مهرجان الفجيرة الدولي للفنون.. بيت الذاكرة.. مسرح العالم وفنونه – يوسف الحمدان

تسابق رياح التطور في شتى شئون الثقافة والفنون ولا يستريح لها بال

عندما تعود بي الذاكرة إلى العام 2003 لانطلاقة أول مهرجان دولي للمونودراما تنظمه هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، أجدني أقف وبحنين يخونه أي تعبير عن مدى استشعاري وتعلقي به وبحميمية يصعب اللحظة وصفها أو التعبير عنها، حيث كانت الفجيرة بالنسبة لي في حينها توشك أن تكون البلد الوحيد في العالم الذي ينظم مجتمعه قاطبة مهرجانًا مسرحيًا دوليًا، وكما لو أن الفجيرة حينها استيقظت على حلم انتظرته طويلاً ليتحقق ويتجسد في مهرجان لعب أهلها أو مجتمعها كل أدوار عروضه بمختلف أنواعها دون استثناء.

كان أهل الفجيرة هم من يستقبلنا بقاعة الاستقبال في مطار دبي حتى قاعة فندق الميريديان الذي ضم الوفود المشاركة من مختلف أقطار العالم وحيث الورد بانتظارك والود الذي يتجلى على محيا صاحب الدعوة آنذاك الفنان والشاعر ورئيس المهرجان الأستاذ محمد سعيد الظنحاني ورفيق تجربة التأسيس والتنظيم المهندس محمد الأفخم مدير المهرجان.

هناك في هذا الفندق الحميم التقيت بأصدقاء أحبة شاركتهم الفن والحب، بعضهم من لم يزل على قيد الحياة وبعضهم توفاه الله، وكانت طاولة الندوات تجمعنا والبهو فسحة الارتجالات المونودرامية التي يعتبر الفنان الكويتي القدير الصديق عبدالعزيز الحداد أول من أحياها واستثمرها فيه، وكان الفندق بمختلف مرافقه ملتقى المجتمع الفجيري وضيوفه من مختلف دول العالم.

كان مهرجان الفجيرة حقًا مجتمعًا يتماهى فيه الفنان بالمتلقي بالمنظم بالإداري بأهل الطيبة الفريدة والضيافة الكريمة، وكما لو أننا نعرف بعضنا منذ زمن طويل أو كما لو أننا جزء لا يتجزأ من نسيج هذا المجتمع الفجيري الأصيل، وما أجمل اللحظات التي تجمعنا معا قبل بدء عروض المونودراما في قاعتي الهيئة المتجاورتين في القرية التراثية التي تختزل تاريخ وتراث الفجيرة كلها، والذين أصبحوا أهلها الطيبين أهلنا، حيث الضيافة لا حدود لها في هذه القرية، بل حتى شرطة المرور أوشكوا أن يعرفوا كل ضيوف المهرجان من خلال مفصل العبور بين القاعتين.

ولا يمكن أن ننسى مزرعة الصديق الشاعر الكاتب محمد سعيد الظنحاني التي تجمعنا في أغلب الأماسي على الحب، والتي انطلقت منها الألعاب النارية احتفاءً مضاعفًا لحفل ختام المهرجان.

والود كل الود، والطيبة كل الطيبة، والنبل كل النبل، يتجلون بأصالة وكرم وحب حاكم الفجيرة صاحب السمو حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى ونجليه الكريمين الأمينين سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، والشيخ الدكتور راشد بن حمد بن محمد الشرقي، رئيس الهيئة الذي أشعل وهج الثقافة والفنون والفكر من خلال إضفاء روح جديدة خلاقة على المهرجان، تجسدت في إطلاق مسابقات دولية عنيت بالنص والعرض والكتاب جميعًا والتي أصبح لها اليوم كبير الشأن الدولي تحتفي به كل دول العالم وليس الدول العربية فحسب.

ويتجلى هذا التواشج الحاكمي الفريد والاستثنائي في لقائه وأنجاله بضيوف المهرجان، ليس بوصفهم ضيوفا وإنما بوصفهم أبناء بلده الفجيرة العزيزة على قلوب كل من زاروها أو قصدوها أو شاركوا في محافلها.

هم أهل الفجيرة الطيبون، ولعلى أرقى عناوين هذه الطيبة الصادرة عن سجية أصيلة قد لمستها لحظة مغادرتي المهرجان الأول للمونودراما، حيث تولى توصيلي إلى المطار الشاعر الدكتور محمد عبدالله سعيد الحمودي، والذي أصبح اليوم من أهم شعراء الإمارات، بل هو أحد من صاغ حروف التاريخ الفجيري الإماراتي بمداد من ذهب في بعض الأوبريتات التي تقدم في الافتتاح برعاية كريمة من صاحب السمو حاكم الفجيرة، كما لا أنسى أحد شباب الفجيرة المخلصين الذي وصل الود به إلى أن يكرمني بتمثال نحاسي لحصان في الساحة الخارجية لمزرعة الأستاذ الصديق محمد سعيد الظنحاني.

هي الفجيرة التي احتوتنا وكرمتنا وأصبحنا جزءا لا يتجزأ من نسيجها كما أسلفت، وهي الفجيرة التي تحتضن أهم مهرجان دولي للمونودراما في العالم اليوم، والتي تناسل من رحم فيضها كثير من المهرجانات في وطننا العربي، وهي التي أصبحت اليوم على رأس هرم إدارتها عالميًا، ممثلاً ذلك في دأب المهندس محمد سيف الأفخم وحرصه على أن تحتل الفجيرة موقعًا مميزًا في هذا الشأن والذي أصبح بإجماع أعضاء الهيئة الدولية للمسرح رئيسًا للهيئة ذاتها وداعمًا رئيسًا أيضًا لكل فعاليات المونودراما في وطننا العربي والعالم. وتتواصل جهود المسؤولين عن الشأن المونودرامي في هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، ليفتح رئيسها الشيخ الدكتور راشد بن حمد بن محمد الشرقي آفاقًا أرحب لتطوير والارتقاء بالحراك الثقافي في الفجيرة، لتصبح معه الفجيرة من أكثر وأكبر البلدان في العالم اهتمامًا ورعاية ودعمًا لمجمل الفنون الأدائية التراثية والمعاصرة، والتي بلا شك سيستثمر أهل المسرح من مختلف دول العالم الكثير من معطياتها وكنوزها الفريدة لتوظيفها في عروضهم المسرحية، وكما لو أني به يسعى عامًا بعد عام لتوسيع رقعة المجتمع الدولي في إمارة الفجيرة، لتصبح الفجيرة ذاتها وأهلها مستقبلاً بلد الفنون الذي سيصبح محجة لكل أهل الفن ومتذوقيه كل عام من مختلف دول العالم.

وها نحن نلمس عن كثب وفي فترات متقاربة إنجازات ثقافية تضفي روحًا جديدة ومعاصرة على كل منجز سبقها، وبوصلة رئيسها الشيخ راشد هي أن تكون الفجيرة راسخة وشامخة ومؤثرة في خارطة الفعل والمنجز الثقافي العالميين.

وحسنًا فعلت هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، بأن أفردت مساحة كبيرة للقاء أهل المونودراما دون منافسة في عروضها على جائزة، ذلك أنها قدمت من خلال هذه العروض اتجاهات متعددة في المسرح لا تسمح على الإطلاق وضعها في خانة المسابقة، كما هو الحال في النص أو المنجز الأدبي مثلاً، وهي اتجاهات تسمح لحوار خلاق لا ينتهي بانتهاء الجائزة كما هو الحال لبعض عروض الهواة أو بعض العروض التي تتسق في رؤاها وفقا لنوعية المعطى المسرحي فيها.

هي الفجيرة.. تسابق رياح التطور في شتى شئون الثقافة والفنون ولا يستريح لها بال إلا إذا تحقق لها ما تريد أن تصبو إليه عالميًا، وهي الرياح مهما تسارعت مدياتها يظل أهلها الطيبون باقين على طيبتهم وأصالتهم، فهنيئًا للفجيرة مهرجانهم، مهرجاننا جميعًا.

يوسف الحمدان – البحرين

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …