المسرحية التونسية “الصبية والموت”.. حين لا تنسى الضحية صوت جلادها ـ محمد المعايطة

 

 

 

المصدر / سيدتي/ نشر محمد سامي موقع الخشبة

لا يمكن للضحية أن تنسى صوت جلادها أبداً، حتى لو مرت الأعوام وطالت الحكاية، ذلك الصوت البشع، سيبقى محفوراً في صفحات الوجع والإنتقام لديها، وسيستمر الظلم يَخِزُ عينها كلما مرت ذاكرة عابرة، وسيظل السلاح مُشهراً صوب القادم المجهول، حتى تسكن الرصاصات حلق ذلك الجلاد.

عن الفترة الإنتقالية في البلاد عقب ثورة الياسمين، قدمت المخرجة التونسية سميرة بو عمود، عرضها المسرحي “الصبية والموت”، المقتبس عن عمل ارييل دوفرمان، في ثالث أيام مهرجان ليالي المسرح الحر بدورته الثانية عشر، على خشبة المسرح الدائري في العاصمة الأردنية عمان.

حين يصير الصوت.. دليل إدانة
يحكي العمل التونسي قصة فتاة تم اغتصابها والإعتداء عليها قُبيل ثورة الياسمين، من قبل أحد الأطباء الحكوميين في البلاد، ولأنها كانت مُعصّبة العينين، عَلِقَ صوت ذلك الطبيب الجلاد في ذاكرتها، على الرغم من مرور أكثر من 15 عاماً على الحادثة.
تتزوج هذه الفتاة محامياً مشهوراً، كان ساعدها في قضيتها وعاشا معاً قصة حب قبل الزواج، وخلال الفترة الإنتقالية للبلاد، يُصبح زوجها واحداً من المرشحين لاستلام إحدى الحقائب الوزارية، لكن الصدفة تسوق أحد أصدقائه ليلاً إلى منزلهما، وتتمكن الصبية من التعرف إلى صوته جيداً، فقد كان الطبيب الذي اغتصبها قبل 15 عاماً، وتقرر الإنتقام، وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل حقيقي بين يديها سوى أنها تعرفت على صوته، تتمكن من إقناع زوجها المحامي، ويحتجزانه معاً في المنزل، حتى تأتي تلك اللحظة التي تنتقم لنفسها وتقتله انتقاماً لماضيها.

المتعة التونسية الحاضرة..

كعادة المدرسة المسرحية التونسية، لا تخيب ظنّ الحضور أبداً بتقديمها لمتعة بصرية خالصة، وبحالة مسرحية عالية المزاج في جميع عناصر العرض، بدءاً من السينوغرافيا، ومروراً بأداء الممثلين وتمكنهم من أدواتهم المسرحية، وصولاً إلى الضرب على الجوانب الحساسة بمختلف قضايانا السياسية والإجتماعية والإنسانية، بشكل بعيد عن الطرح المُبتذل، والذي يحمل الكثير من التجديد في المسرح العربي.

الممثلون..
الممثلون التونسيون الثلاث في العرض، هناء شعشوع، جهاد اليحياوي، وعاصم بالتوهامي، قدموا متعة كبيرة في أدائهم المضبوط والمحترف، والمليء بالإرتجالات المحسوبة غير المنفصلة عن العرض، وبما تقتضيه معايشتهم للشخصيات التي تقمصوها على الخشبة، فكان أدائهم بالسكون والحركة، مدروساً من جهة، وغير مبالغ فيه من جهة أخرى، متحررين على مستوى أجسادهم وأفكارهم، وتمكنوا من المحافظة على إيقاع العمل طوال مدة العرض، ما سرق انتباه الحضور حتى اللحظات الأخيرة، بشكل لا يتقنه إلا ممثلين محترفين، خبروا الخشبات المسرحية جيداً.

وعلى الرغم من الأداء الممتع لثلاثتهم، إلا أن الممثلة الرئيسية في العرض، هناء الشعشوع، تمكنت من إبراز قدرات أدائية عالية، وتقمص كبير لشخصيتها، واستطاعت جيداً التلاعب والإنتقال بين الصراعات الداخلية والخارجية، والمشاعر المختلفة في أحداث العرض، بشكل مميز للغاية، سلّط عليها الضوء من جهة، ومن جهة أخرى عيون الحضور الذين باتوا ينتظرون حوارها وأدائها طوال المسرحية.

السينوغرافيا والديكور..
بديكورات خشبية بسيطة، تمكنت المخرجة بو عمود، من الإنتقال بين أمكنة العرض خيالياً وواقعياً بشكل متقن، كما استطاعت أن تطوع الهذه القطع الخشبية لأكثر من حاجة واحدة في رؤيتها الإخراجية، جعلت المتلقي ينتقل من مكان إلى آخر ومن حالة إلى أخرى بسهولة، ما دلّ على عمق تشربها لرؤيتها على الخشبة.
وبجانب الديكور، كانت الإضاءة والموسيقى، مُنسجمة تماماً مع عناصر العرض الأخرى، مُكملة لها وليست منفصلة عنها، ما خلق حالة مسرحية كاملة ومتجانسة، عودنا عليها العرض التونسي في مهرجانات وأعمال سابقة.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *