«العائلة الحزينة»… تتناغم بين رشاقة الأداء وبهجة السينوغرافيا

«العائلة الحزينة»… تتناغم بين رشاقة الأداء وبهجة السينوغرافيا

قدمتها فرقة «الخليج العربي» ضمن منافسات «الكويت المسرحي»

 

فقد قدمت فرقة مسرح الخليج العربي مسرحية «العائلة الحزينة» ضمن فعاليات الدورة السابعة عشرة لمهرجان الكويت المسرحي مساء أول من أمس على مسرح الدسمة وسط حضور جماهيري ملأ قاعة وممرات المسرح، وهي من تأليف بلانسيلاف نوشيتش وإعداد وإخراج الفنان عبدالعزيز صفر وبطولة كل من فاطمة الصفي وميثم بدر وخالد المظفر وإبراهيم الشيخلي ومريم حسن.

فكرة المسرحية تدور حول شخصية برجوازية تمتلك الكثير من الأموال، وبعد وفاته تتجمع العائلة بعد الأسبوع الأول من الوفاة وانتهاء أول قداس، وتبحث عما لديه من أموال ويكشف أفرادها عن وجوههم الحقيقية ولا يكون لديهم ما يشغلهم سوى الميراث وكيفية الحصول عليه.

وتمضي الأحداث، حيث يتم في كل لحظة اكتشاف شيء ما، إذ تعتمد أحداث المسرحية لغة الانتظار في عملية كشف صريحة لطباع البشر المادية وصراعهم من أجل المال والسلطة وأيضاً الكرسي… شخصيات تبدأ بالتحول لحظة بعد أخرى، حيث تكتشف وجوههم الحقيقية من دون تزييف، حتى عندما يكتشفون ان الأموال التي يبحثون عنها قد كتبت في وصية لابنة غير شرعية للمتوفي، إذ يحاولون ابتكار حيلة لتزويج الفتاة بطريقتهم ليكونون قريبين منها ومن ثروتها.

العائلة الحزينة وما فيها لم تكن هي المفاجأة في تلك الليلة، بل تمثلت المفاجأة في البهجة التي صنعها عبدالعزيز صفر والممثلون على خشبة المسرح. فقد شاهدنا حالة من الاتزان في الحركة وسرعة في الإيقاع كسرت الملل الذي كان يصيب الأعمال المسرحية النوعية، فضلاً عن زخرفة المسرح بالسينوغرافيا والإضاءة بتشكيل متناغم، لا سيما في صورة الديكور الذي أخذ شكلاً مائلاً، بالإضافة إلى أن هذه المسرحية لم يكن فيها هبوط وصعود في الأداء، ولكن كان هناك إيقاع سريع استدرج الجمهور حتى اللحظات الأخيرة.

كما أن الرشاقة في الحركة التي تمتع بها الممثلون، وكذلك الدخول بشكل كبير في حالة من الواقعية، جعلا زاوية جمال الرؤية البصرية واضحاً. وأكمل هذه المباراة المسرحية ذكاء المخرج صفر، إذ حتى في ظل بعض لحظات التناقض التي حدثت في العرض، كان لديه دائماً مبرراته، لدرجة أننا شعرنا في لحظات أننا أمام دراما من نوع آخر، بمعنى أن الحالة الدرامية المعتادة اختفت تماماً.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تحريك الديكور في نهاية العرض كان المقصود منه سقوط الأقنعة والتناقض الحاصل في العالم الآن؟! وما هو سر نزول الممثلين إلى قاعة المسرح؟!… أسئلة كثيرة ما زالت تبحث في خضم «العائلة الحزينة».

الإشكالية التي واجهت هذا العرض ليست في سرعة الإيقاع، لكن في عمق الفكرة التي يمتلكها هذا النص، وكانت بحاجة إلى تطوير حتى تكون ذات دلالات وإسقاطات موضوعية، فالديكور والسينوغرافيا الرائعة هل المقصود منهما هو عكس صورة حياة الطبقة البرجوازية؟!

يبقى أننا شاهدنا عرضاً مسرحياً تمتع فيه الممثلون بلياقة بدنية هائلة واستطاعوا إتقان طريقة الأداء الصوتي مع حركة الجسد بشكل رائع وقدموا الكوميديا السوداء.

كما ساهمت الأزياء والموسيقى والسينوغرافيا برسم ملامح هذه المسرحية بشكل كبير، فضلاً عن حالة الانضباط التي سيطر عليها المخرج في التشكيل على المسرح رغم السرعة الكبيرة لإيقاع هذا العرض، وهذا ليس غريباً على فرقة مسرح الخليج العربي التي قدمت للساحة المسرحية الكويتية والخليجية عبر تاريخها العديد من العروض المسرحية الكبيرة وكوكبة من النجوم.

يذكر أن الديكور والأزياء من تصميم فاطمة القامس.

الندوة التطبيقية

بعد العرض، عقدت الندوة التطبيقية الخاصة به في قاعة الندوات بمسرح الدسمة بحضور مدير المهرجان وحشد كبير من المسرحيين والجمهور. وكان على المنصة مديرة الندوة أمل الدباس والمعقبة على العرض الأستاذ المساعد بجامعة الإسكندرية الدكتورة سعاد يوسف، بالإضافة إلى عبدالعزيز صفر معد ومخرج العرض المسرحي.

أوضحت الدكتورة سعاد يوسف في تعقيبها أن الصورة في عرض «العائلة الحزينة» كانت مفرحة وفيها الكثير من الزخرفة في الصورة والتي كانت فيها شيء من الواقعية التي تم تناولها بشكل فيه جمال من الخيال البصري، مثل ميل المسرح، وهو ما يؤكد براعة السينوغرافيا والإضاءة الواقعية لدرجة شعور المتلقي بتناغم في الصورة، مشيرة إلى أنها كانت دائماً تؤكد مع طلابها على جمال صورة العرض.

وأضافت أن الصورة تجعل المشاهد يفكر جيداً، لا سيما عندما تكون هناك إضاءة بهذه الحرفية وكذلك تصميم الأزياء وحالة الثبات والتغيير الذي حدث للفنانة فاطمة الصفي، وكذلك صورة المرحوم التي كانت بلا ملامح، لافتة إلى أن البرجوازية عندما تموت يكون الصراع بين العمال، لكن عملية الواقعية والتوازن في الصورة وميل الديكور جعل العرض يشبه أعمال الكرتون رغم عدم التنوع في التمثيل ومحدودية استخدام الألوان بالساعات.

أول المشاركين من الحضور كلاماً كان ناصر الحجي الذي قال «إن العرض رغم ما فيه من ضجيج وأخطاء لغوية لدى بعض الممثلين، إلا أنه كان متميزاً»، بينما أعرب طالب البلوشي عن سعادته بهذا العرض، متسائلاً عن السر وراء قضية الموت التي انتهت بها كل العروض التي قدمت في المهرجان حتى الآن.

أما شادية زكي، فأكدت «أن النص تميّز بوجود شخصيات تتحرك على المسرح وتكونت بلون المسرح وتمكنت من إظهار التفاصيل التي تحدد المكان والزمان من خلال الإضاءة التي لم تكن مجانية، لأن ألوانها واكبت الحدث درامياً، فضلاً عن الديكور الذي ولد البنية الحسية والإكسسوارات التي شاركت في فعل التمثيل، وهو ما جعل العرض متناغماً»، موضحة أنها كانت تتمنى ألا يكون هناك خلط بين الديكور في الداخل والخارج.

وقال الدكتور سامي الجمعان: «إن الفخ والمصيدة في عالم النقد هما السر الخفي، خصوصاً في هذا العرض وحتى في العروض السابقة، وكان هذا الفخ الحركة فضلاً عن العبارات التي تشير الى أن صفر احتفى بالإيقاع وهذا هو نهج معظم من في المسرح».

أما علاء الجابر، فقال: «لقد استمتعت بالعرض الذي يتنافس فيه الممثل بشكل ممتع، لكنني أتوقف عند الممثلة سارة التي كانت رائعة وهذا ليس تقليلاً من الآخرين»، مشيداً بالجهد الذي بذلته فاطمة القامس في الديكور والأزياء.

كما تحدث الفنان عمر غباش مشيداً بفريق المسرحية، وكذلك فعلت الدكتورة سعداء الدعاس، التي انتقدت في المقابل الماكياج، خصوصا الباروكة التي استخدمها الفنان ميثم بدر بشدة.

وكانت هناك مشاركات أخرى من كل من محمد عبدالرسول، الدكتورة رانيا فتح الله، جواد شكرجي، يعقوب المحرقي، الفنان عبدالعزيز الحداد والدكتور فهد الحارثي

من جهته، علق المخرج عبدالعزيز صفر في نهاية الندوة على العرض قائلاً: «إنني لا أغضب من النقد وأعتبر فيه الكثير من النصح، لأنني مؤمن بأنه ليس هناك عرض مسرحي كامل». وزاد: «كنت أريد إيقاع العرض أسرع مما جاء به، لأن الإيقاع هو أكثر ما يشغلني سواء في هذه المسرحية أو المسرحيات السابقة، لأنني أعرف الجملة التي يقولها الممثل من بدايتها، فضلاً عن أنني أشعر بالملل بسرعة، بالإضافة إلى أن طريقة قطع الموسيقى كانت مقصودة، حتى حبس الأنفاس كان مقصوداً. وقد كتبت أوقاتاً سعيدة مع العائلة الحزينة في منشور المسرحية»، مشيراً الى أن هذا التناقض يحدث على أرض الواقع في العالم الآن.

ولفت إلى أنه أراد بالفعل تقديم عمل مسرحي نخبوي جماهيري في هذه المسرحية من خلال وجبة خفيفة، لافتا إلى أنه استخدم الصالة؛ لأنه يحب دائما أن يجعلها ضمن نطاق العرض المسرحي.

———————————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – مفرح حجاب – الراي

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *