“آب: بيت بيوت” لوحة بالفحم الحالك ترسم تمزّقات عائلة وأحقادها الدفينة على “مسرح بابل” تكاتف الإخراج والتمثيل لقيمة مسرحية عالية

بالتعاون مع مبادرة النشاط المسرحي في الجامعة الأميركية، تقوم “فرقة تحويل” لمؤسّسيها روبرت مايرز ورافي فغالي وسحر عسّاف وسني عبد الباقي بعرض “آب: بيت بيوت” المقتبسة من مسرحية الكاتب المسرحي الأميركي ترايسي ليتس، على “مسرح بابل”، بالعربية المحكية. بدأت انطلاقة هذه الفرقة رسميا في نيويورك في ايلول الماضي بعرض “الديكتاتور” لعصام محفوظ بالإنكليزية، ترجمة روبرت مايرز وندى صعب، وإخراج سحر عسّاف.
لمن يتذكر فيلم August: Osage County مع ميريل ستريب وجوليا روبرتس، تعود بلا شك إلى فكره تلك التمزّقات بين نساء عائلة واحدة والنزاعات الشرسة بين عناصرها. كان ذلك فيلماً وضعت الشاشة مسافات فيه بين الممثل والمشاهد. أما المسرح، بإضاءاته الخافتة، حيناً، الحادة حيناً آخر، فخلق تقاربا بينهما، ورقابة من المشاهد على سلوك تيك النساء، الغارقات في المحاسبات والمحاكمات الحادّة بين الأم والبنات الثلاث، بين النساء وازواجهن.
وداد، الأم المصابة بالسرطان، هي العنصر الرئيسي في المسرحية. اختيار نوال كامل لتأدية هذه الشخصية بتعقيداتها وانفصاماتها وأحقادها المزمنة على بناتها الثلاث أعطى المسرحية طابعا واقعيا، صبغ بأدائه الحرّ، الطبيعي، شخصيات المسرحية كلّها. فبين الإخراج والتمثيل حياكة متناغمة اكتملت بخيوطها قصة هذه العائلة التي تكشف في يوم واحد، يوم مأتم الأب المتوفي انتحارا، عن السموم المتغلغلة في قلوب كل من أعضائها، والعاهات التي كانت مستترة، فبرزت في يوم الحسابات هذا وانفجرت.
وداد، المسيّرة كل شاردة وواردة، وقفت في المشهد الأوّل بمفردها كقائد أوركسترا. ما إن تتوارى حتى تدخل أختها سكينة (مي أوغدن – سميث) وزوجها بهيج (مارسيل بو شقرا) القابع تحت سلطتها. تقارنه بكميل زوج أختها الذي كتب شعراً، فيما هو لم ينتج شيئا. فيبادرها: “أنا منجّد أتعامل مع الفرش والريش”. وداد تدخل مع ابنتها الصغرى ريم (فرح ورداني) الخجولة، المنغلقة على ذاتها. تسمع أمها تتطاول على الوالد المتوفي وتبقى صامتة: “أي شعر، وهو لم يكتب شيئا من زمان”.
على هذا الإيقاع المرّ، الساخر، سارت سمفونية “بيت بيوت” السوداء، بأول الواصلين إلى هذا اليوم الحدادي، الإبنة تمارا (سحر عسّاف) وزوجها نهاد (إيلي يوسف) وابنتهما دانا (سارة مشموشي). بعدها الأخت الثالثة بشرى (رهام سابق) وحبيبها كريم (رافي فغالي) وبهجت (سني عبد الباقي) إبن تمارا والخادمة كالي (أويا دافيد).
هذه اللوحة هي مناسبة لقاء بين أفراد عائلة مبعثرة في كل مكان، دخلوا إثر وصولهم حلبة مصارعة أبطالها نساء، ما إن تلاقين بعد غياب حتى بدأت المعاتبات والاتهامات. القائدة هي الأم وداد المشعلة النار في هذا البيت، تؤججه بالكلمة، بتناول جرعات من مهدئات الأعصاب. تعادلها في الصراخ والعويل تمارا المحقونة في داخلها، تحصي حساباتها مع زوجها ولا يدرك المشاهد سبب النزاع بينهما سوى في النهاية حين تبوح لأمّها بمشروع طلاق بينهما.
بشرى سعت بهناء حياتها مع كريم أن تُدخل السلام إلى البيت، عاشقة تعلن للعائلة عن زواجها المقبل في باريس، وفي زاوية من البيت تستثير دانا إبنة الخامسة عشرة شهوة هذا الشاب، وفيما تشاركه في لفافة حشيشة تعلن له أنها ليست عذراء. في سعيه إليها، تقابله كالي الخادمة ضربا بالمكنسة.
في أجواء يضيق فيها الهواء، وتفسد الروائح بين هؤلاء الناس، تعلن ريم الصامتة حتى ذلك الوقت عن حبها لبهجت إبن خالتها ورحيلها معه في غضون عشرة أيام إلى دبي. حين تعلم سكينة بالأمر يجن جنونها. كيف السبيل لإعلامها بأن بهجت شقيقها رزقته من علاقتها بكميل، وتوكل بهذا السر إلى تمارا الضائعة بين علاقتها الزوجية المدمّرة وأمها المدمنة الحبوب، والآن علاقة خالتها بوالدها. لكن ما اعتقدته سراً علمت به وداد من زمان ولم تبح به حتى تبقى علاقتها جيدة مع اختها.
أثناء وليمة المرحوم، قهقهت وداد عالياً إنتقاما من عائلة مرصودة للحسد والنزاعات والكذب، فتعترف لبناتها بأنها سحبت أموال الوالد من البنك، حارمةً إياهنّ حقهنّ في الإرث.

 

http://newspaper.annahar.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *