الخشبة تنحني لأبطال الجزائر /د. حسن الرشيد/ ناقد وباحث قطري

في بداية كل عام .. يحمل المسرحيون أحلامهم للانطلاق نحو عاصمة عربية، وفي هذا العام كان اللقاء في الجزائر عبر مدينتي “وهران” و”مستغانم”.. هذه الدورة بدون شك دورة استثنائية. نعم هناك تعدد حقيقي وواقعي للنشاط المتعدد وحب المسرح تمثّل في الورش وتعدد العروض والندوات الفكرية.. ولكن كل هذا قد يتكرر عبر كل الفعاليات لكن العرس الحقيقي تمثّل في الاحتفال الجماهيري بنجوم ساهموا بدور هام عبر سنوات النضال حتى لحظة التحرير.

أعتقد أنّ الفنان هنا في جزائر الثورة قد حمل أيضا سلاحه، الفكر والقلم، كان المسرحي مناضلا بالحوار فوق الخشبة. هنا عبر المدن والقرى وعبر الحدود. يحمل رسالة الانسان هنا إلى الانسانية جمعاء.

وإذا كان الثائر يحمل بندقيته ويستشهد في ميادين القتال ويروي بدمه صفحات من المجد، فإننا وعبر الاحتفاء بهم عرفنا أنّ الفنان والمسرحي قد لعب الدور الهام والمؤثر ذاته ..نضال بالبندقية ونضال بالفكر ..لذا فإنّ حفل الافتتاح كان بحق شهادة تقدير واعتزاز بالثوار. ثوار المسرح في وجه الاستعمار. نعم هذه الدورة منحت من بقي من ثوار الفكر جزءا من التكريم نظير ما قدموه من تضحيات. لذا كان الاحتفاء بهم لوحة تحمل كل معاني الوفاء. كيف لا.. وقد كان الموت قريبا منهم ..هنا يأتي السؤال. لمن يرى أنّ المسرح دوره في اطار الترفيه      والضحك …لا. رسالة المسرح أكبر وأشمل وأعمق بكثير. رسالة المسرح مواز لكل ماهو واقعي وحقيقي. بل نستطيع أن نقول أنه خالدا أيضا.. تعالوا نقلب في سفر المسرح . ألم يطرح ذلك الاغريقي “إسخيلوس” انتصار الاغريق على الفرس في رائعته الفرس.. ألم يسجل “بريشت” في رائعته “الأم شجاعة” ويلات الحرب. ألم يطرح “محمود ذياب” في رائعته “رسول من قرية تمارا تستفسر عن اسباب الحرب والسلام” ألم يكن بيكاسو شاهدا على نتائج الحرب في رائعته “غرنيكا “..ألم يطلق أمل دنقل روح التحدي في رائعته “لا تصالح”.

الفن مكمّل لوجه الحياة، فمن شاهد فرحة المتلقي لحظة صعود جيل البطولة والفداء، يتذكر جيدا ترنيمة “محمد صالح خرفي” الشاعر الجزائري الذي ترنم بها حين زار قطر عام 1961، حيث اعتلى المنبر وصدح بشعره:

فانظر هنا تجد البطولة منبرا    وترى البطولة في الجزائر مدفعا

نعم.. كان الشاعر يحمل رسالة وطنه وأمته وهو يترنم:

قسما ليافا عودة النازي إذا انبلج الصبح وأسفرا

عيناك يا يافا سنجعل عهد اسرائيل بين جفونها طيفا سرا

نحن اذا في وطن الثورة والثوار.. نحن في وطن منح المسرحيون  حياتهم  رخيصة في سبيل  هذا الوطن ..كان الاحتفاء جزءا يسيرا من رد الدير ..ما أجمل هذا الوفاء. لوحات من الحب والايثار. كل هذا يضاف إلى انجازات الهيئة العربية للمسرح والديوان الوطني للثقافة والاعلام ..انجاز بحجم أحلام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ..أن نجدد العهد نحن المنتمين إلى المسرح، أن نؤكد من خلال رؤية سموه وبعضا من توجيهه. نعم في هذه الدورة ..تجلى هذا الاطار الأجمل والأروع ..أن يعتلي الخشبة هؤلاء العظماء من جنود المسرح. فشكرا لمن فكّر ونفذ.. وتحية للجميع فردا فردا ..ويكفي هذا الالتفاف ..لقد كان بحق لحظة فرح ..احتضان الماضي بالحاضر .. واستحضار صفحات من البطولات ..عبر معركة دارت فوق خشبات المسرح في كل الأرجاء.

المصدر/ محمد سامي مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *