أول من درس التمثيل وشاركت في تأسيس المسرح بالكويت,

هل هي غانية من سانت تريزا, أم ريفية من سنتريس? أم مزيج لطيف من هذه وتلك? هذا مطلع قصيدة طويلة كتبها الأديب الكبير زكي مبارك في الفنانة القديرة زوزو حمدي الحكيم, ابنة قريته في دلتا مصر وقد عاش  طول حياته يكتب فيها شعرا,

وكان سعيدا بأنها تقرأ شعره, وتفهمه وتقدره, لأن أكثر بنات جيلها يجهلن القراءة والكتابة, أما زوزو فقد نالت قسطا طيبا من العلم, اذ تخرجت من مدرسة المعلمات, وكان مقدرا لها أن تكون مربية فاضلة, لولا أن القدر انتزعها من قريتها “سنتريس” ووضعها في قلب القاهرة الواسعة, لتكون أول فنانة مصرية تلتحق بمعهد التمثيل العام 1930, وواحدة من رواد هذا الفن, فهي اقتحمت هذا المجال في وقت لم تكن فيه التقاليد المصرية والعربية تقبل عمل الفتاة بالفن كما ارتبطت حياتها الفنية والشخصية بأسماء الكثير من فطاحل الأدب والشعر والصحافة والفن, لهذا أكد بعض النقاد السينمائيين أن حياتها الشخصية أكثر ثراء من حياتها سواء في السينما أو المسرح أو الاذاعة أو التلفزيون. 
ولدت الفنانة زوزو حمدي الحكيم عام 1912 في قرية سنتريس بالمنوفية وكانت طفولتها سعيدة حيث ولدت لأب متعلم, لهذا أصر على تعليمها ودخولها المدارس.لكن نظرا لجمالها الهادئ الذي كان حديث الشباب اضطر والدها أن يزوجها من أول عريس مناسب يتقدم لها, وهي دون السادسة عشرة من عمرها, لكن والدها اشترط على العريس أن تستكمل ابنته زوزو تعليمها خاصة أنها قاربت على الحصول على البكالوريا “الثانوية العامة حاليا”, لكن الزوج بعد شهور من الزواج ومع  دخول المدارس رفض أن تستكمل زوجته تعليمها, فهو لم يحصل  على البكالوريا, وحاولت زوزو أن تقنع زوجها بضرورة استكمال تعليمها لأنها تحب المعرفة والعلم جدا, وتريد أن تصبح مدرسة في مدارس الراهبات, غير أنه رفض رفضا باتا, وبعد أيام من القلق والتوتر والتفكير هداها تفكيرها الى الهروب الى خالها في القاهرة الذي استقبلها بترحاب شديد وساندها وجعلها تستكمل تعليمها, وما ان علم زوجها بما فعلته حتى قام بتطليقها, ولم تندم  على هذا الزواج السريع الفاشل, وأقبلت على الدراسة حتى حصلت على البكالوريا بتفوق, وسارعت بتقديم أوراقها الى معهد المعلمات, وحصلت على الشهادة لكنها قبل أن تلتحق بالتدريس في مدرسة الراهبات كان القدر يخبئ لها مفاجأة ففي أحد الأيام من عام 1930, قرأت اعلانا في جريدة “الأهرام” عن انشاء معهد التمثيل الأول, وأسرعت تتقدم له لأنها كانت عاشقة للفن وتحرص على مشاهدة العروض المسرحية وما شجعها على الالتحاق بالمعهد أن وزارة المعارف اشترطت أن يكون الطلبة المتقدمين حاصلين على شهادة البكالوريا أو من حملة الشهادات العليا, وأن يجتازوا القبول بالمعهد عن طريق اداء مشاهد تمثيلية يختارها المتقدم للدراسة, حتى تستوثق الادارة من استعداده لتلقي الدراسات الفنية, كما اشترطت أن يكون الطالب والطالبة في سن معينة. وحتى تشجع وزارة المعارف الفتيات على الدراسة في المعهد الجديد, قررت منح الطالبة التي تلتحق به مكافأة قدرها ثلاثة جنيهات, وكان وقتها مبلغا كبيرا جدا يعادل راتب موظف حكومي. وكانت زوزو في حاجة الى هذه الجنيهات بعد أن مات خالها واضطرت أن تعتمد على نفسها, وتقدم للاختبار 288 طالبا, و39 طالبة.

 

مخالفة التقاليد

و أعلن عن اختيار 20 طالبا وعشرة طالبات من بينهم زوزو التي نجحت بتفوق ومعها روحية خالد وأيضا رفيعة الشال , وأقبلت على دراسة التمثيل بحب شديد حتى أنها كانت الأولى على كل طلبة المعهد في نهاية السنة الأولى, لكن فرحتها لم تدم طويلا ولم ينتقل أحد الى الصف الثاني بسبب اغلاق المعهد, حيث أصدر وزير المعارف العمومية حلمي عيسى عام 1931 قراره باغلاقه, لأنه يخالف التقاليد والعرف السائد في نظم التعليم.
شكل انشاء معهد التمثيل العربي واغلاقه معركة كبري من معارك التنوير, حيث اختلف المصريون على انشاء المعهد, ومساواته بالمعاهد العلمية وكليات الطب والهندسة. وكانت زوزو حمدي الحكيم بطلة هذه المعركة, واكتسبت شهرة عريضة اعلامياً وتصدرت صورتها أغلفة المجلات الفنية والسياسية مثل “الكواكب” و”المصور”, وفي هذا الوقت عرض عليها المخرج عزيز عيد أن تكون بطلة فرقته بعد انفصاله عن زوجته الفنانة فاطمة رشدي, لكن والدة زوزو رفضت أن تعمل ابنتها “مشخصاتية”, وأصرت عاشقة الفن على احتراف التمثيل, وبعد عدة بروفات مع عزيز عيد لم يستطع استكمال العرض بسبب ضائقة مالية لكن القدر فتح لها بابا واسعا حين انضمت لفرقة الريحاني عام 1934, ورسم لها الريحاني دورا كبيرا عندما أراد تقديم مسرحيته الشهيرة “الدنيا لما تضحك” لأول مرة, ورغم نجاحها في دورها هذا فانها لم تستمر أكثر من عام واحد, وبعد ذلك عرض عليها الانضمام الى “جمعية أنصار التمثيل”, فسعدت خاصة أن هذه الفرقة كانت تعمل للمسرح بحب واخلاص شديدين, وشاركت معهم في مسرحيات عديدة منها “اليتيمة”, “شارع البهلوانات”, “الملك لير”و “النسر الصغير”. كما كانت لها مساهماتها في عدة فرق أخرى ومثَلت معها أدوارا مهمة مثل “الستات مايعرفوش يكدبوا” و”عفريت مراتي” وغيرها, وقد ساعدتها ثقافتها المتنوعة على أداء الأعمال المسرحية العالمية والشعرية باجادة تامة, وامتازت في أدوارها الدرامية بالأداء العالي وتقمص الشخصية بلا مبالغات في التمثيل,

الدفاع والمومياء

كان لنجاحها, في المسرح صداه, فأقبلت عليها السينما لتكون واحدة من نجماتها, وكان أول مخرج يستعين بها الفنان الكبير يوسف وهبي حينما رشحها هي وزميلتها في معهد التمثيل روحية خالد لتشاركاه بطولة “الدفاع” العام 1935, مع الفنانة أمينة رزق وحسين رياض وأنور وجدي, وحقق الفيلم نجاحا ساحقا, ما جعل كثير من المخرجين ينتبهون لموهبة زوزو, ويسندون لها بطولة أعمالهم السينمائية, منها: “الى الأبد سنة 1941, “ليلى بنت الفقراء” و”الأم” و”قصة غرام” 1945, “ملائكة في جهنم” و”الستات ما يعرفوش يكذبوا” و”النائب العام” و”يد الله” سنة 1946, نور من السماء وأمل ضائع سنة “47”, وأرواح هائمة “49”, وغضب الوالدين “51”, ونساء بلا رجال, وريا وسكينة “53”, وموعد مع السعادة “54”, واسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة “55”. وفي العام 1956, قدمت هارب من الحب, العام “57” ليلة رهيبة, وفي “58” امسك حرامي وعام “59” السابحة في النار, وعام “61 “قدمت وااسلاماه وصراع الأبطال, وعام 64 قدمت الرجال لا يتزوجون الجميلات وعام “67” بيت الطالبات والمتمردون و”75″ المومياء و”78″ حب فوق البركان و”79″ قاهر الظلام واسكندرية ليه و”81″ العرش داخل الانسان. وكان آخر أفلامها العام 1987 بعنوان “وصية رجل مجنون”مع الفنان يوسف شعبان. 
يقول الناقد والباحث السينمائي عبدالغني دواد: تُعد زوزو حمدي الحكيم من الممثلات الراسخات في السينما المصرية, فهي من أوائل من التحقن بالمعهد العالي للتمثيل الذي أسسه زكي طليمات. ومنذ بداية عملها في المسرح عرفت طريق السينما. فقدمت الكثير من الأفلام المهمة رغم قلتها الا ان العامل المشترك فيها جميعا أنها جيدة وبعضها يعتبر من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما, وتميزت بأداء أدوار الشر وأجادت فيها ومن أهم هذه الأفلام “ريا وسكينة” الذي عُرض العام 1953. وحقق نجاحا كبيرا على جميع المستويات, وكان دور زوزو, ذروة اجتماع القوة والشر, وأعمق وأقوى أدوارها وليصبح نقطة التحول في حياتها الفنية, بحيث طبع كل أدوارها السينمائية بعد ذلك بطابع الشر. لكنه أصبح نعمة ونقمة في الوقت نفسه على بطلتيه زوزو ونجمة ابراهيم فكما جعلهما مثل فاتن حمامة وماجدة من حيث الشهرة, أدى الى اغلاق الأبواب عليهما لتمثيل أي أدوار مختلفة.
ويرى الن¯¯¯اقد سمير فريد أنه اذا ك¯¯¯¯¯ان دور سكينة أشهر أدوار زوزو الا أن دورها في فيلم “المومياء” اخراج شادي عبد السلام أدرك فيه شادي كما لم يدرك مخرج آخر تعامل مع زوزو, مدى مصرية ملامحها, فهي ليست مجرد أم قاسية لبطل الفيلم “ونيس”, وانما  أم مصرية صعيدية خالصة تعلي من شأن الواجب فوق كل شيء ولو كان حياة ابنها.

عذاب رومانسي

وتكشف السيدة سامية ابنة الفنانة الكبيرة عن أن والدتها لم تكن ممثلة عادية, لكنها كانت واحدة من المثقفات, ومن المغرمات بالقراءة والبحث عن المعرفة في كل مصادرها وهي من كبار رواد الندوات الثقافية والصالونات التي كانت لها سوق رائجة في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن العشرين, وكانت حافظة للشعر تجيد القاءه وفي واحدة من ليالي الصالونات هذه كان لقاؤها بالشاعر الرومانسي الطبيب الرقيق ابراهيم ناجي أحد شعراء مدرسة أبوللو  جذبت ثقافة والدتي الشاعر الموهوب ما ربطه بصداقة وطيدة مع الفنانة التي أصبحت ملهمته كما ذكرت هي مرات ومرات. وكتب فيها قصيدة “الأطلال” التي شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم, وكذلك كتب لها عدة قصائد أخرى, ويوم رحيله في سنة 1953, رثته الوالدة بكلمات مؤثرة. 
وأكدت الابنة سامية أن ما كان بين والدتها وبين ناجي مجرد صداقة فقط, وليس حبا كما ردد البعض, فهو كتب قصائد في كل الممثلات مثل أمينة نور الدين وزوزو نبيل, وبمناسبة قصيدة الأطلال, تقول ابنة الفنانة:”أتذكر موقفا طريفا حدث معي وأنا طالبة في الجامعة, ففي أحد الأيام وجدت أستاذا لي يشرح قصيدة “الأطلال” التي كانت مقررة علينا, ويومها لم أكن أعلم العلاقة التي كانت بين والدتي وبين ابراهيم ناجي, ولم يعلم المدرس أن زوزو حمدي الحكيم أمي, وكان ما قاله: أنها عذبت الشاعر كثيرا ولم يكن يستحق هذا, وصدقت الكلام, ورجعت وخاصمت ماما فترة اقتربت من ثلاثة شهور حتى جاءت الفنانة كوكا الى منزلنا, وشرحت لي حقيقة علاقة ماما بالشاعر ابراهيم ناجي وأعطتني بعض القصائد التي كتبها فيها أيضا. 
كانت والدتي طيبة جدا وتتميز بالشفافية, وكانت بعيدة تماما عن صفات ونوازع شخصياتها تزوجت والدتي ثلاث مرات, الأولى من قريب لها في البلد وهي صغيرة, والثانية كانت من الكاتب والصحافي الكبير محمد التابعي, حيث كان للتابعي الكثير من قصص الحب داخل مصر وخارجها, وفي العام 1933, ارتبط بقصة حب مع الفنانة روزاليوسف, وأثناء ذلك سجن لأسباب سياسية. وبعد خروجه من السجن, وجد روزا تزوجت, فسافر ثم عاد وسافر  الى أوروبا وعاش الكثير من المغامرات هناك, لينسى أحزانه  لكنه لم ينس غرامه وتعلقه بها, فنصحه أحد الأصدقاء بالزواج, وفي تلك الفترة تعرف على والدتي وارتبط معها بقصة حب وتزوجها سراً, لكنها اكتشفت أنه لا يحبها وانما تزوجها لينسى محبوبته روزا, فطلبت الطلاق, وتركا بعضهما, ومرت السنوات, وفي منتصف الأربعينات تعرفت على والدي الذي وجدته معجبا ومحبا لفنها فتزوجته وعاشت معه أكثر من 25 عاما حتى رحل عن الدنيا وهي على ذمته”.

التدريس والتدريب

لعبت زوزو حمدي الحكيم دورا كبيرا ومهما في تدريس الفن والتمثيل الى جانب بطولة الكثير من المسرحيات وادخال هذا الفن الجميل الى الكويت بصورة علمية وفي ابريل 1960, استدعت دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بالكويت زكي طليمات, , للاشراف على الحركة المسرحية الكويتية,   ونظرا لعدم وجود فنانات في الكويت سواء في التمثيل أو التدريس استعان بالفنانة زوزو حمدي الحكيم لتدريب وتعليم بعض الفتيات اللاتي يمكن أن ينضممن الى الفرق المسرحية, وأنشأ طليمات فرقة المسرح العربي, وكان أول تعاون فني شاركت فيه هذه الفرقة الوليدة, في العام 1962, مع فرقة الأنوار العالمية للفن الشعبي اللبناني, وتمثل هذا التعاون في تقديم فرقة المسرح العربي نصين مسرحيين لتوفيق الحكيم, اخراج زكي طليمات, وتمثيل: خالد النفيسي, عبد الرحمن الضويحي,   زوزو حمدي الحكيم, عبد الله خريبط, مريم الغضبان, أحمد الملا, عبد الوهاب سلطان وغيرهم, وبعد ثلاث سنوات من التدريس والتمثيل في الكويت, وبالتحديد في أول أكتوبر 1963 تطلب زوزو من زكي طليمات عدم تجديد عقدها, لتعود الى مصر, نظرا للعروض الفنية الكثيرة التي كانت تعرض عليها عندما تكون في اجازتها بالقاهرة خاصة العروض التلفزيونية التي تدفقت مع بدايات الارسال المرئي الجديد في بداية الستينات.
وتحدثنا السيدة سامية عن تلك الفترة بقولها:” بعد عودة والدتي من الكويت, كان التلفزيون المصري في انطلاقة البداية, وعرض عليها مسلسل “بيار الملح” فوافقت على تمثيله, وحقق نجاحا كبيرا عوضها عن غيابها عن جمهورها, وتوالت بعد ذلك أعمالها التلفزيونية ومنها: “الكنز”, “أفواه وأرانب”, ” أبناء في العاصفة”, “ألف ليلة وليل¯¯¯ة”, ” مذك¯¯¯رات زوج”, “محمد رسول الله”, “رقي¯¯ب لا ينام” و”سنبل بعد المليون”, وكان آخر أعمالها مسلسل “حكاية ماما زوزو”. وفي معظم هذه الأعمال قدمت نماذج بشرية مختلفة ومتنوعة, ولم يقتصر تمثيلها على أداء أدوار الشر, وبعد حياة فنية وانسانية عريضة, فارقت الحياة في 18 مايو العام 2003, عن عمر يناهز التسعين عاما.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *