‮ ‬لينين الرملي‮ ..‬ اللاعب الحرّيف في شارع المسرح

15082015103648

 

 

 

‬لينين الرملي الذي ولد في‮ ‬18‮ ‬أغسطس عام‮ ‬1945‮ ‬حالة نادرة في تاريخ المسرح المصري وخاصةً‮ ‬في النصف الثاني من القرن العشرين،‮ ‬فكلما تأملت أعماله وحياته وأسلوبه‮  ‬في الكتابة وعلاقته بفن المسرح أشعر أنه كان من المفترض أن‮ ‬يعيش في العقد الثاني من القرن العشرين مع جيل الرواد أصحاب الفرق والمسارح‮  ‬الذين كانوا‮ ‬يكتبون النصوص‮  ‬للفرقة‮  ‬التي‮ ‬يعملون معها‮ ‬،‮ ‬يكتبون علي خشبة المسرح،‮ ‬ولا‮ ‬يؤمنون بالنصوص المسرحية كنصوص أدبية،‮ ‬فالكتابة للعرض لا للقراءة‮ ‬،‮ ‬كل حياة لينين الرملي وأعماله تؤكد أنه رجل مسرح وليس فقط كاتباً‮ ‬مسرحياً،‮ ‬بل‮ “‬مسرحجي‮” ‬إخلاصه الأول والأخير لفن العرض كفعل علي خشبة المسرح مع الممثلين‮  ‬والعناصر الأخري وليس كنص أدبي للقراءة،‮ ‬فهو‮ ‬يكتب العرض المسرحي وليس النص،‮ ‬وفي أعماله لم‮ ‬يهتم بالتراث سواء علي مستوي الشكل أو المضمون،‮ ‬لم‮ ‬يهتم بالأيدلوجيا،‮ ‬أو قضايا المسرح التي تم طرحها للمناقشة،‮ ‬فقط كان اهتمامه باللعبة المسرحية علي خشبة المسرح من خلال الإنسان،‮ ‬ولايخلو اختياره للكوميديا ومسرح القطاع الخاص من دلالة في بداية حياته المسرحية‮ ‬،‮ ‬وإن كان الأمر سوف‮ ‬يتغير في مراحل أخري من حياته‮ . ‬
بدأ لينين الرملي الكتابة للمسرح مطلع السبعينات وهي مرحلة فارقة في تاريخ المسرح المصري‮ ‬،‮ ‬بل ومصر كلها‮ ‬،‮ ‬حيث‮  ‬بدأ العقد السابع من القرن العشرين وقطار المسرح المصري‮ ‬يفقد اتجاهه وبقوة أيضا،‮ ‬ربما كردة فعل لهزيمة‮ ‬67‮ ‬أو بداية مرحلة جديدة في فترة حكم السادات،‮ ‬،فما ان بدأ العقد التاسع من القرن الماضي إلا ونحن نشاهد أسماء كبيرة تعتزل النقد المسرحي احتجاجاً‮ ‬علي الأوضاع المتردية والبكاء علي لبن الستينات المسكوب تحت أقدام جنرالات المسرح التجاري الذي نما في ظل الحراك الاجتماعي أو تغير الوضع النسبي لطبقات وشرائح المجتمع في ظل انفتاح اقتصادي وهمي،‮ ‬مايهم أن تلك الحقبة كانت بداية مرحلة جديدة في‮  ‬المسرح المصري تم وصفها بحقبة السقوط وبداية التخريب،‮  ‬ليبتعد أبطال المشهد‮  ‬نتيجة لمصادرة أعمالهم وتهميشهم مثل محمود دياب وميخائيل رومان ونجيب سرور،‮ ‬ليودع المسرح المصري ما أطلق عليها حقبة الإزدهار وتتوالي المصادارات لأعمال‮ ‬يسري الجندي‮ ” ‬اليهودي التائه‮” ‬وأبو العلا السلاموني‮ ” ‬فرسان الله والأرض‮ ” ‬وكانت بداية العقد السابع قد شهدت سلسلة من مصادرة الأفكار المسرحية،‮ ‬ففي عام‮ ‬71‮ ‬صودرت‮ “‬ثأر الله‮ ” ‬لعبدالرحمن الشرقاوي،‮ ‬فثمة إعلان رسمي وصريح عن موقف المؤسسة من المسرح،‮ ‬فممنوع الإقتراب من الدين أو السياسة أو قضايا اللحظة الراهنة لتبدأ مرحلة عشوائية في الثقافة المصرية ويبدأ‮  ‬معها موسم هجرة معظم كتاب المسرح إلي التليفزيون‮ ‬،‮ ‬وفي تلك الفترة بدأ لينين الرملي كتابة أولي مسرحياته‮ ” ‬الكلمة الآن للدفاع‮ ” ‬عام‮ ‬1973‮ ” ‬سبقها محاولات عديدة سوف تكتمل فيما بعد‮” ‬والتي‮ ‬يجسد من خلالها شخصية محام شاب مثالي ومثقف،‮ ‬ويدفع ثمن مثاليته بأن‮ ‬يخسر كل شيء حتي حبيبته ويقف في نهاية المسرحية عاجزاً‮ ‬لايستطيع حتي الصراخ ولم تعرض هذه المسرحية علي خشبة المسرح حتي الآن،‮ ‬وأخبرني فيما بعد أنه‮ ‬أنهي كتابة هذا النص ظهيرة السادس من أكتوبر عام‮ ‬1973‮ !‬‮  ‬ودون شك حال المسرح المصري في سبعينات القرن الماضي‮  ‬كان له الدورالأ كبر في توجهه إلي مسرح القطاع الخاص مبكراً،‮ ‬بعيداً‮ ‬عن المؤسسة التي أحكمت قبضتها علي المسرح ومارست كل أنواع القهر علي أهله،‮ ‬وظني أنه لم‮ ‬يؤمن بالحقبة الناصرية التي عاشها في مطلع شبابه ولا بإنجازاتها السياسية‮  ‬أو الثقافية،‮ ‬وابتعد عن معارك المسرحيين حول اكتشاف أشكال مصرية وعربية للمسرح،‮ ‬هذه المعركة التي احتدمت في ستينات القرن الماضي وأنتجت أشكالاً‮ ‬وأساليب مسرحية جديدة سواء عند توفيق الحكيم أو‮ ‬يوسف إدريس أو محمود دياب،‮ ‬ولم‮ ‬يهتم بالأفكار السائدة وقتذاك والقضايا السياسية الكبري و كان اهتمامه بالإنسان لا أكثر ولا أقل وإن كان سوف‮ ‬يشتبك مع السياسة‮  ‬بقوة في مرحلة متقدمة‮  ‬ولكن بصورة‮ ‬غير مباشرة‮ ‬،مستعيناً‮ ‬بأسلوبه الساخر‮ ‬،‮ ‬فلم‮ ‬يبحث أو‮ ‬يتبني كغيره القضايا الكبري‮  ‬والمقولات السياسية في المضمون الذي‮ ‬يطرحه كما لم‮ ‬يهتم بقضايا الشكل في الكتابة‮ ‬،واتجه إلي الكوميديا‮  ‬لتكون السخرية هي سلاحه الرئيسي في معركة المسرح في المراحل الأربعة التي مرت بها حياته المسرحية والتي جاءت مزيجاً‮ ‬مابين الكوميديا والتراجيديا‮ ‬،‮ ‬لقد كان مغامراً‮ ‬انحرف عن الطريق الذي كان‮ ‬يسير فيه الجميع وقتذاك وسار وحده‮ ! ‬وذهب مباشرة إلي مسرح القطاع الخاص،‮ ‬فإذا كان قد قدم أولي مسرحياته من إخراج جلال الشرقاوي عام‮ ‬1974‮  ‬أخرج له أيضاً‮ ‬نور الدمرداش أولي أفلامه‮ “‬القنطرة شرق‮” ‬في نفس العام وسبق ذلك ثلاثة برامج إذاعية وتلاها‮  ‬ثلاثة مسلسلات سوف تكون من العلامات البارزة في الدراما التليفزيونية وهي‮ “‬فرصة العمر‮ ‬1976‮ ‬،‮ ‬حكاية ميزو1977‮ ‬،‮ ‬برج الحظ‮ ‬1978‮ ”  ‬فلم تكن بداية لينين الرملي مسرحية خالصة‮ ‬،‮ ‬كانت بداية درامية في الإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما‮ ‬،‮ ‬بالإضافة إلي كتابة القصة والمقال وإصدار مجلات مع آخرين‮ ‬،‮ ‬فقد كانت ملامح حياته الفنية واضحة منذ البداية،‮ ‬فرغم دراسته الأكاديمية‮  ‬وحصوله علي بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام‮ ‬1970‮ ‬إلا أنه اتجه إلي القطاع الخاص حيث اختار المتعة والفكر من خلال مضمون اجتماعي إنساني في كل أعماله مع رؤيته النقدية الساخرة للمجتمع التي‮  ‬طرحها من خلال أشكال متعددة‮ ‬،‮ ‬حيث الكوميديا التي لا تخلو من رؤية فلسفية عميقة لقضايا الإنسان والمجتمع في أعماله المتأخرة،‮ ‬والفارس والأعمال المقتبسة في أعماله المبكرة‮ ‬،‮ ‬وبشكل عام ثمة سخرية سوداء في كل أعماله،‮ ‬ومزج بين الواقعي والفنتازي في أفكاره التي تطرحها أعماله التي‮ ‬يمكن تقسيمها إلي أربعة مراحل لم تكن فاصلة تماماً‮ ‬بل تداخلت فيما بينها،‮  ‬لكنها تمثل محطات فنية كبري في حياته‮ . ‬
مغامرة المسرح التجاري
‮ ‬بدأ ت المرحلة الأولي‮ ‬1974وحتي‮ ‬1980‮ ‬وقدم خلالها‮  ‬مسرحيات‮ ” ‬إنهم‮ ‬يقتلون الحمير،‮ ‬انتهي الدرس‮ ‬يا‮ ‬غبي،‮ ‬علي بيه مظهر،‮ ‬مبروك‮ ‬،‮ ‬حاول تفهم‮ ‬يازكي‮ ‬،‮ ‬نقطة الضعف،‮ ‬سك علي بناتك‮ ” ‬والأخيرة من إخراج فؤاد المهندس‮ ‬،‮ ‬وظني أن هذه المرحلة التي حاول فيها لينين الرملي اكتشاف نفسه وتجريب كل أشكال الدراما في الكتابة‮ ‬،‮ ‬ولو استمر في هذه المرحلة لكان كغيره من كتاب المسرح التجاري في تلك المرحلة‮ ‬،‮ ‬لكنه كاتب موهوب وصاحب رؤية ومشروع مسرحي منذ أعماله الأولي‮ ‬،‮ ‬لذلك كان من الطبيعي أن‮ ‬يتجاوزها رغم الشهرة والأضواء،‮ ‬ودون شك حال المسرح المصري والإنزلاق في ثقافة النظام العشوائي أبرز ملامح حقبة السبعينات التي‮  ‬جعلته‮ ‬يبتعد‮  ‬عن كل هذه القضايا والصراعات القائمة،‮  ‬وأختار لنفسه طريقاً‮  ‬فنياً‮  ‬خالصاً‮ ‬من خلال أعماله المسرحية والتليفزيونية‮  ‬والإذاعية والسينمائية حيث قدم في تلك الفترة أعمالا درامية للتليفزيون حققت نجاحاً‮ ‬جماهيراً‮ ‬كبيراً‮ ‬ويلاحظ اسناد البطولة لنجوم الكوميديا في ذلك الوقت وتشترك هذه الأعمال في تقديم دراما اجتماعية ساخرة،‮ ‬ومسلية أيضاً‮ ‬وتبدأ ملامح الدراما الكوميدية عند لينين الرملي في اختيار شخصية ذات ملامح وصفات محددة وسوف‮ ‬يحدد طابعها وصفاتها الفعل الدرامي ودائماً‮ ‬سوف تكون هذه الشخصية هي القوة الفاعلة التي تحرك الأحداث في أعماله المسرحية أيضاً‮ ‬وفيما بعد التليفزيونية والتي لاتشتبك من خلال طباعها وصفاتها مع قضايا اللحظة الراهنة العميقة والمؤثرة كما كان‮ ‬يفعل الجيل السابق بشكل مباشر،‮ ‬الإ في السخرية من بعض المواقف الإجتماعية،‮ ‬وكانت شهرته المسرحية تفوقت علي أسماء راسخة وكبيرة بعد أن‮  ‬اتجه مباشرة إلي المسرح التجاري واختار الاستقلال منذ البداية‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يتعاون مع مسرح الدولة إلا في نهاية الثمانينات،‮ ‬ولم تختلف شخصيات مسرحه كثيراً‮ ‬عن أعماله التليفزيونية فنحن أمام كوميديا اجتماعية تسخر من المجتمع أو بعض الشخصيات من خلال شخصية محورية تحمل‮ ‬طبائع وصفات‮ ‬غريبة،‮ ‬ففي مسرحية‮ ” ‬انتهي الدرس‮ ‬يا‮ ‬غبي‮” ‬يقرأ المجتمع من خلال شخصية الغبي والمسرحية‮  ‬مأخوذة عن الفيلم الأمريكي‮”‬تشارلي‮ ” ‬وفي نهاية تلك المرحلة‮ ‬يقرأ التغيرات التي طرأت علي المجتمع من خلال علاقة الأب مع بناته في مسرحية‮ ” ‬سُك علي بناتك”و في هذه المرحلة‮  ‬لجأ إلي النقد الإجتماعي والإنساني وإثارة‮  ‬الضحك وحقق ما‮ ‬يسمي بالكوميدبا الجماهيرية ولكن لم‮ ‬يشتبك مع الواقع‮  ‬أو‮ ‬يطرح أسئلته وفقاً‮ ‬لأسلوب تلك المرحلة‮ ‬،‮ ‬حيث اهتم الكاتب بتقديم أعمال درامية مثيرة حققت النجاح الجماهيري واعتمدت علي شخصية البطل‮ ‬،‮ ‬ناهيك عن إقتباس بعض الأعمال من نصوص أو أفلام أجنبية‮ . ‬
حدد لينين الرملي إتجاهه‮  ‬مبكراُ،‮ ‬وراهن علي المسرح ووضع فيه كل ثقته وكان ومازال‮ ‬يؤمن بالمسرح‮ ‬،‮ ‬فمن‮ ‬يتوجه إلي مسرح القطاع الخاص ويصمم أن‮ ‬يكون مستقلاً‮ ‬عن بيروقراطية المؤسسة الرسمية منذ البداية في ظل مناخ‮ ‬يحيط به ويؤكد له في كل خطوة أن المسرح في قبضة الدولة والجميع‮ ‬يعتمد عليها في تقديم المسرح بكل مفرداته ومراحله علي الأقل منذ‮ ‬1952‮  ‬وحتي‮ ‬1970‮  ‬حين بدأ الكتابة‮ ‬،‮ ‬فبعد‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬تم تأميم المسرح لخدمة المؤسسة الرسمية‮ ‬،‮ ‬ولكنه اختار أن‮ ‬يكون خارج هذا السياق‮ ‬،وظني أنها مغامرة‮  ‬لا‮ ‬يجرؤ علي خوضها سوي كاتب مسرحي حقيقي وموهوب،‮ ‬فخوض هذه المغامرة‮  ‬والإتجاه إلي الاستقلال بعيداً‮ ‬عن المؤسسة الرسمية‮ ‬يدل علي موهبته الكبيرة،‮ ‬فهذه الخطوة‮  ‬هي التي‮  ‬حددت مستقبله المسرحي‮. ‬
ستديو‮ ‬80
لتبدأ المرحلة الثانية من‮ ‬1980‮ ‬وحتي‮ ‬1991‮ ‬بين لينين الرملي وزميله في معهد الفنون المسرحية محمد صبحي بتأسيس فرقة ستوديو‮ ‬80‮  ‬وقدمت هذه الشراكة ست مسرحيات كلها من تأليف الأول وإخراج وبطولة الثاني وهي‮” ‬المهزوز،‮ ‬أنت حر،‮ ‬الهمجي‮ ‬،‮ ‬تخاريف،‮ ‬وجهة نظر‮ ‬،‮ ‬بالعربي الفصيح‮” ‬وهي مرحلة ثرية‮  ‬جسدت وأنتجت نموذجاً‮ ‬حياً‮ ‬للمسرح المستقل،‮ ‬بعيداً‮ ‬عن مسرح الدولة‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬يمكن أيضاً‮ ‬أن نضعه في سلة واحدة مع المسرح التجاري أو القطاع الخاص‮ ‬،لأننا أمام مشروع إبداعي بين كاتب موهوب وممثل‮ ‬يمتلك إمكانيات أدائية وطموح كبير في المسرح‮ ‬،‮ ‬لذلك لم‮ ‬يكن الناتج‮ ‬يشبه عروض المسرح التجاري الرخيصة‮ ‬،بل كان حالة مختلفة حققت في أحيان كثيرة المعادلة الصعبة بين الفكر والمتعة‮ ‬،‮ ‬بل وغيرت مفهوم المسرح التجاري‮  ‬الذي‮ ‬يعتمد علي الضحك والتسلية‮ ‬،‮ ‬وبدأت بمسرحية‮ ” ‬المهزوز عام‮ ‬81‮ ‬علي مسرح الليسيه‮  ‬،و في هذه المرحلة واتسعت الرؤية وتجرأ لينين الرملي في توجيه النقد اللاذع للمجتمع في صورة ساخرة وأصبحت الشخصيات أكثر عمقاً‮ ‬وتحمل ليس فقط طبائع وصفات خارجية بل قدم الكاتب قراءة لجوهر هذه الشخصيات لتطرح أسئلة وجودية علي خشبة المسرح،‮  ‬ففي مسرحية‮” ‬أنت حر‮” ‬حياة مواطن من الميلاد إلي المقبرة،‮ ‬وأسئلته عن مفهوم الحرية من خلال علاقته مع الأب وفيما بعد مع الابن،‮ ‬ليطرح العرض‮  ‬الأسئلة الميتافيزيقية في صورة ساخرة لاتخلو من رؤية عميقة للحياة ففي هذه المسرحية‮  ‬علينا أن نتحرر من قيودنا واحتقارنا لأنفسنا وجبروت العشيرة،‮ ‬وتعد هذه المسرحية خطوة إلي الأمام في مسرحه،‮ ‬وهي بداية الأفكار الفلسفية والأسئلة الوجودية‮ ‬،‮ ‬ومعني الحرية‮.  ‬وتليها في الكتابة‮  ‬مسرحية‮ ” ‬الفضيحة‮ ” ‬عام‮ ‬1983‮ ‬والتي‮ ‬يتناول فيها قضية خطيرة في المجتمع المصري وهي آثار الإنفتاح الاقتصادي الذي أنتج للمجتمع شخصيات مشوهة‮ ‬،‮ ‬أثرياء كونوا ثرواتهم بطرق‮ ‬غير مشروعة،‮ ‬ثم‮ ‬يعود لأستديو‮ ‬80‮ ‬وأيضاً‮ ‬لأسئلة الوجود‮ ‬،‮ ‬و‮ ‬يكتب مسرحية الهمجي‮  ‬التي تبدأ بحوار بين الملائكة والشياطين حول سؤال سوف‮ ‬يكون المقولة الأساسية في المسرحية وهو هل تطور الإنسان أم ما زال همجياً‮ ‬مثل الحيوانات ؟ وعلي الرغم من أن القضية تبدو وجودية والسؤال‮ ‬يحمل أبعاداً‮ ‬ميتافزيقية إلا أن الكاتب وضعه في إطار كوميدي ساخر ومن خلال رسالة مباشرة تعرف طريقها جيداً‮ ‬إلي الجمهور وتتجلي فيها قدرة هذا الكاتب علي تناول القضايا الفلسفية العميقة من خلال أسلوب كوميدي لكاتب أتقن فن الجدل والقدرة علي تجسيد الصراع الذي هو جوهر المسرح فهو‮ ‬يري أن الكتابة الدرامية هي إعادة ترتيب الصور التي‮ ‬يعرفها الجمهور بحيث تشكل منظومة ثرية من الصور التقطت من زوايا مختلفة ومبتكرة‮ ‬،‮ ‬تعطي علاقات ومعاني جديدة‮  ‬بقدر جدة هذه المنظومة وقدرتها علي الاقناع وبقدر ما تكون بمثابة إعادة إكتشاف لأصول الأشياء وجوهرها‮  ‬تكون الكتابة عميقة وأصيلة وصادقة‮ .   ‬
واختلف الأمر في مسرحية‮ ” ‬وجهة نظر حين فضح الكاتب المجتمع وفساده من خلال مجموعة من العميان‮ ‬،‮ ‬وعلي مستوي النص اهتم باللغة المسرحية وتخلي عن فكرة البطل الذي تتحكم طبائعه في البناء الدرامي وأصبحت هناك مجموعة عميان تتقاسم الأفعال والأقوال،‮ ‬ونأتي إلي نهاية هذه المرحلة ومسرحية بالعربي الفصيح الأكثر جدلاً‮ ‬حتي الآن حين تعرضت في سخرية قاسية ومباشرة لنقد الواقع العربي من خلال مجموعة من الطلاب العرب الذين‮ ‬يقيمون في لندن وتجسيد تفاصيل حياتهم في قالب كوميدي لايخلو من سخرية سوداء ويحسب للعمل جرأته عام‮ ‬91‮ ‬للنقد السياسي الصريح للأنظمة العربية وكان قد‮  ‬بدأ الكاتب في كتابة هذا النص عام‮ ‬1970‮  ‬وكتب بالفعل ثلاثة مشاهد في شهر نوفمبر وزار مبني للمغتربين في جاردن سيتي والتقي مع مجموعة من الطلبة العرب ولكنه‮  ‬رأي تاجيل المشروع‮ ‬،‮ ‬وقد حدث هذا كثيراً‮ ‬مع لينين الرمل‮ ‬،‮ ‬فقد بدأ كتابة مسرحيات كثيرة واتمها بعد سنوات‮ ‬،‮ ‬لتأتي بالعربي الفصيح ظاهرها السياسة وباطنها رؤية عميقة للعرب الذي‮ ‬غاب عنهم الفكر وأصبحوا‮ ‬يعيشون أزهي عصور الإنحطاط والتخلف‮  ‬من خلال النماذج التي قدمها لهؤلاء العرب وأساليب تفكيرهم في العصر الحديث‮ . ‬وقد أعاد لينين الرملي تقديم هذه المسرحية عام‮ ‬1998‮ ‬من إخراجه‮ ‬
في مسرح الدولة
‮ ‬‮ ‬بدأت علاقة الرملي بمسرح الدولة‮  ‬عام‮ ‬88‮ ‬في عرض‮ “‬عفريت لكل مواطن‮ ” ‬للمسرح الكوميدي إخراج محمد أبوداود والذي تناول فيه ظاهرة خطيرة في المجتمع المصري كانت قد بدأت فيالظهور بقوة وهي‮ ” ‬الزار‮” ‬وتناقش فكرة القرين اوالأخ الذي‮ ‬يعيش تحت الأرض ويبرر العرض تفشي هذه الأفكار والعودة إلي الشعوذة إلي الضغوط النفسية التي‮ ‬يعيشها المواطن وهي هزلية إجتماعية بدأ كتابتها عام‮ ‬1970‮  ‬حول بطل المسرحية راضي عبد السلام الذي‮  ‬يبدأ بمعاقبة نفسه بل والخصام معها وكانت هذه أزمتة‮  ‬،فكيف‮ ‬ينتصر علي نفسه قبل أن‮ ‬يواجه الآخرين،‮ ‬حيث أصابت ضغوط الحياة هذه الشخصية بالإنفصام‮ ‬،‮ ‬حيث‮ ‬ينتقل فساد المجتمع الذي‮ ‬يعيشه إليه و استطاع أن‮ ‬يجسد فكرة الشخصية المصابة بالشيزوفرنيا‮  ‬ويستفيد من آراء فرويد‮  ‬ثم‮ ‬يضعها في ثوب شعبي‮  ” ‬القرين أو الأخ الذي‮ ‬يعيش تحت الأرض‮” ‬من خلال بناء درامي محكم‮   ‬يجسد المجتمع المصري‮  ‬لتأتي هذه المسرحية استعارة للوضع المأساوي للمواطن المصري‮  ‬الذي‮ ‬يعيش‮  ‬في نهاية القرن العشرين‮  ‬بعد أن أصبح إعمال العقل بالنسبة له‮  ‬من المحرمات‮.‬
لتأتي بعد ذلك مسرحية‮ “‬أهلاً‮ ‬يا بكوات‮” ‬عام‮ ‬89‮ ‬في المسرح القومي حدثاً‮ ‬مدوياً‮ ‬ورسالة من العيار الثقيل حين عاد بنادر وبرهان مائتي عام إلي الوراء ليهبطا إلي عصر المماليك ويشن هجوماً‮ ‬عنيفاً‮ ‬علي الماضي بكل مفرداته ويحطم قدسيته الراسخة في الأذهان ويبرز ما كان‮ ‬يتمتع به من جهل وتخلف وعداء واضح للمرأة والعلم‮  ‬وانحياز صريح للشعوذة والغيبيات لتقدم المسرحية إلي جانب الرسالة الفكرية متعة وإثارة لتنجح المعادلة مع لينين الرملي ويطرح أسئلة الواقع في إطار كوميدي فعلي الرغم من الرسالة الفكرية الواضحة إلا أن اختيار القالب الفنتازي لها جعل الرسالة تنال اعجاب الجماهير بكل مستوياتها الثقافية ومن خلال العودة إلي الماضي‮ ‬يحاكم الحاضر ولا‮ ‬يعفي الماضي والتشبث به من المسؤولية‮.  ‬وأذكر أنني شاهدتها حين أعيد عرضها عام‮ ‬2006‮ ‬و‮  ‬كان لتقديمها‮  ‬دلالة قوية للحظة الراهنة في تلك الفترة،‮ ‬من حيث قوة الرسالة وضرورتها لتلك اللحظة،‮ ‬فمن خلال برهان ونادر وهما شخصيتان متناقضتان نقرأ الرسالة‮ ‬،‮ ‬وبالطبع تساءل البعض هل‮  ‬مازال للرسالة تأثير بعد مرور ستة عشر عاماً‮ ‬؟ وكانت‮  ‬الإجابة عن هذا السؤال علي لسان لينين الرملي‮  ‬وعصام السيد‮ ‬،‮ ‬حيث كتب المؤلف والمخرج في بطاقة العرض هذا الإقرار‮  ” ‬نقر نحن الموقعين أدناه ونحن في كامل قوانا العقلية‮  ‬وكامل أهليتنا المسرحية‮  ‬أن هذا العرض الذي نقدمه اليوم‮  ‬نسخة طبق الأصل من العرض الذي قدم عام‮ ‬89‮  ‬ولم‮ ‬يتغير فيه شيء‮  ‬نصاً‮ ‬أو إخرجاً،‮ ‬فبرغم مرور ستة عشر عاماً‮  ‬إلا أن الواقع كما هو فما كنا نحذر منه‮  ‬بدأ‮ ‬يتحقق فهل تسمعون ؟ وظني أن العرض لو أعيد تقديمه هذه الأيام سيكون الإقرار صالحاً‮ ‬للإستعمال دون تغيير‮ ! ‬
‮ ‬وتتوالي أعماله في مسرح الدولة ويقدم المسرح الكوميدي‮ (‬اللهم اجعله خير‮) ‬عام‮ ‬97‮ ‬حيث‮ ‬يلجأ إلي فنتازيا أخري وهي مصادرة الأحلام ورقابتها حتي تضمن الدولة سيطرتها علي المواطنين وتبدأ المسرحية والمواطن‮ ” ‬سراج‮” ‬يصحو من نومه بعد حلم طويل ويفاجأ بالشرطة تدق بابه ويتم القبض عليه وتهمته الحلم الذي راوده الليلة الماضية،‮ ‬وتقص عليه الشرطة تفاصيل الحلم حيث أنه أهان مسؤولا كبيرا في حلمه وأيضاً‮ ‬طارح خطيبته الغرام وهذا فعل فاضح‮ ‬يجب أن‮ ‬يحاكم عليه أيضا،‮ ‬فالدولة تراقب الأحلام عن طريق جهاز‮ ‬يلتقط ترددات المخ بمساعدة الكمبيوتر ويتم تسجيل الحلم علي شريط فيديو حتي تتمكن الدولة من مراقبة الأحلام التي تشكل خطراً‮ ‬عليها،‮ ‬فبين الواقع والفنتازيا تجسد محاكمة المواطن سراج فساد‮ ‬السلطة والأنظمة الديكتاتورية،‮  ‬لتشهد مرحلة التسعينات صعود نجم لينين الرملي في مسرح الدولة‮ ‬،‮ ‬ولكنه ذهب إليه نجماً‮ ‬كبيراً‮ ‬في عالم الكتابة المسرحية‮ ‬،‮ ‬بل وذهب بشروطه‮ ‬،‮ ‬حيث اختار هو المخرج عصام السيد لإخراج أهلاً‮ ‬يا بكوات‮ ‬،‮ ‬ليقدم له ثماني مسرحيات تقريباً‮ ‬ومثلها مع المخرج محسن حلمي‮ ‬،‮ ‬ولكنه ظل‮  ‬قابضاً‮ ‬علي جمر‮  ‬الاستقلال وقدم مجموعة من العروض لمسرح القطاع الخاص منها‮” ‬الكابوس والحادثة وتكسب‮ ‬يا خيشة وأسرار الكاميرا الخفية وأعقل‮ ‬يا دكتور وكلنا عايزين‮” ‬صورة‮ ‬،‮ ‬وقدم أيضاً‮ ‬في تلك الفترة‮  ‬للمسرح القومي‮  ” ‬تحب تشوف مأساة‮ ” ‬ومسرحية وداعا‮ ‬يا بكوات من إخراج عصام السيد‮ ‬،‮ ‬وفيها‮  ‬تخيل الإنسان في المستقبل عبارة عن رقم بلا اسم أو هوية ألغي عقله واعتمد علي الآلة تفكر له فتساوي معها تماماً‮ ‬بل وتفوقت عليه في أحيان كثيرة فهي أفضل منه حيث‮ ‬يعيش في مجتمع انهارت فيه الدولة والوطنية‮  ‬وأصبح التفكير في الماضي جريمة‮ ‬يعاقب عليها القانون أما قلبه فهو مجرد مضخة تدفع الدم إلي القلب‮ ‬يرغب دائماً‮ ‬في الانتحار،‮ ‬والمؤلف‮  ‬في هذه المسرحية‮ ‬يحاكم العقل أيضاً‮ ‬الذي استغل العلم أسوأ الاستغلال‮ . ‬
لينين الرملي‮  ‬مخرجاً
‮  ‬لتبدأ المرحلة الرابعة والأهم في حياة لينين الرملي‮  ‬في عام‮ ‬2004‮ ‬ليعود إلي طفولته المسرحية ولكن كاتباً‮ ‬كبيراً‮ ‬يعمل مع الهواة‮  ‬كاتباً‮ ‬ومخرجاً‮ ‬في تجربة من أجمل التجارب المسرحية التي شاهدتها في السنوات الأخيرة‮  ‬ونموذج رائع لفكرة المسرح المستقل،‮ ‬لتبدأ في عام‮ ‬2004‮ ‬المرحلة الأهم في حياته بتقديم مسرحية‮ “‬سلام النساء‮ ” ‬المأخوذة عن مسرحية اليوناني أريستوفانيس‮” ‬برلمان النساء‮ ” ‬وقدمها في دار الأوبرا وحققت نجاحاً‮ ‬كبيراً‮ ‬،‮ ‬ليقدم له المخرج عصام السيد بعد عام واحد في‮ ‬2005‮  ‬مسرحية‮ “‬عين الحياة‮” ‬في الهناجر‮ ‬،‮ ‬ليتفرغ‮ ‬لمشروعه الذي قدم من خلال أكثر من عشر مسرحيات تخللها عرض‮ ” ‬زكي في الوزارة‮ ‬2008‮ ” ‬و‮” ‬في بيتنا شبح‮ ‬2012‮ ” ‬وكلاهما من إخراج عصام السيد‮ ‬،‮ ‬ومن المسرحيات التي قدمها في هذه المرحلة‮ ” ‬اخلعوا الأقنعة،‮ ‬الأسري‮ ‬،‮ ‬المحاضرة،‮ ‬أحلام ممنوعة‮ ‬،‮ ‬حصاوي وأيامه‮ ‬،‮ ‬الغرفة العلوية‮ ‬،‮ ‬وهم الحب‮ ‬،‮ ‬تعالوا نعمل فيلم،‮ ‬الجريمة الكاملة‮ ” ‬وتقريباً‮ ‬شاهدت كل هذه العروض الذي مارس فيها لينين الرملي عمله ليس فقط كمؤلف ولكن كرجل مسرح‮ ‬،‮ ‬وفي البداية كنت أسأل نفسي لماذا‮ ‬يترك هذا المؤلف الكبير المسارح الكبري والإنتاج الضخم ويلجأ إلي الإنتاج الفقير والإمكانيات المحدودة ؟ وأنا أشاهد هذه التجربة رأيت لينين الرملي‮  ‬لاعب كرة محترف‮ ‬يحب أن‮ ‬يلعب‮ “‬الكرة الشراب‮” ‬في الشارع‮ ‬،ولكن بعد أن تجلي وأبدع في الملاعب العالمية الكبري ونال من الشهرة والأضواء نصيب الأسد،‮  ‬فهو الحرّيف‮ ‬،‮ ‬حرّيف الدراما في شارع المسرح ولأنه‮ ‬يعشق اللعبة المسرحية‮  ‬وإقامة الحوار والجدل حول كل شيء جزء من طبيعته‮  ‬كان المسرح بالنسبة له‮  ‬هو الحياة‮ ‬،‮ ‬فقد شاهدت هذه التجارب في حديقة متحف مختار أو مركز الجزيرة للفنون أو سطوح قصر ثقافة السينما‮  ‬في ظروف إنتاجية بائسة‮ ‬،ولكنه أنتج من خلالها تجربة مسرحية متميزة‮ ‬،‮ ‬وذلك في الوقت الذي‮ ‬يقدم له مسرح الدولة بين الحين والحين عرضاً‮ ‬مسرحياً‮ ‬،‮ ‬وكان من الممكن أن‮ ‬يكتفي بهذه الغروض الكبيرة‮  ‬في مسارح الدولة مثل المسرح القومي أو‮ ‬يعود إلي المسرح التجاري‮ ‬،‮ ‬ولكن ظني أن هذه المرحلة من حياته كانت حلمه منذ البداية وهو أن‮ ‬يتحقق كرجل مسرح مثل أسلافه القدامي الذي‮ ‬ينتمي إليهم فهو من سلالة أمين صدقي ونجيب الريحاني‮  ‬وبديع خيري‮  ‬وأحمد تيمور‮  ‬وعزيز عيد‮ ‬،‮ ‬فهو‮ ‬ينتمي إلي هؤلاء‮ ‬،‮ ‬ولاينتمي إلي إزدهار الستينات‮  ‬فهو الحريف الذي صنع الكرة بنفسه وحملها وهبط بها إلي الشارع ليستعرض مهارته الكبيرة‮ ‬،فعلي مدي نصف قرن من الكتابة عبّر عن المجتمع المصري‮  ‬وطرح أسئلته في كل مراحله‮  ‬و اختار السخرية‮  ‬ككاتب كوميدي‮ ‬يرغب في الوصول إلي الكوميديا الجماهيرية وقد حققها،‮ ‬في كل الأحوال و سيظل لينين ظاهرة في كتابة الدراما الكوميديه‮ ‬يتفق معه البعض ويختلف البعض الآخر لكنه حقق تأثيراً‮ ‬اجتماعياً‮ ‬ملموساً‮ ‬من خلال أعماله‮. ‬وجاء حصوله علي جائزة الأمير كلاوس من هولندا عام‮ ‬2005‮ ‬لما حققه من تأثير اجتماعي في المجتمع المصري من خلال الأعمال الكوميدية تتويجاً‮ ‬لتاريخه الكبير في الكتابة الكوميدية‮ ‬،‮ ‬وأعود إلي المرحلة الرابعة وهي الأهم في مشواره المسرحي وفيها استطاع أن‮ ‬يطرح أسئلة اللحظة الراهنة‮  ‬من خلال أعمال تمزج بين الفلسفي والكوميدي وسوف أختار من هذه المرحلة عرضين الأول‮ ” ‬زكي في‮ ‬الوزارة‮ ” ‬أخرجه عصام السيد والثاني‮ ” ‬اخلعوا الأقنعة‮ ” ‬ضمن مشروع لينين الرملي في هذه المرحلة ومن إخراجه‮  ‬،‮ ‬حيث طرح من خلال‮  ‬من خلال‮  ” ‬زكي في الوزارة‮” ‬قضية المواطن زكي العجيب الذي‮ ‬يتمرد علي الأوضاع‮ .. ‬ويقدم المؤلف من خلال هذه الشخصية نقداً‮ ‬لاذعاً‮ ‬للواقع في صورة ساخرة،‮ ‬موجهاً‮ ‬نقده للأوضاع السياسية‮ ‬،‮ ‬ويمكن أن نطلق علي هذا العرض كوميديا سياسية‮ .. ‬وزكي من المفترض كما‮ ‬يقدمه لينين الرملي مواطن صالح أستاذ جامعي‮ ‬يحب وطنه ويخلص في هذه المحبة لدرجة الجنون،‮ ‬وهي شخصية نصف واقعية ونصف وهمية،‮ ‬كتب ذات‮ ‬يوم مقالة هاجم فيها رئيس الوزراء السابق،‮ ‬وفي اليوم نفسه ومن الحظ السيئ لزكي‮ ‬يتم تكليف نفس الشخص بتشكيل الوزارة‮  ‬الجديدة‮ ! ‬ويختلط الأمر علي المواطن زكي العجيب أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية،‮ ‬حيث أصبح الواقع حلماً‮ ‬والحلم واقعاً،‮ ‬وعاش المواطن فانتزيا ساخرة امتزج فيها الكوميدي بالتراجيدي‮ . ‬يصف المؤلف شخصية زكي قائلاً‮: “‬لا تضحك عليه،‮ ‬ولا تحسده‮ ‬،‮ ‬ولا تغضب منه،‮ ‬وحاول أن تفهمه،‮ ‬فقد تشعر بالرثاء نحوه،‮ ‬وتدرك ساعتها كم نحن جميعاً‮ ‬في حاجة إلي بعض الشفقة‮ ‬،‮ ‬وبعض العطف،‮ ‬والكثير من الفهم‮”.  ‬واعتمد‮  ‬فيه بناءاً‮ ‬متخيلاً‮ ‬خرج عنه قليلاً‮ ‬في‮  ‬بعض المشاهد واقعة‮ ‬،‮ ‬بالإضافة إلي اللغة الساخرة والتكرار في المفردات الذي‮ ‬يتناسب وهذا التخيل،‮ ‬حيث اعتقد زكي أنه ألتقي رئيس الوزراء وأسند إلية حقيبة الشباب والرياضة،‮ ‬وعاش هذا الوهم‮ ‬،‮ ‬حيث تخيل‮ ‬غرفة مكتبه هي الوزاة وراح‮ ‬يتحدث مع شخصيات وهمية‮ ‬،‮ ‬وحتي لا تستعصي حالته،‮ ‬شارك أهل بيته في هذا المسلسل الوهمي،‮ ‬وأدي كل فرد في الأسرة‮  ‬دوره وصارت أبنته السكرتيره الخاصة للوزير وراح الجميع‮ ‬يناديه‮: ‬يا معالي الوزير،‮ ‬فكل الأسرة أدت أدوار متخيلة وهي اللعبة التي قدمها لينين الرملي ببراعة فثمة تمثيل داخل التمثيل،‮ ‬ومسرح داخل المسرح،‮ ‬علي مستوي النص‮. ‬وأيضاً‮ ‬دور إضافي لكل شخصية،‮ ‬فالشخصيات تؤدي دورها الواقعي،‮ ‬وأيضاً‮ ‬الدور المتخيل الوهمي‮.  ‬
أما العرض الثاني الذي أخرجه لينين الرملي بنفسه فهو اخلعوا الأقنعة وشاهدته عام‮ ‬2006‮ ‬في مركز الجزيرة للفنون‮ ‬،‮ ‬ولفت النص انتباهي بقوة‮  ‬لأنه التقط أسئلة الواقع‮  ‬واللحظة الراهنة‮  ‬من خلال فكرة بسيطة لا تخلو من العمق والفلسفة‮  ‬حين تلاشت‮  ‬الوجوه‮  ‬وارتدي الجميع الأقنعة وتخيل المؤلف المكان‮ / ‬مدنية عربية‮  ‬من القرون الوسطي‮  ‬واستعار الشكل المسرحي الشعبي من خلال الراوية التي تكسر الإيهام وتقدم الأحداث للجمهور وتقول الرواية للجمهور‮  ‬أن هؤلاء‮  ‬عاشوا سعداء‮ ‬يتسامرون‮  ‬ويدخنون ويلعبون‮  ‬ويغنون ويرقصون‮ ‬،‮ ‬كانوا‮ ‬يعرفون بعضهم البعض‮ ‬يطلقون علي كل واحد منهم صفة‮ ‬يلقبونه بها‮ ‬،‮ ‬ويعرفون الشجاع من الجعجاع‮ ‬،‮ ‬ويميزون العارف من الجاهل‮ ‬،‮ ‬والشريفة‮  ‬من الغانية‮ ‬،‮ ‬حيث كانت للناس صفات تبدو علي وجوههم‮ ‬،‮ ‬وذات مساء هبط إلي القرية رجل وزوجته‮  ‬يلبسان الأقنعة‮  ‬هما عثمان وكهرمانة وكانا قد هاجرا منذ زمن وعادا بالأقنعة ليهتف عثمان هذا قناع الرجل الصالح‮ ‬،‮ ‬وتهتف كهرمانة هذا قناع المرأة الفاضلة‮ ‬،‮ ‬وتدور الأحداث والمفارقات‮  ‬ويرتدي الجميع الأقنعة فيما عدا علاء الدين الفتي الشجاع‮  ‬وهو نموذج‮  ‬ليقظة الوعي في المدينة‮ ‬،‮ ‬ويتساوي الجميع‮ ‬،‮ ‬الأهطل مع العاقل‮ ‬،‮ ‬الشجاع مع الجبان‮ ‬،‮ ‬والمرأة اللعوب مع الشريفة‮ ‬،‮ ‬فالأقنعة‮  ‬تخفي كل شيء ويكفي أن تشتري قناعاً‮ ‬وترتديه‮  ‬لكي تكون رجلاً‮ ‬صالحاً‮ ‬وأصبح من العار أن‮ ‬يمشي رجل أو سيدة بلا قناع‮. ‬وبالطبع تحدث المفارقات من إختفاء الوجوه حتي‮  ‬الأعداء‮  ‬دخلوا المدينة‮  ‬بعد أن لبسوا الأقنعة أيضاً‮ ‬وعم الفساد لأن الناس أصبحوا بلا وجوه‮  ‬أو استعاروا وجوهاً‮ ‬مصطنعة‮. ‬وللمشاهد أو القارئ أن‮ ‬يتخيل الدلالات المتعدة للقناع‮  ‬الذي‮ ‬يرتديه المصريون منذ أربعة عقود في صور مختلفة‮. ‬
وفي النهاية لينين الرملي‮  ‬الذي نحتفل بعيد ميلاده السبعين‮  ‬هذا الشهر في‮ ‬18‮ ‬أغسطس،‮ ‬قدم علي مدي نصف قرن أكثر من خمس وخمسين مسرحية بالإضافة إلي الأفلام السينمايئة والدراما التليفزيونية والإذاعية‮ ‬،‮ ‬وتقريباً‮ ‬كان‮ ‬يكتب مسرحية كل عام بالإضافة إلي الأشكال الدرامية الأخري‮ ‬،‮ ‬اختار طريقاً‮ ‬مغايراً‮ ‬لمعاصريه وراهن علي المسرح وكسب الرهان دون شك‮ ‬،‮ ‬فكان استقلاله عن المؤسسة الرسمية منذ بداية حياته‮  ‬مغامرة‮  ‬حددت معالم الطريق لحياته المسرحية كواحد من أهم كتاب الكوميديا في تاريخ المسرح المصري‮ ‬،‮ ‬لاعب حرّيف‮ ‬يستعرض مهارته ومواهبه في كل الملاعب‮ ‬،يؤمن بأن المسرح متعة لا تخلو من رسالة فكرية أو العكس‮ ‬،‮ ‬فهو رجل مسرح تجاوز فكرة الكاتب المسرحي صاحب النص الأدبي‮ ‬،‮ ‬وأظن أن الدارس لأعماله لا‮ ‬يستطيع دراسة نصوصه فقط بل العروض المسرحية‮ ‬،‮ ‬فهو نموذج مثالي لرجل المسرح‮.  ‬‮ ‬

جرجس شكرى

http://www.dar.akhbarelyom.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *