«التراجيديا».. المسرح الجاد يتأسس على قوة الطرح

 355

يعرف النقاد المسرحيون التراجيديا، بوصفها مجموعة من الأحداث الجادة، المترابطة على أساس سببي، ومعقول، ومحتمل الوقوع، هذه الأحداث بالضرورة، تدور حول شخص مأزوم، أو عدة أشخاص، على أن يكون الجو السائد هو جو حزين، للدلالة على مناخ أو روح المأساة، ومدى اختلافها من عصر إلى عصر.
من أهم الكتّاب المسرحيين، الذين دارت أعمالهم، حول أحداث تراجيدية، أسخيلوس، وسوفوكليس، ويوريبيديس، وشكسبير، وراسين، وغيرهم، والتراجيديا هي أحد أشكال النص المسرحي المكتوب، تدور غالباً حول موقف مأساوي، وقد يكون هذا الموقف مبنياً على قصة تاريخية.

التراجيديا، في المسرح تلزمها قصة، وشخصيات، وأغان، وقد تعتمد أغاني جوقة ومنشدين، من خلال مشهد تمثيلي ينتهي في العادة بخاتمة، والتراجيديا هي محاكاة لفعل جاد، ويحتاج للغة جادة ورصينة. وفي المسرح، يسعى النص التراجيدي لتصوير حيوات البشر، ويرصد ردود أفعالهم، تبعاً لثنائية الخير والشر، حيث تعمل كل المسرحيات العظيمة على ترسيخ فعل الخير على حساب فعل الشر، وفي ذلك إعلاء لقيم الحب والعدل والتسامح، ونشدان للسعادة البشرية المتوخاة.

في واقع المسرح الإماراتي، مثلت مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عبر كثير من طروحاتها، وتوثيقها لمرحلة مهمة من تاريخ الإنسان العربي، ما يؤكد قوة المسرح، وما يمكن اعتباره نصاً تاريخياً، تراجيدياً في الغالب، صور الكثير من مآسي هذا الإنسان، العربي، وذلك من خلال العديد من المسرحيات، منها «طورغوت» التي تعرضت لمرحلة تاريخية مهمة، حين تمكن الإسبان من اغتنام فرصة ضعف الأمير محمد بن حسين الأمير التاسع عشر من السلالة الحفصية (حكام تونس) وانشغاله بالملذات، واستولوا على معظم مناطق شمال إفريقيا، وهناك أيضاً «شمشون الجبار» التي دحضت تزييف التاريخ ونوايا العدو، وفي ذات السياق يمكن اعتبار «النمرود» لصاحب السمو حاكم الشارقة، نموذجاً على النص التراجيدي الذي يبحث في الماضي من أجل التنبيه على الحاضر، والالتفات الى المستقبل، فألّف سموه قصة استبطن من خلالها الأسباب التي تؤدي إلى تفشي الظلم والطغيان، وفي «الإسكندر الأكبر» استدعى سموه لحظة سقوط وموت هذا القائد الذي دانت له الدنيا والعالم، كما دانت له إمبراطوريات زمانه، فحارب حتى وصل إلى تخوم الهند، هزم فارس وحارب الروم واحتل مساحات كبيرة من دول العالم في إفريقيا وآسيا، وفي هذه المسرحية إسقاط تاريخي مهم لجهة أخذ العبرة والاتعاظ من الماضي.
في المسرح الإماراتي أيضاً، يمكن العثور على كثير من النصوص التي عرضت وكانت ذات ملمح تراجيدي، ومن ذلك مثلاً «صهيل الطين» لمسرح الشارقة الوطني، وهو عرض لا يخلو من الإشارات الفلسفية، كتبها إسماعيل عبدالله وأخرجها محمد العامري وركزت على الثنائيات المتضادة: الماء والنار، الحياة والموت، الخصب والجفاف..الخ. ويمكن استدراج تلك الأفكار، – أي تقديم ذلك الملمح التراجيدي في المسرح – من خلال قراءة مسرحية «السلوقي» لإسماعيل عبدالله أيضاً، ومن إخراج حسن رجب، وبطولة إبراهيم سالم، وجمعة علي، وحميد فارس، وعبدالله مسعود، وهدى الخطيب، وهي تدور حول فكرة الطمع بوصفه طبعاً متأصلاً في فئات كثيرة من البشر.

يستخدم المؤلف في نص العرض المسرحي من خلال شخصية النوخذة، الذي له أعداء كثيرون فيفكر في العثور على كلب سلوقي، ويشتري له دواء خاصاً، (إكسير يحوله إلى هيئة إنسان، يتمتع بقوة خارقة)، تجعل الكلب مستعداً للهجوم على أعداء النوخذة الكثيرين، لكي يستمر النوخذة صاحب مكانة وجاه، وهو الذي يؤدي به للاستمرار في الغطرسة، من خلال حبكة فانتازية غرائبية.

ومن العروض التي يمكن الإشارة إليها في هذا السياق مسرحية «لا هواء» التي قدمها المسرح الحديث في الشارقة، وهي عن نص لمحمود أبو العباس وإخراج إبراهيم سالم، وتمثيل مرعي الحليان، وسميرة الوهيبي وإيمان حسين.
هذا العرض قدم دراما واقعية، مؤثرة لموضوع الحصار، وألهم الفلسطيني، وفي العرض رمزية عالية وأداء تمثيلي ورؤية إخراجية عبر ثنائية الظلم والمقاومة، وقد اتسم العرض بلغة درامية موحية، لم تخل من دلالات إنسانية وواقعية في حياة الإنسان العربي، وكانت الثيمة الأساسية في العرض مستلهمة من فكرة الحصار والظلم والقسوة، التي تعادل انعدام الهواء في دلالة على على العزلة وفقدان الأمل، وشدة وقع الحدث المأساوي.

http://www.alkhaleej.ae/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *