لم يكن التمثيل ترفاً.. بل تربية

ثير دراسة الباحثة والكاتبة فتحية الحداد حول «تاريخ القصة والمسرح في المجلات الطلابية الكويتية» أسئلة عديدة منها ما يتعلق بمسار التعليم النظامي الذي كان يوما ما حاضنا طبيعيا للإبداع والإنتاج الثقافي، مقارنة بتحول التعليم إلى مجرد أداة لتخريج موظفين وفنيين، متجاهلا الدور التثقيفي والتنموي لقدرات الطلاب، كما يتعلق أيضا بعلاقة التلميذ بالأستاذ حيث كانا يشتركان في الكتابة في إصدار واحد، وما يعنيه ذلك من علاقات تواصل الأجيال والتأثير والتأثر، ويتعلق قسم آخر منها بمأزق محدودية الرؤية التعليمية، التي أفضت إلى تحول الثقافة (خارج أسوار المدارس والجامعات) إلى نشاط منفلت غير منهجي، أو معتمد على الاجتهاد الفردي.

في مدينة الكويت كما في جزيرة فيلكا أكدت المجلة الطلابية اهتمام التربويين بالتمثيل، ففي مجلة «صوت فيلكا» الصادرة خلال العام الدراسي 1963/ 1964نقرأ تقريرا عن زيارة قام بها التلاميذ إلى مدرسة الشامية في الكويت حيث حضروا عرض «أنت عمري» الذي قدمه طلاب نادي الرازي.

نتعرف كذلك على عنوان مقالة كتبها محمد علي أسعد عنوانها فن التمثيل. تفاصيل تذكرنا بمقالة التمثيل التي نشرها المشرف الثقافي في مجلة صوت المرقاب خلال العام الدراسي 1959/1960، وتدفعنا لنتساءل: هل يتناول المدرس اليوم مواضيع كهذه؟

ما استعرضناه حتى الآن عرفنا بعناوين ثماني تمثيليات أو مسرحيات، ومنها انت عمري، ودلنا أيضا على إيمان المدرسة بالتمثيل ودور شخصية المشرف الثقافي في ذلك، لنتساءل الآن هل كان الإيمان كافيا لانتعاش حركة المسرح المدرسي أم أن الأمر تطلب خبرة وإرادة وتضامنا أيضا؟

 

أعظم مسرح مدرسي

لنعد إلى كتاب المجلات الطلابية ونقرأ في مجلة لؤلؤة الخليج تقريرا جاء فيه: يعتبر مسرح مدرسة الصباح أعظم مسرح تمثيلي في الكويت من حيث البناء والسعة والإضاءة، وتوفر جميع الشروط الفنية اللازمة. وقد قدمت على هذا المسرح تمثيليتان هذا العام. الأولى «ميلاد الرسول» وذلك بمناسبة العام الهجري الجديد والثانية «جابر عثرات الكرام» ومُثلت الحفلة بمناسبة المولد النبوي الشريف.

وتقرير المجلة لا يهمل رسالة وصلت بتاريخ 20 ديسمبر 1952 من ناظر مدرسة المباركية الأستاذ عبدالمجيد مصطفى الذي يقول: أخي الأستاذ حمد الرجيب. تحية طيبة وبعد، لا أستطيع أن أكتمك إعجابي بما شاهدته في حفلتكم التمثيلية من نظام وإتقان وإخراج وإبداع (…)

 

إطراء لا منافسة

التقرير السابق يثير أكثر من نقطة. نبدأ بالأخيرة حيث نلحظ أن ناظر المباركية يحضر عرضا لمدرسة الصباح، وهو بعد ذلك، ودون قلق المنافسة، يحيي ناظرها بإرسال إطرائه لما شاهده، وهذا التعاضد واللفتة الأدبية الفنية عَبَرا عن روح سادت المجتمع في تلك الأيام، وأثرا بلا شك في تطوير المسرح.

أما النقطة الثانية فتأخذنا إلى عرض جابر عثرات الكلام، فهذه مسرحية أخرجها من قبل ناظر المدرسة حمد الرجيب عندما كان تلميذا في معهد التمثيل في القاهرة، وحضرها رئيس وزراء مصر في حينه النقراشي باشا وكان الشاعر أحمد رامي عريف الحفل الذي أشار إليه الرجيب في كتابه مسافر في شرايين الوطن.

أما اليوم، فإن مهمة تدريب التلاميذ وكتابة النصوص المسرحية توكل إلى مدرس اللغة العربية.. لم يقرأ يوما حوارا دراميا ولم يضع قدمه في المسرح إلا نادرا.

بوصولنا إلى النقطة الأخيرة، يحاصرنا السؤال ونحن نتابع التجهيزات المتواضعة لمسرح الدسمة وكيفان والشامية التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون، هل تم تأهيل المسارح في مدارسنا لتقديم العروض واستقبال الجمهور أم أن تراجع المسارح أصبح حالة عامة أثرت على المؤسسة الثقافية كما التربوية؟

 

أعظم مسرح

تقرير مجلة الصباح وصف المكان بأنه أعظم مسرح وأشار إلى الإضاءة والشروط الفنية التي توافرت في مسرح الصباح عام 1952، وفي العدد الأول من مجلة اليقظة التي أصدرتها مدرسة المباركية في مارس من العام نفسه يؤكد الاهتمام ببناء المسرح حيث نقرأ خبرا عن مشروع بناء ثانوية الشويخ جاء فيه: (…) تتكون من البناء الرئيسي الذي يضم غرف التدريس والمطعم والمختبرات وقاعة السينما والمسرح (…).

ولأن للزمن سحره، فسنتوقف عند ما ورد حول أعظم مسرح، حيث تزامن ذلك مع الحديث عن مسرح ثانوية الشويخ، فتلك اشارة إلى مرحلة الخمسينات ودعوة لدراسة المسرحيات ومحاولة تصنيفها من حيث المواضيع التي تناولتها في تلك الفترة أو بعدها في الستينات.

 

رعاية النشأ

مجلة الاستقلال الصادرة عن نادي عمر الصيفي نشرت عام 1961 موضوعا عنوانه نادي عمر الصيفي خطوة موفقة لرعاية النشء نقرأ فيه (…) استطاعت إذاعة المركز أن تؤدي رسالتها على الوجه الأكمل تجاه الأحداث التي تمر بها البلاد(…)، أما عن التمثيل فقد وضعت التدريبات للقيام ببعض التمثيليات الوطنية يؤديها الناشئون بما عرف عنهم من همة ووطنية وحماسة. العبارة الأخيرة تعكس لجوء التربوي إلى التمثيل كأداة لمواجهة حدث سياسي عرفته الكويت، وعليه لم يكن التمثيل ترفا، إنما ضرورة للتـثـقـيف سواء في المسرح أو في الإذاعة.

 

 

فتحية الحداد

http://www.alqabas.com.kw

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *