أيام قرطاج المسرحية.. الشمعة المئة للمسرح المغربي

المدرسة لم نعهدها تقليدية الأنشطة كما دأب عليها التونسيون، نشهدها تعانق المسرح وتحتفي بأيام قرطاج المسرحية. المنبر يتجلى إنسانياً مفعماً بالمواثيق الدولية للحقوق الإنسانية: ثقافية واقتصادية واجتماعية. هي أيام قرطاج المسرحية في دورتها السابعة عشرة. انطلقت في 16 اكتوبر واختتمت فعالياتها الفنية والثقافية يوم أمس. زخرت بحوالي ستين عرضاً، نصفه تونسي والنصف الآخر عربي وافريقي واوروبي. هي بانوراما فنيّة مضمونها بدءاً الإنسان وختاماً التنوع والاختلاف.
الحكواتي «فوزي اللبان» ينشر البسمة في شفاه اطفال ولاية مناجم الفسفاط قفصة، تلك الجغرافيا الأكثر تلوثاً وفقراً في تونس. عمل مسرحيّ ينتمي إلى برنامج العروض المسرحية الموجّهة للتلاميذ في مختلف المناطق، تنطلق من الشمال التونسي، من بنزرت ونابل مروراً بزغوان وقفصة وصولاً إلى بوابة الصحراء توزر ومن بعدها مدنين وقبلّي. حوالي خمسين عرضاً مسرحياً بالولايات المذكورة تستهدف حوالي خمسين مدرسة. هو التلميذ في القرى الجبليّة يستمتع بالفنون والثقافة التي قد تُنسيه القليل من عناء التنقل مشياً بين الطرقات الوعرة في غياب منظومة نقل مدرسي تراعي مصلحته الفضلى.
تعود روح عز الدين قنون، تخرج من مسرح «الحمراء» يدها اليمنى لتمسك بليلى طوبال واليد اليسرى تمسك بريم الحمروني. امرأتان اعتنقتا المسرح حتى طوّعتاه حراكاً شعبياً ثقافيّاً في كل تفاصيله. تطير الرفقة الثلاث من «باب دزيرة» الركن الشعبي الذي يختلط فيه سائق سيارة الأجرة ببائع الأقمشة وبائع الجرائد بالفنان والمسرحي، امام السفارة الفرنسية. ينتمي «غيلان» الى الشخوص الثلاثة، يحاذون الزربية الحمراء التي تصعد حتى مدرج المسرح البلدي المتربّع على عرش شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة. ينبلج ظلام الركح وتنتشر روح عز الدين قنّون فاتحة ايام قرطاج المسرحية. هي مسرحية «غيلان» لقنون، القيمة الثابتة في المسرح التونسي. وافته المنية فجأة منذ سنة. فاتحة تعيد لنا رسالته الشهيرة التي تلقاها وزير الثقافة منذ سنوات وفيها انهالت عليه الأسئلة لتقول له «هل عرفتني؟ لا أظن، ومهنتي هل تعرفها؟ فلا أظنّ فنا صنع الأحلام عندما كان الحلم ممنوعاً… وعنوان بيتي هل تعرفه؟… لا أظن.. إنه مسرح الحمراء قاعة عمرها 89 سنة».
«المحفل» عانق الافتتاح لهذه السنة. عمل من تصور الفنان الشاب «محمد علي بن جمعة». هو مشهدية الحضرة. فنون الركح والتعبير الجسماني والفنون الشعبية حركة وموسيقى وكذلك غناء. يكتمل اليوم الأول بعرض ثمانية أعمال مسرحية تنطلق بـ«غيلان» لتمرّ بـ«كعب الغزال» و«العساس» و«الماكرون» و«سوس» لتقف قليلاً في «راس النهج» لتصل إلى «العيشة منامة».
ربما هو الطفل المبتسم في قريته الجبلية يقترب من المهرّج ومن الحكواتي ومن الممثل المسرحي ثم يعود عز الدين قنّون زنبقة المسرح التونسي ورمز المقاومة الفنيّة لترفرف روحه في المسرح البلدي بتونس العاصمة والافتتاح إنما هو «لمسة وفاء لروحه واعترافاً بالمسيرة الهامّة في تاريخ الفن المسرحي التونسي المعاصر على تعبير مدير الدورة الحالية الأسعد الجاموسي. ربما هو العرس المغاربي كذلك، إذ تحتفل أيام قرطاج المسرحية بالشمعة المئة للمسرح المغربي.
في هذه الشارة الإنسانية اختلاف وتنوّع يتمظهران ركن «المنابر» بعنوانه العريض «المسرح وحقوق الإنسان» لتكون الجلسة الاولى بعنوان «دور المسرح في الوعي بحقوق الإنسان» تحت إشراف كمال الزغباني ثم الجلسة الثانية بمبحث «الأوضاع المقارنة في باب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت إدارة الفنان والحقوقي الحبيب بلهادي، لتتواصل الجلسات مهتمة بالوضع التونسي في محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقانون الأساسي للفنان.
اكتوبر المسرح في تونس فرصة أخرى لحراك ثقافي يحاول ملامسة القرية الجبلية والتلميذ والإعلان العالمي للحقوق الإنسانية في انتظار ايام قرطاج السينمائية في سابق الايام في الجغرافيا نفسها تقريباً وعلى امتداد الزمن نفسه.

 

حسان حاجبي

http://assafir.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *