منتهى الخطر أن تصبح الجوائز هاجس المسرحيين

 

 

 

منتهى الخطر أن تصبح الجوائز هاجس المسرحيين

المسرحي المغربي حسن هموش: قوة المسرح أنه فعل عرضي ولكن تأثيره أزلي.

يبقى المسرح فنا مؤثرا بامتياز، حيث هو فن التساؤل الدائم متشابكا في ذلك مع الفلسفة فكريا ومع الشعر جماليا. لكن أحيانا يسير المسرحيون في حلقات استنساخ، شأنهم في ذلك شأن بقية المبدعين، فيتوقف المسرح في حلقة مكررة إلى أن يأتي التجديد الذي يكسر الجمود. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المسرحي المغربي حسن هموش حول واقع المسرح المغربي.

يتمتع الكاتب والمخرج والممثل المسرحي المغربي حسن هموش بحضور فاعل ومتميز على الساحة المسرحية المغاربية، وذلك بفضل رؤى جمالية وفنية ومعالجات متفردة وطموحات في خلق أجيال مسرحية فارقة في المسرح المغربي، تصدر جميعها عن إيمان عميق بدور المسرح في تشكيل الوعي وإثارة التساؤلات الإنسانية والجمالية، وأيضا لكونه متعدد مجالات الإبداع التي يمارسها والمسؤوليات النقابية والمهنية التي تقع على عاتقه، فهو كاتب ومخرج وممثل ومدرب ويدير فرقة تانسيفت إحدى الفرق المسرحية الوازنة المحترفة ويترأس فيدرالية الفرق المحترفة، كما أنه منسق المركز النموذجي لتكوين الممثل بمراكش وغيره.

كتب حسن هموش 13 مسرحية حظيت جميعها بالتقديم على خشبة المسرح سواء من إخراجه أو من إخراج مخرجين آخرين.

اشتغال متنوع

بداية وحول جمعه بين الكتابة والإخراج والتمثيل للمسرح وأيضا عمله كمساعد مخرج بأعمال تلفزيونية وسينمائية، يقول هموش “أعتقد أن هذه المجالات مجالات إبداعية متصلة، وغير منفصلة، تستمد قوتها من الفعل الكوني للوجود الإنساني، في تعاطيه مع القضايا الكونية. سواء تلك التي تنغمس في طرح السؤال حول اليومي وما يلتصق بهموم المواطن البسيط، أو تلك التي تلامس الأسئلة الكبرى، أسئلة تُعرّج بنا نحو البحث في أسرار الوجود والكينونة البشرية، فحين أشتغل في كل هذه المجالات، تكون هذا الأسئلة، القاسم المشترك الذي يحرك وهج انشغالاتي واشتغالاتي، وبالتالي ليس هناك تأثير بقدر ما هناك تجاذب وتكامل”.

ويضيف “كل الأعمال المسرحية التي كتبتها، والتي بلغ عددها إلى حد الآن 13 عملا مسرحيا، قدمت على خشبات المسرح، سواء من توقيعي أو من توقيع مخرجين، كنت جد حريص على أن أضع الحد الفاصل ما بين كوني كاتبا وكوني مخرجا، إنها المسافة التي تمنح تعددية القراءات والمعالجات، من منطلق رؤى إخراجية تكون لها مرجعية فكرية وجمالية، وليست مجرد رؤى تقنية.

لهذا حين أشاهد عرضا مسرحيا من تأليفي أبحث عن الذي لم أستطع الكشف عنه أثناء الكتابة، مع الجوانب التي استطاع فيها العرض تكسير أفق انتظاري، لأني لا أميل نحو المعالجات التي تعتمد أسلوب الاستسهال بدل البساطة، والإبهار بدل العمق في الطرح والتناول، فتركيزي ونقاشي لبعض العروض، ينصبان حول أسلوب المعالجة والاختيارات الجمالية، لأني اعتبرهما أساس بنية الفرجة المسرحية، من هذا المنطلق، أكون حريصا على أن يكون الاشتغال مع مخرجين حاملين لمشاريع ورؤى إبداعية، مرتبطة بمنظومة فكرية وجمالية، وأن تكون بمثابة قيمة مضافة لتجربتي”.

القوة التي جعلت من المسرح المغربي إحدى العلامات البارزة في خارطة المسرح العربي هي التنوع شكلا ومضمونا

ويلفت هموش إلى أن المسرح يمثل القاسم المشترك بين إدارته فرقة تانسيفت إحدى الفرق الوازنة المحترفة وترؤسه فيدرالية الفرق المحترفة، وعمله كمنسق المركز النموذجي لتكوين الممثل بمراكش، ويقول “القاسم المشترك بينها هو المسرح، سواء في المجال التدبيري، التنظيمي أو الإبداعي، مسرح تانسيفت مؤسسة مسرحية تأسست برغبة من مجموعة من خرجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي سنة 1997، رغبة تأسست من منطلق الإسهام في دينامية مسرحية، تتسم بالكثير من البحث في الموروث الثقافي المغربي، مع القيام بعمل حفريات في الذاكرة الشعبية، مع تطوير أساليب الاشتغال، وعمدت مع فريق العمل، إلى أن نشتغل على ثنائية الخطاب والفرجة، سواء على المستوى اللغوي أو الأنثروبولوجي، ليس من باب الدعوة إلى ‘التأصيل‘ بل من باب البحث عن خصوصية تحدد في الشكل والمضمون”.

ويؤكد هموش أن تطوير الحركة المسرحية، مرتبط بالضرورة بالتكوين، إنه الفعل الضامن للتطور والاستمرارية، دونه لا يمكن إلا أن ننتج فرجة تقليدية مبتذلة، لن يكون باستطاعتها مواكبة التحولات التي أصبحت تتطلب المهارة في البحث والبحث عن تقوية المهارات، حين كان التفكير في تأسيس ورشات للتكوين المسرحي التي انطلقت مع أواسط 1993 بمندوبية وزارة الثقافة بمراكش (سابقا)، وترسخت بشكل دائم سنة 1997، إلى أن تمت مأسستها سنة 2007 في إطار مركز نموذجي للتكوين المسرحي تابع للمديرية الجهوية لوزارة الثقافة والاتصال (حاليا)، وبالرغم من المصاعب، تمكنت التجربة من خلق مجالات ومسالك متعددة للعديد من الشباب، الذي أصبح يوما بعد يوم، تواقا للمعرفة والتكوين، بل إن المشروع تمكن من تزويد الساحة المسرحية والإبداعية بصفة عامة سواء على صعيد مراكش أو الصعيد الوطني بطاقات في مجال الفنون الدرامية.

قوة المسرح

حول كون المتابع للمسرح المغربي من الخارج يمكنه أن يرى زخما وازدهارا كبيرا تأليفا وإخراجا وتمثيلا وحراكا داخليا وخارجيا، وهل هذا الازدهار حقيقي وفاعل، يرى هموش “أن جوهر السؤال يحتمل جوابين يكملان عملة المسرح المغربي، الذي أصبح محط أنظار العديد من المتتبعين سواء كانوا نقادا أو مهتمين، الأول أن القوة التي جعلت من المسرح المغربي إحدى العلامات البارزة في خارطة ‘المسرح العربي‘ هي التنوع المرتبط سواء بالشكل أو طبيعة التيمات المتناولة، الأمر الذي خلق ما يمكن الاصطلاح عليه بـ‘الحساسيات الجديدة‘.

إلا أن هذه التجارب ظلت حبيسة ذوات أصحابها، ولم يكتب لها الانتشار بالشكل المطلوب وبالصيغة التي تضمن لها تأدية وظيفتها على المستوى الزمني، مقابل هذا يأتي الجواب الثاني المتعلق بالنقد، باعتباره حلقة مفصلية في السلسلة الإبداعية، ما بين ذات المبدع والمادة الإبداعية والمتلقي، لأن الناقد في اعتقادي بممارساته ‘الأركيولوجية‘ على العمل الإبداعي، يجعل منه مادة قابلة للاستمرارية والتوالد، فالنقد يمنح الاستمرارية بدءا بالعملية التوثيقية وحفظ ذاكرة المادة الإبداعية والمرحلة، ثم جعل المادة الإبداعية قابلة للتوالد والتناسل، إن العمل التحليلي الذي يقوم به الناقد، ينمي لدى المبدع القدرة على تنمية الخيال بشكل معرفي ومفكر فيه”.

وينبه هموش إلى أن مسرح الهواة كان من أهم الفضاءات الإبداعية التي شكلت واجهة مشرقة في الثقافة المغربية، بل ساهم وبشكل قوي في تأسيس وعي متقدم بالممارسة المسرحية على مستوى التنظير والممارسة معا. ومعظم رواد الحركة المسرحية خرجوا من معطف مسرح الهواة، لكن مع أواسط الثمانينات من القرن الماضي، بدأ مسرح الهواة في الأفول، لأسباب مرتبطة بسياسة الدولة تجاه مسرح الهواة، وأيضا أبناؤه الذين تخلوا عنه، مع ظهور موجة المسرح الاحترافي وبالضبط مع سياسة الدعم 1998، حيث أصبحت الممارسة الهاوية شبه منعدمة، بالرغم من محاولة الدولة إيجاد تسميات من قبيل مسرح الشباب، لكن لم يستقم الأمر بسبب غياب سياسة واضحة، فمسرح الهواة لم يكن قضية تسمية، بل قضية هوية، إن الممارسة المسرحية لن يكون لها تأثير ما لم يعد للهاوية بريقها، وألقها، وتوهجها.

ويشدد هموش على أن المسرح المغربي، ليس في عزلة عن مسارح العالم، بما فيها المسرح العربي، فهو منخرط وبشكل قوي وفق اختيارات فكرية، أيديولوجية وجمالية، الشيء الذي جعله يؤسس لحضور مشرف في تظاهرات دولية وعربية كمهرجان الهيئة العربية للمسرح، أكيد أن التفاعل قائم وفق رغبة المبدعين أنفسهم، لكن ما يخشاه هموش هو أن يتحول هذا الفضاء إلى مجال للتنافسية الفجة، وأن تصبح الإبداعات تنتج للتباهي بدل طرح الأسئلة الكبرى، وأن تصبح الجوائز هي الهدف بدل البحث في القضايا الراهنة للمسرح، هنا لن يكون التأثير إلا استنساخا، بدل أن يكون تأثيرا تفاعليا، لأن قوة المسرح أنه في نفس الوقت فعل عرضي، ولكن تأثيره أزلي، المسرح كان ولا يزال لغة الحضارة التي تكتب بثقافة الشعوب وينطق بها التاريخ عبر مر الأجيال وتعاقبها، ولكي يعيش كل هذه العقود كان لزاما عليه، أن يكون قويا قوة الكون”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش