مسرح الشارع وهموم الواقع – وائل زكريا مصطفى

    في الشارع تبدأ الحكايات ومن الشارع تبدأ الثورات ومن الشارع تطرح القضايا والمواضيع. فلطالما كان الشارع ملجأ المعارضين للمطالبة بحقوقهم والدفاع عن قضايهم فإن مسرح الشارع هو مسرح القضايا الاجتماعية ، مسرح من الشعب و الى الشعب ومن الشعب للمسؤول مباشرة ودون اي حواجز و مسرح الشارع هو شكل من أشكال الأداء التمثيلي والعرض المسرحي في الأماكن العامة وفي الفضاءات المفتوحة ولا تشترط دفع جمهور محدد ومعين ويمكن أن يقُدم العرض في أماكن عدة مثل مراكز التسوق ، مواقف السيارات ، الحدائق العامة ، زوايا الشوارع ، وحتى امام منازل المسؤلين وأمام اي دائرة حكومية. فالفضاء متاح تماما لمسرح الشارع كما يحبذ أن يكون العرض في الأماكن التي تستطيع جمع أعداد غفيرة من الناس لإيصال الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي عند المتلقي ولدفع حركة المجتمع نحو العدالة الاجتماعية وهنا نذكر ان الطبقات العمالية في بريطانيا وأمريكا والهند أستغلت المسرح لتوعية الناس بحقوقهم وواجباتهم…

والتاريخ يقول أن مسرح الشارع بدأ على عربة ( ثيسبيس ) وهو المسرحي الأول في تاريخ المسرح اليوناني… وكان المسرح حينها جوّالاً يتم عرض الاعمال المسرحية في الطرقات ولكن والأهم ان الولادة الثانية للمسرح بدأت بساحات القرى والطرقات والشوارع في أوروبا ثم جاء هذا المسرح إلى الكنيسة على أيدي الرهبا ليتم فيه عرض قصة السيد المسيح ثم تم الفصل بينه وبين الكنيسة، ليخرج إلى ساحات المدن الكبرى والقرى ومن أهم الفرق الجوّالة المعروفة في العالم التي ظهرت في القرن الخامس عشر في أوروبا هي فرقة ( ماي تنغس ) حيث كانت تقدم كل العروض المسرحيّة من الجاد والكوميدي ثم تطور هذا المسرح ليعم العالم فأصبح في كل دولة في العالم على الأقل فرقة تسمّى فرقة المسرح الجوّال.

ان مسرح الشّارع نوعان منه من يستخدم العربات وهي عربات مفتوحة على كل الجهات حيث يقدّم العرض محمولاً على عربة وهو موجود في كل دول العالم وهو فرق تشغل تبعيات العرض المسرحي وتنقل من مكان إلى آخر وتجول والنّوع الآخر هو عرض مسرحي من أساس التّصميم يصنع ليقدّم في الشّارع وهناك عروض مسرحيّة متّعدّدة و الأهم ان مسرح الشّارع لا يحتاج إلى ديكور أو إضاءة أو موسيقا والتصميمات الحركيّة تكون من داخل العرض فالإضاءة هي الإضاءة العامة الصّالحة لكافّة المشاهد والدّيكور يتبدل مع الحركة ولا يحتاج إلى مناظر وكتل والملابس يتم تبديلها أمام الجمهور ضمن اللعبة الفنيّة والموسيقا تكون من داخل العرض ويؤدّيها الممثلين ولا تحتاج إلى جهاز صوت حيث تستخدم الإيقاعات الحيّة والغناء الحيّ ولكن في زمننا اصبحت الموسيقى ضرووية كي يتعامل معها الممثل حسب اختيار المخرج ولكل عمل موسيقى خاصة به واهم ما يتميز به مسرح الشارع ان المسرح يذهب إلى الجمهور ولا يأتي الجمهور إليه وهذا شيء مميز جداا

وفي عام 2006 بدأ هذا النوع من المسرح في لبنان على يد المخرج البناني الفلسطيني (قاسم اسطنبولي) كان قاسم ممثلاً و مخرجاً و ثورجياً يعبر عن افكاره ومواقفه من القضايا العربية بكل جرأة وأمام الملئ و بالنسبة له ان المسرح و التمثيل هما ركنان أساسيا في حياة الانسان حيث يستطيع من خلالهما التعبير عن أفكاره بكامل حّريّته و التّحرّر من قيود المجتمع المنغلق لذلك كانت وجهته الشّارع للتّمكن من الوصول الى كافّة الشّرائح اللّبنانية ألقى بدوره تسليط الضّوء في مسرحيّاته على القضايا العربيّة و الفلسطينيّة بالذّات بعد حرب غزّة عام 2008 حيث قدّم حينها مسرحيّة (قوم يابا) الّتي هزّت المسرح التّقليدي بطريقة واقعية عرضها في الشّارع . فقد عرضت المسرحيّة في الفضاء الواسع أمام عدد من السّفارات في لبنان كما عرضت أيضا أمام مبنى الاسكوا و في مختلف الجامعات ليأخذ بعدها مسرح الشّارع او الفضاء الواسع اسم اسطنبولي..

ويلعب مسرح الشارع دورا أساسّيا في تقريب فئات المجتمع من بعضها البعض و إلغاء الفارق السّياسي و الطّبقي و الطاّئفي من خلال جمعها لكل النّاس في مكان واحد مفتوح في الفضاء لا قيود و لا حواجز فيه وفي وقتنا هذا تطور مسرح الشارع واصبح ركن اساسي لايصال رسالة الى الجهات المعنية ومعالجة قضاياهم بأسلوب واقعي ان كان العمل جاد او كوميدي واصبح مسرح الشارع منتشر في الهند والسودان وسورية والعراق وليبيا والجزائر والمغرب وتونس لايصال صوت الشعب وهذه بعض الصور لمسرح الشارع او المشهدية الفرجوية في الملتقى الدولي لمسرح الشارع في دولة تونس ولاية قفصة وتم مشاركة عشر دول عربية منها سورية. اقليم كردستان العراق. المغرب. ليبيا. تونس. كما نأمل من الجهات المختصة دعمنا.

وائل زكريا مصطفى

*كاتب ومخرج سوري

—————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …