الفنانة أسماء مصطفى : المسرح حالة حبّ لا تفارقني

أطلقت الفنانة أسماء مصطفى مشروع “أستوديو الممثل” الذي يعدّ الأول من نوعه بالأردن، والذي يعمل على تدريب الممثل على تكنيكات الأداء وتقنياته وحركة الجسد عبر ورشات ودورات متخصصة ليكون الممثل قادرا على التعامل مع أيّ دورٍ يقدمه بإتقان وبراعة.

وبحسب ما تقول  فإن فكرة الأستوديو جاءت بعد عدد كبير من الورشات التي قدمتها على مدار سنوات في الأردن، وتونس، والجزائر، وموريتانيا، والمغرب، لمساعدة الشباب الموهوبين في الاستفادة من خبرات الفنانين المتمرسين، وتلبية حاجتهم لتطوير مهاراتهم في الأداء وتنميتها.

وتوضح الفنانة في هذا السياق أن الأستوديو سيتيح للممثل تمرين جسده وصوته وقدراته قبل المشاركة في أي عمل درامي، كما يشمل تدريبات حول الاسترخاء وبناء الشخصية وكيفية التعامل معها ومع الارتجال، وتنمية القدرات على التخيل والتركيز، والسيطرة على الجسد، وكيفية استخدام التنفس وتحسين النطق ومخارج الحروف، إضافة إلى تنمية مهارات الاتصال، وتقديم معلومات علمية عن مناهج التمثيل ومدارسه المختلفة.

وفي الوقت الذي سيهتم فيه الأستوديو بكل الجوانب المتعلقة بالتمثيل والمكمّلة له، كالأداء وحركة الجسد، والسينوغرافيا (موسيقى وإضاءة وصوت وإيقاع)، والكتابة وإعداد السيناريو، تكشف مصطفى أنها بصدد التعاون مع أكاديميين وفنيين وأصحاب خبرة في مجال تدريب الممثل، لتقديم الدورات النظرية والعملية.

وتأمل الفنانة أن يكون الأستوديو معينا لكل موهبة لم تتمكن من الدراسة في المعاهد أو الجامعات الأكاديمية، مبينةً أنها ستتولى أسماء مهمة تدريب وتكوين الممثل جسديا وذهنيا مستندة إلى خبرتها وعملها ممثلة مسرح ودراما تلفزيونية ودوبلاج منذ 25 سنة.

وكانت حكاية أسماء مصطفى مع الفن بدأت في سنّ مبكرة، إذ ظهرت على شاشة التلفزيون لتؤدي الرقصات التعبيرية وهي ما تزال طفلة، ثم اتجهت نحو الأنشطة المسرحية في المدرسة قبل أن تقرر دراسة “الأزياء والديكور”.

توالت إبداعات أسماء مصطفى وتَكرّس حضورها في عالم الدراما. وكان تركيزها في مستهل المشوار على الأطفال، إذ شاركت في مسرحيتَي “سندريلا” و”الساحر أوز” في عام 1994، ثم قدمت مع الفنان غنام غنام مسرحية “كيف نرجّع أسامينا” في عام 1996. ثم انقطعت عن الأطفال لعقد من الزمان، قبل أن تعود إليهم من خلال عروض تنتمي إلى المسرح التفاعلي مثل “حكايات سمسم”، و”وين حقوقنا وين”، و”معروف الإسكافي”.

بعد ذلك، أخرجت الفنانة عملا للأطفال بعنوان “ضحك ولعب ومسرح”، استلهمته من حكايات تراثية من كتاب “قول يا طير” الذي يوثّق أشهر الحكايا التي ترويها الجدات للأطفال. وتدور أحداث هذه المسرحية حول “العنزة العنيزية” التي تعود إلى بيتها فتجد الذئب وقد أكل اثنين من أبنائها، إلا أن الجديد الذي جاءت به هذه المسرحية، هو النهاية الدرامية المشوقة التي تشهد تسامح الأم مع الذئب بدلا من قتلها إياه، وذلك لتعليم الأطفال قيم العفو والتسامح والأخذ بنصائح الكبار.

لا تخفي أسماء قلقها من واقع مسرح الطفل عربيًا، في ظل افتقاده للاحتراف والرعاية من الجهات المعنية، رغم ما له من دور مهم في توجيه الطفل. وهي تدعو إلى الارتقاء بالطفل أثناء مخاطبته فنيا، وتحويله إلى مشارك في العمل بدلا من أن يقتصر دوره على التلقّي، بخاصة أن الطفل يتوافر على خيال واسع يتيح له أن يكون تفاعليا. لذلك فإن العمل التفاعلي كما ترى، يسهم في زيادة الوعي لدى الطفل، ويجعل منه أكثر قدرة على إدراك المبتغى من النص المسرحي.

كما قدمت أسماء “الكوميديا السوداء” في مسرحية “يا مسافر وحدك”، حيث جسّدت المسرحية قصة فنان يعود إلى وطنه بعد أن ذاق مرارة الغربة، بينما يتأهب فنان آخر للسفر، فيلتقيان عند محطة القطار في حوار كوميدي أليم يلامس القلب، وشكلت المسرحية دعوة للبقاء في الوطن مهما كانت الظروف.

ترى أسماء أن ركيزة المونودراما هي اشتغال الممثل على نفسه، لذلك تبدو المونودراما سلاحاً ذا حدَّين، فهي ممتعة للممثل من جهة، تمنحه السعادة وهو يبرز قدرته الإبداعية وتجلّيه أمام الجمهور وحيدا، ومن جهة أخرى إن لم يكن الممثل مُدرَّبا ومدركا طبيعةَ الدور المؤدَّى، فإنه سيسقط في ما يسمى “المونوتون”، أي الثرثرة، سواء أكانت كلامية أم حركية، ما يُفقد المتلقي حماسته ويقوده إلى الملل.

وتؤكد أسماء أهمية الديكور على خشبة المسرح، إذ يمثل وفق ما ترى، “الطاقة الإيجابية” في العمل، وتضيف أن أيّ حالة إبداعية تمثل حالة اجتماعية، حيث يبدأ العمل المسرحي من أول مسمار يُدق على خشبة المسرح، والذي يمنحك الشعور بالأمان كونه يحملك، مرورا بالديكور ومكونات العمل كافة وانتهاءً بالإضاءة التي تُسلَّط على الممثل.

وتروي في هذا السياق ما حدث لها في عرض يحمل اسم “صباح ومسا”، إذ كان للسينوغرافيا دور جليّ في حالة شعورية رافقتها طيلة العرض، فقد شعرت بتحدٍّ أمام “الرافعة الخشبية”، التي كانت من أبرز مفردات الديكور، الأمر الذي تطلّب منها قوة مضاعفة كي تصرف تركيز الجمهور عن هذه الرافعة باتجاهها هي بوصفها بطلة العمل. تقول أسماء: “كنت أتساءل؛ ماذا سأفعل بتلك الكتلة الهائلة؟ إنها كبيرة إلى حدّ أنها ربما تأكلني!”، لكنها تمكنت من التغلب عليها قبل البروفة النهائية، عبر التدريب المكثف، وتيقنت أنها أصبحت قادرة على ترويض هذه الكتلة، وجعلها لينة ومطواعةً لها، وخلال العرض لم تتوقف الفنانة عن الحركة والتنفس، وبذلت طاقة امتدّت إلى كل عضلة في عضلات جسدها.

أما مسرحية “سُليمى”، فتقول أسماء إن فكرتها بدأت أثناء زيارتها قبرَ الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إبان مشاركتها في الأسبوع الثقافي الأردني في فلسطين عام 2009، ضمن الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية. وهي ترى أن “سُليمى” هي أسماء مصطفى، وأن أسماء هي “سُليمى”، حيث جاء العمل ليتوّج “نضوجا ووعيا هو حصيلة 15 عاما من العمل والجهد المسرحي”.

هذا النصّ الذي قامت أسماء بكتابته وإخراجه يجسد ثنائية الحياة والموت، متضمنا بطاقة وفاء للشاعر الراحل محمود درويش. وفيه يتم دمج أجواء مسرحية “أنتيجونا” التي تجسد مأساة امرأة اختارت الذهاب للموت إخلاصاً لشقيقتها، مع قصائد الشاعر الصوفي “الحلاج”، ويُحاط هذا الدمج بوعي درويش لجدلية الموت والحياة.

تقف أسماء ضد القائلين بـ”موت المسرح”،  فما دام المؤلف والمخرج والممثل موجودين، فإن المسرح مستمر، ورغم هذا تقرّ بأن هناك أزمة ثقافة على الصعيد العام. وهي لا تفتأ تردد: “قَدِّم لي عملا مسرحيا كي أراك وأعرفك”.

وتؤكد أسماء أن المسرح هو “حالة الحب” التي لا تفارقها، حيث تلازمها الشخصية التي تؤديها طويلا، حتى في بيتها، لما تتطلبه الشخصية من وقت للاشتغال عليها وعلى أدواتها التعبيرية.

وكانت الفنانة نفذت مشروع “بساط الحكايا” بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى، الذي أقيم في الحدائق والأماكن في الهواء الطلق، وهو يحث على القراءة، وتقبل الآخر، وتشجيع فكرة الحوار، من خلال قصص تفعلية ممسرحة بمشاركة الأطفال. كما شاركت في مهرجان المسرح الأردني مؤخراً بمسرحية “دليلة والزيبق”، حيث قامت بدور “دليلة” التي احتاجت منها جهدا كبيرا في فهم الشخصية والعمل عليها.

وأنجزت أسماء بالتعاون مع معهد تضامن النساء مشروعا فنيا يسعى إلى تمكين المرأة معنويا وماديا واجتماعيا من خلال توعية النساء والفتيات، جرى فيه تقديم مسرحية “حقي وحقك وين” التي تتحدث عن الزواج المبكر، وعمالة الأطفال، والاتجار بالبشر، والتمييز بين الرجل والمرأة، والعنف ضد المرأة. وقد عُرضت المسرحية في المناطق الأقل حظا والمهمّشة.

نالت الفنانة أسماء مصطفى خلال مسيرتها، جوائز منها: جائزة التحكيم الخاصة كأفضل ممثلة لدور ثانٍ في مهرجان المسرح الأردني السادس 1996 عن دورها في المسرحية الشهيرة “كأنك يا بو زيد”، كما نالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان الرقة الأول العام 2006 عن دورها في مسرحية “يا مسافر وحدك”، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الأردني السادس عشر 2009 عن دورها في مسرحية “صباح ومسا”، وجائزة أفضل مثلة من الملتقى العربي التاسع لمسرح الطفل الذي أقيم في تونس أواخر عام 2010. كما كرّمها مهرجان الرواد، وملتقى المبدعون العرب الرابع (دورة القدس، عمّان، 2009)، وبيت تايكي (2009) عن دورها في “صباح ومسا”.

——————————————————-

المصدر :مجلة الفنون المسرحية – عن  العمانية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *