أقاليم الجسد المسرحي د. جبار خماط حسن مؤسس العيادة المسرحية

 

أقاليم الجسد المسرحي د. جبار خماط حسن مؤسس العيادة المسرحية
حين غادر المسرح مفهوم الجسمية المقيدة بالبايلوجبا الحسية ، التي تقترن بالغرائز الضرورية ، فانه دخل الى مفهوم الجسد ، الذي يعمل بالتعبير بوصفه طاقة دلالية منتجة للمعنى ، فالعام هو الجسم الذي يشترك به الجميع ، اما الخاص فهو الجسد الذي لا يتقن أبعاد تميزه الا من أوتي دراية وفهما لوحدات انتاجه في فضاء التمثيل وبيئة الاخراج ، فالممثل قبل ان يتحرك خطوة على المسرح ، محض آلة جسمية ! لكن مع حركته ، يدخل حقلا دلاليا ورمزيا ، يتباين عمقه وتاثيره، بحسب خبرة الاداء التمثيلي ، وللجسد مسافته الشخصية ، حين يعمل بذاته ، ولذيه ايضا مسافة عمومية ،حين يعمل الاخر في أقاليم متنوعة يتيحها لنا الاخراج المسرحي في معالجاته المتنوعة، اذ نجد جسد المسرحي له إقلبمه الاسلوبي الذي تنمو حياته ضمن ظروف عملية ، إما تسمح له بالعمل الابداعي فيجد حربته ، واما يكون مقيدا فيكون مستلبا في حدود أقلبم المعالجة المسرحية ! تتحدد في المسرح مقولة الجسد السياسية ؛ التي لها دستورها الخاص الذي بعرضه على الجمهور ، بوصفه شعب فني ، تم اختياره بعناية وقصدية الحضور والمشاهدة .ولهذا اقاليم الجسد المسرحي تعددت مع تنوع الاساليب والمذاهب والحركات المسرحية ، اذ نجده ينتقل من الساكن الايقوني الى الرمزي التعبيري في رحلة جمالية وفكرية دفعت اقالبم الجسد نحو تطوير لغاته المعبرة في رسائل مباشرة وغير مباسرة ، تبعا لمضمونها السياسي المحرك لها ، فقد نجد له توجه معارض ضمني او غير مباشر ، مثلما نجده لدى ممثل المايم الروماني ، الذي كان معارصا مظمرا لرفضة البطش والاستبداد الروماني ، في حين نجد – قبله – إقليم الجسد اليوناني ، محايدا لدى الممثل اليوناني ، جسد مستقر وساكن وثقيل في حركته وانتقالاته ، لانه كان منقادا للرسالة الفكرية المستقرة او المعبرة عن النظام الديموقراطي الذي كان سائدا لدى اليونان ، في حين نرى اقاليم الجسد.تعددت وتنوعت في اطار تعبير ضيق الدلالات في مفهومها الديني لدى مسرح العصور الوسطى، الذي كان ينتقل مع الجمهور المريدين داخل الكنيسة ؛ الى عوالم خارقة وسرية في حياة السيد المسبح ، تتضمن شفرات وعلامات اتفاقية تعمل ضمن مضمون ديني ، تمثل حدود إقليمم الجسد المسرحي الديني . بعدها ظهر أقليم جسد مغاير ، تمرد على القاعات المغلقة ، وعاد الى الشارع ، ليتكون الاسواق والاماكن العامة معملا لاشتغال مسرحه ، الذي يتبنى الارتجال والازباء الغريبة والاقنعة ، والابتعاد عن النص الجاهز ، انه اقليم الجسد الحر المنفتح على دلالات متنوعة، تبنت تسمية الكومبديا دي لارتا .ومع تطور النظرية العلمية في تفسبر الوجود والانسان والنظر اليه بوصفه نتاج بيئة ووراثة تصنع الملامح البابلوجية للجسد ؛ الذي اصبح اقليما جاهزا لا جديد فيه ، فقط بعض الاشارات التي تكون انعكاسا للبيئة . ان ظهور فلسفة الحدس لدى (( هنري برجسون ))وتاكيده في كتابه (( الضحك )) على عنصر المفارقة في الجسد ومفارقة المعنى ، ليدخل في دائرة كسر التوقع لدى الشخصية والمتلقي على حد سواء ، وهو ما يعني ان الجسد اصبح علامة اصطلاحية لها وظيفتها ودلالتها المستقلة ، ويهذا ظهر مفهم خصوصية الاداء الجسدي ، الذي يفارق العادي والمةلوف ، ، ولهذا اصبح الجسد الايمائي اقليما مشتقلا له حدوده الاسلوبية ، التي تطورت مع الرقص الايقاعي المسرحي ، او ما يعرف ب (( الكيروغراف )) الذي اصبح معيارا للحرية في استثمار الجسد . وهنا – نسال امام كل هذا التطور في اقاليم الجسد في المسرح العالمي – ماذا عن اقليم الجسد في المسرح العربي ؟ هل يمثل هوية اسلويية ذات مضمون عربي ؟ وهل ثمة كيروغراف او معالجات أدائية للجسد ، فيها افق عالمي الاشتغال والتاثير ؟ اعتقد ان الجسد في المسرح العربي ، لم يحصل على اعتراف شعبي من الجمهور باستقلالبة اقليمه الاسلوبي ، لانه محض نسخ وتكرار لتجارب عالمية مع بعض التغيير الطفيف ، وهنا يتطلب منها رسم افق بخط بياني اسلوبي يتصاعد مع خارطة طريق تعمل على تطوير لغة الجسد المسرحية وصولا الى لحظة إعلان اقليم جسدنا المسرحي المستقل لا يمكن ان يتحقق هذا الاقليم الاسلوبي للجسد ، ما دامت فينا التابعية للاخر انموذجا ثقافيا ، من خلال تجاربه المسرحية الناضجة في حدودها الزمانية والمكانية ، ضمن فضاء ثقافي ينتمي الى بنية حضارية وعلمية تراكمت لديهم ، ونحن ناتي في لحظة هروبية من واقعنا الذي ينتظر منا معالجات نوعية تتمثل فيها خصوصيتنا الثقافية . إن هذه التابعية للاخر الدولي ، اوجد لدينا طبقة ادائية معزولة في نتاجها لا تحقق افق تواصلي واسع التاثير ، وهذا يعني ان اقليمنا الخاص بجسدنا المسرحي مازال مشوشا في افقه الدلالي والفني ، الذي لا يمكن ان يتطور مع قطيعة المسرحي العربي مع جسده الفلكلوري والتاريخي والطقوسي ، الذي لو استثمرنا خزائنه الجمالية ، فاننا نحقق معادلة اقليمنا الجمالي الخاص بالجسد المسرحي .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *