الشدة بالتزام النظام, لذلك كانت فترة التمرينات فيه طويلة ودقيقة. 

2- امتازت الفرقة بعدم احتوائها على النجوم، لذلك كانت فيها كل الأدوار تعامل بنفس الاهمية وكذلك الفنانون. وهنا نعود الى دعوة [جوته] بخلق الممثل الجيد، لتكون فرقة العروض الجيدة. 

3- كانت المجامع بأهمية أدوار البطولة. 

4- الإضاءة، الملابس، الديكور، الماكياج، تخضع للتخطيط الدقيق. 

ويقال بأن (جوته) هو أول من استخدم مصطلح (المخرج)، ومن أفكاره قوله: « إن من الضروري أن نحصل على ممثلين جيدين ، بدلا من الحصول على عرض مسرحي جيد «، وهو دليل على مناداته بالاهتمام بالممثل في العرض للحصول على عروض مسرحية جيدة باستمرار. كما طالب بالدقة التاريخية في بقية عناصر العرض المسرحي الاخرى كالأزياء، كما وأكد على الاعتناء بالأجواء النفسية بواسطة الضوء. وهو الذي طالب الممثلين باتباع قواعد المحاكاة الارسطية. وفي ألمانيا كان هناك نوعان من المخرجين: 

1ـ الذين توجهوا تماما إلى عقل الممثل، وطالبوه بالتحليل التفصيلي والدقيق للدور. 

1ـ الذين وقفوا على قمة الوجدان الإبداعي للممثل، ورأوا بأن مهمة المخرج الأساسية تنحصر في إيقاظ الحس الإبداعي عند الممثل. 

ومنذ ذلك الوقت تركز عمل المخرج في أنه: المفكر، القائد، المنظم، للمجموعة المسرحية والمؤلف الأول للعرض المسرحي. الذي بدونه تصعب الحياة على المسرح. في ضوء هذا التعريف برزت أسماء مهمة وكبيرة في الإخراج المسرحي سنتناول أهمها من التي أثرت وكان لها دورها البارز في المسرح العالمي. 

اذن فان من أهم أسباب ظهور شخصية المخرج حديثاً كان لضرورة وجود [المفكر و القائد والمنظم] على رأس المجموعة المسرحية، وكذلك بسبب ظهور الفهم الحديث لمكونات عناصر الإنتاج المسرحي في عصرنا. فمن تجارب عصر النهضة وظهور المسرح المرسوم، ومن عقلانية طروحات المسرح في القرن الثامن عشر، وتبلور نظرية الحكمة في القرن التاسع عشر حيث ظهر (مسرح التشبيه) ومن ذاتية ونسبية القرن العشرين المتمثل بظهور المسرح التعبيري. كلها ساعدت في بلورة شخصية المخرج الساعي الى توحيد الجهود المسرحية. التي يصبح معها تعريف فن الإخراج: على أنه الفن الذي ينظم العناصر المكونة لتأسيس العرض المسرحي ابتغاء الوصول إلى التكامل الفني في المسرح. 

وهنا لابد من التذكير بمراحل هذا الفن تاريخيا: ففي اليونان القديمة (الإغريق) مثلا كان (المؤلف) هو من يتولى عملية التنسيق والإعداد والتهيئة والتفسير وغيرها « فالكاتب والشاعر في العصر الإغريقي لم يكن يعلم الرقص للراقصين المنفردين والرقصات الجماعية فحسب، ولكن كان يفسر موضوع الدراما وكان يتدخل في النواحي الفنية الأخرى كأماكن الوقوف وحركة المجموعة وإيقـاعـهـا» (1)،وتعتبـر (هيـليـن.ك.شيـنـوي) في تقديمها للكاتب (مخرجون في جلسات الإخراج) أن (أسخيلوس) من أبرع من قاموا بتجسيد نصوصهم على خشبة المسرح، والا فكيف نفسر ملاحظاته الدقيقة التي وردت في نصوصهِ ، وهي اقرب ما تكون إلى ملاحظات المخرج والمؤلف الموسيقي معا. وفي أحيان كثيره كان (قائد المجموعة) يقوم مقام المؤلف المسرحي. وقد اعتبر المؤرخ الشهير لتاريخ الإخراج المسرحي (أدولف فيندس) أن تنظيم فعل الجوقة وإعطاء السمات الخاصة لها عند تقديم ألعروض المنفذة بالرقص والحركة والتي يتولى مسؤولياتها رئيس الجوقة عمل من مهام المخرج لذلك أطلق على رئيس الجوقة تسمية(المخرج) الذي كانت من مهامه إضافة إلى قيادة الأوركسترا وتدريب الإلقاء والغناء أنه كان يقوم أيضا بتدريب الجوقة اليونانية لأن تتكلم بشكل منغم وتتحرك وتمثل ضمن إيقاع محدد . وفي رأي (فيندس) كذلك، فان رئيس الجوقة في التراجيديات اليونانية كان يحضر كل الأشياء اللازمة لتجهيز العرض المسرحي وكل ما كان ضروريا لأن يظهرعلى المسرح(2)، إلى جانب مجاميع القتال والمعارك مما أدى إلى ضرورة انفصال مهمة منظم العرض المسرحي(المخرج) – كما صار يطلق عليه فيما بعد- عن صلب المجموعة المسرحية. إذن من ضروب السذاجة الاعتقاد بعدم وجود من يدير تلك الفعاليات(العروض الدينية). بل على العكس فقد كان لها يقودها وينظمها ويفكر بشكل العرض ونوعه وطبيعته وما يتطلب ذلك من جهود لتقديمه. كما أن من ضروب المستحيل كذلك أن لا يكون لتلك المواكب الاحتفالية التي تتسم بارتداء الملابس التنكرية من اجل الدعاية للترويج لها من قبل منظميها . ومن المؤكد أن من ينظم كل تلك العمليات هو شخص خبير. إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الجانب النقدي في المسرح الروماني كان المسرح اكثر تعقيدا من حيث إجراءاته من المسرح الإغريقي> فقد كانت عروضه تتطلب من العاملين فيه تهيئة الكثير من المستلزمات من: ديكور، وملابس، والشعر المستعار الذي كانت تحمله تلك العروض للكثير من الظواهر والعادات والتقاليد البالية يتخللها الإثارة و طابع السخرية اللاذعة لتلك المواضيع. أما في فترة القرون الوسطى وما تاخمها من فترات في أوروبا، وعهد تيمور في إنكلترا، وعهد لويس الرابع عشر في فرنسا: كان الممثل الأول في الفرقة المسرحية هو من يقوم بمهمة التنظيم وتوجيه المجموعة.

هوامش

1ـ مجلة الحياة المسرحية، العدد9، صيف 1979، ص،56،55.

2ـ ف.تيريشكوفيتش، ترجمة:ريمون بطرس، مجلة (الحياة المسرحية)، العدد9، دمشق، صيف 1979، ص56.

——————————————-

المصدر : مجلة الفنون المسرحية : د. فاضل خليل 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *