(Othello) الرقص على أوجاع الوطن : داليا همام

 

المصدر : محمد سامي موقع الخشية خاص

فى إطار فاعليات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى (دورته 24)،قدمت دولة بلجيكا العرض المسرحى (عطيل)إخراج “حسن خيون – بهذا العنوان يمكن أن نسأل- هل ثمة علاقة بين عطيل شكسبير وبين عطيل المقدمة أمام المتلقى على خشبة المسرح ؟لن تستغرق الكثير من الوقت فى خضم متابعتك لهذا العرض وستعرف أن عطيل شكسبير هنا حاضرة بأسماء أبطالها (عطيل وديدمونة )وبعض الأفكار القليلة التى قد تبدو ذات صلة ولكنها ليست قريبة بشكل واضح ،فهذه العباءة التى يرتديها بطل العرض فى البداية والذى يبدو نائما بها ،تراوده أحلام مزعجة كما التى كانت تراود عطيل ،إلا أن عطيل بطل العرض يرتدى بنطال من ملابس عسكرية تظهر من العباءة ،ثم ينتقل المخرج إلى إمرأة ترتدى ملابس بيضاء رثة،تتحرك أمامنا على خشبة المسرح ويبدو إنعكاسها مُتجسد على الشاشة فى خلفية خشبة المسرح ،وكأنه إنشطار لشخصيات كُثر على نفس الشاكلة، ،تجد تلك المرأة عبر الرقص على إقاعات صوتية متنافرة ،تؤدى حركات أدائية تدل على الإنتهاك الجسدى ،وهى أولا تقدم ذلك فى حالة من إستلاب الوعى إلى أن تسقط على الأرض، ويحضر عطيل نوع من النبات وكأنه يضعه على قبرها ،وإذا ماكان فعل الإنتهاك متكرر فثمة مقاومة يمكن أن تتبدى من قبل تلك المرأة،هنا قد تكون المقاومة بفعل الخوف ،فتكرار إحساس الخوف يجعل الفرد يعتاده ومن ثم قد يواجهه .
الظلام هو السائد على خشبة المسرح إلى جوار هذا الشخص عطيل الذى يتحرك على خشبة المسرح فى هدوء تام وكأنه يرى عبر الظلام، بينما المرأة تبدوا فى حالة مقاومة مستمرة لأشخاص لانراهم ،ولكن دلالات إنتهاكهم لها واضحة من خلال ردود أفعالها الجسدية ، يصنع عطيل نوع من التأطير لخشبة المسرح على الجانبين بحيث لايمكن لتلك المرأة إجتياز هذا التأطير”، لتتحول خشبة المسرح من الجانبين إلى سجن كبير مُحاط بالورور التى كان يضعها على الجانبين وكأنه يضعها على قبرها ، ،المكان إذن به دلالات كثيرة تدل على تقيد الحرية وفعل المراقبة من خلال عطيل نفسه ،ستعرف بتطور الأحداث أن هذه المرأة هى ديدمونة فالمخرج يصنع نوع من المقاربة مابين ديدمونة المٌنتهكة وبين العراق ،يظهر ذلك بشكل واضح فى هذا المشهد الذى يقدم فيه المخرج عبر الشاشة وجه لإمرأة تغنى نشيد (موطنى /للشاعر الفلسطينى إبراهيم طوقان 1934)-هذا النشيد أصبح نشيد وطنى للعراق بعد سقوط صدام حسين 2003 – يختار المخرج هذا الجزء من النشيد”موطنى الجلال والجمال والثناء والبهاء فى رباك والحياة والنجاة والهناء والرجاء فى هواك هل أراك سالما منعما وغانما مكرما هل أراك فى علاك موطنى ” وإختيار المخرج لإمرأة تغنى النشيد له دلالته ،وكأنها الوطن ذاته ،وفى نفس المشهد من خلال آلة من المعدن تستخدم فى إصلاح الحديد ،يصنع المخرج نيران عبارة عن شذرات على الشاشة لها صوت مزعج ،وضوء يُظهر خشبة المسرح إلى جوار رأس تمثال لإنسان محايد الملامح ،هو مشهد يعبر عن الأمل فى عودة الوطن من جديد بلا إحتلال رغم إستمرار النيران والحروب ،وفى ظل صمت الإنسان ويقصد بالإنسان الذى يرمز له “برأس التمثال “أى إنسان فى أى مكان ،فكيف الصمت إذا على مايحدث فى الأوطان. .
مايؤكد فكرة أن تلك المرأة ” ديدمونة” إستمرار عطيل فى البحث عنها، ومناداتها بإسمها مع ملحوظة تلك الأصول العربية لعطيل ،لكنك هنا تراه يرتدى عباءة عربية وبنطال عسكرى أمريكى وهذا يثير الأسئلة،تقدم تلك المرأة مشهد حركى أمام المرآة لكنها لاتواجه هذه المرآة بل إنها تصنع نوع من جلد الذات عبر إنفعالاتها شديدة العنف مع ذاتها ،ودائما ماتجد وجهها إلى الأرض فى خزى على إثر الإنتهاك لكنها ،ماإن تخلع عنها هذا الثوب الرث ( تتحرر)،هنا تواجه المرآة لكنها لاتنظر إليها ،أيضا يقدم المخرج مشهد تجد فيه عطيل بالبنطال العسكرى فقط ، يتهكم على الرقصات الأمريكية والتى تهتم فى أدائها بالشهوة الجسدية ،وفى الخلفية تقدم الشاشة ،لقطات لزعماء مختلفين سواء كان هؤلاء الزعماء على قدر من النبل أو ماهو عكس ذلك ،حيث يقدم “هتلر وغاندى وصدام حسين وجيفارا معمر القذافى وغيرهم “هنا الفكرة فى الوطن ذاته وليست فى الزعماء . .
فالأهم هو الوطن لأن أى زعيم سيذهب ويبقى الوطن ،فى أحد المشاهد تجد الممثلين يضعون تمثال لجندى يرتدى ملابس عسكرية ،ويبدأون فى تقيده أولا ومن ثم تهشيمه إلى قطع هذا بعد أن تقذفه تلك المرأة ديدمونة بحذائها ،وهنا يصنع المخرج نوع من الإسقاط على الواقع ،حينما ألقى الصحفى العراقى “منصر الزيدى بحذاءه فى وجه جورج بوش” ومع هذا يمكنك أن ترى هذا التمثال يكسر كما حدث فى بداية إحتلال العراق ،حينما كسر تمثال “صدام حسين”عرض عطيل يمتلئ بالتفاصيل بدرجة كبيرة جدا،وأحيانا مايمزج بين المعنى وعكسه فى أن واحد ،فهو يترك للمتلقى حرية الوصول إلى المعنى ،ينهى العرض أحداثة بتلك المرأة وهى تحاول الهروب إلا إنها مقيدة بقماش أحمر حول خصرها ،فلا تستطيع أن تهرب إلا فى حدود مايسمح لها صاحب القيد ،ثم تتدلى من الأعلى بانوراما كبيرة من المشمع الشفاف ،وتجد الممثل”عطيل” يلقى عليها مجموعة من الألوان الحمراء ،فلم يفعل إحتلال العراق سوى الدم ، مخرج العرض حسن خيون ،يطلق العنان لخياله فيقدم تنويعات وأفكار مُغايرة لعطيل شكسبير ،إلا إنه يستغل ذلك “المخزون الجمعى “لدى المتلقى عن عطيل شكسبير وقتله لديدمونة وأصوله العربية ،فكما يرى (و-ب-ييتس)فالفن كشف لحياة خفية فى إطار يبدو أنه إرهاص باللاشعور الجمعى ،هذا اللاشعور الكامن فى ذكرتنا الجمعية العالمية عن عطيل شكسبير،وعلى ذلك فإن هذا المخزون السابق فى ذاكرتنا دائم التحاور أثناء العرض مع الأحداث الآنية للعرض المسرحى عطيل ،فهنا ترى عطيل فى سياق أخر ،فماذا يحدث لوكانت ديدمونة هى العربية وعطيل هو الأجنبى؟ ، يمكنك أن ترى فى ديدمونة وطن يرقص على أوجاعه كما فعلت هى ،على إهتزاز أوتار الكونترباص فى موسيقى حية على خشبة المسرح ،صوت الكونتربص الغليظ الوقور والحزين فى أن معا ،يصنع حالة من الحزن والتفاعل الوجدانى مع تلك المرأة الراقصة على الأوجاع .
يطالب العرض بالمقاومة للقهر ، للخزى و الإحتلال ،فلاحياة حقيقية يمكن أن يحياها الإنسان بلاوطن او بوطن مهزوم ،ماقد يؤخذ على هذا العرض أنه طويل بعض الشئ.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *