فنان الشعب يتساءل أين هي المسارح فـي عاصمة الثقافة؟

مرة أخرى يحتفي بيت المدى للثقافة والفنون بقامة باسقة من قامات المسرح العريق هو الفنان بدري حسون فريد. بحضور جمهور غفير لم تستوعبه قاعة الاحتفال فاضطروا الى الوقوف الى نهاية الجلسة. قدم للجلسة المخرج كاظم النصّار فقال :- لنقف تحية إجلال لرجل المسرح العراقي الأستاذ بدري حسون فريد فالتهبت الأكف تصفيقاً لهذا المسرحي الكبير ، الذي ظل مهملاً منذ عودته الى الوطن بعد غياب أكثر من 15 عاماً.
بدري والواقعية أحد تلامذة الفنان فريد هو الدكتور عقيل مهدي تحدث عن أستاذه قائلا : – أستاذ بدري هذا الرجل المبدع من خلال بحوثه ومسرحياته يحتاج الى مجلدات وليس تعقيباً بسيطاً . وهو يختلف في عمله الإخراجي عن إبراهيم جلال وعن كاظم العبودي وكلهم مبدعون ، وهو يقدم الواقعية في عمله.
ويتميز بشاعرية تشيخوف وهو مغرم به وبشاعريته. ولم يبدأ بالمادة المرئية بل بدأ بالمادة الصوتية التي ترى ، بطريقة فيها شيء من الغور والكشف. وكان يهتم بقضية الصوت الى حد بعيد. لاسيما في مسرحية مركب بلا صياد بطولة عزيز خيون .
وحين أصبحت معيداً في كلية الفنون اكتشفت وجهاً آخر لأستاذنا الجليل يختلف عن جعفر السعدي وإبراهيم جلال وغيرهما. وهو طيبته وأخلاقه العالية. قيصر المسرح العراقي الدكتور صلاح القصب تذكر أستاذه بدري بكلمات شاعرية ورومانسية تعكس حبه وتقديره فقال عنه :- معلمي ومرشدي يا كبير كل العصور، زمن أنت وشموخ وكبرياء حتى لم ينحنِ على الأرض وواصل المسير بعلو. في غربتك كنا نراك عظيماً نتعطش لرؤيتك في مسرح الطليعة. كنا نراك تسير فوق البحر وطيور النوارس حشوداً ترفع لك الرايات أمامك لأنك أنت الكبرياء والسمو.
هكذا أنت يا قيصر المسرح العراقي متوهجاً وكل الجهات تنظر إليك بسمو لأنك كنت تسعى وأسست مسرحاً سامياً وعريقاً. شقيق الفنان بدري الدكتور طارق تحدث فقال:- أخي يكبرني بسبع سنوات، وهو شعلة أضاءت لي طريق الفن لكن في مجال الموسيقي وعملنا سوية لسنوات طويلة في الفرقة الشعبية مع المرحوم جعفر السعدي أو في شباب الطليعة ثم في معهد وكلية الفنون الجميلة. من ذكرياتي معه، عندما كنت في الابتدائية أرى بدري يتدرب على حفظ الأدوار والإلقاء وكان هو في الثانوية. وكان يقول بعد حوارات روميو وجوليت، ولكثرة ما شدّني إليه حفظت الحوار الذي يلقيه إعجاباً بما يفعله بدري.
وأحيانا يدخل في الدولاب ليتدرب صوته ويصبح فيه صدى يسمعه الجيران. وقدم في كربلاء مسرحية القبلة القاتلة وهي أول مسرحية أشاهد فيها بدري ممثلا، وكان آنذاك طالباً في الحقوق وطالباً في معهد الفنون في آن واحد، وكان واجبي أن أجلب الطعام للفرقة. كذلك عملت معه في الفرقة الشعبية ثم مع شباب الطليعة، وكان دقيقاً ومخلصاً ومتفانياً في عمله. وأذكر أنه باع في يوم ما زولية من البيت كي يقدم مسرحية! وكانت حياته كلها للمسرح.. وكانت أعماله تسبب له مشاكل مثل الاعتقال، وفي بيته يحتفظ ببطانية ووسادة مع كل عرض مسرحي .
بدري حسون فريد أعتذر منك وقرأ النصّار كلمة بعثها الفنان الكبير يوسف العاني الذي تعذر عليه الحضور بسبب ظرفه الصحي ومما جاء فيها: بدري .. يارفيق دربنا المسرحي الواحد عذراً منك لغيابي عن جمع المدى وأنت المكرم فيه، سبب الغياب أنني أسرفت باحتفال يوم المسرح البارحة.. أسرفت فرحاً وسألت عنك.. تمنيت أن تقاسمني ذاك الفرح. كما اعتدنا أن نتقاسم كل نجاح مسرحي يشارك فيه أحدنا.. وأضاف : الفرح الغامر الذي مارسته أنا أتعبني واضطرني الى أن أظل في الفراش بلا حركة. هكذا صارت الحالة .. فرحنا صار يأتينا بالمرض، بعد أن كنا قادة الفرح والسعادة النظيفة والشريفة. ترويض الممثل الفنانة إقبال محمد قالت :- حالفني الحظ أن أعمل مع أستاذي المبدع الكبير بدري في عام 1973 وحصل من خلال ذلك على جائزة أفضل إخراج مسرحي . كنت ممثلة معه فيها ولدي الموهبة، لكن أفتقد للاندفاع والحماس بسبب الظروف الاجتماعية التي تعيق عمل المرأة في الفن. وهو أول دور لي في المسرح. وقد روضني بدري وعلمني الإلقاء والالتزام والتدريب وإدراك أبعاد الدور. وبفضله حزت على العديد من الجوائز في أعماله . له فضل عليّ الفنان الدكتور حسين علي هارف قال:- لقد تتلمذت على يديه في البكالوريوس والماجستير وأقول له شكراً على تأنيبك لي ذات مرة وأشكرك لأنك عينتني في الجامعة وهو فضل كبير لن أنساه.
لأنه حصلت نقلة كبيرة في حياتي وفتحت لي آفاق الدراسات العليا. وحتى بعد التعيين اهتم بي وعلمني وزجني في أعمال مهمة منها مساعداً للمخرج الكبير إبراهيم جلال، وكذلك مساعداً له في درس الإلقاء. الفن والحقوق وأشار الفنان الدكتور سامي عبد الحميد وبطريقة الإلقاء المسرحي فقال :- جميل جداً أن يضيّف بيت المدى هذه القامة الكبيرة لفن المسرح العراقي التي خرّجت الكثير من الأجيال.
وليس غريباً أن تكون هذه المناسبة متزامنة مع احتفالات يوم المسرح العالمي. أقول كلانا جمع بين التدريس والتأليف والتمثيل والإخراج ودراسة القانون. دخلنا فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة ندرس ونخرج ونمثل في المسرحيات. وتمنيت أن أمثل دوره في مسرحية يوليوس قيصر الذي عهد به إليه أستاذنا حقي الشبلي.
افترقنا عندما انتميت الى فرقة الفن الحديث وهو ذهب مع الفنان جعفر السعدي لكنه اختلف معه وشكّل فرقته “مسرح الطليعة” وقدم مسرحيات مترجمة إضافة الى العراقية. وافترقنا أيضاً حين ذهب هو الى معهد شيكاغو وأنا الى رويال أكاديمي. وكان يريد أن يدرس الإخراج كما أساتذته أما أنا فقد درست التكنيك فاخترت الأكاديمية الملكية. واخرج بدري مسرحية الحصار وبممثلين نجوم وأتحدى أن يقدم اليوم عملا كهذا.
وفي مسرحية ارتا جعل الجمهور العربي يقف ليصفق لدقائق له على عظمة العرض وكنت ممثلا فيها مع الفنانة المقتدرة ابتسام فريد وكذلك الرائعة الكبيرة ازودوهي . فيلم سينمائي ومتحف وقال نقيب الفنانين صباح المندلاوي انه فنان كبير بكل الميادين الفنية كاتباً ومخرجاً وممثلاً .
وأتمنى في هذه الأيام أن يكلّف المركز العراقي الفنان بدري بكتابة رسالة المسرح العالمي في الأعوام المقبلة هو وسامي عبد الحميد ويوسف العاني وغيرهم ، وأتمنى من رئاسة الجمهورية أن يكرّم تكريماً خاصاً وكذلك إنتاج فيلم سينمائي عنه لاسيما في حياته وتحويل بيته الى متحف فني كبير وإطلاق اسمه على ساحة في بغداد. وأن تطبع أعماله المسرحية كاملة. مسرح الطفل أولاً ثم جاء دور المحتفى به الفنان الرائد بدري حسون فريد الذي وقفت له القاعة لاستقباله قبل الصعود على المنصة.
وقال: – للحياة والجمال والوطن نذرت نفسي. وأشكر هذا الوفاء الكبير من “المدى” والأصدقاء لسبعين عاماً من المسرح. اربد أن أشير الى حادثة مهمة هي عندما كنت طالباً في الحقوق ومعي أستاذ سامي وكنت ألعب البينبونغ وعندما خرجت و قابلني شاب فقال لي ألم تذكرني وأن ألعب معك البينبونغ. وبعد عام التقينا في المسرح وذكرني بالحادثة وقال أنا كنت من سلم عليك في كلية الحقوق ، ذلك هو سامي عبد الحميد الفنان الكبير . أردت أن أقول أن مسرحنا العراقي كبير ومهم وأسس على قاعدة سليمة في الفكر والتنفيذ . انحني للوفاء هذا في زمن ليس فيه وفاء! في زمن يشرد فيه مبدع كبير، بنى بيته خلال عشر سنوات ويهجر منه، وحاليا أجلس في منزل أتنقل فيه مع عائلتي كالقطط. علمتني التجربة أن المسرح هو عمل جماعي ويد واحدة، وعليهم أن يتعلموا من ذلك ؟ لكن من يتعلم ! هذه الأيام نعيش احتفالات بغداد عاصمة للثقافة ؟ واسأل أين هي المسارح في عاصمة الثقافة؟ وأين هي الميزانية المطلوبة التي ستجعل وزارة الثقافة قادرة على تنفيذ ما مطلوب.
وسمعت رئيس الوزراء يقول للوزارات امنحوا ميزانيات كبيرة للثقافة حتى تظهر مبهرة وتتناسب مع عظمة بغداد، لكن أين ذلك الفن الجميل الذي كان يقدم في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات؟ أين تلك الأعمال الرائعة. سابقا لم نكن نفكر بالمال حتى نقدم أعمالنا وأنا شخصياً بعت زولية البيت حتى أعرض مسرحية ولم أفكر بربح بل فكرت كيف أسعد الناس بعمل يبقى في ذاكرتهم. لقد احترق بيتي ذات يوم وزال كل ما فيه فأرسلت على أخي طارق أن يبقى في البيت ويرتب حاله بعد الحريق ، وقلت له أنا كلفني الفنان حقي الشبلي بتدريب بعض الفنانين في منطقة تل محمد التي تبعد عن راغبة خاتون بثلاثة باصات أركبها حتى أصل الى هناك.
وذهبت وترك بيتي يحترق. فهل هذا جنون؟ لا انه وعي كبير ومعانقة الإبداع وروح المسرح هي التي دفعتني الى ذلك. تفتحت عيني على المسرح وأنا طفل في كربلاء وظلت المسرحية في بالي لحد الآن. ومن يومها تعلقت بالمسرح.

 

ولابد لنا إذا أردنا أن نعيد الحياة والبناء لمسرحنا أن نبدأ من مسرح الطفل وعلينا أن نذهب الى الأطفال في مدارسهم وليس أن يأتي الطفل الى المسرح حتى نقدم لهم أعمالاً تفتح أذهانهم وتعلمهم الوطنية الحقة وهذا سيكبر في ذاكرتهم مع مرور الأيام.

 

 

http://www.aljeeran.net

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *