مسرحية “شابكة” بزار مسرحي محكم، لناسور أمين – محمد سيف/باريس

إن العلاقة بين النص والخشبة في العروض الحديثة كانت دائما متوترة، وموضوع جدل، ابتعاد واقتراب، وانفصال وعودة. ولعل استقلالية العرض، التي غالبا ما طالب بها عدد معين من الفنانين، لا تتعارض مع استقلالية النص. وإذا كان المؤلف قد اكتسب وعيًا مختلفًا في المسرح، وإذا كان قد طور علاقة معه غير مسبوقة، فمن الصحيح أيضًا أن المخرج، بعد قرن من الأبحاث والخبرات المتعددة، وعدد كبير من الأدوات قد مكنته من التعامل مع النصوص المعاصرة وتحدياتها:( فنحن ندخل، مثلما يقول جان بيار سارازاك، عصر العرض المتحرر وهذا التحالف الجديد بين النص والمسرح) [1]. إن هذا التحالف الجديد، لم يستمر، وحتى إذا استمر في مكان ما، ففي مكان أخرى قد تغير. فالعالم في حركة دائمة، لا يعرف الثبات أو السكون.

ويبدو أن ناسور أمين، يشتغل بهذه الطريقة، وينهج نهجا العروض التي تحاول تحريرَ نفسها من الأدبِ الدرامي، لاكتشاف طريقة خلق جديدة غير معهودة تتقاطع مع تقاليد المسرح، وعقد علاقة مستقلة وخاصة مع الدراما، التي لا يرفضُهَا. ونجده في تجاربه السابقة والحالية ينطلق من النص كمادة خام أولية، لكي يؤسس عرضه وفق تصورات فن الأداء، الذي هو في أحسن أشكاله، في تعالق مع باقي الفنون الأخرى، في استجوابه للشخصيات، الفضاء، متن النص، وإلى أخره من مفردات العرض المسرحي؛ استجواب أكثر شمولية من المحاكاة الارسطية، وتنزاح مقاربته المسرحية، عن مفهوم الاحتمال والمشابهة، والعقدة، والوحدات الثلاثة، بوضعهم جانبا، بعدما كانوا يشكلون بالنسبة للمسرح القوة الدافعة، ربما لإدراكه كمخرج، بأن الفنون الأخرى(غناء، رفص، موسيقى حية، أداء، بانتومايم، وإلى أخره) غنية أكثر من المسرح في تمثيلها للواقع، وربما أيضا لأن المسرح لا يمكن له أن ينفصل عن باقي العلوم.

هذه المقدمة، ربما ستضعنا في قلب مناخ عرض مسرحية “شابكة” لـ “ناسور أمين”، وتعامله مع نص المؤلف والمنظر الكبير عبد الكريم برشيد (على باب الوزير)، الذي اعتمده كنص ومشروع تمهيدي لفكر العرض ومفرداته الجمالية المختلفة.

يمكننا أن نتخيل منذ الوهلة الأولى أن الكتابة الدراماتورجيا في مفهومها الحديث، في اشتغالات ” ناسور أمين”، تبدأ من عمل الطاولة، الارتجال، والخشبة في آن واحد. وهذا بحد ذاته، ليس بالأمر البسيط أو الهين. فهو لا يستبعد، في الواقع، النص، وإنما ينطلق منه ليؤطر تفكيره وسبل بحثه التي تعتمد من دون شك على القراءات الواقعية والنظرية للمادة التي يريد تقديمها. فبعدما يشتغل على التخطيط الأولي للمادة، يقوم بنقلها إلى الخشبة لكي يتم هضمها وتبنيها وتطويرها من قبل الممثلين، بشكل جماعي، أثناء التمرين وعمليات البحث، أي يتم تشكيل هذه المادة الخام في النهاية من قبل فريق العمل بأكمله وبإشرافه. لهذا السبب يقوم بتنظيم اجتماعات دراماتورجية قبل وبعد البروفات، لأجل أن يشكلّ مونتاج أولي صلب للنص، وملموس تماما عند وصوله إلى مرحلة التمرين. ولكنه، في أغلب عروضه، لا يعتمد على النص بأكمله، أي انه يقتطع منه ما يريد اقتطاعه لكي يكمله بدوره من خلال الارتجالات، الاكتشافات، الحياة اليومية، والبناءات التي ترافق عمله مع فريق الممثلين والفنيين. وقد خضعت تجربته مع نص الأستاذ عبد الكريم برشيد “على باب الوزير” هي الأخرى لهذا النهج، لا سيما أن النص الأصلي يحتوي على سبعة عشر لوحة. وهو على (هيئة احتفال في نفسين)[2]. تقع أحداث الجزء الكبير منه، في كوخ لعائلة “عبد العالي” القاطنة على أطراف المدينة. وهذا ما احتفظ به المخرج في عمله، وترك الجزء الأخير الذي تقع أحداثه في منزل الشخص الذي أصبح وزيرا “رابح بن رابح”، التلميذ الكسول للمعلمة المتقاعدة ” صليحة”، الذي قفز إلى الفوق بقدرة قادر، لم يصعد السلم كباقي الأسوياء من البشر، أولا، لأنه غير قادر، وثانيا، لأنه نتاج قدر ينخر في قلبه العفن، لهذا يتنكر لكل ما يمكن ان يذكره بماضيه التعيس، بما في ذلك عائلة معلمته “صليحة”.

في مسرحية “شابكة” لا نرى هذا السيد الوزير، ربما لأننا لسنا بحاجة لرؤيته، وربما أيضا، لأن أمثاله كثيرون ولا يمكن اختصارهم في هيئة أو شكل واحد، وربما أيضا وأيضا إنهم لا يستحقون أن يشاركونا متعتنا الفرجوية، حتى وإن كنا في مجال متخيل. ولهذا شاءت “شابكة” الاستغناء عنه كوجود مادي، وقامت بتكثف الأحداث واختصارها، واكتفت بالحديث عنهم فقط، لكي تفضح العفن الذي ينخر مجتمعنا من خلال أقرب الناس إلينا.

لقد أثث السينوغراف “طارق الربح”، الخشبة، بجهاز راديو كبير، مثلما أراد لنصه المؤلف: (ويظهر جهاز راديو قديم وكبير جدا إلى الحد الذي يمكن أن يصبح فيه خلفية للبيت كله، الشيء الذي يجعله على صورة هيئة أبواب وشبابيك ونوافذ ورفوف كتب)[3]؛ جهاز راديو متغير، يمكن تفكيكه وإعادة تجميعه، وتركيبه، وتحويله، مثلما يمكن تفكيك قدر الإنسان ووضعه في جلد شخص آخر غير مناسب له، لكي يبني ليس فقط ديكورا مصورا وإنما ديكورا سمعيا أو كلاميا، إذا جاز القول، ليشكل أحداث المسرحية من خلال الأصوات، الأغاني، الموسيقى، والحوارات، التي تحل في الكثير من الأحيان، بدل الديكور الواقعي وفق اتفاق مسبق مع المشاهد، الذي عليه أن يتخيل الأمكنة المسرحية وتحولاتها السريعة عند اللعب فيها أو عليها. وهكذا يتحول جهز الراديو، بتشكيلته الجميلة والأنيقة وفراغاته وكتله، إلى آلة مسرحية أو منحوتة فنية، تتصرف بمساحات الأداء والأشياء وخطط التّطور تبعا للفعل الذي سيؤدى، هذا بالإضافة إلى وظيفته الواقعية، التي تصور بيت صليحة وأفراد عائلتها، بسطحه العالي، الذي تصعد فوقه الشخصيات لكي تمارس طقوسها الحياتية، والسلالم، والمشاهد الداخلية والخارجية، كباحة للعرض. فالراديو في هذا العرض بمثابة فضاء تواصلي من خلاله تسمع الناس ما يقع في العالم من أحداث، وفي نفس الوقت مسرحا للأحداث التي تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة والشخصيات، دون فواصل بينها، وفقا لموجاته وتبدلاته التي تشبه غرائبية الحياة وعدم عدلها، لا سيما نحن أمام عالم متخيل، ومعاش في آن واحد، يجوز فيه كل شيء جائز، وكل ما يمكن ألا يجوز. وهنا يكمن سحر المسرح، ونحوه المتعدد، ورهان “ناسور أمين” الذي يعتمد في عروضه على ممثلين يمتلكون مواهب متعددة: (أبحث دوما عن الممثلين الذين يعرفون الرقص، يعرفون الغناء، لأن هذا يساعدني على خلق عرض ثري جدير بالمشاهدة)، مثلما يقول.

يبدأ العرض بالجوقة الموسيقية (عبد الكريم شبوبه، انس عاذري) التي تحيلنا حركاتهما وتصرفاتهما إلى شخصيات السينما الصامتة، من خلال استخداماتهما لطرق ومؤثرات صوتية وموسيقية خاصة. يتكلمان ويتباريان فيما بينهما من خلال آلاتهما الوترية، وأقنعتهم البشرية التي تتغير من حالة لحالة، وإيماءاتهما التهريجية، ويقومان في نفس الوقت بدور عمال الديكور الذين، بعد وصلتهما الموسيقية، يذهبان لتركيب ولصق السماعتين الكبيرتين للراديو، لكي يبدأ العرض والبث الموسيقي له، ولكي يصبح الفضاء المسرحي مكانا لعائلة المعلمة المتقاعدة صليحة (حنان الخالدي وزوجها عبد الله شيشة وأبنهما نبيل بوستاوي)، التي تلعب هي أيضا، مرة دور جوقة تردد بعض المقاطع الغنائية خلف المطربة (هند نياغو، التي هي جزء من الجوقة الموسيقية) الواقفة أمام احدى السماعات، ومرة أخرى، تدخل في حوار وتخوض صراع و مشادات كلامية مع مذيع الراديو (عادل أضريس) وإعلانه عن فقرات برنامجه، الذي يقدم لمستمعيه من خلال الاستهلال المسرحي مؤلف المسرحية (عبد الكريم برشيد)، وممثليها وفنيها. وبهذه الطريقة، يضاعف ويؤكد ” ناسور أمين” من حضور المؤلف في إخراجه، وكذلك ممثليه، متبعا في ذلك خطى “عبد الكريم برشيد”، في كتابته لنصه.

بين الحركات الكوريغرافية، الفواصل الموسيقية، الغنائية، والاختفاء الظاهري للنص، كل شيء يأتي لزعزعة عاداتنا كمتفرجين، مثلما يحدث تماما في مسرح بريشت، الذي يستعير منه المخرج، “المنصة”، التي لا تجسد الحدث، وإنما تحمله وتُمسك به عن بعد، لمنح المتفرج فسحة من التأمل، تارة من خلال السرد وتارة أخرى، من خلال إعادة بناء الماضي ومساءلة الحاضر، أو من خلال الفواصل الترفيهية التي اعتمدت على طرق من المزاح والطرافة، قدمت للمتفرج ألحانا شعبية مغربية متداولة، وكلاسيكية عربية وغربية، لتسهيل مرور بعض الرسائل المطلوبة بشكل لعبي ملفت للاهتمام. هذا بالإضافة إلى العلاقة المباشرة مع المتفرج، التي خلقها المؤلف في نصه وكرسها “ناسور أمين”، في إخراجه من خلال اللعب وبحثه المستفيض في العلاقة بين الممثل والجمهور، بمعنى أخر، يعتبر ” تكنيك الممثل هو جوهر الفن المسرحي” [4].

يتألف هذا العرض من فصل واحد أو نفس واحد، على عكس، النص الأصلي الذي يتألف من نفسين، ويقودنا من خلال تدرجه الحدثي إلى متاهات الحياة المزعجة بإثارة مسألة الوجود الإنساني؛ يتساءل حول الحياة وتمزقاتها الاجتماعية، السياسية، ومسألة الإنسان الثوري الذي بات متلونا وفقا لألاعيب السياسة ومصالحه الخاصة، وهذا ما يتجسد في شخصية الابن سلطان الذي يتجول ببطء في هذا الوجود البائس، وعدم قدرته على العثور على نفسه، فيلجأ إلى منطق المساومة وتقديم التنازلات. إنه يشبه في ذلك، أباه عبد العالي تماما، ذلك الموظف المنهك من متاعب الحياة، الذي يحاول التماس خلاصه من أوضاعه المزرية وبكل الوسائل حتى وإن كانت على حساب كرامته. ووسط كل هذا الحطام، هناك، شخصية الأم، المعلمة المتقاعدة، المتطبعة بصفات المربية الفاضلة، التي لا يمكن ان تتنازل عن مبادئها، ولا تقبل بالمساومة.

عبد العالي: واحد من تلاميذ أمك أصبح وزيرا كبيرا..

سلطان: هذا هو الفرح بعينه (…) ماذا تنتظرين يا معلمة الوزير (…) فكري جيدا في مستقبل ولدك سلطان.

صليحة: فكرت.. فكرت كثيرا في مستقبل هذا البلد.

سلطان: عجبا.. وما دخلك أنت بهذا الوطن.

وهنا تكمن المفارقة المسرحية، في محاولة هرب أفراد عائلة هذه المعلمة، عبثا من مصيرها القدري. بالموازاة من ذلك، نجد شخصية الراديو حاضرة بقوة في نسق دراماتورجيا العرض، تارة توجه العرض، وتارة أخرى يوجهها. ومع ذلك، تبقى الدعابة قائمة في هذا العالم الميتا تمسرح، وتكمن وراء معظم اللوحات المسرحية.

إن “شابكة”، عمل يجمع ما بين ما هو بصري وغنائي وأدائي مذهل، لا يخلو من العنف الرقيق المثير للدهشة، والسخرية المرة الفاضحة، إنه يغذي الفكر ولا يترك مجالا لعدم المبالاة؛ عمل يتأرجح باستمرار بين المسرحة الترفيهية التي تشبه إلى حد كبير، مسرح المنوعات حيث الرقص والغناء والألعاب البهلوانية والتحول المأساوي والمسرحة السياسية الصارمة، المليئة بالقيم المضادة والمعاكسة للقيم المعروفة اجتماعيا. فالمسرح مثل رمز ينتج رسائل سحرية مقدسة، والفنان فيه مثل ساحر، وشاف مقدس يراقص رمز الحياة المقدس. إنه يلهم كل من يراه وينقذ كل من يشرب منه.

باختصار، إن بزار ” ناسور أمين” المسرحي هذا يكاد أن يكون مكتملا. فهو بزار محكم التزين، مرتب ومتغير ومعزز من خلال البروفات والاشتغال الرصين. لدى هذا المخرج كل شيء يدور شيئا فشيئا ودون عجالة: التمثيل، الأضواء، الإكسسوارات، والموسيقى والأغاني. ولكل لحظة من لحظات العرض المهمة لها إيقاعها وأغنيتها وأدائها الخاص بها. وجميع الأغاني والدندنات الموجودة في العرض جميلة، سواء هذه التي تغنى من قبل الممثلة “هند نياغو”، أو من قبل فريق العمل بأكمله، وصولا إلى الذروة التي تم التوصل إليها في اللحظة المنتظرة من قبل الجميع، الذروة التي تتوجها أغنية فرقة “المشاهب”: (العفو يا بابا.. الحق يزول.. القلوب الكاذبة أنستنا في المعقول.. قاطعوه.. قاطعوه.. قاطعوه). ترى لمن وجه الخطاب؟، مثلما يتساءل في مقال عن نفس المسرحية، المؤلف والباحث المسرحي محمد أمين ينيوب. وهنا يفتح ” نسور أمين نسور” صمامات المعنى وانتماءاتها على تأويلات الجمهور المتنوعة..

في هذا العرض كل شيء جائز، فالحريات التي يسمح بها المخرج غالبا ما تكون منطقية، لاسيما أننا أمام عرض غنائي متنوع، ولنا فيه الحق لقول النكتة، ومحاكاتها، والقيام بعمل تهريجي غير موجود بالضرورة في نص “عبد الكريم برشيد”. في هذا المجال من المسرحة، كل شيء جائز، حتى أجمل النصائح التي في العادة تمليها علينا شخصية المذيع، الذي يشدد على الكلمات بقوة لكي يعطيها قيمة بلاغية مفخمة، وهذا ما يجعل خطابه كاذبا ويشبه إلى حد كبير خطب رجال السياسة المليء بالوعود الكاذبة.

إن عرض ” ناسور أمين” لمسرحية “شابكة”، يقودنا للتساؤل عن الكيفية التي نجعل فيها المتفرج نشطا، حيويا، حتى يتمكن من سماع ومشاهدة نص كتب في فترة ربما لا تشبه أحداثها حاضرنا أو ربما هذا الأخير، أي الحاضر، امتدادا لها ولكن بشكل مغاير!

ولكن، كيف يمكن فهم وحدة العرض المسرحي المعاصر، دون تضليل، وإفقار لثرائه وتنوعه، بشكل خاص؟ كيف يمكن تحديد ووصف هذا الذي يوحده، في حين أن النظرة المعاصرة تتميز من خلال غموضها وعتمتها؟ وبعبارة أخرى، أليس المتعة المسرحية تستند، في معظم الوقت، على العلاقة المختلفة بالمشهد، والحفل المسرحي؟ وإذا كان هذا هو الحال، ماذا ينتج سحر المشاهد؟

لم يعد المسرح اليوم، بمثابة كتاب مفتوح على العالم، وإنما هو شاشة مفتوحة جزئيا على العالم الوهمي لكل كاتب مسرحي. وإن الحدود بين الحقيقي والوهمي قد محيت؛ وأصبح الصواب والخطأ لا يفترقان؛ الشخصيات المختلفة في الدراما لم تعد تعيش في الوقت نفسه؛ البعض منها يأخذ مظهر الأشباح، والبعض الآخر، يأخذ وضعية واقعية، وإن خشبة المسرح لم تعد عبارة عن فضاء اجتماعي مزدوج، وإنما مكان للتجارب الجديدة، غير الواقعية، التي تجري في الحاضر، وفي حضور المتفرجين.

إننا إزاء عرض يكاد ان يكتب نفسه أمامنا، على الرغم من التداريب التي أنجزت بعيدا عنا، ولهذا علينا ألا نفكر في تذوق الموسيقى والغناء والأداء، مثلما لو كنا مستلقين على أريكة، أو أمام شاشة تلفزيون، وإنما يجب أن نشارك في العلاقة الحميمة لهذه الكائنات وحالاتها المستعصية؛ يجب علينا معاشرتهم كما لو كانت جزءًا لا يتجزأ من دائرة أصدقائنا المقربين، ونعيش حياتهم اليومية مثلما يعيشونها هم أنفسهم. لأن كائنات “شابكة” ليست مجرد شخصيات كتبها مؤلف على الورق، وإنما حياة تعكس واقعا مريرا لا زلنا نعاني منه، لا زلنا ضحية من ضحاياه، وهذا ما يمكن ان يصل لنا من خلال خيمياء أداء الممثلين الرائع، والمتقن؛ من خلال لعبهم على ومع الكثافة الهائلة وغير العادية للغة أجسادهم، مرونتهم، والصفات التعبيرية لأصواتهم، وجوههم، ووجودهم في الفضاء.

كان العرض يطيع نوعا من الدقة الصارمة كضرورة طقسية، أسس لها “ناسور أمين”، من خلال التدريب، لشعوره بالحاجة إلى التخلص من التقليد، وتحرير متفرجه في ذات الوقت، من العادات التي اعتاد عليها، ليجعله يعيش بأقصى قدر ممكن مع الشخصيات التي يقدمها على المسرح، لا سيما إن المسرح، كما يقول بيتر بروك، بمثابة مركبة، تقود ركابها لا لتمثيل أدوارهم فقط وإنما لاكتشاف ومعرفة ذواتهم، وخاصة التعرف على بعضهم لبعض”[5].

[1] – SARRAZAC, Jean-Pierre (2004). Jeux de rêve et autres détours, Belfort : Circé, p. 10.

[2] – النص الأصلي.

[3] – نفس المصدر.

[4] – جيرزي غروتوفسكي، نحو مسرح فقير، دار نشر: L’Age d’Homme،1993، صفحة، 20.

[5] – L’Espace vide Écrits sur le théâtre, Peter Brook, Editions Seuil, 1977, p. 86

 موقع مساحات

https://www.massahat.com/2019/03/3462/

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *