إن غابت الرؤية الفكرية عن العرض المسرحي ” تصحيح ألوان “!

 

تتصارع، فكانت الجائزة انطلاقة لأحداث العرض، رغم أن العرض قائم على شخصيتين، وليمضي في تعرّية كاتّب روائي، عضو في أحد الأحزاب اليسارية الذين تعرض أعضاؤهم للسجن في بداية الثمانينيات، مع إن العرض لم يوفق كثيراً بالإشارة الزمنية إذ مضى أكثر من ثلاثين عاماً على الفترة الزمنية المراد الإشارة إليها، وكان  هذا الروائي قد لطش مخطوط رواية من بيت صديقه عقب وضع منشورات سياسية ممنوعة، في بيته، ووشى به للسلطات الأمنية، فقبضت عليه. هذا الإقصاء لصديقه جعله يتفرّد بالزوجة التي هي بالأصل حبيبته، لكن ذلك الصديق كان الأمهر في اقتناصها والحجر عليها ضمن عمل البيت مقصياً إياها عن عملها في المسرح كممثلة، حتى لا يراها غريمه! وهذا المخطوط الذي يظل في حوزته طويلاً يفوز بجائزة عربية كبيرة بعد نشره كرواية، وتضعه في دائرة الضوء بعد العتمة التي عاش فيها رغم امتلاكه قبلها لأربع روايات. ذلك الحدث يلفت إليه نظر ابنة صاحب الرواية الأصلي ” مايا / ميريانا معلولي” فتطلب مقابلته لإجراء حوار معه، كونها تعمل صحفية، وتقوم بفضحه على الموقع الإعلامي الذي تعمل له، وبالصوت والصورة ببث مباشر، ليزداد حقداً وسمّاً عندما يعلم بذلك، فيبوح بعلاقته مع زوجة صديقه وبما احتفظ به من أسرار علاقتهما. لأجل أن ينتصر على الابنة التي ادّعى أنه كان يعاملها كابنة له.

المرأة مستلبة وخاسرة

ولنا أن نلاحظ أن المرأة في العرض، خاسرة وضعيفة، الزوجة/ الأم، والابنة. فشخصية الروائي شوّهت الأم، ولم نعلم هل هي حقاً تعاونت مع هذا الخائن للصداقة وللحزب، وفق ما ادّعى، فأعطته مخطوط الرواية، وساعدته على وضع المنشورات، وأنها كانت خليلة فراشه في غياب الزوج المسجون، أم لا؟! هذه الأفعال لم يسوغها لنا العرض، أي أنه لم يسوغ لنا استلاب هذه المرأة تجاه هذا الرجل. هل هي تحبه فعلاً وعملت كل شيء لأجل إسعاده، إذاً لماذا تزوجت صديقه وأنجبت منه طفلة؟ لاسيما أن ما أخبرت به ابنتها عكس ما ادّعاه الروائي. ثم جاءت الابنة على صورتها، ضعيفة لكن جسدياً، ضعيفة بمرضها (الصّرَع) فاستطاع الروائي أن يستغل الأولى وزوجها، ثم يسيطر على الابنة خلال نوبة المرض ليضعها في حقيبة كبيرة للتخلص منها، ولا نعرف أصلاً لماذا بعد أن فضحته على الملأ بوساطة “الفيس بوك” يريد التخلص منها؟ فذلك لن يغطي على جريمة  تشير إليه بعد تلك الاعترافات!

إشارات استفهام وتعجب!

وفق ما جاء عليه العرض يدفعنا لنطرح أمام كاتبه ومخرجه أسئلة كثيرة، يتداخل فيها الدرامي مع الفكري، منها: أين الاستنكار لما تعرض له ذلك المثقف ورفاقه من سجن مدة عشرين عاماً، بحجة أن عملهم السياسي كان ضد الدولة؟ والأهم من ذلك ما قيمة استعادة هذا الحدث في وقتنا الحاضر الذي تقوم فيه السلطات المختصة بالمصالحة مع من حملوا السلاح ضد الدولة، وليس على حيازة منشورات، وإن كانوا من شريحة غير المثقفين؟!

كيف ظل الروائي طوال (أو معظم) فترة سجن صديقه يتردد على بيته ويعاشر زوجته، وكان يسعف الابنة ليلاً للمستشفى جرّاء ما يصيبها من نوبات الصرع، ولم يستطع التعرف عليها عندما جاءته كصحفية لتكشف سرقته لرواية والدها؟!  إذاً ثمة خلط في سرد الأحداث وكان يفترض تحديد كل حدث منها بمفاصل زمنية، إذ لا يقدم العرض عدد السنوات التي انقطع فيها عن رؤية عائلة من وشى به. فضلاً عن أن العرض اتخمنا بالعلاقة الوشيجة بين الروائي والزوجة أو حبيبته سابقاً، ثم صفعنا بأنه اشتعل حزناً حين أخبرته الابنة بوفاة أمها !!! وفي غياب ذلك التحديد توهم ” العرض” انه كافٍ ليقنعنا بعدم تعرفه على الابنة!. وبالعودة للإشارة إلى الخطأ في نقطة الارتكاز التي اعتمدها ” إسماعيل ” في بناء عمله وهي الجائزة، لم يقنعنا لماذا احتفظ هذا الروائي اللص لأكثر من عشرين سنة بالمخطوط ولم ينشره إلاّ مؤخراً، فماذا لو فعل ذلك و” مايا ” طفلة؟. ومن جهة أخرى  لماذا أصر الروائي على الاستهزاء بالصحفية رغم أنها استشهدت بأقوالٍ من الرواية، أو سألت عن بعض شخصياتها بمسمياتهم، متهماً إياها بعدم إطّلاعها على الرواية، ثم رمى لها بطريقة غير لائقة بنسخة منها كي تقرأها، دون أن يكون لهذا الفعل مسوغاته الدرامية!.

وقد لا ندقق كثيراً في انشغال الصحفية “مايا” عن البحث عن دواءها، مع أنها بدأت تشعر باقتراب نوبة الصرع، بما رماه الروائي فوقها وحولها من رسائل عشق تؤكد العلاقة بينه وبين والدتها،،حتى تفاقمت حالتها، فاستغلها وسيطر عليها، بعد أن كانت تهدده بالقتل بالمسدس الذي ظلت توجهه نحوه فترة طويلة. لكن ما هو أخطر في العرض غير إدانته لشريحة المثقفين، يتجسد بالإدانة الأهم للابنة، التي بدلاً من أن تلجأ للقانون ليقيم عدله في أن تتقدم ببلاغ ضد الكاتب الذي سرق المخطوط، جعلها تتحرك بشكل ثأري، كاستغراق العرض في إدانة الشريحة المثقفة وللأجيال التي أنجبتها ورعتها !! وهذه أكبر طعنة يوجهها العرض لتلك الشريحة.

تلك الأسئلة وغيرها، ساهمت بعدم اقتناعنا كمشاهدين بالعرض، لغياب الرؤية الفكرية عنه، بل وبتشوشها كثيراً. وخير دليل على تشوشها، تصريح المخرج “إسماعيل” والممثلة “ميريانا”، بشكل منفصل لفضائيتين سوريتين بأن في العرض صراع أجيال، والعرض أبعد ما يكون عن هذه الفكرة!!

(بطاقة العرض: الإنتاج: مديرية المسارح والموسيقى بدمشق. دراماتورج : لؤي ماجد سلمان، مخرج مساعد: بسام البدر، سينوغرافيا : أدهم سفر، ديكور: زهير العربي، تصميم إضاءة : نصر الله سفر، موسيقا : رامي الضللي، رسم حركي: محمد شباط، مشرف تقنيات: بسام حميدي، مساعد مخرج : رامي سمان، أزياء ومكياج : سهى العلي، مديرة منصة : إيفا إسماعيل.)

 

 

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *