إشكالية التلقي في الخطاب المسرحي – العراق

وضع لنا ارسطو اشتراطات للخطاب المسرحي بعد ان درس الظاهرة المسرحية بشكل واع وحفر في تركيباتها، التي بلورها في مجموعة من الاشتراطات، ومن أهمها أن يكون الخطاب متهيكلا على وفق ما يمكن أن يحدث، او على ماهو كائن، أو أدنى مما هو كائن وأكد أهمية ان يكون متمثلا للشرط الاول بوصفه استشرافاً تنبئياً للمستقبل، وهذا لايعني أن يكون متعاليا على الواقع بدرجة يتفارق معه. وبين شروط الجمال والواقع هناك الكثير من الالتباس الذي يهيمن على هذا الفعل الابداعي بوصفه أحد انساق التعبير التي عرفتها ثقافتنا في وقت متأخر، وهذا لايعفي او يسوغ لمزيد من اللافهم له. لانه بعد ان تجاوز فعل التعاطي مع الثقافة المسرحية مايزيد على أكثر من قرن، فمن غير المقبول أن يبقى الالتباس يلف هذا الخطاب، وسبب ذلك الاصرار على تأكيد سوء الفهم لارساليات هذا الخطاب، ولانه لايحقق كينونته الجمالية الا بشرط تقديمه الى الجمهور(المتلقين)، وعندنا انقسم بين تركيبين دراميين لاغير، فالتركيب الاول المسرح الجاد الذي يغرق في الغموض والتهويم الايحائي، وهذا الشكل قد حال دون تواصل جمهوره مع ارسالياته الجمالية، والتركيب الثاني ما يطلق عليه اصطلاحا المسرح التجاري او تزويقه بالمسرح الشعبي، اذ تدنى في خطابه دون الواقع بكثير مما اساء الى الذوق العام، وكلا التركيبين أسهما في نفور الجمهور منهما،وبقي، يتراوح بين القبول وعدم الاستجابة له مما أسهم في تعطيل الفهم والتواصل معه.

لأن صانع هذا الخطاب الابداعي افترض ان المتلقي يقبل ويستسيغ ويستجيب لأي شكل. ناهيك عن الخلط في مفاهيم الجمال المسرحي كما انه جزم بأن الزج العشوائي بمفردات وعلامات بشكل عشوائي هي احد ممكنات الابداع، فضلا عن الجهل باشتراطات البث الجمالي المسرحي، الذي يحدد بحسب فلسفة شكل ومضمون الخطاب الجمالية، اذ لا يفرق بين بين نوع واخر، فتراه يقدم خلطة غير واضحة تغوص في الغموض والفوقية التي لاتنتمي الى الخيال او الواقع، مما يؤدي الى النفور من الخطاب. او انه يضع متلقيه في دوامة اللافهم، فتجد الخطاب غير منسجم في تشكيل منظومته الفنية.

فضاء النخبة

وهنا نقول ان هذا احد اهم الإشكاليات التي نأت بالخطاب المسرحي عن جمهوره، ونفرته منه، وبالتالي لم يتمكن من ان يصنع جمهورا متذوقا يتابع فعله الثقافي ويبحث عنه. وعندها فقد خطابنا المسرحي قدرة التاثير أو التغيير في محيطه الاجتماعي، فبقي يدور في فضاء النخبة، وهذا الفهم اليسير جعل من الخطاب المسرحي خطابا منغلقا على ذاته، ما أفرز فوضى ثقافية تتجاذبها انماط الشللية والصراع بين صناع الخطاب المسرحي، اذكل مجموعة مسرحية لا تسمع الا صوتها. والخطاب المسرحي متفرد بعده خطاب فهم الاخر وقبول الرأي والرأي الاخر، فكان سريع الاستجابة للطائفية السياسية في اسوأ صورها ومتماهيا معها في قبول او رفض صوت اي منجز اخر ،وكأن الطائفية السياسية. قد انعكست على مجمل الحراك الثقافي، وهذا لايعني رفض الجماعة الثقافية، بل على العكس من ذلك انها تكون اكثر فاعلية في ترسيخ ثقافة المسرح لدى الجمهور، وتكون احدى علاماته السلوكية.وان لا ينحسر في التعبير عن حاجة جماعة محدودة في الفكر ومنتميا لطروحاتها فقط. نجد انها لا تنتج غير الالتفاف على براغماتية هذه الجماعة مما يعطل الخطاب المسرحي عن انتاج وقراءة راهنية الواقع واستشراف معطيات ما يمكن ان يحدث.

دور المسرح

وهنا نجد ان خطاب المسرح بحاجة الى اعادة قراءة اهم مقولاته الاجتماعية (اعطني خبزا ومسرحا، اعطيك شعبا مثقفا). وفي رأينا ان دور المسرح الابداعي في مجتمعات تغص في اشكاليات فكرية واجتماعية، يشترط عليه ان يكون فاعلا اجتماعيا بامتياز، لا ان يعيش في حلم التجريب المقلد والمستنسخ، الذي انتج بدورها اشكالية في تلقي الخطاب المسرحي على مستوى النخبة والعامة معا. لأن فنون الاداب والتعبير لا تحقق ذاتها الا بحضورها الفاعل في حاضنتها الاجتماعية، وهذا لا يحدث الا اذا تنازل صناع الخطاب عن نرجسية الابداع التي تمثلهم حصرا، فكيف يمكن ان يغير الخطاب المسرحي في الذوق العام وصناعه لايقبلون رأياً نقديا يتعارض معهم .

—————————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – سافرة ناجي – شبكة الإعلام العراقي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *