أبو الاحتفالية في المسرح العربي: العالم يُعطينا قبحاً

 

فنان مبتدئ.. مغمور.. يتلمس خطواته الأولى، تعريف كوميدي بدأ به العرض المغربي “شابكة”، في التعريف بكاتبه “أبو الاحتفالية في المسرح العربي” الدكتور عبد الكريم برشيد، الذي يرفع سيف الفن لمواجهة “مُر” الواقع، محرراً المسرح، في نظريته الاحتفالية من كل القيود المضروبة عليه.

الشارقة 24 – حوار محمود سليم:
تجده حُراً كمسرحه، يُحب الجميع ويُحبه الجميع، قابضاً على جمرة الفن بيد قوية كحديثه حول نظريته الاحتفالية، ليغدو الأب الروحي لها، كتابة ونقدًا وتنظيراً، يدعو لمسرح نابع من جذور التاريخ، ومستلهم لوقائعه، ومتفاعل مع تحولاته المجتمعية وقضاياه المصيرية.. مخلصاً لفنه يؤكد أنه على الدول العربية توفير المسرح للمواطنين كالخبز، والعلاج، لأن دواءه حلو لواقع “مر ومظلم”، يعتبر أن الفنان هو من يقرع الجرس عند الخطر، وزرقاء اليمامة التي ترى بعيدًا، وضمير المجتمع والأمة.. الخشبة بالنسبة له مرآة سحرية يرى فيه الجميع أخطاءه بما فيهم الحكومات.. يرى الكاتب المسرحي المغربي الكبير الدكتور عبد الكريم برشيد، أن ما شهده العالم العربي من هزات منذ 2011 حتى الآن انعكست على المسرح، مشيراً إلى أن الفن يقف دائماً في مواجهة الفكر المتطرف، يدافع عن الحق في وجه الباطل، وينصر الجمال متغلباً على ما يُصدره العالم من قبح، “الفن هو دين، فإذا كانت الديانات كثيرة، فالفن واحد وهو ملك الإنسانية”، هكذا يؤمن..
شاركت مسرحيته “شابكة”، التي ناقشت التحولات الاجتماعية العربية، من إخراج أمين ناسور، وتمثيل فرقة الأوركيد المغربية، في الدورة 11 من مهرجان المسرح العربي بالقاهرة، والتي أقيمت يناير الجاري، وكان لـ “الشارقة 24″، هذا الحوار:
– العالم العربي يشهد الكثير من التطرف والإرهاب.. كيف يمكن للمسرحي أن يعمل على النمط الاحتفالي في ظل هذه الظروف؟ 
يُمكن أن تُقدم الأشياء المُرة مثل الدواء، مغلفة بشيء من الحلاوة، فنحن نقدم الواقع المر بكل تأكيد، ولكن من خلال فن جميل يستطيع أن يصل للناس، ويحرك مشاعرهم، ويحمل لهم القضية والسؤال، ويفتح لهم آفاق العالم، وبالتالي ليس ضرورياً إذا كان العالم مُظلماً أن نقدمه بطريقة مُظلمة، ونزيد الناس هموماً على همومهم، وعندما نتحدث عن المسرح باعتباره فُرجة، فإن معناها التفريج عن الكرب، ولهذا فإن الاحتفالية تتبنى هذا المسرح الذي يؤمن بالفرح، ويؤمن بالحق في السعادة، والفن الجميل، وبحق كل الناس في أن تكون لهم كرامة، فالغاية النهائية هي تغيير العالم نحو ما هو حقيقي، لأنه احتفالية تُميز بين الواقع والحقيقة، والواقع حقاً مر، ولكن هذا الواقع ليس حقيقياً هو مُزيف، زيفه المزيفون، وأفسده المفسدون، ويحتاج إلى إصلاح، ويكون هذا الإصلاح بالفن، الذي هو أرقى ما أوجد الإنسان حيث لا تكتمل إنسانيته إلا به، فالمسرح دواء حلو لواقع مظلم.
– هل تعتقد أن المسرح يمكن أن يواجه الفكر المتطرف المُصدر لنا من الخارج؟
نعم يمكن، لأن أولئك يدافعون عن الباطل، والفن يدافع عن الحق والحقيقة، ويدافع عن الجمال، والفن هو أيضاً دين، فإذا كانت الديانات كثيرة فالفن واحد، وهو ملك كل الإنسانية، ويمكن أن يجمع القلوب كما نجتمع الآن في مهرجان المسرح العربي بالقاهرة، جئنا من كل الدول وتخطينا الحدود، فأقول إذا فشلت القمم العربية في هذه المواجهة، فإن المؤتمرات الفنية أو المسرحية نجحت، لأنها على الأقل جمعت أفراد الوطن العربي، وهذا شيء جميل جداً، فيمكن أن يكون المسرح لغة للتفاهم والتواصل والحوار بشكل هادف، وباختلاف لا يفسد للود قضية.
– وما الذي يميز النمط الاحتفالي عن الأنماط المسرحية الأخرى؟ 
في الواقع الاحتفالية هي رؤية للعالم، قبل أن تكون شكلاً فنياً أو مظهراً، وأنا شخصياً لا أؤمن بأن المسرح الاحتفالي يمكن أن يكون صيغة أو منهجية محددة نقول من خلالها للمسرحي أفعل هذا ولا تفعل ذاك.. الفن حرية في أن يبدع كما يشاء، فالاحتفالية هي الإيمان بالتعبير الحر، للإنسان الحر، في المجتمع الحر، والإيمان بالنحن، والآن، والهنا، ونعبر عن همومنا، ويبقى الجامع هو القضايا الإنسانية، والحس الإنساني.
–  سخرت في مسرحية “شابكة” من الواقع السياسي في الدول العربية.. فمن يملُك البوصلة السياسي أم الفنان؟ 
أية دولة مُطالبة بأن تكون لها سياسة ثقافية، فمطلوب أن توفر لمواطنيها المسرحية، والقصيدة الشعرية، واللقاء الفني الجميل، كما توفر الخبز، والعلاج، والتعليم.. والمسرح هو المرآة السحرية التي ترى فيه الحكومات أخطاءها، وسلبياتها، وبالتالي فإن الفنان من يقرع الجرس عند الخطر، وهو زرقاء اليمامة التي ترى بعيداً، وضمير المجتمع والأمة.. والمسرح الذي أقدمه ليس سياسياً، ولكنه مهموم بالقضايا السياسية، ويُعبر عنها، فلا يريد أن يكون وزيراً، ولا يصل للحكم، ولكنه يريد لهذه العالم أن يكون أجمل، ويثور على فوضى العالم، ويُريد للأشياء أن تكون منظمة وكاملة ومتناسقة، وعلاقات الناس فيما بينهم علاقات إنسانية، تصل إلى حد الكمال، ويُريد لهذا الفنان أن يهتم بالفكر السياسي، وبالسؤال الفلسفي، ولا يتحزب، ولا يتمذهب، ولا يكون مع فئة ضد أخرى، ويقف دائماً مع القيم الرمزية الحقيقية، مع الجمال كيفما كان، وليأتي من أية جهة، ومع الحق لأنه مطلق.
– وهل تجاهلت الحكومات سلبياتها في مرآة المسرح قبل ما يسمى بـ”الربيع العربي”؟
لو قرأنا كل المسرحيات التي أنجزت قبل 2011، ستجدها تحمل إنذاراً أو إحساساً بأن الأمور لا تسير سيراً عادياً، وحقيقياً، ولكن الحكومات لم تلتقط هذه الإشارة، فالمسرحي هو إنسان بالدرجة الأولى، يتفاعل مع قضايا مجتمعه، ومواطن يهمه شأن بلده، ويدين الظلم، والكراهية، والعلاقات غير السوية، والمظاهر غير الحقيقية.
– كيف ترى واقع المسرح العربي الآن؟
الواقع العربي يفرز هذا المسرح الذي هو صورة حقيقية له بكل ما فيه من تناقضات و”تخلف”، ومظاهر الظُلم والقسوة، ولكن مع ذلك، يبقى المطلوب من هذا المسرح العربي، أن يجمع العلم إلى جانب الفن، والفكر، والصناعة، وأن يتضمن أسئلة الناس، وهمومهم، وأن يكون قريباً من المجتمع، يستمع إلى نبض الشارع، وبالتالي لا أتصور إطلاقاً مسرحاً يُقدم فرجة بلدية، و”غبية” تُضحك الناس بدون معنى، فيجب أن نعرف لماذا نضحك؟ ونتصرف بوعي وعقلانية، ونسخر مما ليس معقولاً، ولا منطقياً، ولهذا فإن المسرح العربي الآن، في ظل هذه الظروف السياسية والاجتماعية “المُلخبطة”، في حاجة أن ينظم فوضى العالم، لأن شعرية المسرح ستعيد اتزان العالم.
– هناك علاقة جدلية بين الفن والحياة.. في رأيك من يتأثر بالآخر؟ 
التأثير متبادل، فهذا الواقع يؤثر علينا، ومطلوب منا كمسرحيين أن نساهم في تغيير هذا العالم، فالعالم يعطينا قبحاً نحوله إلى جمال، وإلا فما معنى الفن.. الطبيعة تعطيك أصواتاً فوضوية غير منظمة، ولكن الفنان الموسيقى هو الذي ينظمها، ويزنها، ويضعها في إيقاعات.. وبالتالي فالأساس هو هذا التبادل بين التأثير والتأثر.
– بعد تجربة ثرية.. ماذا يريد عبد الكريم برشيد من المسرح الآن؟ 
أريد من المسرح أن يكون أكثر فاعلية، وألا يكون مجرد فن، بل يتعداه إلى العلم أيضاً، يعرف من خلاله الإنسان نفسه، ألم يقل سقراط: أعرف نفسك!.. فنحن إذا أردنا أن نعرف الإنسان، فلنقرأ كل تاريخ المسرح الإنساني، فتجد الشخصيات المسرحية مُشرحة، فستعرف بُخل الإنسان، وحقده، وحب السلطة، وعلاقاته الإنسانية، وسخاءه، وعشقه، وكل مظاهر الحياة، فليبقى المسرح ديواناً للإنسانية، وليكون علماً، وفناً، وفكراً.
https://www.sharjah24.ae

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *