العمل المسرحي في العراق بين الأمس واليوم

تشهد الساحة المسرحية في بغداد ظهور انواع جديدة من الفن المسرحي يتولاها مجموعة من شباب المسرح قسم منهم هاجروا خارج الوطن وربما شاهدوا اعمالاً مسرحية من غير المألوف وعادوا الى العراق ليحاكوها او ليقنبسوا بعضاً من تقنياتها. والملاحظ ان معظم الأعمال الجديدة لم يؤلفها كتاب مسرح معروفون او مشهورون وانما من ألفها هم المخرجون انفسهم وكأنهم لا يعترفون بأهمية المؤلف المسرحي، وهو المبدع الأول . ويبدو ان احداً منهم لم يجرؤ على التصدي لنتاج شاعر كبير مثل شكسبير او مؤلف محدث مثل أونيل او كاتب مبتكر مثل كوكتو حيث تحتاج نصوصهم الى التحليل الدقيق والدراسة المعمقة والتفسير الصعب بواسطة ممثلين أكفاء. ولا اظن ان واحداً من المخرجين الجدد يكلف نفسه بتحليل عميق للنص الذي يتناوله ويقضي وقتاً طويلاً في ذلك التحليل قبل ان يطلب من الممثلين الصعود على خشبة المسرح. وقسم منهم قد اكتفى بقيام الممثلين باداء حركات جسمانية تميل الى فن الرقص او فن التمثيل الصامت وقسم آخر جمع مشاهد عديدة لا رابط منطقي بينها مع كونها مقتبسة من الحياة اليومية للمواطن. ويحار الناقد في تصنيفها الى أي المدارس النثرية تنتمي عروضهم وربما تكون خليطاً من مدارس متعددة جمعت بعشوائية واضحة وربما ايضا تظهر فيها ملامح الابداع والابتكار وربما كذلك فان اصحابها لا يفكرون في مدى تقبلها من قبل الجمهور الأوسع من اولئك المؤيدين بحجة التجديد والخروج على التقليد متهمين المخرجين السابقين او المخرجين الرواد بانهم ينتمون الى الصنف العتيق متناسين ان المسرح في الدول المتقدمة مازال يعتمد على العتيق ومازالت روسيا تعتمد على (جيكوف) ومازالت انكلترا تعتمد على (مارلو) ومازالت فرنسا تعتمد على (موليير) وغيرهم من العظماء الذين تكوّن نتاجاتهم الأدبية والفنية القسم الاكبر من البرنامج المسرحي سنوياً.كذلك مسرح الأمس في العراق بقي متمسكا بنتاجات المؤلفين العظام من العراقيين والعرب والاجانب . وكان المخرجون القدماء يفكرون في التجديد والجمع بين القديم والحديث ولم يكونوا يقتنعون بنوع واحد من المسرحيات وبنوع واحد من الاساليب الاخراجية فجمعوا بين الواقعية والرمزية والتعبيرية وحتى السوريالية ومسرح اللامعقول والمسرح الملحمي ، (ابراهيم جلال) يخرج (البيك والسائق) المأخوذة عن مسرحية بريخت (بونتيلا وتابعة ماتي) ، وجاسم العبودي يخرج المسرحية الوجودية (الحقيقة ماتت) لعمانوئيل روبلس وبعدها يخرج (حفلة سمر في خمسة حزيران) لسعد الله ونوس. وجعفر السعدي يخرج (بوليوس قيصر) لشكسبير باسلوب جديد وبدري حسون فريد يخرج المسرحية الواقعية (عدد الشعب) لهنريك ابسون باسلوب جديد وسامي عبد الحميد يخرج المسرحية الوثائقية (الخرابة) ليوسف العاني ثم يخرج المسرحية الشعرية عن نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني (ثورة النرنج) للشاعر معين سيسو ويخرج (في انتظار غودو) من مسرح اللامعقول لساموئيل بيكيت. وقاسم محمد يخرج المسرحية الطليعية اللاتينية (الرجل الذي صار كلباً) الى جانب المسرحية الطبيعية (الشريعة) ليوسف العاني ومحسن العزاوي يخرج رائعة شكسبير (روميو وجوليت) وبعدها يخرج المسرحية الكوميدية العراقية (نديمكم هذا المساء) لعادل كاظم . وهكذا تتنوع المسرحيات بمؤلفيها القدماء والجدد وتتنوع الاساليب الاخراجية . بالامس لم تعتد الفرق المسرحية تقديم مسرحيات قصيرة لا يستغرق عرضها اكثر من خمسين دقيقة كما هو الحال هذه الايام بل لابد ان يكون زمن المسرحيات التي تنتجها تلك الفرق الخاصة والحكومية اكثر من ساعتين تتخللهما فترة استراحة وهذا هو التقليد المسرحي الساري في معظم دول العالم . نعم لا يمكن للمتفرج ان يحضر لمشاهدة عرض مسرحي يدوم لاقل من ساعة إلا في مناسبات خاصة او في المسارح الهامشية ، وفي مسرح صغير في الحي اللاتيني في باريس لا يكتفي المنتج بعرض مسرحية قصيرة واحدة للكاتب الطليعي (يونسكو) بل لابد من ان يتكون البرنامج في الليلة الواحدة من مسرحيتين او ثلاث من مسرحياته مثل (الكراسي والمغنية الصلعاء والدرس).

سامي عبد الحميد

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *