موجزعن حركة المسرح السوداني – أبو بكر عثمان #السودان

موجزعن حركة المسرح السوداني – أبو بكر عثمان
___________________________
•اتناول موجز حركة المسرح السوداني وروادها من مؤلفين، ممثلين ومخرجين ، مركزا على الكوادر التي ساهمت بأعمال قد أحدثت تحولا ملموسا في بنية هذه الحركة، بإضافاتها الواضحة التي لا تخطئها عين، ونسبة لقلة المراجع التي توثق لهؤلاء المبدعين، فسيكون تناولي لها غير محكوم بتسلسل زمني محدد ويعتمد كليا علي المعلومات المتوفرة عن كل شخصية علي حده.

مقدمة:

عرف السودان المسرح بشكله الأرسطي منذ القرن العشرين في رفاعة ( مدينه سودانيه ) وتم هذا التعريف علي يد رائد تعليم المرأة السودانية الاستاذ الجليل بابكر بدري كان ذلك في حوالي العام 1904م ، وقد كان فحوي أولي مسرحياته العبارة التالية: (إن صحت التجارة المرة أو الحمارة) وفي العام 1909 كتب مامور القطينة ( مدينه سودانيه ) آنذاك عبد القادر المصري مسرحية (المرشد السوداني) والتي تناولت أهمية التعليم، وما لبث أن إنتشر هذا الفن الجديد، فكانت الأندية تعرض أعمالا مسرحية للجاليات الأجنبية بالبلاد ومن أثر ذلك تكوين فرقة مسرحية بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليا) إلي أن حدث التحول الكبير حينما قدم الأستاذ المرحوم عبيد عبد النور مسرحيته الموسومة ب (الإبن العاق) وقد تركز نشاط الأستاذ عبيد في جامعة الخرطوم، ولكن ملاحقة السلطة الإستعمارية له في ذلك الوقت جعلته ينقل نشاطه لنادي الخريجين بأم درمان وقدم هناك مسرحياته المثيرة للجدل مما جعله عرضة للملاحقة الأمنية مرة أخري.

وفي حوالي العام 1934 كتب الأستاذ خالد ابو الروس مسرحيته الشهيرة (مصرع تاجوج) وهي مسرحية إستمدت أحداثها من قصة تاجوج والمحلق المعروفة، أعقبها بمسرحية خراب سوبا، وكتب بعدها الشاعر إبراهيم العبادي مسرحية (المك نمر) التي كانت تدعو لوحدة القبائل السودانية ونبذ الفرقة والشتات تعرض هو أيضا من جراءها لملاحقة قلم المخابرات البريطاني.

وفي بخت الرضا، إنتظمت حركة مسرحية إنطلق مؤسسوها وتلاميذهم فيما بعد لتأسيس حركة مسرحية سودانية، كان رائد تلك الحركة الأستاذ عبد الرحمن علي طه الذي كتب وأخرج في العام 1934م مسرحية بعنوان (السودان عام 2000) وهي مسرحية من عنوانها تحاول التنبؤ بمآلات هذا القطر بعد حوالي الستين عاما من غير إغفال ما يجري في ذلك الوقت بالطبع، وسرعان ما صقلت هذه التجارب بالبحث العلمي ففي تلك الفترة حصل الأستاذ (أحمد الطيب) الأستاذ ببخت الرضا علي شهادة الدكتوراة في المسرح، فكان ذلك إنجازا لم يتكرر طيلة العقود اللاحقة ولمدة طويلة حتي بعد تأسيس المعهد العالي للموسيقي والمسرح في السبعينيات.

ومنذ البداية، ونتيجة لتلك المجهودات أخذ النشاط المسرحي يأخذ مكانه رويدا رويدا ضمن الفنون التعبيرية الأخري المعترف بها جماهيريا في السودان ولاقي قبولا وإستحسانا من المجتمع المتطلع للحرية في تلك الفترة، فكان دوره عظيما في نشر الوعي وإذكاء روح الوطنية و التحرر .

في العام 1958 تم إنشاء المسرح القومي السوداني، فكان ذلك حدثا مهما كون أنه أول مؤسسة تخلق رابطا وجدانيا بين الجمهور السوداني وفن المسرح، فكان له الفضل في ظهور أهم رواد الحركة المسرحية في السودان، فكانت الجماعات والفرق والأفراد الذين قدموا عصارة جهدهم في إثراء تلك الحركة وحتي اليوم، فظهر كتاب ومخرجين من أمثال الأستاذ الفكي عبد الرحمن، بدر الدين هاشم، الطاهر شبيكة، الفاضل سعيد، أبو العباس محمد طاهر، عمر الخضر، عمر الحميدي، هاشم صديق، ومن الممثلين، العملاق الأستاذ مكي سنادة ، محمد شريف علي، عبد الحكيم الطاهر، الريح عبد القادر، يسن عبد القادر، عوض صديق، الهادي الصديق، والممثلات سارة محمد (أول ممثلة سودانية) فتحية محمد أحمد، رابحة أحمد محمود ، تحية زروق، أسيا عبد الماجد، بلقيس عوض، فايزة عمسيب، سمية عبد اللطيف، نادية بابكر ، مرورا بالجيل الجديد من طلاب وخريجي معهد الموسيقي والمسرح مما لا يتسع المجال لذكرهم والذين أضفوا علي تلك الحركة زخما لا مثيل له.

المدرسة الواقعية:

الواقعية هي ضمن المدارس المسرحية العديدة التي إرتبطت بالراهن الإجتماعي إبتداءا من الكلاسكية مرورا بمسرح القرون الوسطي وحتي الكلاسيكية العائدة وهكذا، وهذه المدارس المختلفة لا توجد حدود فاصلة وقاطعة بينها ، بل هي مجرد مسميات تساعد علي التصنيف والبحث، فقد نجد مسرحية عبثية لا تخلو من مسحة رومانسية وهكذا بالنسبة لبقية المدارس فكل الأعمال المسرحية هي في الحقيقة تلامس الواقع ولا شئ سواه، بل هي وليدة شرعية له تتأثر به وتؤثر فيه، وما يميز حدود المدرسة الواقعية هي أنها تناقش مسائل محصورة في الحركة اليومية للناس وسلوكهم وربما إقتحمت عليهم خلوتهم المشروعة لإعادة صياغتها وتقديمها في صورة تدعوا للتفكير وإرجاع البصر للمساهمة في تغيير أنماط وأطر التفكير الفردي والجمعي وإقتلاع قناعات سلبية راسخة والخروج بها لحيز التغيير.

الواقعية في السودان:

بدأت الواقعية مع بداية المسرح السوداني، حيث كان يستهدف منذ نشأته إضاءة قضايا مرتبطة بعادات وسلوك ومفاهيم كانت تعمل علي إنغلاق الفرد والحد من ممارسة دوره حقه كاملا في التغيير، ولكنها تجلت بصورة ناصعة عند (بدر الدين هاشم) من خلال مسرحيته (علي عينك يا تاجر) ومسرحية (سفر الجفا ) فيما بعد، فأخذ تيار الواقعية يتمدد تدريجيا ويجد مكانه في خارطة الوجدان السوداني، ، وبظهور الكاتب المسرحي حمدنا الله عبد القادر، إكتملت دعامات هذه المدرسة وإنطلقت بقوة في تيار أسس لرسوخها وعلو كعبها وإستحسانها من قبل الجمهور السوداني، فالمشاهد السوداني يميل لتذوق السهل الممتنع والبسيط غير المخل، والمعني الكامن خلف التلميح. ولذلك لم تنجح مدارس كالعبثية والتعبيرية في إستخلاص تفاعله ونيل رضاه وبالتالي نفر منها إلي غير رجعة، اللهم إلا بعض المعالجات الذكية التي أفلح في صياغتها نفر من خريجي المعهد لاحقا بعد دراسة مضنية في سلوك هذا الجمهور الولوف.

ولكن مع كل الاسف بدت ملامح المسرح بالاندثاار رويدا رويدا في السودان و كل العاالم ليتخلي عن تلك اللغة الفخمة التي ميزت مسرحيات عصر النهضة وروادها الإنجليزي (شكسبير) والفرنسيات (راسين) و (مولير) ومن حذا حذوهما في تلك الحقب.

 أبوبكر عثمان – السودان
مندوب مجله المسرحيون العرب عن السودان

(صفحة المسرحيون العرب)

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش