الحب في الإبداع جواز سفر عالمي

ليست مسرحية ” روميو وجولييت”، أعظم ما أتحفتنا به مخيلة شكسبير، لكنها أشهر أعماله وأكثرها رواجا في العالم. ولعلها المسرحية الوحيدة التي اجتازت حدودها الاقليمية، من دون جواز سفر، وانتقلت من بلد الى اخر مثل الغجر، فرحبت بها الأمم وكرّمتها ومنحتها العشرات من جوازات السفر.

طبعا الحب هو السبب! أي نوع من الحب؟ أهو الرومانسي الحالم أم المأساوي الجامح؟ لا هذا ولا ذاك! إنه النمير من الماء الذي نبع من قلبين نقيين وجرى في أحياء مدينة فيرونا ليطهر قلوب سكانها من الكراهية والحقد. فالعداء القديم بين أكبر وأنبل عائلتين، عائلة مونتاغو(زعيمها والد روميو) وعائلة كابوليت (زعيمها والد جولييت)، تأجج وجعل القتال وإراقة الدماء من روتين الحياة اليومية.

ذلك العداء الذي حاول الأعيان والحاكم الأمير اسكالوس( يمثل الدولة) والأب لورنس ( يمثل الكنيسة)، وضع حد له لكنهم فشلوا.. واذا بمراهقين غرّين، ينجحان ويصلحان العائلتين بعد أن أعيا الصلح كل عاقل في فيرونا.

مسرحية روميو وجولييت

يشدنا في بداية المسرحية، انطواء روميو وهيامه في الحقول مناجيا روزالين التي لا تكترث بحبه. فيستغرب والده وابن عمه بنفوليو اكتئابه غير المألوف. ويحاول بنفوليو معرفة السبب، ثم ينتقد روميو لأن روزالين، برأيه، لا تستحق تلك المعاناة.

يعرف روميو وبنفوليو أن روزالين مدعوة الى الحفل الساهر الذي يقيمه السيد كابوليت بعد أن طلب الكونت باريس يد ابنته جولييت. ويصممان على حضور الحفل. روميو يريد أن يرى روزالين وبنفوليو يبتغي إقناعه أنها ليست باهرة الجمال عند مقارنتها بجمال الفتيات في الحفل. فيذهبان مع ميركوتيو الى السهرة وهما مقنعان، إذ كانت العادة آنذاك، أن يتقنع الضيوف غير المدعوين. وهناك يجري اللقاء الأول بين روميو وجولييت، حيث يعجب بها ويتودد اليها، فتبادله الود وتنسى الكونت باريس، كما ينسى هو روزالين.

صراع داخلي

يشعر روميو وجولييت بالصدمة، ويتساءل كل منهما حين يعرف هوية الآخر: هل يستطيع أن يحب عدوه اللدود؟ هل يستسلم للكراهية الموروثة أم يلبي نداء الحب؟

وفي مشهد الشرفة الشهير، يختاران الحب ويتفقان على الزواج.فيذهب روميو الى الأب لورنس ويطلب منه المساعدة على عقد زواجهما. ويرى الأب في زواجهما الفرصة الوحيدة للمصالحة بين العائلتين وعودة السلام الى فيرونا، فيزوجهما سرا على أن يعلن زواجهما في الوقت المناسب.

وأثناء ذلك، كان تيبالت الشرس، ابن عم جولييت، يبحث عن روميو، بينما كان مصمما، وردا على ذهابه الى الحفل مقنعا، على أن يجعله يدفع ثمن تلك الإهانة. ويصادفه بعد الزواج فيهينه أمام الناس ثم يتحداه الى المبارزة. ويتغاضى روميو عن الإهانة ويهدىء تيبالت.

يثير هذا الموقف غير الرجولي، حنق بنفوليو ويثور دم ميركوتو، فيستل سيفه ويبارز تيبالت بدلا من روميو. فيصيبه تيبالت ويخر صريعا بين يدي روميو وهو يلعن العائلتين والحقد بينهما. عندئذ يفقد روميو السيطرة على نفسه ويبارز تيبالت ويقتله. تثور ثائرة عائلة كابوليت ويندلع القتال في أحياء فيرونا.

يُحكم على روميو بالنفي الى مانتوا. فيودع جولييت ويمضي معها الليلة الأولى والأخيرة، ثم يذهب الى المنفى. وهناك يعتمد على خادمه بالثاسار في التواصل مع فيرونا والأب لورنس، الذي يسعى الى المصالحة والحصول على العفو له من الأمير. لكن الأمور تتطور على عكس ما تمنى، اذ يجبر السيد كابوليت ابنته جولييت على الزواج من باريس، ويحدد موعد الزفاف.

ترفض جولييت الزواج وتطلب العون من الأب لورنس. يرى لورنس أن الحل الممكن، في تلك الظروف، هو أن يعطي جولييت ليلة زفافها، مخدرا يجعلها تبدو كالموتى صباح يوم زفافها، فتدفن في مقبرة العائلة. وعندما يزول أثر المخدر يأخذها روميو معه الى المنفى.

ويرسل رسالة الى روميو يطلعه على الخطة ويطلب منه ملاقاته في مكان الدفن. لكن الخادم بالثاسار، الذي يصعقه موت جولييت، يصل الى مانتوا قبل رسول الأب لورنس ويخبر روميو أن جولييت زُفت الى الموت. يعود روميو الى فيرونا ويسرع الى المدفن. وهناك يفضّل الموت على الحياة من دون جولييت. وتستيقظ جولييت فترى روميو ميتا، فتؤثر مثله الموت على الحياة.

صلح متأخر

يلتقي زعيما العائلتين في المقبرة عند جثتي وحيديهما، ويدركان كم كانا أحمقين في عدائهما. ويعود كل منهما الى عشيرته حاملا الصلح والسلام.

عرائش الشعر والحب

لاشك أن حكاية روميو وجولييت الايطالية، التي نقلها الشاعر ارثر بروك الى الانجليزية في قصيدة” التاريخ المأساوي لروميو وجولييت”، استحوذت على خيال شكسبير المبدع. فاندفع ينظر بعين العطف الى بطليها، ويتسلق بهما عرائش الشعر ليجودا بأجمل أشعار الحب والغزل، ويمسا شغاف القلوب بأسمى مثال للصدق في الحب ونكران الذات. وحتى يجذبنا اليهما ويجعلنا نتعاطف معهما، وضع حبهما في صراع مع أنواع الحب السائدة في عصره.

وأول أنواع الحب الذي نصادفه في أروقة فيرونا، هو الحب الخيالي أو حب المراهق الذي يحب بخياله وليس بقلبه، ويحب الحب وأفكار الحب، أكثر من الفتاة التي يتوهم أنه يحبها، وغالبا ما يمتع نفسه بتمثيل دور المحب اليائس. وهذا ما نجده في حب روميو لروزالين.

ويطلق عليه النقاد اسم” الحب البتراركي”، نسبة الى فرانسيسكو بترارك ( من أبرز شعراء النهضة الايطالية)، الذي أصبحت أشعاره في عشق لورا(366 قصيدة)، المثل الأعلى في الحب ذلك العصر. وفي هذا الحب يستسلم الرجل الى الشغف اليائس بمن يستحيل وصوله اليها، ويخضع الى صدها وتدللها المستعبد له. فيحيل عيوبها الى محاسن وأخطاؤها الى فضائل ويحرق لها بخور العبادة.

وفي المشهد نفسه، وقبل ظهور روميو، يقدم لنا شكسبير نوعا آخر من الحب، تخضع فيه المرأة الى استبداد الرجل وتتحول من معبودة الى عبدة. ويضع لنا كلام روميو الحالم عن روزالين في مفارقة مع كلام الخادمين سامبسون وغريغوري. كما يقدم شكسبير نوع حب المصلحة الذي يربط والدي جولييت.

شكسبير.. القضية والهدف

يتضح لنا، أن مسرحية روميو وجولييت أكبر من مأساة الحب. فهي تطرح بعض مشكلات المجتمع الأوروبي في عصر النهضة وتعالجها. لكننا لا نحفل بها لأن شكسبير توغل بعيدا في إضفاء البراءة والنبل على بطليه.. ولا نعود بعد موتهما نبالي بشيء آخر، حتى المصالحة بين العائلتين المتنازعتين.

وأهم تلك القضايا، بالاضافة الى العداء والثأر، مشكلة الزواج وسطوة الوالدين. إذ كانت الطبقة المتوسطة، وقتئذ، تشدد على قدسية الزواج والعائلة. وتدعو الآباء الى تفهم رغبات الأبناء ومنحهم حرية معقولة في اختيار الزوج والزوجة. كما كانت تبارك اختيار الأبناء السليم، حتى لو كان ضد رغبة الأهل.

وما كان بوسع شكسبير أن ينسلخ عن طبقته ويتجاهل قضاياه. لذلك نلمس منه ذلك التعاطف مع روميو وجولييت ومباركة اختيارهما، رغم انه يشذ بهما عن تقاليد فيرونا الموروثة. وبما ان زواجهما مستحيل علانية، زوجهما سرا كي يعطي حبهما الغطاء الشرعي. كما نجده يطور شخصية جولييت، مخالفا بذلك الروايات السابقة، من فتاة مطيعة لوالديها طاعة عمياء، الى فتاة مستقلة ترفض هيمنتهما عليها.

ويستثير تعاطفنا معها وهي تقاوم ضغطهما لتتزوج الكونت باريس، ثم يعمي عينيها عن كل حقيقة ماعدا واحدة، وهي أن الزواج مقدس والواجب المقدس الوحيد الذي تراه هو الاخلاص حتى الموت لزوجها روميو.

في المسرح

2008 قدمت مسرحية جديدة عن العمل، مستوحاة من العمل الشكسبيري الاساس، خلال فعاليات مسرح شكسبير الصيفي الكوني، على مسرح لويال ديفيز لمسرح المهرجانات.

2013 سيقدم أحدث اخراج مسرحي موسيقي للعمل على مسرح برودواي في 2013. ويؤدي دور روميو، اورلاندو بلوم أمام كوندولا رشاد في دور جولييت.

في التشكيل

1870 أنجز الفنان فورد مادوكس براون، لوحة فنية تعكس مضمون العمل.

في السينما

1900 أول فيلم قدم عن العمل، فرنسي، أخرجه كليمنت موريس سنة1900. بينما الاحدث: الفيلم الانجليزي- للمخرج كارلو كارلي. ويسبزل الى دور العرض في 26 يوليو 2013.

1968 تحولت المسرحية الى 14 فيلما بانتاج أميركي وانجليزي وفرنسي وايطالي. وأشهر هذه الأفلام، الذي أخرجه فرانكو زيفرلي سنة 1968، وفاز باثنتين من جوائز الأوسكار.

في الباليه

1940 قدمت مجموعة اعمال باليه مستوحاة من المسرحية، أفضلها لسيرجي بروكوفيف. وقدمت للمرة الاولى في لينينغراد.

انتشار

بلغت مسرحية “روميو وجولييت”، أوسع انتشار لها على المسرح الغنائي في باريس ونيويورك ومونتريال ومكسيكو وامستردام ومدريد وروما وانتويرب وموسكو وبودابست وبوخارست وفيينا وسيول وبوزان وتيبي وطوكيو وشنغهاي. واسهم في ذلك انتشار المسرح الغنائي الجوّال، الذي حمل اسمها وجاب المدن في أميركا الجنوبية والصين و تايوان وفيتنام وسنغافورة.

المصدر:

  • فريد نعمة

http://www.albayan.ae

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *