افتتاح الدورة الواحدة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد بحمام الأنف: كلّ حمام الأنف مسرح حيّ و مشهدية الرمال المتحركة تكرّم الراحلين

ارقصوا كيفما شئتم، غنوا واصرخوا عاليا ان تحيا تونس بمسرحييها وفنانيها وصناع الحلم فيها، تحركوا أينما شئتم فكل مدينة حمام الانف ساحة للفرح والحلم طيلة الاسبوع، شاركوا المارة

أحلامكم فهم الأكثر احتياجا لسرقة ضحكة وسط تعب اليومي، راقصوا الأطفال وانثروا عليهم زهور الحب علها تتفتّح وتنعش الكل بشذى الجمال، لكم ان تقدموا ما شئتم من الفنون فمهرجان حمام الانف في يومه الافتتاحي فرصة للحلم والابداع واستنشاق عبق الجمال.هنا في مدينة تربعت حول جبل بوقرنين، هنا اين ولد علي بن عياد كان اللقاء مع الجمال في افتتاح الدورة الحادية والثلاثين لمهرجان علي بن عياد، افتتاح اختار المشرفون عليه صنع الاختلاف فكانت الانطلاقة من امام منزل علي بن عياد ثم التوجه إلى الكازينو القلب النابض لحمام الانف فالمركب الثقافي وفي كل الفضاءات توجد فرق وعروض موسيقية ومشهديات لإمتاع كل متساكني المدينة افتتاح اصبحت فيه المدينة ركحا كبيرا وممتدا مشبعا بالرموز والتعبيرات الفنية.

المسرح حياة…وكل حمام الأنف مسرح
المسرح حياة، المسرح امل المسرح تعبير عن فرحة التعبير عن مواقف هكذا قال وزير الشون الثقافية في كلمته الافتتاحية، ولان المسرح حياة وفرحة وزّعت الفرق المشاركة الفرح على الجمهور الحاضر.

كل حمام الانف تزينت بلافتات كبرى عن التظاهرة، امام منزل علي بن عياد شباب يافع يلبس بعض الازياء من اعمال علي بن عياد وكان بالصور التي نراها في المعلقات باتت حقيقة تتحرك وقلبها ينبض باسم الفن، جولة في ربوع المدينة لإحداث فوضى الفن في فضاءاتها.

امام المركب الثقافي بحمام الانف كان اللقاء مع جدارية محمد الكومانجي، جدارية على طول الحائط الامامي للمركب، تداخلت فيها الالوان والاشكال منذ منتصف النهار والفنان منهمك في الكتابة على الحائط وتزيينه بالاسود اولا ثم رسم جداريته العملاقة كتعبيرة عن الامل.

وللموسيقى التقليدية حضورها ومن تطاوين كان الموعد مع فرقة «اصحاب الوعد» فرقة قدمت بعض النغمات والطبوع التونسية الجنوبية نغمات بلون الصحراء ولونها.

وهل يحلو الاحتفال دون حضور المهرجين بألوانهم الزاهية التي تبعث في الروح النشوة والسرور هذه المرة لم يكونوا متفرقين ولم يكن عملهم ارتجاليا بل كان فنيا بامتياز وقدمت مجموعة منتدى المبدعين بحمام الانف عرض «المهرجين» عرضا تحدث عن المهرجين وقدمه مهرّجون بازيائهم المختلفة كما حكاياتهم.

لك ان تترك للشباب حريته في الغناء وواصل الجولة ايها الزائر فاللقاء مع الفنون لازال متواصلا، داخل بهو المركب كان الموعد مع معرضين فوتوغرافيين أول يقدم صورة عن أعمال علي بن عياد وثان لمن غادرونا من مسرحيين، منية الورتاني وسعيدة السراي و خديجة بن عرفة وعم الطيب الوسلاتي وعز الدين قنون والمنصف السويسي، مبدعون اختارت الهيئة المديرة للمهرجان تكريمهم برسم صورهم بتقنية الرسم على الرمل، رسمت الصور لتبقى حية ومتقدة، رسمت بتقنية مسرحية وسينمائية ليحفظ الجمهور صورهم وتبقى ذكراهم خالدة فشهائد التكريم لن تفيهٌم حقهم وهم الذين عشقوا المسرح لحد إنهاك الجسد والروح.

 

الصحراء مسرحا والرمال لغة
هنا مدنين، هنا انطلاقة الحلم والرحيل في الصحراء، رحلة عمادها الرمال، والرسم بها، رسم يحاكي الصحراء وغموضها واساطيرها، رسم باستعمال تقنية الرمال المتحركة للغوص في عوالم الصحراء ومحاولة اكتشاف اغوارها وفتح ابوابها المغلقة امام من يريدون الدخول والانخراط في حكاياتها كما تتيه حبات الرمل وسط الصحراء الكبرى.

في المركب الثقافي حمام الانف كان الافتتاح مختلفا، افتتاح خرج عن الكلاسيكي والكلمات الترحيبية وتركوا المجال للإبداع وللرحيل في أغوار الصحراء، البداية كانت مع عرض «الرمال المتحركة: انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين، إدارة جمال شندول وإخراج علي اليحياوي و رسم الحبيب الغرابي وتقنية ايمن السرتي .

يحرك يديه، ينثر الرمل على البلور، لك ان تسال ماذا سيرسم ؟او كيف؟، يحرك اصابعه ليرسم النخيل، نخلة ونخلة ثم غابة من النخيل مرتفعة الهامة ممشوقة القوام كما نفوس سكان الصحراء، ثم ينثر الرمال من جديد لإعادة النسخ ورسم صور أخرى جميعها بالرمل ومن صورة إلى رسمة إلى حكايات متعددة ابدع الحبيب الغرابي في رسمها.

حكايات رسمها بالرمل جسدت للحضور جزءا من حياة الصحراء، رسم البئر وما للماء من رمزية عند الصحراوي ورسم النخيل والجمال مطية السفر، رسم القمر مكتملا دليلا يهدي المسافرين وينير طريقهم، ورسم الخيل التي يركبها الفرسان في الغزوات ورسم المرأة بزينتها الكاملة ونظرتها الثاقبة وشموخها وهي عنوان الصحراء وقسوتها.

وفي تصريح للمخرج علي اليحياوي وبخصوص تقنية الرسم على الرمل، شار إلى أن تحريك الرمل ليس من العادات المستحدثة في الثقافة الشعبية العربية اذ ابدع العرب القدامى في قراءة خطوط الرمل واقتفاء الأثر بل ذهبوا ابعد من ذلك فنثروا الرمل لاستكشاف الغيب واسرار الحاضر والماضي ، لكن هذه العادة ظلت مجرد عادات انخرطت في سياق الموروث الشعبي الميتافيزيقي دون ان يكون لها صدى على المستوى الفني الى ان برزت محاولات عالمية جمعت بين تحريك الرمل والظلال باستعمال الانارة فكانت تقنية «الرسم بالرمل» باستعمال الضوء وعرضه امام الجمهور على شاشة في جمع بين فنون مختلفة هي الفن التشكيلي والمسرح والسينما ، فنحن امام تصور جديد لفن الرسم، تقنية جديدة من شانها ان تساهم في تقريب فن الرسم من الجمهور، فالرسم على الرمل ليس مجرد رسم ثابت على محمول محدد بل هو رسم يولد ويتلاشى في لحظة متحرك يتناسخ يروي ويسافر بالمتفرج الى عوالم سحرية مغرية.

في عرض الرمال المتحركة صمت الجمهور وركز الجميع على حركات الرسام فلكل حركة حكاية لكل ذرّة رمل قصة، ابدع الحبيب الغرابي في الرسم وكانه يحاكي الموسيقى تلك الموسيقى التي انطلق بقصيد «مازلت باطي ومازال ريحي مابغاش يواطي» وهي قصيد عن التمسك وعزة النفس ومعها يرسم الفنان صور للنخيل بعضه شاخ وبعضه لازال جريده اخضر يانع مشبع بالحياة، تتواصل الرحلة مع صوت للتجمعات وجعجعة الجمال فصوت الاعراس واغاني الجنوب ورائحة الصحراء وعبقها عرض يقول ان «الصحراء فردوس» جدرانه من عدم.

و الرمال المتحركة مشهدية بصرية تعتمد تقنية الرسم على الرمل تقتفي اثر الإنسان العربي وفعله في الصحراء في مكان ما من صحاري الجنوب التونسي رحلة سحرية إلى العوالم الأولى البكر، استعادة قيم الجمال الصافية مصالحة مع الذاكرة البعيدة، الذاكرة الوجدانية النابعة من نقاء الصحراء وشموخ النخل واعجاز الطبيعة، مراوحة بين الصورة والايقاع بين الشكل والحركة والضوء، تنسيق مبتكر للرموز والاشارات اليدوية بعفويتها وشاعريتها المطلقة المتجانسة مع محيطها مشهديات لا تموت وان ماتت فهي حية دائما لانها حرة فالحرية وحدها تجعل الموت ميلادا.

لمدة نصف ساعة او يزيد عانق جمهور حمام الانف الحلم، مشوا في ثنايا الصحراء وعاكسوا هسيس رمالها وصفير رياحها، رحلة اكد فيها علي اليحياوي عاشق الصحراء ونصوصها ان الصحراوي دائما يفضل أن تكون جنة منشودة، موعودة لا موجودة فالصحراوي لا يحتاج الا للحكمة كي يكون سعيدا، وبتقنية الرسم على الرمل اكتشف المتفرج أن قبول الصحراوي الحياة في هذا الفضاء الذي لا حد له إلا طلب «واو»، الحقيقة أو السماوية وليست الملوثة، بحث كما الحلم، ومن خصائص هذا الحلم انه يبدا فكرة، ثم يشتد ليصبح شجنا ثم يتحول ليصبح هوسا وسؤالا وجوديا فواو الحقيقة هنا قفص الصدر اسوارها والسكون لغتها والبلهاء هم الذين يبحثون عنها في المفازات الخيالية» كما يقول الليبي ابراهيم الكوني كاتب الصحراء في رواية (المجوس).

والحلم في العرض يكتسب معنى الحياة معنى النداء، النداء الى الحرية، الى اختراق الاصفاد وتحدي الصعوبات فان تكون هو ان تحلم بانك فعلا تسعى لبلوغ «واو» الحقيقة التي تعني الحرية فالحلم هنا معادل للحياة.

ومشهدية الرمال المتحركة كانت عنوانا للابداع والتميز والحياة.
افتتحت الدورة الحادية والثلاثين بعروض مختلفة وتعبيرات فنية ورموز ابداعية جميعها تدعو لترك الموجود والانخراط في المهرجان طيلة اسبوع والاستمتاع باجمل الاعمال المسرحية التونسية، افتتاح وان عرف هنات عديدة ولكنه يبقى تعبيرة فنية مميزة.

هوامش:
• في الافتتاح وضعت «السجادة الحمراء» لوزير الثقافة فترك السجاد ودخل من الجانب الأيمن للمركب عملا بمقولة علي لعريض «ستنيناه من قدام جا من جنب».
• إحدى أعضاء الهيئة ووسط ضوضاء حفل الافتتاح نجدها تهمس إلى مجموعة من اصدقائها «بروا خوذو كسكروت بالتن، بالتن الكسكروت».
• عضو اخر من هيئة التنظيم تدخل بعض العازفين الصغار وتضعهم في المقاعد الامامية ثم تطلب منهم الانتشار داخل القاعة «انتشروا واضربوا شوية كي يخل الوزير» فهل المهرجان سيدتي يقف عند كلمة وزير الشؤون الثقافية؟ وماذا سيضربون؟ فهل العزف على الايقاع او القيثارة «ضرب» عندك وانت استاذة مسرح؟.
• «تي احنا في مهرجان مسرح والا موسيقى؟» هكذا علقت احدى امينات مكتبة عمومية ببن عروس في سؤال انكاري عن حضور الموسيقى أول حفل الافتتاح؟
• قارئة الكلمة الترحيبية ترحب بالتونسيين ضيوف المهرجان باللهجة السورية واللبنانية، طريقة علقت عليها احدى الحاضرات «هذا تاثير قلوب الرمان وقطوسة الرماد والدبلجة التركية».

 

مفيدة خليل

http://ar.lemaghreb.tn/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *