الجسد.. على مائدة تشريح التجريبي والمعاصر : شيماء سعيد

في محور عنوانه «الجسد كساحة صراع آيديولوجي» أقيمت عدة جلسات ضمن المحاور الفكرية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، بالمجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا، حيث أقيمت جلسة بعنوان «الجسد الاجتماعي على المسرح» رأستها د. سامية حبيب رئيس قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وجلسة أخرى حملت عنوان «الأجساد السياسية» برئاسة د. دينا أمين مدير عام المهرجان والمخرجة المسرحية، وكذلك أقيمت ضمن المحور ذاته جلسة «الجسد بين الواعي واللاواعي والأنطولوجي والمرئي واللامرئي» رأسها المسرحي التونسي محمد الهادي الفرحاني.
في الجلسة الأولى أشارت د. سامية حبيب إلى أبرز ما في المحور الذي يتم مناقشته، كما قدمت أولا لمناقشة موضوع الندوة د. مشهور مصطفى، الذي قدم ورقة تحت عنوان «كيف نقرأ المجتمع جسديا؟.. رحلة الجسد العارض والمحاكي في المسرح المعاصر»، مشيرا إلى أن الأجساد الآدمية تعد صورا اجتماعية وسلوكية، وصورا دينية وسياسية، وأخرى ثقافية وآيديولوجية، وهي كمعطى مادي فيزيولوجي لا قيمة اجتماعية لها أو معنى ثقافي أو سياسي. أضاف: الجسد يحمل صورا ويتجسد من خلالها أو يجسدها، والتجسيد هو تصور وضع الجسم المادي في سياق وظيفة تعبيرية وسلوكية، تنتج صورة أو عدة صور، حيث يكون باستطاعة الجسم المادي أن يصبح في حال أفضل، وأن يعطي صورا لا تحصى، أي يتجسد فيها وبها وذلك من خلال قدراتنا التصويرية للأفكار وصور الأشياء.
تابع: فالأجسام تتشابه من حيث مركباتها الفيزيزلوجية، ولكنها تختلف من حيث الأجساد، وهنا يبرز الجسد الآدمي كساحة تُخاض فيها الصراعات وتُصفى الحسابات بين الأفكار والقوى والأفراد والجماعات والدول، مشيرا إلى أنه سابقا عبر التاريخ كان الجسد يقدم قربانا على مذابح الآلهة، وأن خارطته الجميلة والمعقدة في آنٍ تختصر كل خرائط أو خارطات الشعوب جينيا ودينيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وآيديولوجيا وأيضا جغرافيا، مؤكدا أنه نقطة اللقاء والمبارزة والتقاطعات عبر الأزمنة.
تابع: وإذا تحدثنا عن الجسد الاجتماعي من بين عدة أجساد أخرى، فإن ذلك يعني وجود مجتمع يقرأ جسديا، ويصبح الجسد أكثر انسلاخا عن ذاته البشرية واغترابا عنها، فتظهر المأساة عندما توضب حركات الجسد بواسطة سياسة تعتمد تربيته بشكل تضمن معه طواعيته وخضوعه لمنطق جسد آخر يعتمد عليه، وهذا الآخر هو الأعلى والأقوى والمقدس.
ومن دلهي بالهند، تحدثت مادفي مينون تحت عنوان «أجساد غائبة ورغبات حاضرة.. استبدال المستبدل لدى شكسبير»، عن أن الإنتاج المسرحي المتعدد لمسرحية شكسبير «حلم في منتصف ليلة صيف» يجعلنا نتساءل: أين مصير الرغبة في غياب الجسد. أضافت: قد يبدو هذا السؤال غريبا بالنسبة لهذه المسرحية بالأخص، فمن المعروف أنه لا توجد قلة في الأجساد في هذا النص، بل على العكس فإنها موجودة بكثرة، فالمسرحية تتطلب الكثير من الممثلين، وتقوم المسرحية بمناقشة العلاقة ما بين الأجساد والرغبة في واقع الأمر، مشيرة إلى أن الجسد يعد العنصر الرئيسي عند الحديث عن الرغبة، حيث وضع الجسد يفسر رغباته. وتساءلت: ماذا نفعل بالجسد إذن في مسرحية (حلم منتصف ليلة صيف) حيث توجد الرغبة بكمية وافرة، ولكنها خيالية وليست متمثلة في النص على هيئة جسد؟
تابعت: أنا أتحدث هنا عن الفتى الهندي المستبدل بسبب الخلاف الأساسي بين أوبيرون وتيتانيا، الذي ليس له وجود في النص، ولكنه يشغل جزءا كبيرا من حوار المسرحية ويعزى إليه سبب القطيعة بين أوبيرون وتيتانيا. تابعت: إن أجيال كثيرة من المخرجين لهذه المسرحية قاموا بحل هذه المشكلة عن طريق تجسيد هذا الجسد الغائب ووضع صبي هندي كشخصية على المسرح أو على الشاشة، ولا يتم تكليف الفتى بأي حوار إنما يتم عرضه على أنه جميل مرغوب وغريب بشكل غامض، ويقوم الإنتاج المختلف بتقديم الفتى إما على أنه غريب؛ فهو لا يملك جسدا فحسب بل هو يمتلك جسدا غاية في الجمال، وإما يتم تقزيمه وكأنه يقول معذرة على هذا التدخل، ولكن هل يمكننا الوضع في الاعتبار وجود جسد صغير هنا من السهل تجاهله، ولكن له حضور مادي بالفعل عبر تجسيده؟
أضافت: إذن، هناك نوعان من الحلول المسرحية التي نسطيع استخدامها في حالة غياب الجسد للفتى المستبدل؛ أولا: أن يكون الفتى غير موجود على خشبة المسرح (غير مرئي)، وبالتالي تبرز طبيعة الحاضر غير الذاتية لجميع الأجساد في المسرحية، وهذا النموذج يمثل الجسد الغائب، وبالتالي يمثل الرغبة ومن ثم يقدم الرغبة على أنها غير حسية. وثانيا يحاول التأكيد على الجانب الحسي للرغبة، وإن لها مرجعية ومكانا ويمكن تحجيمها وذلك بوضع كيان مادي على الخشبة.
ومن دلهي أيضا تحدث جوناثان جيل هاريس تحت عنوان «إنها حقا مزيج من الكوميديا: فلسفات الجسد التكميلية في مسرحية الليلة الثانية عشرة والمسرح الشعبي الهندي»، حيث درس مسرحية شكسبير الكوميدية الاحتفالية «الليلة الثانية عشرة» في ضوء الحوارات الهندية الحديثة، وذلك من خلال زاويتين مترابطتين: السينما الهندية وأشكال المسرح الشعبي الهندي المتنوعة، ومنها نوتانكي في شمال الهند، وسانجيت ناتاك في مومباي، وروكوتو في منطقة تاميل نادو، مشيرا إلى أن جميع تلك الأشكال تشترك في أن المبدأ الرئيسي فيها غير قابل للاختزال لكل من السلوك الاجتماعي والهوية والجسد، لكونها مزيجا لا لكونها وحيدة العنصر. قال: يكون هذا جليا في التقاليد المسرحية الفولكولورية ثنائية النوع؛ فالنوع في أي من تلك الأشكال لا يتم التعامل معه باعتباره هوية أحادية متجذرة في تشريح الجسد، بل هو مزيج أدائي من الجسد، وقد أمكن للمسرح التقليدي الهندي أن يفتح جوانب من لعبة شكسبير الخاصة بتقديمه للنوع في مسرحيته «الليلة الثانية عشرة» التي تظل منغلقة على الجمهور الذي اعتاد على الأعراف الأدائية الحديثة، حيث لعب الرجال أدوار النساء والعكس.
فيما تناولت داليا يوسف «جامعة القاهرة» في كلمتها «الجسد الانثوي وقضايا الصحة النسوية كموقع للمقاومة في نص فينيجرتوم» حيث أوضحت أن جسد الأنثى يستخدم كأداة للإخضاع، حتى في مهنة مثل الطب الذي من المفترض أن تحافظ على الجسد، مشيرة إلى مشهد الطبيب في «فينيجرتوم» لكاريل تشرشل وأنه هو مثال صارخ على كبت وتجريد المرأة من إنسانيتها. أضافت: كتبت هذه المسرحية عام 1976 حيث جمعت تشرشل التاريخ الكامل لمخاوف الموجه النسوية الثانية التي ازدهرت في الستينات والسبعينات وشددت على تحرير الحياة الجنسية وتحرير الجسد والرعاية الطبية.
في جلسة «الأجساد السياسية» التي رأستها د. دينا أمين تحدث ستيفان انتونييف (مدير مهرجان المسرح الدولي ليالي المسرح ببلغاريا)، أن الأجساد البشرية المعروضة في مسرح ما بعد الاستعمار هي بمثابة خزانة للملابس أو ديكور على خسبة المسرح لا أكثر، ويمكن القول إن استغلال الجسد قد بدأ يزيد من التغيرات الآيديولوجية والسياسية، حيث يستخدم جسد الممثل قدرته على التجسيد من خلال التوجهات الجمالية للمخرجين، بحيث إن كل جسد مغطى هو جسد ساكن، هو مجرد صورة مفتاحية للخطوط الدرامية الشكلية الأساسية. أضاف: إن استخدم الجسد العاري يعتبر الخطوة الأولى في تحويله إلى مؤشر سياسي ويمكن فهم دلالة هذه الإشارة في الثقافات المختلفة من خلال تعقد المعتقدات الدينية والتقاليد بها.
وتحت عنوان «سوء تجسيد اللحم البشري في المسارح المعاصرة ووضع نظرية للعدالة مبنية على الجسد»، تساءلت مريم بو سالمي (كاتبة ومخرجة) من يملك الجسد البشري الإنسان أم السلطة؟ الممثل أم المخرج؟ أضافت: لقد ألهمت الجرائم والعقوبات الجسدية صناع المسرح في كتاباتهم الدرامية واختيارتهم الجمالية عن وضع الجسد البشري على خشبة المسرح في صنع عروض العدالة، حيث يكون الجسد البشري هو الشخصية الرئيسية فيما يسمى بمسرح العقاب، كما يسميه ميشيل فوكو في كتابه «المراقبة والعقاب» منذ كتابة سوفوكليس لمسرحية أنتيجون، حيث سيطرة الدولة وهيمنتها على الجسد البشري، فحسب الأسطورة؛ عند وفاة أخويها، لم يسمح الملك كريون لأنتيجون أن تدفن جثة أخيها بولينيس وقد اتهمه بالخيانة، على الرغم من ذلك فإن أنتيجون تتحدى تحذير الملك كريون وتدفن أخيها، وكرد فعل على موقفها فإن كريون يدينها ويحكم عليها بالحبس داخل القبر وهي لا تزال حية، واستطاعت أنتيجون النجاة من القبر لتصبح رمزا للدفاع عن النزاهة وسلامة الجسد،
تابعت: وفي زمن لاحق، نجد في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية» الكثير من الأسئلة حول قضية عدم المساس بالجسد، عندما يخسر أنطونيو رطلا من اللحم ويتوجب عليه أن يسلمه لشايلوك لكونه غير قادر على دفع الكفالة، ليبقى السؤال: كيف يتعامل صناع المسرح المعاصر مع نزاهة وسلامة الجسد؟ ولماذا يحترمونه في ظل الليبرالية السائدة هذه الأيام؟ وما مدى الاحترام الذي يكنه المخرجون المسرحيون له؟
وفي كلمتها تحت عنوان «الوحوش ووعاء القربان المقدس على خشبات المسرح الإيرانية.. ماذا يوجد للعرض» قالت مرجان موسافي (جامعة تورنتو): بالنسبة لفنانات المسرح الإيرانيات، تعتبر كل من السرديات المسرحية والوسائط العاطفية والمدونات الجسدية بمثابة منصات من شأنها جذب الأنظار إلى قضاياهم الخاصة، بينما ينتقدون المصادر الرئيسية للسلطة المعروفة بالسلوكيات، سواء كانت دينية أو سياسية أم متعلقة بأعراف المجتمع. أضافت: مصادر السلطة هذه تقدم بشكل غير مباشر، أجساد الممثلات وحضورهم بطريقة تجعل لغيابهم وملابسهم ولأصواتهم وحركاتهم وحتى لسكونهم دلالة دينية ومعنوية، أيقونية أو تشبيهية.
تابعت: وهناك الذاكرة الفنية للمسرح التداخلي الذي يعد مسرحا لمناهضة السلوكيات تقية أم مدنسة، من خلال دراسة حالة ووفق تحليل جمالي وموضوعي، فه يقدم كيفية استخدام بعض السرديات المسرحية كوعاء مقدس لكشف المعتقدات الدينية المقدسة في حياة النساء وتوضيح إمكانية استخدام المدنس لمواجهة تلك المعتقدات، فهنالك نموذجان يمكن أن نعتمد عليهما، الأول: نص «هايولا كاني الوحوش» من تأليف نغمة ساميني ومن إخراج محمد ياغوبي، حيث يطرح شخصية درامية/ معلمة تدعى مرزية ترعى والدها الذي يعاني من فقدان البصر وزوجها الذي يعاني أحيانا من شلل النوم، وكلا الرجلين عضوان في لجنة الرقابة، فتحتار مرزية ما بين مساعدتهما في أداء عملهما أو ملاحظة استقلالها الفكري الخاص بها، من خلال تحليل العلاقة التفاعلية ما بين السلوكيات والسلوكيات المضادة في هذه المسرحية.
تابعت: هذا يجعلنا نتساءل عما يحدث من المنظور المسرحي عندما يتم إبداع عمل سريالي يتماشى مع الحساسيات الدينية المفروضة على النساء في إيران وآلية تنظيمها، أشارت إلى أن الثورة الإيرانية عادت لتجبر السيدات على ارتداء الحجاب، وهذا يولد قهرا للمرأة في المجتمع وأيضا على خشبة المسرح، وهناك أمثلة كثيرة على سيطرة القيم الدينية على صورة النساء في الأعمال الدرامية الإيرانية.
«الجسد بين الواعي واللاواعي والمرئي واللامرئي» كان عنوان الجلسة الثالثة، ضمن محور «الجسد ساحة صراع آيديولوجي»، وقد رأسها محمد الهادي الفرحاني (تونس) وتحدث فيها أولا علي الزيدي (من المغرب) حول «الجسد الواعي والجسد اللاواعي؛ دراسة في أثر فن قيادة الذات على فنون الأداء في مسارح الشرق الأوسط» قال: يتكون البحث من مقدمة وعشرة مباحث وخاتمة تحتوي على النتائج، وبدأ بأن الفكر في الشرق الأوسط ليس المكون الأساسي للثقافات الشرقية الآسيوية، وإنما هو المغذي لكل جوانبها، لهذا فإن مسارح الشرق الأوسط هي إحدى المجالات التطبيقية للفكر الشرق آسيوي القديم، ولفهم هذا النوع من المسارح يجب تناولها في إطار مفاهيمه ومعاييره الفلسفية التي أنتجته وليس وفقا للمفاهيم العقلية الغربية. مضيفا: هذا هو الخطأ الذي وقع فيه أغلب المنظرين الغربيين الذين كانت لديهم نظريات في فن التمثيل، والذين استلهموا أفكارهم سواء من الفلسفيات الشرقية الآسيوية أو فنون الأداء في مسارحهم، وقد أكد على هذا روستم بهاروشا في كتابه «المسرح والعالم».
تابع: إن الفن والحياة في الفكر الشرق آسيوي لا ينفصلان عن بعضهما، بل يجمعهما قاسم مشترك يتمثل في الوعي الحسي وهو دليل الفنان المتخصص في مجال تخصصه، ودليل الإنسان العادي في حياته العادية، مشيرا إلى أن الوعي هو المعيار الذي يضبط الفكر الشرق آسيوي ويربطه بمجالاته التطبيقية في شتى مناحي الحياة، ولأن المسرح هو أحد المجالات التطبيقية في الفكر الشرق آسيوي، فإنه ينضبط هو أيضا على نفس المعيار، هذا المعيار الذي نبحث عنه عند منظري المسرح الغربي الذين تناولوا فنون الأداء الشرق آسيوي بالدارسة والتحليل ونجده مفقودا، مما يعني صورة مشوهة عن المسارح في الشرق الأوسط، لأن مسارح الشرق الأوسط هي إحدى المجالات التطبيقية للفكر الشرق آسيوي القديم، الذي يهدف إلى بناء الذات وتطويرها لدى البشر عموما، ولأن المؤدين في مسارح الشرق الأوسط بشر في المقام الأول، فإنهم كانوا يمثلون الأسس المادية الملموسة منها والمحسوسة التي تمكنهم من بناء الذات وتطويرها، هذه الأسس المحفوظة عندهم في فن قديم يدعى «فن قيادة الذات» وهي أكثر من نصائح مفيدة، ولأن الممارس يعرف بالخبرة الذاتية أن هذه الأسس تعمل سويا على خلق جسد واعٍ تنسجم طبيعته المتجددة مع الطبيعة المتغيرة للعالم، بدلا من أن تتعارض معه أو تنساق له بدون قيد أو شرط، لهذا فعندما نتحدث عن الجسد علينا أولا أن نحدد ماذا نقصد: الجسد الواعي أم الجسد اللاواعي؟ وهذا أول أهداف الدراسة، حيث تميز بين خصائص الجسدين.
أضاف: لقد جمع حكماء شرق آسيا على مدار آلاف السنين تقنيات لتطوير الجسد الواعي وحفظوها في فن قيادة الذات أو الحكمة العلمية، ومنه انبثقت كل الرياضيات الروحية وفنون القتال وفنون العلاج وكل فنون الأداء الشرق آسيوي.
د. خزعل الماجدي (أكاديمي ومسرحي بالعراق) كانت كلمته تحت عنوان «من الجسد الأنطولوجي إلى الجسد الثقافي.. جدليات الجسد بين الهامش والمتن في العرض المسرحي»، قال: اتسعت دائرة جماليات ومضامين الجسد المسرحي لتشمل احتمالات حضوره كلها، في ضعفه وقوته وخضوعه وسيطرته ومتنه وهامشه.. ولم تعد هناك قيمة عليا لجانب على حساب آخر، لأن حضور الجسد لا بد له من ثنائيات متقابلة تتشكل وتنمو وتنحسر بطابع درامي جدلي، لكي تصبح حركته مرنة موحية.
أضاف: يعالج البحث مجموعة من الثنائيات المتقابلة والمتواشجة المتداخلة في دائرة الخضوع والسيطرة التي يكون عليها الجسد في المسرح، والتي يتنج عنها تحول نوعي يثري الدراما وحركتها، ولذا يطرح البحث من ثنائية الخضوع والسيطرة، ثنائية ضمنية تشتغل في جدل الحضور الأنطولوجي/ الثقافي حيث الانتقال بالجسد من شكله الوجودي المادي إلى شكله ودلالته وقيمته الثقافية، حيث تلعب الرموز والشفرات دورا هاما في ذلك.
أما ثنائية التابو والحلال فستطرح عبر قيم وتشكيلات جسدية تُعنى بالعري والحجاب، وبالغلق والانفتاح، التكتم والإباحة عبر حضور الجسد وفاعليته، التي ينشأ عنها التوتر الدرامي الذي يصب في مجرى دراما العمل المسرحي كله، وكذلك تلعب جدلية القناع والصراحة دورها الكبير في تركيب مسار الخضوع والسيطرة الجسدية في العمل المسرحي، فهي بتداخلها وجدليتها وتركيبها تعمل على شحذ وتنوع الأفق الثقافي للجسد والوجه، أضاف: أما الجدل (العفوية – الميلودرامية الجسدية) فينظم دراما حركة الجسد وينقلها من أفقها الساكن الثابت إلى أفقها المتعدد المتحرك، التي يمكن التحكم بها من خلال حركة الخضوع والسيطرة الجسدية.
تابع: وهناك أخيرا جدلية (الهامش والمتن) فهي الأخرى تمنح حركة وتنوعا وثراء للجسد وحركتة ودراميته؛ فهناك الغنى الهائل في الهامش والمهمل من حركة وثقافة الجسد يخدمان صيرورة المتن وينشطان تنوعه، حيث يركز منهج البحث في أساسه على المنهج التفكيكي الذي يحاول استنطاق المضمر المضاد في كل من الخضوع والسيطرة، وكشف آليات التضاد والجد وتلازمها.
أما د. هشام زيد الدين: فتحدث تحت مسمى «تخيلات الملتقي بين الجسد المادي للممثل والجسد الجمالي للشخصية»، حيث قال: يعالج البحث مسألة علاقة تخيلات المتلقي في المسرح بجسد الممثل المؤدي وتقاطعات عملية المشاهدة مع جسد الشخصية المسرحية من النواحي الجمالية والأدائية والدرامية، وفي محاولة لرصد المؤثرات غير المعلنة على عملية التلقي كونها تتعلق بمسألة غاية في الخصوصية والذاتية هي تخيلات المشاهد الشخصية أو ما يسمى بالفانتازيا.
أضاف: وفي خلال هذا البحث سوف نطرح بعض التساؤلات، هل يؤثر جمال جسد الممثل المادي أم بشاعته، إذا صح التعبير، على الاستقبال الإيجابي أم السلبي للشخصية المسرحية التي يؤديها، وهل يعطي جمال الجسد المادي للممثل قيمة مضافة يستثمرها في أدائه لدوره مما يسهل تقبل الجمهور له، وبالمقابل هل يعاني الممثل الذي لا يمتلك جسدا ماديا جميلا مما يضطره إلى مضاعفة جهوده الدرامية للوصول إلى وجدان المشاهد، هل يتساوى جسد الرجل والمرأة عند الممثلين على الخشبة في محاكاة تخيلات المشاهدين من الجنسين، وما الفرق بينهما؟ وما أثر ذلك على عملية التلقي؟ وهل اهتمام المشاهد غير الواعي وإعجابه بجسد الممثل يمكن أن يعيق متابعته وتفاعله مع الحدث الدرامي، ومع تفكيك رموز الحركة والسينوغرافيا ودلالات العرض الفكرية السينمائية؟ كيف يتعامل الممثل مع الشخصية المسرحية التي يؤديها هل يستغل جمال جسده في الوصول إلى وجدان المشاهد والتأثير فيه؟ وهل تؤثر عدم الثقة بالجسد المادي للممثل على عملية الأداء، وما هي الحدود بين الحالتين؟
أضاف: فالإجابات على هذه التساؤلات ليست أمرا سهلا خصوصا أن البحث يقع في منطقة ممنوعة نوعا ما، وتعتبر من التابوهات تاريخيا، فالبحث في مسائل الجسد يعتبر من التابوهات في منطقتنا العربية.
وقدم د. كمال العابد كلمته عن الأسس المعرفية لتقنيات استثمار الجسد المسرحي بين اختفاء المرئي واختفاء اللامرئي، مشيرا إلى تحول ثنائية الدال والمدلول لأرسطو إلى ثلاثية بيرس (الدال – المدلول – المرجع) حيث يتعالق معها حضور الجسد وتوضع في الفضاء بتحديث معرفي كجسد في ذاته وجسد لذاته وجسد لآخر وتهيأ للاستثمار بآليات مختلفة وأساليب متنوعة ليتأرجح الجسد بين الاستدلال النيتشاوي والاستدلال الأبولوني.
تابع: باستنطاقنا لعنوان مداخلتنا ينم متنه عن مفارقة معرفية تستند على عملية تلازميه بين المرئي والخفي، ويكون العنوان انزياحا أسلوبيا يتفرع إلى محورين: الأول يحمل في طياته أسلوب الكتابة وآليات التعبير، بينما يبرز المحور الثاني التحولات الشكلية والمبنى المعرفي، ويأتي الجزء الثاني من العنوان كمنجز تكميلي لهذه المفارقة لتتحول المعادلة المنهجية إلى المواضعة الركحية للامرئي وآليات إبرازه.
د. محمود سعيد قدم كلمته تحت عنوان «اللغة المسجلة في الجسد»، مشيرا إلى أنه حينما يخترع أحد المؤلفين لغة ما لنفسه، فذلك لأنه يكون غير راضٍ عن اللغة الموجودة بين الأشخاص أو بالأحرى لأنه تربطه باللغة المستحدثة علاقات عاطفية، مضيفا أن اللغة المخترعة نشأت في تجويف اللغة المستعملة كمادة أولى معها وضدها، لأنها تتفجر من الداخل. إذن، فإن اختراع لغة جديدة هي وظيفة من وظائف المسرح، حيث تغير معاني الكلمات المستخدمة بصورة مختلفة، تشجع العلاقة مع العالم باستعراض اختلافها، فاللغة المسرحية نشأت لكي تقال، كما أن النص يسهم في إنتاج القارئ وتحدد نوع القارئ الذي ينتجه النص ومدى طبيعته التقدمية.

_______________________

المصدر : جريدة مسرحنا

موقع الخشبة

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *