المجال الثاني : مرتكزات المسرح الصفري /د.جبار صبري

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة خاص

هذه المرحلة الفكرية الجديدة : مرحلة ان يمون الزمان هو المعطى والغاية سوف ترتكز على سلسلة المرتكزات الآتية لتحقيق مجالاتها وإجراءاتها :
مجال1: الفراغ
ان الحضور ناتج عرضي منقطع عن فراغين متقاطعين : فراغ البر المساوي لفراغ البحر ، والومضة الحضورية للكائن هي لحظة صفرية استطاع الكائن بها ان يخترق ، طولا ، عرضا ، عمقا ، بسرعة الضوء ، الفراغين المتقاطعين . هذا الناتج لا يأتي بحصيلة او ذخيرة السبب . بل يأتي منبثقا فجأة مثل شهاب ثاقب .
ان مثل حركة الشهاب الثاقب في السماء هي مثل حركة الفعل (يأتي) الليري : لا شيء يأتي من لا شيء . انه الكائن المتشكل من فراغين متقاطعين ، وهما ايضا يقدمان للفعل في اختفاء تام ومهيب .
الفراغ الاول الفعل الفراغ الثاني
ومثلما الفعل (يأتي ) لا وجود له الا من خلال الفراغ الاول ، فهو ايضا لا وجود له الا من خلال الفراغ الثاني
مجال2 : التصفير
اننا ، في لحظة تشغيل الحاسوب والتعامل معه ، سنخلص الى تذويب ذواتنا ، افكارنا ، حجومنا ، اشكالنا ، اوزاننا جميعها في صفرية الحاسوب ، لأننا رضينا بالتصفير . أي تصفير كل شيء مقابل ان نستودع ما صفرناه في ذلك الجهاز . آنذاك ولحظة التعامل مع آخر سنتعامل بتلك القابلية التي حولت الدوال كلها الى دوال شفافة لا ملمس لها داخل الحاسوب ، استودعتها عند الصفر تحديدا وافترضتها ثانية عند الواحد ضمن النظام الثنائي للحاسوب ( 0 ، 1 ) .
ان شكل الخطاب بلغة التواصل ، ضمن التقانوية اليوم سيفرض العلاقة الاتية : الانسان – آلة ، وذلك على اعتبار ان الانسان سوف يحشر نفسه من وسطه الفيزيقي الخارج عن تلك الآلة الى الوسط الفيزيقي المفترض داخل تلك الآلة . أي جهاز الحاسوب . وهذا الانحشار سيعمل على الغاء الوجود الحقيقي لحظة التعامل والترابط والتفكير والعمل وانعاش الوجود الافتراضي . هنا استطاع الانسان ان يؤدي وجوده او وظيفته بطريقين : طريق ترك متمظهراته الخارجية من حيث تحويلها الى تمظهرات افتراضية داخلية في الحاسوب ، وطريق قبول التعامل بتلك الصيغة كمبدأ اساس لديمومة الحياة .
عندما اختصرنا انفسنا راهنا على ذلك الاختصار في الــ Bits . تلك البيتات القائمة على الارقام ( 0 ، 1 ) بوصفنا سلّمنا الاتصال تحت اشتراط هذا المبدأ ، وهذه الوسيلة في آن واحد . وان هذا التسليم فتح قنوات الاداء الحياتي العادي او المعرفي في اوسع ما يكون ، وقد تناضح عن ذلك التسليم القبول بدرجة الصفر ، وهذا القبول سيكون الدافع الاساس لأجل تصفير المدركات : حسية او عقلية او حدسية ، كلها تصفّر لأجل ان تتصل وتتعامل وتعمل وتتسوق وغيرها .
اذن ، التصفير هو الخروج من التجسيد لإستقعاده في التجريد ، الخروج من دائرة الحضور الفيزيقي او التواجد الحي والارادي ايضا في دائرة الحضور الافتراضي . أي تحويل الاشياء كلها من عوالم مجسدة خارج الحاسوب الى عوالم مجردة داخل الحاسوب . وهذا التصفير إعلان حقيقي لموت الدال نسبيا موتا سيضعه في متحفية الاستعمال التي لا جدوى من مراجعتها او التداول معها ..
بمعنى ، ان ما كان هنا مجسدا ، عيانيا ، أجريت عليه عمليات التحويل ، الانقلاب . امتصاص جسيماته ، اجزائه وتحويله من كائن ← هنا ، الان ، الى كائن ← هناك ، الان ، وقبل او بعد الان على حدّ سواء . ان الكائن ← هناك في ذلك الحاسوب وتحديدا في ملفاته المغلقة / المفتوحة هو الكائن الذي تقبل ان تختزل كل مجسداته في لحظة خاصة ومنفردة لأنها لحظة خلو الــ هنا مما هو واقع ملموس الى خلو الـ هناك مما هو ليس بواقع ملموس . أي تقبل ذلك الكائن ان يكون او يتمثل كونه او يفترض ذلك في الصفر . هكذا يكون الشيء قد عمل على تصفير نفسه فذهب بإرادته هناك في تلك الثنائية المتواجدة في جهاز الحاسوب والتي هي مبدأ ذلك الجهاز من جهة . وآليات اشتغاله من جهة ثانية . انه ( 0 ، 1 ) .
في الواقع ان اكون هنا يعني انني امتثل الآن نفسي . لكن حين اكون هناك وفي صفر ذلك الحاسوب او آحاده يعني ان أفترض نفسي . ولأنني حملت المبدأ قضية صريحة في الفكرة والاداء أكون قد حملت وجهتي في تفضيل شفرة الصفر كأصل وكمعطى عمل ومصير .
ان الخلو الذي يبدعه الصفر هو الامتلاء . ولولا ذلك الخلو لما كان ثمة كون . لما كان ثمة اشارة . هذا الخلو اللاشيء يكون سبب وجوده سببا لكل شيء . انه يملأ ويضاعف الوجود كالواحد في الرقم الصحيح حين تضع عند يمينه الصفر سيمتلئ من جهة . وسيتضاعف من جهة ثانية . اذن ، انا اتصفّر . اذن ، انا اتضاعف وامتلئ ، وهذا سرّ وجودي في مرحلة المجال الصفري .
انا الآحاد عرفت نفسي من حيث :
1 – ان ظهوري المنفرد هنا رميته مجاورا . بل متضامنا في ذلك الصفر .
2 – آنذاك عرفت نفسي مجردا قد تخلّى عن جسده .
3 – ان غيابي بالصفر اعطاني حضورا مضاعفا وزادني ذلك الغياب امتلاء أكثر .
4 – ان اختفائي في الجهاز ( الحاسوب ) افترض علي ان أكون كائنا مفترضا لا حقيقيا . وبالنتيجة منحني الحرية في الوجود والحركة والانتشار أكثر .
5 – انا تخلّيت عن نفسي حين هبطت نحو ارادة الصفر وافعالها وتحولت داخل الجهاز الى نص صفري وحين اخرج من ذلك الجهاز اخرج نصا صفريا . اذن ، انا افتراض نص . وهذا يعني ان عمليات التصفير جعلتني افتراض وجود في تأليف النص وفي عضويته او بنائه ، وكذلك في استقبال ذلك النص .
6 – كل حقيقة أحادية سأنظر اليها ضعيفة لأنها تحتاج الى افتراض صفري لتأكيد حضورها . وهذا يعني ان نسبة الآحاد هي نسبة ضعيفة في التمثيل لوجودها او الحضور .
بعد سنوات قليلة ، حين تبلغ التقانوية أقصى قدراتها ، وهي اقرب الى الانسان من عائلته وعمله واسواقه . بل ونفسه سوف يدرك الانسان انه وكل شيء آخر سيتصفّر بإرادة منه او بغير ارادة ، لأن الوقائع اليومية لا تجارى الا بمزيد من التصفير .
مجال3 : حجب الدوال أو الغياب الغياب
انظر المرتسم الاتي :
دال / مدلول ( افتراض واقع ) + دال / مدلول ( افتراض فكر )
الامر الذي يجعلنا نسمّي الدال افتراضا ، ولكنها تسمية تكون تحت طائلة الشطب والاخفاء المتعمد إذ يكون الدال سواء كان في الموضوع او في الذات دالا افتراضيا لا يخضع لشرط الايهام او التصور الذهني حصرا .
ان حياتنا وراء حياة . كذلك كل آحاد الحوسبة ستكون وراء اصفارها وكلما انحجبت الحياة كلما تضاعف اثرها او فعلها او حضورها او تأثيرها لأن حجب الدال سيكون له مائزة ايجابية عليا تتمثلها المدلولات . ذلك على اعتبار ان الصفر تجريد واسع الفهم يلتهم كل واحد يتجسد في ضعف . الامر الذي يدعونا ان نؤكد الغياب اصلا لكل حضور . بل ان الغياب يعدّ الاسفنجة الكبرى التي تمتص كل قطرات ماء الحضور الماطرة هنا او هناك في هذا العالم .
وهذا العالم الذي يُدار بفعل التقانوية يرهن حضوره بالاختفاء . بكل غياب . لان الحضور هو بالأساس افتراض حضور . وهذا الافتراض حضور هو شكل من اشكال الغياب ، لأننا عملنا معا لاستقعاد تمظهراتنا / دوالنا في فراغات جهاز الحاسوب العميقة . في جوف ذلك الجهاز وفي معدته الخفية ، وكلما صرنا هناك مدلولات وحسب كلما كان شرط تفاعلنا ، تواصلنا اعظم ، لأن رهان ذلك التواصل آت من رهان اختفاء الدوال .
بدا العالم منذ بواكير التأمل انه قائم على ثنائية الحضور / الغياب . يتفاضل الحضور على الغياب او العكس ، او يتطابق . لكن ذلك التفاضل لم يكن الا مثبتا للحضور ، وان هذا التثبيت جعل المكان متفاضلا على الزمان ، وجعل المفهوم قيدا على الفهم لان المفهوم يبحث عن تطابق بالهوية كالمكان ، وهذا التطابق هو راحة للعقل واستتباب للنتائج مما كان وما يكون .
لكن شكل البيت Bit ( الواحد ، الصفر ) الذي يلازمنا اليوم سيدفع في تحقيق عوالمنا على نحو :
1 – ان البيت Bit كينونة افتراضية وهي وسيلة الحاسوب ايضا .
2 – ان البيت Bit ممتلئ بقوة الصفـر كأصـل للخفاء والواحد كافتراض ظهور .
3 – هذا يعني ان معادل الذرة في المكان هو البيت Bit في الزمان .
4 – طالما البيت Bit توافر في الحاسوب فان معطياته الخارجة عنه ستكون في لحظة الافتراض عندما تكون داخلة فيه .
5 – ان ما يكون في الحاسوب وتحديدا في ذلك البيت Bit يكون بدواعي الغياب لا الحضور .
6 – اصل الاداء يكمن في الغياب أي بحجب الدوال .
ان التواصل على فرض المجال الصفري تبعا للمعادلة : انسان / آلة ← آلة / انسان ، سوف يفرض غياب الانسان في الآلة من جهة الاتصال الاول ، وغياب الانسان في استقبال / ارسال الآلة من جهة الاتصال الثاني . وبذلك لن يكون ثمة شيء يمثل امام الحواس او يمكن ان يقع عليه البصر . بل كل شيء هناك داخل تلك الآلة ، وتحديدا ، متناقلا بين الصفر والواحد بدواعي افتراض ما يكون لا حقيقة ما كان .
اذن ، الجسد المسمّى حضور أصبح افتراض حضور من جهة المتصل اولا ، والجسد المسمّى حضور ثان من جهة المستقبل / المتصل الثاني افتراض حضور . آنذاك لن يكون هناك لاعب ولعبة الا الغياب . وهذا ما سيؤسس الى ان سهم الاتصال او علاقة الاتصال ستتوافر على :
مدلول ← مدلول
وهذا يعني :
غياب ← غياب
اذا تلازم التعامل الحيواتي اليومي / العلمي / الوظيفي على فرض [بعد بالقرب] و [قرب بالبعد] او على فرض وجود ولا وجود في آن واحد تلازم ايضا قبول الاصل الذي يراهن عليه انموذج ذلك التعامل ، والذي شئنا أم لم نشأ انه متلازم بالضرورة معنا ، واعني بذلك استخدام الآلة كممر او مجسّر يقرّب البعيد ويبعد القريب دون حركة لجسم او كتلة ، فهو إذ يجعل العالم آلة يتجرد فيها كل مجسد ويتجسد فيها كل مجرد باعتبار الافتراض التجسيدي لا الحقيقة الجسدانية . انه نموذج تواصلنا ، وسيلة تؤسس غايتها من داخل فضاء تجربتها كوسيلة اساس في التعامل اعلاه .
ان ما يتطارحه القول بالقرية / العالم كأساس للصغر يتطارحه القول الشهير لـ علي بن ابي طالب (ع) : احسب الانسان انه جرم صغير وقد انطوى فيه العالم الاكبر . هذا القول مدعاة لمؤشرات مهمة مثل :
1 – في حضور العالم العياني قابلية الغياب . وذلك على اعتبار تجريد العالم في الانسان / المجسد . أي كلّية الوجود في خصوص الانسان . وهذه الكلية هي غائية تمثلها الحضور المجسد للإنسان ، افتراضا بصدق الحقيقة او حقيقة بصدق الافتراض .
2 – ان حجب دوال العالم تؤكد امكانية حجب دوال الانسان فالمبدأ على أية حال هو واحد . إذ طالما تقبلت الدوال الأخرى الانطواء بالتجريد في الانسان تقبلت دوال الانسان الانطواء بالتجريد في الاشياء الأخرى . وهذا ما نلقى صداه العملي في مختبر جهاز الحاسوب من حيث الترادف او التناوب بين الصفر والواحد ضمن نظام الــ Bits .
يتأكد من ذلك ايضا ان البعيد يقترب اذا تقبل ان يتخلى عن حضوره الــ هناك بالجسد والعمل بالغياب هنا بفكرة ذلك الجسد ، والفكرة غياب بالأصل ، كذلك ان القريب يبتعد اذا تقبل ان يتخلى عن حضوره الــ هنا من حيث :
1 – ارتباطه بالآتي المجرد .
2 – ذهابه عبر الآلة وبمنطوق التجريد الى الــ هناك .
وهذا يدل على ان المعاملة بين الطرفين تقتضي حجب الدوال والعمل بالغياب الغياب بأصلية الفكرة نفسها . اذن ، كل مرسل مجرد كما رسالته . بل منطويا فيها ، وكل مستقبل مثل فك شفرته ينبغي ان يكون مجردا كما هي الحال عند فكّ شفرته بفكّ شفرة الآتي اليه .
انه الغياب من وجهتين :
الوجهة 1 : الغياب الغياب الذاتي
واعني به اضطرارنا حجب دوالنا للتواصل . أي حجبها بقبول الخضوع الى مرموزية الافتراض داخل الحاسوب وجعلها تتماثل مع الصفر ، الواحد كأساس لاستمرار وجودها ، اتصالها ، فهمها لنفسها وهو غياب ينطوي عليه الافتراض السايكو – مجال داخل عقل الحاسوب الذي يعكس صورة الذات لحظة التفاعل .
الوجهة 2 : الغياب الغياب الموضوعي
كل أنا هي افتراض انا ، ما عليها الا ان تحقق مفاعلة مع افتراض أنت . أي ان الــ هنا هي افتراض هناك مثلما ان الــ هناك هي افتراض الــ هنا . وبالتالي يكون التواصل الافتراضي تواصلا موضوعيا وان كان بالافتراض . وهذا ما سيؤصل الى الانطواء على الافتراض السسيو – مجال خارج / داخل عقل الحاسوب الذي يعكس صورة الفرد لحظة التفاعل .
مجال4 : الانتشار الحركي ( فراغ الحركة داخل الزمان)
ان ما يحدث ، ما يكون ، ما يتحرك وصولا الى ما يأتي او يذهب ، ينحصر . بل ينحشر تحديدا في العقل / التفكير / الوعي / التجريد الذي كان من فواعل التذاهن ، وكل ما يكون آنذاك يكون بملكة ذاتية – ذاتية افتراضية ، وهذا سوف يؤكد التواصل على اساس :
مدلول ← مدلول .
الغاء الجسد / الدال ، وان طبيعة الحضور تعتمد في لحظة انبثاقها على طبيعة الغياب .
لا مسافة بين ذات – حقيقية ، وبين ذات – افتراضية . وهذا ديدن الخطاب كله : خطاب الآلة / الانسان .
الكينونة افتراض كينونة تتوافر في الزمان كما الافكار والتفكير . وبهذا سيكون الرابط غائب – غائب في قابلية من التجريد الممكن .
ما نلحظه ابتداء من كل ذلك انتفاء العمل بالمكان ، انتفاء الحضور به . بل ان غيابه مقرونا بغياب الجسد ، الكتلة ، الحضور العياني في المدرك الحسي المباشر ، وغيابه تأكيد لإلغاء المسافة . وهذا ما يدعو ان كل شيء في عقلي ، داخل تلك المسرحة المجردة في فضاء تصوراتي الداخلية . لذا انتفى العمل بالتقسيم او القسمة الزمانية التي راهن عليها الموضوعي : ماض ، حاضر ، مستقبل . بـ اشارة منه كانت صلبة . ولأنه تجريد يخلو من ايّما مجسد صار الزمن سائلا ، ممدودا ، ممطوطا ، قافزا ، طافرا ، متحركا بلا عجلات ، لا يقرّ على كائن بما مضى او كائن في الآن او كائن بما سيأتي . فهو آنذاك يشمل كل زمنية . يشملهم جميعا : الماضي ، الحاضر ، المستقبل . يشملهم معا او انفرادا . كذلك يلعب ويتلاعب بهم بلا حواجز سببية .
نحن ، اذن ، في تلاعب زمني ، في لحظة حرة تمارس كل متجه من غير ما مكانية . هنا ، هناك في آن واحد . انه متجه التفكير والوعي بلا جسد . ذلك لأن الوعي حافظ للجسد وليس العكس كما كان سابقا . الآن كل تفكير استطاع ان يكون حاضنة لكل دال ، فالأشياء جميعا اشياء مجردة لا مجسدة . مساحتها او فضاء تواجدها العقل . ولما كان الامر كذلك كان السهم التواصلي لتحديد الحضور او الخطاب سهما في كل شيء وفي كل متجه . يقبل كل انتظام وبالوقت ذاته يقبل كل تبعثر او فوضى . وسوف يمتد ذلك السهم ، ينفذ ، يتقلص ، يظهر ، يختفي . وسوف يكرر ولا يكرر وجوده ، مما سيدعو الحركة ان تكون كذلك حرة تحتمل كل الاتجاهات وتنتشر مثلما تريد بالكيف والكم والمدى .
وبما ان الصفر تجريد متعال لتمظهرات رقمية مستطردة في ضوء صفريته سوف يمنح ذلك الصفر كل انبثاق رقمي وكل حلول بقدرة التجريد ذاته .. وهكذا تبعا لإمكانية الظلام الذي يحمل مستطاع الكشف عن الضوء مما يستوجب ان يكون الصفر هو اللامتناه الذي يحتضن الارقام 1 ، 2 ، 3 .. الارقام المتناهيات . اذن ، سيمنح الحركة ان تكون كذلك بالفراغ او الفراغ بالحركة لأن كل ما يتحرك يتحرك في داخل الزمان ، وهذا الحراك سيكون في كل مكان / زمان ، هنا ، هناك بلحظة واحدة او ضغطة زر واحدة .
ولأن الحضور والغياب أصبحا في إمكانات الحضور الداخل ، والغياب الداخل ، وكل مجسد ذائب ، شفاف ، في الغياب كان الفعل ، فعل الانا – ان كانت في الحقيقة او الافتراض – فعلا متناوبا بين الصفر والواحد ، وتحت مجالات الصفر الكلية بالأساس ، وتحت الشطب لكل الدوال والتي تحولت الى افتراض دوال نتيجة ذاك الشطب .
وبالوقت الذي تتقلص به المدارك تزداد الحركة . ان رفع الحس عن ممارسة وجوده . بل طمره ، نسيانه سيؤدي الى ازدياد العمل او القدرة بمدرك العقل . وهذه الزيادة ستكون فاعلة اكثر كما زيادة السمع او بلوغ السمع درجات قصوى لفاقدي البصر . كأنما العماء كان فضيلة للسمع ، وكأنما انتهاء العين كان سببا لـ ابتداء الأذن . ان هذا الوصف ينطبق تماما عند اطفاء مدرك الحس وايقاد مدرك العقل ، لأن الحس جاذبية ، احادي الحركة ، مغشوش الصورة . وبالتالي كان سببا رئيسا في ثقل الكتل والحجوم والاشياء عند ذلك الحس ، طامسة في جوهر المكان ، مثقلة بآثامه الكثيرة .
والعقل هنا استحوذ الفكرة والاداء في آن واحد . كلاهما ينطلقان في الحركة . ان التفكير والممارسة يندفعان مرّة واحدة في الوجود ، وذلك لأن كل المدارك الاخرى اصبحت متضامنة بل منطوية في العقل . وهذا التضمّن او الانطواء منح معطيات جديدة لم تكن قبل بلوغ التقانوية فحولتها ، قبل هذا الاتساع التكنو – انساني والمراهنة على الصفر أصلا وعملا ، مثل :
1 – كل جزء هو حامل ومحمول للكل لتمتعهما بانتفاء فاصلة تمثيل هذا لذاك او العكس . لذلك توفر إمكان الادراك للكليات بتلك الجزئيات .
2 – طالما نحن في مستودع الفراغ ، وفي مستودع الافكار ، اذن ، نحن في مستودع القيم . وهكذا ان سهم التواصل سيقطع الحركة باقل ما يمكن من عناء الحركة ، وبلا فائض حركة .
3 – لأنني انا وافتراض انا ، داخل عقلي وآلتي . اذن ، المسافة ستعاني التهميش . بل تعاني الالغاء .
4 – طالما كانت طاقة الوعي متناسبة مع سرعة الاداء , أي انهما معا يؤديان وظيفتهما لذلك تكون سرعة التواصل مضاعفة بملايين المرات عمّا سبقها من سرعات .
اذن ، هو السيل الدافق من الحركات ، هو السيل المشتت في حراكه والمنتظم في آن واحد ، وفي هذا مقدرة المثول بأكثر من نقطة زمانية ، هنا ، هناك ، في الماضي ، الحاضر ، المستقبل وبلا توقف . كل ذلك بالآن الفاعل المتفاعل نفسه في اللحظة الآنية نفسها . انه تعدد في الوجهة والمجال او الحلول ولكن بلحظة زمنية واحدة ، إذ كل ما يحدث وفي كل متجه او مكان يقع حدوثه بأكثر من مرّة وبأكثر من مكان ← افتراض مكان . لكن بزمان واحد . انه سيل لعوب . ان الحركة ستترادف باستمرار مع الزمن .
انها الحركة التي تكون بمقتضى الزمن وفي سعة المجال او احتواء له ، وكل مقتضى زماني بالضرورة هو مقتضى يجعل من تلك الحركة ، في تفاعل وتعدد ، وتصادم ، وتشعب ، وانزلاق ، فهي حركة متشابكة في كل شيء ، وعلى كل شيء ، ولأجل كل شيء . لا من اجل شيء . بل لان سعة الفراغ يجعلها منسابة ، مضطربة ، متطافرة ، ولأن غياب الدوال من الحضور العياني الملموس قد اكسبها القابلية والمرونة ان تكون اثيرا معنويا ( مدلولا ) . الحركة هي كل املاءات الفراغ للزمن ، وهي اشتراط المحتوى الذي سيذوّب المكان فيه . لأن يكون قيمة مكانية . قيمة يمكن رؤيتها بالعين . لكنها بلا ملمس . تسقط عنها حاسة اللمس على الرغم من تجسيم موادها بأبعاد ثلاثية .
مجال5 : الرمز الأسطورة
ان كل ما يكون من علامات تكون مرموزات حقيقية ولا حقيقية ، وهي افتراض مرموزات تتوالى في الواقع الافتراضي اكثر مما تتوالى في الواقع الطبيعي . ان تلك التفاصيل الحياتية سواء كانت يومية او معرفية او مهنية ستتجلى ، وان كانت ظاهرة او باطنة ، بشكل رموز . آنذاك يصبح الواقع برمته رمزا او سلسلة رموز هي من الواقع وتحاكي الواقع وبالوقت نفسه هي افتراض واقع .
ولما كانت الرموز هي الافكار واللغة والواقع كان حريا على الخطاب المتعالي ان يكون رمزا جديدا مغايرا لكل ما سبق . ان هذا الرمز هو اسطورة رمز لأنه يستطيع ان يهضم كل الرموز . كل ما يكون من تداول في اللحظة المؤداة وكل ما يكون كفكر متعال مرموز كشفرة عليا .
انه الرمز الاسطورة الذي يتجلى فيه الإمكان في هضم الموجودات الكبيرة كلها بأصغر معدة يحملها او تحمله . وهذا الرمز الاسطورة من شأنه :
1 – ابتلاع الوجود بكلياته وجزئياته .
2 – وضع جميع الاحجام والكتل واستقعادها في مجال القيمة .
3 – يعمل باستمرار وبطريقة آلية لجعل الدوال مدلولات .
وهكذا سوف يعمل الرمز على افراغ الدوال من اوزانها ، كذلك افراغها من أشكالها وأثقالها او حجومها ثم يجري عليها عمليات من التحويل لأجل ان يحولها الى مجردات مستحلبة ، حبات معنوية لكل المظاهر المتجلية داخل العقل وحسب .
هذا الرمز الاسطورة هو أكثر من ضغطة زر في عالم الحواسيب وهو أكثر من عصارة من المدلولات التي تعبر عن كل دوال العالم . وهو الرمز الذي يقارب الحقيقي بنقيضه ويجعل من الثاني اولا ، ومن الاول لغة متماهية في التجريد ، في تحقيق معنى المعنى المنصهر في الذات العاقلة .
مجال6 : التزامن
الكائن الحي يتحرك بطريقة مزدوجة معكوسة . انه يتحرك من اليابسة الى الماء تارة ، ومن الماء الى اليابسة تارة اخرى . ولو قدر ان تكون فيلما سينمائيا لكانت اللقطات المتحركة في (الفيرمات ) من الحاضر باتجاه المستقبل ، وهو تسلسل فيزيقي للأشياء جرت العادة عليه . اما اذا كانت اللقطات بالعكس فسيأتي الشريط بعكوسية اللقطات من المستقبل باتجاه الحاضر .
ان عملية عودة الكائن البرمائي من الماء الى اليابسة هي اشبه بعودة المستقبل الـى الحاضر . وبالتالي سيبدو التاريـخ هو القـوة الفاعلـة فـي انتـاج الخطـاب الثقـافي . وهذا ما قدر للثقافة الانسانية ردحا من الزمن ان تتموضع فيه . لذا بدلا من التنبوء بالمستقبل سيحل النكوص بالحاضر وصولا الى قاع الماضي ومحدداته .
ان العرض المسرحي في سجلات الثقافة السببية هو عكوسية الزمن المتواصلة في ترسيخ مبدأ الحتمية . العودة المتأصلة والمتكررة للأشياء . سيتجه المتفرجون آنذاك بشكل آلي الى الماضي ، لأن طبيعة شريط الاحداث مرتدة في فعلها . بينما الطفرة او انبثاقية الاحداث هي السهم الذي يتجاوز باستمرار حاضره ولا يشغل نفسه الا بمزيد من التنبؤات المستقبلية .
المدخل البرمائي الانطولوجي للزمن بلوره بشكل صريح شكسبير في مسرحية الملك لير .
الملك لير : لا شيء يأتي من لا شيء
ان الفعل ( يأتي ) يتحرك في فضاء الموجود. ذلك الفعل الحي المنبثق من عدمين : عدم اللاشيء الاولى وعدم اللاشيء الثانية .هي نفسها اللحظة الصفرية البرمائية التي لا ترتبط باليابسة ولا ترتبط بالماء. لكنها لحظة شكلت نوعا جديدا من التزامنية اللااتصالية او اللاسببية ، وان حالة انقطاعها تشكل ثراء وجوديا للأشياء .
الموات المتأصل في اللاشيء هو اصل لظهور الفعل ، والحركة في ( يأتي ) ناتج امكانات سلسلة من الاحتمالات المتوافرة في لحظة الانبثاق بين الفراغين ، وشكسبير ازاء ذلك صنع كينونة مجازية لعالم اللاشيء الكلي او اللاشيء الجزئي . وبالتالي يمكن قراءة ( الملك لير ) على فرض سلسلة الاحالات والاحتمالات اللاسببية من وحي تلك النوابض الخفية ، الطاقة ، الموجة ، الفراغ او مثلما يمكن تسميتها : النص الخفي . ذلك الذي به تظهر او تنوجد الاشياء .
اذن ، الموجود الذي نراه في فعل (يأتي) الشكسبيري هو حاصل اندفاعات من تلك المسمّيات المجهولة ، والتي عصفت بذهن ( لير ) واحالته مجنونا يائسا لأنه لم يدركها ببعدها المجهول . بل أصرّ على ادراكها ببعدها المعلوم . وكانت (كورديليا) قد منحت اباها اعظم الحب ، لأنها وهبته الموجة او الفراغ او النص الخفي الذي تتجذر منه الموجودات والوجود . بل تنبثق طافرة في مشهد الكون مثل علامة صارخة . وهي آنذاك مكون دلالي لا يقبل ان يؤرخ لنفسه ابدا .
وهذا ما يدل على ان المعرفة النهائية هي الانغلاق ، الجمود ، الحدود القاتلة ، السخف المصيري المقنن ، النكوص باسم التاريخ ، ولعبته الورائية الثابتة في تكرارها وعقمها .
هو الامر الذي جعل (كورديليا) موجة ، نص خفي ، لا تدرك بالحواس . بل تدرك بما ترميه من افعال . من الظلمة الى النور . من المجهول الى المعلوم . من العدم الى الحياة ، بسلسلة احتمالية لا نهائية . حينها يكون الحب متفتحا لا تسعه اية تأطرة . دافقا وبركانيا . ماطرا دون أي اثر لوجود غيمة .

مجال7 : التصغير والتجزئة
استكشاف ان التصغير يبدي فاعلية اوسع في تفعيل الطاقة من كل تكبير سابق ادى الى ضرورة ان ننكفئ ، نتصفّر ، نتلاشى في التصغير وذلك على فرض اننا كلما تصاغرنا اكثر كلما كانت طاقتنا في الحضور والمعرفة والاداء والوجود اكثر . هكذا سوف نتسم بالوجود النانوي ثم نتسم بالمعنى النانوي وكلاهما : الوجود والمعنى يؤثران في انشاء خطاب جديد مثلما استطاعا انشاء اسباب تواصل جديدة .
وكلما تخطينا تجربة التخلي عن الحجوم الكبيرة والتغلغل في انتاج الطاقة او الوعي على اساس الحجوم الصغيرة كلما ادركنا الطريق التي تتمثل الزمان شرطا للمعرفة وتهمل المكان في ان يكون شرطا لها . وهذا التخلي من شأنه ان يؤكد ان الجزء الذي سنرى فيه الكل ليس جزءا ماديا . بل جزء معنويا . وان الكل الذي تراءى لنا بوساطة الجزء المجرد كان ماديا مجسدا او استطاعا العقل الطبيعي والالي معا ان يغايرا من معادلة قراءة الاشياء .
كان الفهم يصدق على الكل كنتيجة كبرى لمعرفة ما يكون عليه الجزء ، وكان الجزء دائما يحمل شرط المادة لا المعنى . لكن في عوالم نانو اليوم يبدو ان الفهم يتجلى بالأقدر والحضور والـ أفعل في ذلك الجزء الذي يسعى لأن يكون معنى . بل حاملا لشرط المعنى المتوافر على الطاقة الكبرى . وهذا ما يجعله اقرب الى التجريد منه الى التجسيد . وفي حال بلوغ ذلك سوف تتلاشى الحدود بين الكلية المعنوية والجزئية المادية ويصبحا كلا وجزء مجردين . بل اكثر من ذلك يتفاضل الجزء المعنوي بالحركة والاتصال على الكل المعنوي على الرغم من حالات الإندماجة او التصاهر الأقرب الى المطلقية فيها .
ان المسافة بين مدلول ومدلول هي الغاء مسافة ، وهي ايضا حجب دوال . وهذا يأتي من قدرة التصغير والتجزئة الى الحد المثالي منها ، ذلك الحد الذي يقلب الشيء المصغر او الجزئي في واقع التجسيد الى واقع التجريد او افتراض تجريد او اشتباه تجريد . هنا يبنى التداول في الخطاب : تداول الداخل / الداخل بمسرحة متكاملة . التداول في العقل / الوعي الانساني بمساعد الوعي الالي ، وهذا كله سينفي التداول القديم الذي كان مبناه في الخطاب على نحو تداول الداخل / الخارج . آنذاك نبعد كل تداول طبيعي يعتمد مفاعلات الذات بالموضوع وبواقع نسب محددة ومتفاوتة الى مفاعلات ذات / حقيقة بــ ذات / افتراض وبنسب غير محددة .
مجال8 : القيمة
ان الدوال والحجوم والكتل المفترضة لم تكن خارج الذات ، ولأنها لم تكن خارج الذات فهي اصلاً تحمل اعتباراتها القبلية في تكوينها ، وهذه الاعتبارات جعلتها تحت مسمّى الدوال ، الكتل ، الحجوم . بيد ان جميعها فاقدة للتشيؤ والاحلال في المكان ، مما يؤكد انها اصبحت مجرد ادوات معنوية يتصورها الدماغ لحظة الاستدعاء ثم يطفأ ظهورها بمزيد من النسيان والاهمال والاظلام .
كانت الدوال الحاضرة في لحظة تصادمها تنتج احداثا متفاوتة مما يجعلها مضطربة ، متصارعة ، تمارس عليها اللحظة الفعلية التي تمر بها دور المسجل التاريخي . ان الدوال جميعها هي الواقع العياني / الحاضر والذي يخضع لاشتراطات الحواس في عالم الدنيا . لكن مجرد انطفاء اللحظة ، وقد بدت الذاكرة تعمل على اعادة تصور ما كان من احداث ، كانت الدوال قد عبرت المسافة التي تعنى بتحويل المادي الى معنوي . تحويل الماء الصلب المتماسك على سطح الارض الى بخار عائم في هواء مسحور الجهات والاشكال . وبدلا عن كل تلك الدوال المحدثـة ستحل المدلولات المتصورة ذهنا .
آنذاك علينا ان ننسى الدوال ونتعامل مع المدلولات الكامنة في الذهن البشري ، والتي هي عصارة دوال الواقع التي خرجت من معطف لحظته الآنية وتشكلت اعتبارا ومعنى وتجريدا . وان ما يكون عليه فعلها اليوم هو اعادتها داخل الذهن من حالة المدلولات الى حالة الدوال . ولكن ليس كمثل تلك الدوال التي تتوافر في الواقع الفيزيقي الحقيقي . بل كمثل تلك الدوال التي نتصورها شفافة ، وامضة داخل فضاءات العقل ، وهي بلا ملمس . بلا حضور عياني مكشوف . لا تثبت على اشراط المكان . بل تتغير حسبما اشراط الزمان عليها .
اذن ، يتأتى إلينا مما سبق ان ما يكون من قيمة أصله جدلا أوليا يرفع الواقع المعاش الى مستوى الواقع المتخيل في الذهن وأصله جدلا ثانيا يدفع الواقع المتخيل / المتصور في الذهن بوصفه مدلولات عالية باتجاه إعادة تمثلها دوالا شفافة متضامنة داخل العقل . هذا الديالكتيك العمودي والافقي هو الذي يضع مرتسم البنية بالنسبة للقيمة في مجالها الافتراضي الجديد .
ينظر المرتسم الاتي، وهو يوضح عملية انتاج القيمة من خارج الذات الى داخلها :
داخل الذات ( العقل ) مدلولات
المعنى/ المادة تشفير المعنى/ نانو المعنى

خارج الذات ( الواقع ) دوال (المدلولات المتحولة من الدوال تصبح اكثر تشفيرا داخل العقل بعد هضمها )
ينظر المرتسم الاتي وهو يوضح عملية انتاج القيمة من داخل الذات الحقيقي الى داخلها الافتراضي :
( نانو المعنى ) تشفير المعنى داخل الذات / الافتراضي
(المدلولات المصغرة) (دوال شفافة متصورة في العقل)
داخل الذات / الحقيقي

مجال9 : ثنائية العقل الطبيعي والآلي
يمكن النظر الى الترسيمة الاتية كتوضيح لعملية التواصل في مدار لعبة العقل الحاضر بأصلية المكان هنا او المكان هناك على فرض القبول بالمكان / المسافة / الفاصل بين الطرفين :
التواصل = عقل1 + عقل2 ← الدلالة ← الخطاب
لكن هذا المسمّى عقل1 او عقل2 .. هو حاصل مركب ثلاثي : مفهوم + وسط (لغة) + مصداق (واقع) . أي ولأنه ضمن اشتراط عقل طبيعي تلازم التركيبة اعلاه وهذا التلازم اكد ان كل ما يكون من احداث وظواهر لا تكون داخل العقل وحسب بل تكون خارجه وبالنتيجة ان ما يكون هو بالأصل انعكاس ما يكون على اساس ان ذلك الانعكاس يعرف او يقاس بما هو كائن خارج العقل . هذا يعني ان مسرحة الاحداث ستكون على نحو التحديد هناك دائما . كذلك نتأكد من امتناع حضورها هنا لمانع المكان بالأصل .
فالعقل الطبيعي اذن هو حاصل :
1 – هنا مجرد / يتذهن كمفهوم بلا مصداق وهو مفهوم جزئي .
2 – وسيط مجسد / متجسد هناك كمصداق جزئي .
3 – مصداق مجسد / تمظهر هناك وهو مصداق كلي .
ما يلاحظ هنا وبلغة المناطقة ان المصداق الكلي في الواقع وكذلك المصداق الجزئي في اللغة يشكلان نسبة كبرى في لعبة الحضور وهذه النسبة المؤثرة جعلت منّا نتراكض لإرضائها . بل ان ركضنا جعل منها البداهة او اليقين المطلق في اكتساب المعرفة واثبات الوجود والفهم وكأن المعادلة قد حققت اكتسابها القطعية من فرض المكان مدخلا او جوهرا لإنشاء شفرات الفهم وهي الفرض الوحيد والمطلق لتحقيق التقدم الانسانوي في الابستمولوجيا الكونية
بيد ان المجال الصفري بوصفه شفرة مغايرة بل شفرة احدثت انقلابا عن كل ما سبقها من شفرات أعاد انتاج الخطاب او التخاطب فبدلا من عقل طبيعي يتصل بعقل طبيعي اخر في الحقل الانساني اصبح العقل الطبيعي يستعين بعقل آلي لتحقيق ذلك . وقد ترتب في ضوء هذا المستجد من معادلات تؤشر لانقلاب فهمي لكل ما هو كائن او يكون في الحضور والمعرفة . ان دخول شفرة : انا اترقمن اذن انا موجود ، اعطت الضوء المعرفي او الكشفي الجديد في قراءة اللعبة وانتاج التخاطب للوصول الى الفهم ولتحقيق الاتصال .
وهذا التشفير عمل على :
1 – الغاء الواقع هناك كأصل لإنتاج المعنى .
2 – الغاء الوسيط اللغوي الممتلئ بالمصداق سواء كان ذلك المصداق علاماتي او فونيماتي / صوتي .
ومن شأن هذه اللعبة ايجاد مطارحة جديدة تعتمد :
1 – وعي ذاتي / حقيقي .
2 – وعي ذاتي / افتراضي .
ذلك على اعتبار ان جميع المدارك تقلصت . اذ ان الغاء المدرك الحسي او الحدسي ومن ثم جعلها داخلة في العقل تحديدا وليست خارجة عنه . وهذا العقل اصبح بلا مكان بل اوجد صنوا له هو الزمان وحسب .
ولما كان الامر كذلك كان العقل :
– عقلا طبيعيا . وفيه :
العقل الحقيقي
العقل الافتراضي
– العقل الالي
ان اعادة الرابطة الاتصالية على نحو : عقل / آلة + آلة / عقل وبإشارة اهمال او نسيان الواقع وحذفه من سجلات التواصل والتي اثبتت إمكانات تواصلية ذات استطاعة متفوقة مثل : تقليل الفائض وادراك الكلية وبلوغ طاقة من الوعي والسرعة بأضعاف ما كانت عليه واذابة الدوال في المدلولات واعتماد الغائب اصلا لكل حاضر والعوم في الزمان عن طريق اختياره كمجال فهم واثبات وجود وبلوغ اتصال .
وهذا تدليل على ان الحوسبة انعكاس للانسان والعكس ايضا صحيح ، وفي اشارة هذا الانعكاس تضمين ان العقل يشكل رهانه من رهان الآلة ، كذلك الآلة رهان عقلها يتشكل عبر رهان عقل الانسان . ولما كان عقل الانسان / مجرد ← عقل وان عقل الآلة / مجرد ( افتراض ) ← عقل . كان العالم ، الفهم ، الوجود قد دخل الزمان كمجال لصناعة معنى او دلالة ومن ثم صناعة حضور مشفرن بوصفه الخطاب الكلي .
المعنى الذي يتطارح هنا في تلافيف العقل يتطارح هنا ايضا في تلافيف الآلة ، ولما كانت الآلة هنا لعقل1هي نفسها الآلة هناك لعقل2 فهي بالنتيجة الآلة هنا رغم تواجد مسافة ، لأن هذه المسافة أصبحت مسافة إفتراض او إفتراض مسافة لأنها عمليا خالية من المكان الفاصل . وبالتالي هي خالية من صدق وجود مسافة . آنذاك كل هناك اصبح هنا بمقتضى حضور الآلة .
يمكن النظر الى الترسيمة الآتية في ضوء إمكان التواصل حسب معطيات المجال الصفري لانتاج الدلالة وصولا الى الفهم :
التواصل = عقل حقيقي + عقل افتراضي ← الدلالة ← الخطاب
وما نصل اليه عبر الترسيمة اعلاه يثبت :
– فعل مجرد ( متذهن ) يمتلك الشروع بالتواصل .
– فعل مجرد ( مفترض ) يمتلك الاستقبال .
ويمكن توصيف ذلك ان سهم الاتصال قائم على حركة : مدلول ← مدلول نتيجة لدخول الالة في لعبة التخاطب . هذا الدخول الذي أدى الى اعتمال المدلول في لعبة الاتصال واهمال الدال من اللعبة . ويتأشّر من ذلك ان سلطة وقرار انتاج المعنى قد انطفأ تمثلها في : المؤلف / الماضي او الرسالة / الحاضر او القارئ / المستقبل ، وصار اشعاع تمثلها في التقانة / المجال الاوسع الذي شمل الازمنة جميعها : الماضي والحاضر والمستقبل معا . ان التقانة بدلا من ان تكون فعلا مساعدا في لعبة كشف المعنى وتحقيق الفهم صارت فعلا ممركزا ، فعلا اوليا في الانتاج . وان العقل الطبيعي لن يكون ثمة وجود له الا بفعل سيرورة العقل الالي .
مجال10 : السرعة أو الغاء المسافة
الان انظر المرتسم الاتي :
التواصل = مدلول/ حقيقي ← مدلول/افتراضي ← مدلول/حقيقي ← مدلول/افتراضي ..
نلحظ هنا ما يلي :
1 – اختفاء الدال من لعبة التواصل .
2 – اختفاء الدال أدى الى انعدام الحاجة الى المكان .
– اللعب لأجل التواصل اصبح في الزمان .
وهذا يعني :
الغاء المسافة
تقليل الفائض
زيادة في القيمة التي هي احتواء مثالي لكل شيء داخل او خارج الذات .
زيادة السرعة في الاتصال والتخاطب .
يؤثر ذلك بالتأكيد في اعادة النظر في الخطاب والكشف عن شكل التخاطب الجديد الذي فضّ نفسه من كل وزن او متجه او جاذبية او زيادة او حجوم وصار شفافا مائعا ذائبا في المعنى ، الزمان ، التجريد ليبلغ بذلك اعلى المراتب او القدرات التي توصل الاشياء بالأشياء في أي لحظة ، وكذلك تضفي المقدرة على التزمّن في تلك الموصلات لنتمكن من بعد ان نكون في كل مكان : هنا وهناك في آن واحد ، ولا نكون ايضا .

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *