ناصر عبد المنعم: أذهب للتراث والتاريخ من ناحية الجدل وليس التسليم بالأمر / رنا رأفت

المصدر / مسرحنا / نشر محمد سامي موقع الخشبة

المخرج ناصر عبد المنعم مخرج مسرحي متميز من مواليد 13 يناير عام 1958 بدأ اهتماماته المسرحية مبكرا منذ كان طالبا بالجامعة من خلال تجربة «مسرح الشارع».. قدم للمسرح المصري مجموعة من الأعمال المهمة التي ساهمت في تطوير الشكل المسرحي، لاعتماده على صيغة مسرحية تعيد قراءة التاريخ المصري الحديث بقضاياه وإشكالياته، مركزا على الشخصية المصرية، وهو من المخرجين القلائل الذين عملوا على “مسرحة الأدب” خاصة الرواية النوبية من خلال عملين هما “حكايات ناس النهر” و”نوبة دوت كوم” قدم الكثير من الأعمال المسرحية منها على سبيل المثال: سيد الوقت، الطوق والأسورة، وليل الجنوب، أولاد الغضب والحب، والكثير من الأعمال المسرحية، وكانت آخر أعماله عرض “الساعة الأخيرة” للمؤلف عيسى جمال الدين الذي قدم على مسرح الغد، والذي شارك في المهرجان القومي للمسرح في دورته الحادية عشرة.. التقينا به في حوار حول عرض “الساعة الأخيرة”.
لقبت بصياد لآلئ وذلك لاكتشافك مواهب جديدة وتقديمها من خلال عروضك ومؤخرا من خلال عرض “الساعة الأخيرة”.. فهل ترى أن ضخ الدماء الجديدة أمر مهم في الحركة المسرحية؟
بالتأكيد، هناك مرحلة أدركها جيدا وهي وجود شاب موهوب لا يعرف كيف يبدأ، وليس لديه علاقات ويتحسس الطريق وهناك كثيرون ينسحبون من الساحة دون أن نعرفهم، وأرى أن دورنا في اكتشاف المواهب الجديدة، ففكرة أن يجد النص طريقه للعرض المسرحي رحلة من الممكن أن يكون لا يعرف أبعادها الشاب الذي يكون في بداية طريقه، وهو دورنا عندما نجد نصا جيدا لشاب في أي مسابقة يجب أن نقدمه، وذلك لأننا نريد ضخ دماء جديدة للحركة المسرحية.
من وجهة نظرك ما هي المعايير التي يكون من خلالها النص المسرحي قابلا للعرض المسرحي؟
وهناك يجب أن نتحدث عن أمرين: النص الأدبي، ونص العرض، فالنسبة لنص العرض وهو يختلف عن النص الأدبي وذلك لأن النص المسرحي ليس حالة للقراءة وإنما حالة للعرض، والعرض يتعامل مع عدة عناصر، هذه العناصر تحمل دلالات وتحمل شفرات وتحتمل تأويلات، فهناك دلالات بصرية تغني عن الكلمات.
وأتصور أنه لا يوجد كاتب مسرحي يتعامل مع الكتابة المسرحية باعتبارها عملا أدبيا، فالكاتب المسرحي الذي ينجح ويؤثر يكون رجل مسرح مر بالتجربة، على سبيل المثال قام بالتمثيل في عروض أو وجود داخل فرقة مسرحية وعلم بمقتضيات الحال وتعرّف على تقنيات خشبة المسرح وإدارة خشبة المسرح.
وذلك حتى لا يكون منفصلا في عالم الكتابة بعيدا عن مقتضيات ومتطلبات العرض المسرحي، فيجب على الكاتب المسرحي أن يعايش التجربة المسرحية بكل تفاصيلها ويعي متطلبات خشبة المسرح ويعرف ما هي هموم الممثل وهموم المخرج والفضاء المسرحي. إذا امتلك تلك الأمور سيصبح كاتبا مسرحيا متميزا.

من خلال تقديمك لتجربة عرض “الساعة الأخيرة” أبرز العرض حالة الصراع الكلاسيكي بين الواجب والإنسانيات والعاطفة من منطلق هذه الفكرة انطلق عرض “الساعة الأخيرة” فما الذي جذبك في نص “الساعة الأخيرة”؟
يجب أن نعترف بأن الموضوعات الخاصة بالنصوص المسرحية مكررة وعندما أجد منطقة مغايرة للموجود، وهذا في الحقيقة ما التقطه عيسى جمال الدين مؤلف نص “الساعة الأخيرة” أنه عالم لم يتطرق له أحد سابقا بوقائع تاريخية، وهو حدث مهم قام بتغيير مسار العالم وخريطته عقب الحرب العالمية الثانية، والمدخل الخاص به مدخل شديد الذكاء لأنه مدخل إنساني، فدائما الحكومات تبرز وتوضح فكرة الواجب وأهميته، وبالتالي تخلق داخلهم حافزا للعمل والتضحية. وفي حالة الحروب، كثير من يقتل ناس تحت دعوى الواجب، ومن فعل القنبلة التي أطلقت على هيروشيما باعتبارها حدثا فريدا من نوعه وغير متكرر، نشأ الصراع، فالطيار لا يعلم ماذا يحمل وهي أول قنبلة نووية في التاريخ، وبالتالي فهو لا يعلم تبعاتها وطاقم الطائرة التي قامت بقذف هيروشيما كان مكونا من اثني عشر شخصا ما بين طائرين وملاحين وعمال، وقد خضعوا لعلاج نفسي عقب الحادث، فمنهم من أصيب بالجنون، ومنهم من قام بالانتحار، ومنهم من أصر على ما فعل، وهي لحظة درامية ثرية للغاية وثمينة. وأحيي المؤلف عيسى جمال الدين وذكاءه لالتقاطه لحظة درامية شديدة الثراء. والنص تبرز أهميته في تماسه مع الواقع العالمي وحجم الكوراث التي تسببها الحروب وكل العالم يحلم أن يكون بلا حروب وهو الشيء الذي يجتمع عليه كل الناس في أنحاء العالم.

هناك عدة كتابات نقدية شاهدت العرض برؤى مختلفة.. هل من وجهة نظرك كل ما كتب من كتابات نقدية شاهد العرض من كل جوانبه؟
ما زلنا ننتظر كتابات أخرى الفترة المقبلة، وهناك كتابات عميقة استطاعت أن تلتقط جوهر الموضوع، وهناك كتابات أخرى مسطحة مثل أي عرض يواجهه هذا الأمر، ولكن هناك جوانب كثيرة في العرض تحتاج لقراءة.

دائما نلاحظ اختياراتك المتميزة للممثلين حيث تترك لهم مساحات للإبداع والتعمق في الشخصيات وتقوم بتوجيهم.. فكيف تستطيع أن تقيم تلك العلاقة مع الممثلين حتى يصلوا لهذه المراحل من التميز في الأداء؟
أود أن أقول إن عرض “الساعة الأخيرة” من أصعب العروض التي قدمتها، قد يبدو بسيطا ولكنه شديد التعقيد لأن هناك تداخلا في المستويات الزمنية وكيف ستصل للجماهير.
على سبيل المثال، رجل كبير يدخل في مشهد وهو طفل ومشهد آخر وهو شاب، كيف ستتقبل الجماهير هذا الأمر، فقد كان هناك حالة صعوبة لخلق المستويات في العمل، أما بالنسبة للتمثيل فأنا من المؤمنين بأن الممثل ليس أداة في أيدي المخرج، فالممثل حالة إبداعية وليس من المفروض أن يلقنه المخرج كيف يؤدي، ولو فعل ذلك مع فريق العمل في التمثيل ستصبح كل الشخصيات متشابهة، ولكن المخرج عليه أن يقوم بعمل استنباط داخلي وبالمناقشة مع الممثل يخرج الأشياء والجواهر المكنونة داخل الممثل، والمهم اختياره وتسكينه بشكل صحيح ومن خلال هذا التسكين الصحيح يستطيع أن يقوم بعملية الاستخراج الداخلي منه وليس التلقين، فالممثل لا يلقن ولكن يتم وضعه على الطريق الصحيح ومنها ينطلق الممثل ليبدع.

من المشاهد الرائعة في العرض مشهد الفتاة العمياء ومشهد الطيار الذي قام بتفجير القنبلة والذي قدمه كل من الفنان شريف صبحي والفنانة سامية عاطف وهو مشهد إنساني والصدمة التي تحدث للفتاة.. فحدثني عن هذا المشهد وكيف خرج بهذا الشكل؟
أولا لم أتدخل بشكل كبير (مدّخلتش قوىي) ففي هذا النوع من المشاهد يجب أن يتوارى المخرج خلفها ولا يقوم بتحجيمها. وسنلاحظ أن المشهد ليس به حركة غياب الحركة المسرحية، وهذا يجعل الاعتماد على ما بداخل الممثل وجمال المشهد مثلما حكم الجماهير من الطاقة الكبيرة من اثنين من الممثلين الكبار والمتميزين وهما شريف صبحي وسامية عاطف وهما عاشقان للمسرح وممثلان متميزان ولديهما قدرات عالية، والاعتماد في الأساس في هذا المشهد على الشحنة الداخلية والتحولات والانتقالات والمشاعر التي تتخلق، وهي أشياء داخلية للممثل.
سبق وأن قدمت “ليل الجنوب” على مسرح الغد ودائما هناك تنوع في التيمات المسرحية التي تقدمها فما سر هذا التنوع؟
لفترة طويلة كنت أسير للجنوب، وهناك إحدى الكتابات للمخرج عصام السيد عن عرض “سيد الوقت” الذي أوضح خروجي من هذه الحالة (تيمة الجنوب)، وأنا تعمدت هذا الخروج لأنني وجدت نفسي أقدم أعمالا متتالية سواء عرض “الطوق الأسورة” أو “النوبة” أو”ليل جنوب”، وجدت نفسي داخل تيمة واحدة وهو ما جعلني أقوم بالخروج، وقد خرجت للعالم الصوفي في عرض “سيد الوقت”، ثم قدمت قضية تهم العالم في عرض «الساعة الأخيرة» ولدي رغبة لتقديم عرض كوميدي. وأود أن أقول إنني قدمت 10 مسرحيات عن روايات «مسرحة الرواية” وأذهب للتراث والتاريخ من ناحية الجدل وليس التسليم به.

لديك تركيبة مختلفة في أعمالك فهي تجمع بين النضج الفني وروح الشباب والتجدد.. كيف تستطيع أن تقيم تلك المعادلة؟
عندما يشغلني موضوع ما أقوم بالعمل عليه ولا أعتمد على فكرة المخرج الموظف فتنشأ الرتابة من هذا المنطلق، فالإخراج مشروع وهو حالة ملحة تتمكن من المخرج فيرغب في تقديمها فأتجنب فكرة أنني موظف، عندما أقوم باختيار عمل أختاره بعناية شديدة وأشعر به وكيف سأقدمه وصلته بالواقع المعيش، فالمسرح وثيق الصلة بما هو آني مما يحدث ونبض الواقع. عندما يتوافر ذلك عند مخرج أعتقد أنه يقدم أشياء جديدة، ولكن إذا تحول الإخراج لديه لفعل وظيفي فلا ننتظر الجديد منه.

ما تقييمك للذي يقدم من أعمال مسرحية في البيت الفني للمسرح؟
هناك محاولة من البيت الفني برئاسة الفنان إسماعيل مختار لعمل شيء حقيقي وجاد ومتنوع، فالرغبة الحقيقية موجودة تتفاوت من موسم لموسم آخر، وهناك جهد كبير ومتميز والبيت الفني يؤدي دورا جيدا جدا، فتجربة البيت الفني جيدة وستكون هناك أشياء أفضل قادمة.

كيف نستطيع تطوير الثقافة الجماهيرية؟
نحتاج أن نرتقي بالمنتج الفني وهو يأتي من أشياء كثيرة أهمها فكرة دعم الدولة للميزانية المخصصة للهئية العامة لقصور الثقافة، فيجب أن تتضاعف هذه الميزانية، والشيء الثاني هو الاعتماد على ثقافة التدريب، فيجب أن تتطور أدوات الشباب حتى ينطلق إلى آفق مختلفة وينفتح على تيارات جديدة وحديثة وهو ما يحتم وجود ثقافة التدريب.
الشىيء الثالث يجب أن يكون هناك تصور ماذا أريد من مسرح الثقافة الجماهيرية. والحقيقة، هناك مهرجانات كثيرة وهناك كم كبيرة من الأعمال العالمية، وأنا لا أعترض على ذلك فوجود الأعمال العالمية شيء مهم، ولكن لا تصبح النسبة الغالبة على الأعمال، فهناك ضرورة لتقديم أعمال لكتاب جدد واكتشاف مؤلفين جدد مصريين وعرب.

من فترة الستينات كان هناك جيل من الرواد حملوا في أعناقهم فن المسرح.. من وجهة نظرك لماذا توجد فجوة بين الأجيال المسرحية؟ ولماذا لم يحدث تواصل؟
عقب ثورة يوليو الدولة كان لديها مشروع وطني قومي وكل المجالات نالها حظ من الاهتمام، فالأسماء الكبيرة من رواد المسرح ذهبوا إلى بعثات خارجية وكانت إرادة الدولة للحالة التأسيسة فأسست فرق التلفزيون وتأسيس الهئية العامة للمسرح التي تحولت بعد ذلك للبيت الفني للمسرح فمرحلة التأسيس يكون هناك اهتمام قوي من الدولة، فإذن هم خرجوا في مناخ ساعدهم، وبعد ذلك وعندما تغيرات الظروف في فترة السبعينات قمنا بالدخول في مرحلة أخرى متعلقة بالانفتاح الاقصادي، فالقيم تبدلت فبعد أن كانت القيم جماعية وقيم بناء وتطور وتنوير أصبحت قيما فردية، وكل هذه الأوضاع انعكست بالتأكيد على المسرح وظهر ما يعرف بالمسرح السياحي ودخلنا في مناطق خلقت الفجوة، فالفجوة ليست على عاتق المسرحيين، ولكن هي تحول في مسارات المجتمع المصري وأولياته واهتماماته، فالمسرح يزدهر عندما تكون هناك إدراة حقيقية لدى الدولة لدعمه وتطويره.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *