من ملامح الشخصية السيكوباتية في المسرح المعاصر – د.فاتن حسين ناجي #العراق

الشخصية السكوباتية تمثل السلوك الذي يعد مضادا للمجتمع، وخارجا عن قيمه ومعاييره. فهي مجموعة من انحرافات السلوك الفردي، المتعمد باتخاذ ذلك السلوك سمة صائبة للتعامل مع الاخرين. وهي شخصية ينقصها نمو العاطفة، وترتكب الاخطاء دون خجل،  كما يصفها جاكوب ليفي مورينو، ونجدها في المسرح متشعبة في كل الجذور الدرامية، منذ الظواهر وحتى التكامل الصوري. تجذرت كشخصية لابد ان يطلع عليها الاخرين ويكتشفون سرها الذي لا تبوح به الا في نهاية المطاف.

ومثل هكذا شخصية تطورت ونمت بصورة مباشرة مع تجليات مسرح العبث، اذ كان هنالك ثمة تغيرات طرأت على الوضع العام للمجتمع بصورة عامة. من تطور وتدهور ادى الى ظهور شخصيات غير سوية بسبب الوضع الغير متوازن. وايضا في الجانب الفني الانقلاب الذي حصل في موضوع العمل برمته بمقصده وهدفه العام، الأمر الذي ولد تغيراً في التطرق الى شخصيات غير مؤلوفة في المصورة المسرحية بصورتها الخاصة ، وما ولده هذا الوضع من آثار سعت إلى التبدل الشامل في المنظور الفني، ليزيح الستار عن ولادة شخصيات ذات اتجاهات معاصرة.

كتب “ألبير كامو” مسرحية “كاليجولا” عام 1938، والتي كانت أكثر إثارة للجدل والشهرة، ونجد فيها شيطان في صورة انسان: شخصية سكوباتية متكاملة. لذا أقدم “كامو” على اختيار حاكم يشرع القوانين ويخرقها ويبدل فيها كما تهوى نفسه، وشخصية (جونز) ذلك الإمبراطور الزنجي المزيف ليوجين اونيل، فهو مجرم قاتل وسارق وهارب من سجن إحدى الولايات الأمريكية، هارب من العدالة، اتجه صوب هذه الجزيرة النائية فاستولى على أفكار ومقدرات سكانها، حتى نصبوه إمبراطوراً عليهم، محصناً نفسه بكذبة انه لا يموت، وجسده لا يخترقه سوى رصاصة فضية. وبتلك الأكذوبة التي صدقها هو، قبل ان يصدقها الأفراد حوله، تحول الى شخصية سكوباتية تمثل بذلك صورة التفوق الذهني الذي  يبدو عليه السكوباتي. لكن ذلك عكس الظاهر، فهو يتمتع بالخوف والجبن، وانجرافه خلف اهواء اللحظة الراهنة .

وتلك هي ذاتها صفات الشخصيات السلطوية في العصر الحالي، اللذين يعجزون عن اي تدبير.. ويلجأون للحيل الصغيرة. وتلك الشخصيات تجسدت في (الشخصية المسرحية) بصورة مباشرة، وخصوصا في العصر الحديث الذي اظهر لنا شخصيات من هذا النوع دون غشاوة، بل هي مباشرة في الطرح والمعالجة.

وهذا مانجده في مسرحية «السيكوباتي» تأليف الفنان القدير عبدالله السعداوي، إعداد وتمثيل محمد بهلول وخالد الكبيسي، ومن إخراج محمد بهلول، التي قدمت في مهرجان الديودراما البحرين عام 2015 والتي ركزت على ابراز صفات تلك الشخصية السلبية، التي هي جزء من كثير من شخصيات تحيط بنا لاندركها ولاندرك خبث النوايا داخلها .

د. فاتن حسين ناجي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش