أنطوان كرباج: انا ابن المسرح أولاً!

هو ابن المسرح اللبناني أولا وأخيرًا، من على منبره خاطب اللبنانيين بشخصيات تنوعت بين القائد والملك حينًا والكوميديا حينًا أخرى، وبين العمل المسرحي والآخر يطل عبر الشاشات الدرامية اللبنانية والعربية، لكنه ورغم شهرته التي اكتسبها تلقائيًا وليس عنوة، التزم دائمًا بصفة الكبار: التواضع. يطلالممثل الكبير انطوان كرباج في مسلسل «لولا الحب» الذي يعرض عبر المؤسسة اللبنانية للإرسال، كما يستعدّ لتقديم مسرحية «نقدم لكم وطن» في دور البطريرك الياس الحويك الذي أسس دولة لبنان الكبير. عن مسيرته وأعماله ونظرته إلى واقع المسرح والدراما تحدث إلى «الجريدة».

ما الأمثولة التي اكتسبتها بعد سنوات الخبرة في المسرح والتلفزيون والسينما؟
تدفعني ردّة فعل الناس عندما ألتقي بهم في الشارع إلى التساؤل دائمًا عمّا قدمته لهم لأستأهل هذا الترحيب، ما يشعرني بالخجل والوجل، لكنني أيقنت أن رأسمال الإنسان في الحياة هو التواضع، لذلك رددّت على مسامع طلابي شعار «كلما كبرتم في أعين الناس يجب أن تصغروا في أعينكم».
هل يعني ذلك أن التواضع هو طريق الممثل إلى القمّة؟
طبعًا، إنه أساسي ومهم، لكن وسائل الإعلام تدعو الطامعين إلى الشهرة والنجومية للمشاركة في برامج معينة. لا أفهم معنى «النجومية» خصوصًا أن النجمة، في الحقيقة، لا يمكن رؤيتها في النهار وتبدو خجولة في المساء، بينما نجومنا ينفشون أجنحتهم!
في ظل غياب ضمانات اجتماعية للممثلين اللبنانيين ومعاناة المسنين منهم، هل تندم على دخولك هذا المجال؟
أبدًا، ورثت هذه الموهبة من جدّي المغامر الذي كان يغيب أشهرًا عن المنزل ليعود متنكرًا في الزيّ والشكل الخارجي، وفي ربيعي التاسع كنت أجمع أولاد الأقارب والجيران لتقديم الاسكتشات وذلك قبل انطلاق المسرح اللبناني.
ما المطلوب لدعم ممثلي لبنان؟
تنظيم المهن الفنية وحماية الفنان في مرضه وعجزه كانا همّي الأوحد عندما توليت رئاسة مجلس نقابة الممثلين في لبنان، وتمكنا بفضل اصرارنا من الحصول على اقرار هذا القانون من المجلس النيابي. أما مجلس النقابة الجديد، فيتابع المراسيم التطبيقية عبر انشاء صندوق خاص للممثلين يموّل من فرض ضريبة 10% على مدخول الفنانين الأجانب القادمين إلى لبنان للعمل.
ما الذي تغير في الوسط الفني بين الأمس واليوم؟
منذ ستينيات القرن الماضي وحتى العام 1975 قبيل اندلاع الحرب اللبنانية، كان وطننا محط أنظار العالم العربي بفضل الثورة الفنية التي تحققت على صعد: الموسيقى والفنون التشكيلية والفرق المسرحية المختلفة التي نشّطت الحركة المسرحية، إلا أن الحرب أتت على الأخضر واليابس وقضت على المسرح ليصبح اليوم في أتعس حالاته الفنية.
ما دورك في العمل المسرحي الجديد «نقدم لكم وطن»؟
سأؤدي دور البطريرك الياس الحويك الذي تدور المسرحية حول شخصيته التاريخية كونه مؤسس لبنان الكبير وانطلق معه شعار «مجد لبنان أعطي له». نحن نحاول من خلال هذا العمل تعريف الأجيال إلى البطريرك الحويك وتوجيه تحية له.
من سيشاركك البطولة؟
يضم العمل مجموعة من الممثلين من بينهم: جوزف سعيد، عاطف العلم، علي الزين، جهاد الأندري، عمر ميقاتي، عبير نعمة التي ستؤدي أغنيات عدّة، وهو من اخراج ريمون جبارة وكتابة أنطوان غندور.
متى يبدأ العرض؟
في أواسط كانون الأول المقبل.
أي وطن ستقدمون لنا في هذا العمل؟
تحمل سيرة هذا البطريرك وحياته رسائل كثيرة، فهو لم يكن متعصبًا دينيًا بل منفتح على الآخرين ويتميز بنفحة وطنية بعيدًا من السياسة والمذهب والدين.
هل إعداد شخصية تاريخية واقعية أصعب من ابتكار شخصية جديدة؟
لا تقتصر مهمة الفنان على حفظ الدور وأدائه إنما على خلق شخصية حقيقية من الحبر والورق. عندما أقرأ النص، أبحث عن تفاصيل عائلة الشخصية ونشأتها وطبيعة المحيط الذي تربت فيه، كما أحاول تصوّر شكلها الخارجي وطريقة مشيتها وحديثها مع الآخرين لأن ذلك انعكاس لمهنتها. بعدها تتوضح الصورة أمامي فأدخل إليها تدريجًا وأرتديها، وما إن تنتهي مدة العرض حتى أنزعها عنّي لألبس غيرها.
حمل مسرح الرحباني الذي شكلت جزءًا أساسيًا منه رسائل وطنية وسياسية مبطنة، هل تؤيد أن يكون الفنان مصلحًا اجتماعيًا وسياسيًا ووطنيًا؟
لا ترتكز مهمة الكاتب المسرحي أو الممثل على طرح الحلول إنما الإشارة إلى النقص في المجتمع ليأخذ الناس المبادرة في التغيير. من واجب المسرح تحريك الناس وطرح تساؤلات والإشارة إلى الأخطاء وتضخيمها ليرفضها المجتمع وينتفض عليها، لهذا السبب أدى دورًا في أوروبا مع شكسبير وموليير وراسين وتمكن من تغيير المجتمعات.
أيهما أصعب: مرحلة أداء الشخصية أو مرحلة نفخ الحياة فيها؟
عندما أقف على خشبة المسرح يعني أنني أصبحت جاهزًا والشخصية واضحة بتفاصيلها كافة، لذلك أرى أن مرحلة التحضير أصعب من الأداء . إلى ذلك أنعزل ساعتين على الأقل قبل صعودي إلى المسرح، للدخول في الشخصية التي سأطلّ من خلالها على الجمهور نازعًا عني مشاكلي والضغوط النفسية، ما يتطلب تركيزًا أساسيًا وارتياحًا جسديًا وفكريًا.
هل اضطررت يومًا للوقوف على الخشبة على رغم ظروف استثنائية؟
تلقيت ليلة افتتاح مسرحية «هامليت» لشكسبير في بعلبك خبرًا أن والدي مريض ويطلب رؤيتي، فغادرت فورًا إلى قريتي لكنه توفي قبل أن أصل. عدت إلى بعلبك وأديت دور الملك الذي يقتل شقيقه للاستيلاء على العرش، وهو دور يتناقض كليًا مع الحالة النفسية التي أمرّ فيها. عندما انتهيت توجهت إلى قريتي للمشاركة في مراسم الدفن لأعود بعدها إلى بعلبك من أجل العرض الثاني للمسرحية، وما إن انتهيت حتى بدأت الصراخ في قلعة بعلبك للتنفيس عن الكبت الداخلي والضغط النفسي الذي مررت فيه.
برأيك هل الموهبة كافية لنجاح الممثل؟
أعتبر أن إعداد الممثل أمر أساس لأن الموهبة وحدها لا تكفي، فهي تحتاج إلى صقل كما يحتاج الممثل إلى تمارين التركيز. سئل المسرحي الروسي الكبير ستانسلافسكي عن المؤهلات الواجب توافرها لدى الممثل، فحدد النظام لأن الموهبة أمر بديهي. ويعني بالنظام علاقة الممثل بنفسه من جهة، على صعيد تمارين التركيز على الدور، وبينه وبين زملائه على المسرح من جهة أخرى، على صعيدي الصوت والحضور المقنع.
ما رأيك بمن يدخل مجال التمثيل من باب الإعلام والمسابقات الجمالية وعرض الأزياء؟
الممثل الذي لا يصل إلى مرحلة الخلق لا يكون ممثلا… فهو لا يستمر برأيي، قد ينجح مرة أو اثنتين أو لمرحلة معينة ومن ثم يختفي.
لماذا تفوق أعمالك المسرحية أعمالك في السينما والتلفزيون؟
أنا ابن المسرح أولا الذي انطلق قبل 500 عام من مجيء السيد المسيح، لذلك لا شيء يحلّ مكانه.
أين أصبح موقع المسرح اللبناني؟
الحركة المسرحية مفقودة راهنًا في لبنان ويجب إعادة بنائها وأن تحظى بدعم الدولة الغائبة أساسًا، لأن المسرح يؤدي دورًا في المجتمعات المحترمة.
ما رأيك بالمسرح العربي؟
لم تعد ثمة حركة مسرحية في سورية بسبب الأحداث الراهنة، أما في مصر فأصبح المسرح تهريجًا من دون معنى.
كيف تنظر إلى واقع السينما اللبنانية بعد محاولات لإحياء الصناعة السينمائية؟
اتهموني سابقًا بأنني أقف بوجه السينما اللبنانية بسبب رفضي المشاركة فيها، لكنها برأيي تحتاج إلى شرطين أساسيين، إما أن يكون البلد صناعيًا لديه أسواقه في العالم أو أن يملك مؤسسة خاصة بالسينما تقدم تحفًا سينمائية فنية، تستعرض تراثها وتاريخها وتقاليدها من دون توخي الربح. في محيطنا العربي تعتبر مصر أقوى دولة سينمائية لأنها أكبر دولة عربية صناعية، كما هي أميركا أقوى بلد صناعي في العالم وبالتالي أكبر مصنّع سينمائيّ.
تتميز أدوارك بالقوة والقساوة والشر، ألا تخشى انعكاس هذه الصورة على نظرة الناس إليك خصوصًا أن شخصيتك الحقيقية بعيدة عن الشر؟
لم أدخل مجال التمثيل سواء على المسرح أو على الشاشة بهدف الشهرة وإرضاء الناس إنما لتحقيق ذاتي وتطوير روحي ونفسي وفكري.
من جهة أخرى تعبّر كلمة إنسان في اللغة العربية عن مثنى «أنس»، أي أن الإنسان يحوي في داخله ثنائية الخير والشر، وعبر تربيتنا نسعى إلى تنمية الخير وكبت عنصر الشر. أما من يمثل الأدوار الشريرة، فهو ينفس من خلالها عن هذا الكبت الداخلي، إذ يرتكب مجازر في المسرح أو امام الكاميرا من دون سفك دماء ويسرق من دون أذية الآخرين… في الحقيقة من يؤدي أدواراً شريرة مثل محمود المليجي وعادل أدهم مثلا هو بعيد في الواقع عن هذه الطبيعة البشرية.
أين أصبح مسلسل «ثنائية الكرز» السوري؟
منذ عامين، سعى القيمون على هذا العمل إلى إيجاد إنتاج ملائم له، وعندما أصبح في طور التحضير اندلعت الأحداث في سورية، إلا أن إصرار المخرج محمد ناشطة على تصويره هناك دفعنا إلى الاعتذار رفيق علي أحمد وأنا بسبب الأوضاع الأمنية، ولكن سرعان ما هرب هو إلى لبنان كونه أصبح ملاحقًا وحياته مهددة بالخطر.
كيف ترى واقع الدراما اللبنانية؟
أراها عملية بيع وشراء وفي وضع تعيس جدًا، وهي تحتاج إلى شركات إنتاج ذات رؤية أبعد من العملية التجارية الحسابية.
انتشرت اخيرًا مسلسلات السير الذاتية للممثلين والفنانين مثل صباح واسمهان وسعاد حسني، فهل تمانع أن تُكتب سيرتك الذاتية وتُصوّر؟
لا شرط أن اطلع على السيناريو أولا.
ما المميز في دورك في مسلسل «لولا الحب»؟
يجب الانطلاق من الظروف التي صقلت شخصية عادل يونس الذي عاش في ميتم وتعذب على يد مربيته، فكرّس حياته للانتقام من المجتمع، وهو يعاني عقدة استمرارية شجرة العائلة، فيسعى أن يكون لديه أحفاد خصوصًا بعدما توفي نجله الاصغر بينما نجله البكر يعاني من العقم.
ما رأيك بمن شبه شخصيتك في هذا المسلسل بشخصيتك في «عصر الحريم» وكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الممثلين الآخرين؟
يجب نقد أي عمل فنيّ ومحاسبته انطلاقًا من بنيته وتركيبته وأداء الممثلين فيه وكيفية تعاملهم مع الدور ليس انطلاقًا من الموضوع المعالج. حضّرت دوري بإخلاص وأعطيته ما يستأهل من اهتمام، لذلك أعتبر أنني قمت بواجبي وضميري مرتاح بغض النظر عن رأي الآخرين سواء أعجبهم هذا الدور أم لم يعجبهم.
يعالج هذا المسلسل قضية الفساد والسرقة والمواجهة بين الإعلام وأصحاب النفوذ، إلى أي مدى يعكس واقع المجتمع العربي؟
إلى درجة كبيرة لأن الفساد الموجود في العالم العربي لا نجده في البلدان الأخرى.
هل ستكون نهاية عادل يونس عبرة لأمثاله؟
من المفترض أن يكون كذلك… ربما يحمل هذا المسلسل جزءًا ثانيًا.
هل تولي اهتمامًا للنقد الذي يطال أعمالك؟
يجب أن يكون الناقد استاذًا أتعلم منه أسوة بالناقد الأجنبي الذي يتخصص في مجال معين يبدي رأيه فيه بعيدًا من المدح والذم، فلا يكون مجرّد كاتب يستخدم كلمات تافهة لا تقدّم ولا تؤخّر.
ماذا تحضر من أعمال جديدة؟
سأعرض مجددًا ثلاث مسرحيات لي: «أبو العلي الأسمراني»، «مارسيلياز العربي» وهي المسرحية الأخيرة التي كتبها الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، و{أمرك سيدنا» التي تم توقيفها عام 1985.
في نظرة إلى المستقبل، إلام تطمح؟
أحلم بدور «عطيل» لشكسبير، لكن هذه المسرحية تحتاج إلى منتج خصوصًا أنها قد لا تستقطب كثيرين على رغم أنها أقرب إلينا من البيئة الإنكليزية التي وجد فيها شكسبير وهي تعالج موضوع الغيرة.

 

http://www.sotaliraq.com

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *