مهرجان «دبا الحصن» للمسرح الثنائى.. خصوصية الفكرة ورمزية الصورة البصرية – باسـم صـادق

المصدر / الاهرام : نشر محمد سامي موقع الخشبة

أصعب ما فى العمل المسرحى هو قدرته على الوصول إلى قلب المتفرج من أقصر الطرق، بحيث يدفعه للتفكير فيما رآه وتفاعل معه، وإذا اعتبرنا عروض المونودراما أو الممثل الواحد من أصعب الأنواع المسرحية لما تتطلبه من تكثيف شديد فى كل عناصر العمل، فإن ما تابعناه من عروض ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائى بالشارقة، يؤكد رغبة صناعه فى تحفيز خيال المبدعين لابتكار حلول درامية خلاقة وممتعة على مستويات النصوص والأداء التمثيلى والصورة البصرية معا، رغم صعوبة التجربة المسرحية القائمة على ممثلين اثنين فقط.

والأهم من هذا هو حرص إدارة المهرجان الذى يديره أحمد بو رحيمة تحت رعاية د. سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة، على خلق أجيال جديدة من المتذوقين للفن المسرحى بدعوة تلاميذ المدارس من أبناء مدينة دبا الحصن الصغيرة الهادئة لمشاهدة هذا النوع من العروض يوميا مع أساتذتهم وذويهم، ومنحهم هدايا مختلفة تربطهم بدور العرض المسرحي، رغم أنه ليس مهرجانا لمسرح الطفل.

وحفلت العروض العربية الخمسة المشاركة فى المهرجان بالعديد من الرموز الدالة على مستوى الصورة البصرية التى سعى مبدعوها إلى جعلها أكثر بساطة لخدمة الأداء التمثيلى الأكثر لفتا للأنظار خلال الفعاليات، فجاء العرض الإماراتى فردة دماغ تأليف جاسم الخراز وإخراج إبراهيم سالم، بداية موفقة جدا فى الافتتاح، راصدا لفكرة الصراع الطبقى من خلال شقة تجمع بين ماسح أحذية وأستاذ جامعى ضاق به الحال بعد تركه التدريس الجامعى إثر إهانته من قبل أحد طلابه ضربا بالحذاء، بينما يمثل ماسح الأحذية طبقة المهمشين ذوى الفلسفة الخاصة المستمدة من تجاربهم الحياتية، ويصبح مقابل الصراع الفكرى صراعا جسديا موازيا بين كتاب التاريخ والأحذية المهترئة، احتمى فيه البطلان بأسرّتهم وكأنها دروع حربية، ولعب فيه بطلا العرض إبراهيم سالم ومرعى الحليان دوريهما ببراعة شديدة تأرجحت بين الكوميديا والتراجيديا بعذوبة شديدة، وإن كانت فكرة رمزية الحذاء والكتاب تحتاج إلى تضخيم أكثر على مستوى الديكور، وهو عرض جذاب ومهم فى مسيرة المسرح الإماراتى أتمنى أن يراه جمهورنا فى مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى المقبل.

وأمام العرض المصرى الخلاص للمخرج السكندرى محمد مرسى والذى لعب بطولته أمام إيهاب يونس، ضجت القاعة بالتصفيق أغلب أوقات العرض إعجابا بخفة ظل الممثلين ورشاقة أدائهم وسرعة إيقاع العرض فى تناول موضوع إنسانى مؤلم يمس الشباب وهو فرصة الحصول على عمل، ومن خلال رحلة قطار وكرسيين خشبيين استغل المخرج اللقاء بين مسافرين يبحثان عما يمثله الخلاص لشرائح مختلفة من المجتمع، انطلاقا من معاناة ممثلين شابين يبحثان عن تصريح للعمل.. وتنقلا بين لوحات درامية مختلفة الرابط بينها الإجابة عن سؤال أحد البرامج التليفزيونية حول فكرة الخلاص، والتى أدارها المخرج بمنطق كشف اللعبة المسرحية والتنقل بين الشخصيات بتغيير ملابسها واكسسواراتها على المسرح.

وفى العرض الأردنى العرس الوحشي، تأليف فلاح شاكر لعب المخرج محمد الجراح على فكرة اغتصاب الوطن متناولا حياة أم ترفض الاعتراف بابنها طول الوقت لأنه جاء نتيجة اغتصاب عدة جنود لها خلال احتلال وطنها، وجسد المخرج هؤلاء المغتصبين بدمى اسفنجية ضخمة استدعتها الممثلة على خشبة المسرح ضمن الاحداث لمحاولة الانتقام منها، ولعبت أريج دبابنة دور الأم ببراعة شديدة نظرا لقدراتها الأدائية المتنوعة واستغلالها لتعبيرات وجهها وانفعالاتها بدقة محسوبة حتى إنها طغت بأدائها على أداء الممثل راتب العبيدات لاعب دور الابن، والذى بالغ فى انفعالاته كثيرا وخانته قدراته على التنقل بين حياته فى طفولته وشبابه، بما أضعف من إيقاع العرض، خاصة مع الرؤية الإخراجية الضعيفة واقتسام المسرح إلى جزءين منفصلين للتمثيل.

ورغم صعوبة اللهجة المغربية إلا أن المخرج عماد فجاج تجاوزها بصورة بصرية ممتعة نالت استحسان الجمهور من خلال عرضه جون لينون لم يمت، الأكثر ثراء بعناصر السينوغرافية الحية والمتداخلة مع الأداء الحركى اللافت لبطليه عصام الدين محرم وفيروز عميري.. ورغم السقطات الإخراجية والدرامية المتعددة نال عرض سلطنة عمان العاصفة لمؤلفه ومخرجه عماد الشنفرى تشجيعا كبيرا من الجمهور نظرا لفكرته التى تجسد الوطن كسفينة تحتاج إلى تكاتف جميع طبقات الشعب على اختلاف انتماءاتها وقت الأزمات، وكذلك خفة ظل بطلى العرض عبدالله الشنفرى وأشرف المشيخي، وإن كان الأخير قد سقط فى فخ الارتجال غير المحسوب الذى أضر الدراما أكثر مما خدمها، خاصة مع الدلالات الملتبسة التى استخدمها المخرج، فأوحت بغير المقصود منها، كالملابس المعلقة فى عمق المسرح للإشارة إلى طبقة الأغنياء، فى حين بدت وكأنها أجساد مشنوقة، وما إلى ذلك، ولكنها فى النهاية محاولة محمودة للمسرح العمانى الشقيق.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *