مسرحية راضية.. نساء في معترك العنف والمقاومة – محمد أمين بنيوب #المغرب

     تخط فرقة فركانيزم تجربة متفردة في المجال المسرحي وتتخذ من قضايا المرأة، عوالم وفضاءات لمساءلة أوضاعها ومراتبها في مجتمع لازالت نظرته للمرأة غارقة في التشييئ والإقصاء ولم يحسم بعد في ترسيم المساواة والعدالة في الحقوق وأولها حقوق النساء وصورتهن في محيط مجتمعي مكبل بثقافة بنيت بأساطيرتعلي من شأن الجنس الذكوري وتمكنه من سلط القوة والتفوق في مختلف أنماطهما وتنوع رموزهما.
المبدع محمد فركاني وفرقته فركانيزم، وضعوا نصب أعينهم مشروعا مسرحيا طموحا ممتدا على عشرية (2016.2026). تتجلى الأسس الرابطة لهذا المشروع الفني الهام، في تناوله لعوالم المرأة في أقسى درجات العنف وأقصى سلاليم العزلة.

ـ لا أعرف مادواعي فرقة فركانيزم لاقتحام عوالم النساء وما مبرراته واختياراته الفنية ؟؟
ـ وهل لفرقة فركانيزم حسابات ما تريد تصفيتها مع النساء؟؟..هنا التصفية بمعنى القطيعة مع رواسب التاريخ وفكره المتحجر.
هو ليس بمسرح نسائي محض، بل هوتجربة جديدة في المشهد المسرحي المغربي ، تقترح علينا زوايا متعدد لمقاربة موضوع في شموليته وخصوصيته وما يتركه في الذهنيات والأفكار حول رؤيتنا للمرأة وهويتها المجتمعية.

ضمن هذا السياق، تشتغل جماعة فركانيزم على سلسلة من النصوص المسرحية المعاصرة والراهنة تهم المرأة وأوضاعها وسط المجتمع المغربي وخصصت لها عنوانا كبيرا تحت اسم نساء لهن ماضي. هكذا قدمت أول عمل مسرحي الغالية سنة 2017.ويحكي عن امرأة تعيش في الأرياف تحت سلطة أب متشدد،تفرمن عنف وقسوة البادية لترتمي في أذغال المدن المتشحة بالدعارة والاغتصاب والاستعباد وولوج سوق النخاسة، لتلتقي في الأخير برجل متصوف يدخلها في طقوس الدراويش ومراتب الأولياء.مع سنة 2018،ستوقع الفرقة مسرحية فاضلة وهي مقتبسة عن العاهرة الفاضلة للكاتب المسرحي الوجودي،جان بول سارتر[كتبت 1946]،وبالرغم أن الوقائع تهم المجتمع الأمريكي في علاقته بسوق الدعارة وتصادم هويات الزنوج والبيض، فإن شخصية فاضلة،وجدت وضعيتها في محيط مجتمعي مليئ بالحيف والاضطهاد والقسوة. فهي لاتدعي الطهرانية والمثالية ،بل تثوق لمن يستمع لوصيتها ومن يلم جراحاتها ويقتنع بموقفها، على أن الكائن البشري له من القوة والنضج لحل معضلاته المجتمعية،عبرإحكام العقل وإحقاق الحقوق الإنسانية بمنظارالمساواة والعدالة.

مع موسم 2019،ظلت جماعة فركانيزم وفية لمسارها ووقعت عرضها المسرحي الثالث وهذه المرة تحت اسم راضية والذي قدم بالدورة الواحدة والعشرين للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان [نونبر 2019] وحازت الممثلة رباب الخشيبي على جائزة الأمل.

يطرح عرض راضية بنيحي [رباب الخشيبي] صورة مصغرة لمجتمع أبيسي حيث الأب له قوة امتلاك البشروالماشية والزرع.لافرق بين صوت النساء وصوت البهائم وصوت حوافر الدواب.فالجميع في حظيرة حيوانية واحدة وموحدة.فالأب الخماس بنيحي [بادي رياحي] يقوم بتزويج ابنته عفوا، بيع مملوكته لمالك آخرذي عقلية قطيعية زراعية يدعى أحمد بنزويدة [بادي الرياحي].تتحول حياة راضية لمأساة مضنية موزعة بين التعذيب الجسدي اليومي وبين العنف النفسي. لقد فرض علينا عرض راضية أن نسجن معها وأن نقتسم معها ترحالها في فضاءات تعج بالكوابيس والخوف ومواجهة العنف والبحث عن منفذ يسمح بالحرية والإدانة.

فالتصور الإخراجي، أقحمنا في متاهات متضاربة و متداخلة.لاأعرف إن كنا في حلم يحكى بواسطة بوح راضية.أم راضية في مستشفى للهبال والمجانين.أم هي حبيسة زنزانة في قبو مظلم بعد قتل زوجها المتعفن.أم هي هلوسات جنونية يصعب حكيها ونسج وقائعها ،لتفسح المجال لشخصيات أخرى تظهر على الركح وتساهم بدورها في الحكي الممسرح.هناك صورة الصوت الخفي والحزين لراضية. جسدتها [هند ضافر] والتي تحضرلتذكرنا بتاريخها الأليم وحاضرها القاسي. ف شخصية حسن الراقص [كريم نوري]، يقص ويرقص مواجع راضية ،كأنه يستشهد بالبيت الشعري للمتنبي حول ألم الطيرمذبوحا مودعا العالم راقصا.
لاتحسبن رقصي بينكم طربا …فالطير يرقص مذبوحا من شدة الألم

حكي داخل حكي .فضاء يرميك نحو فضاءات مركبة. من غرفة بيئسة نحو فضاء الرقص الأليم ،ثم فضاء الأب القاسي. نحوفضاء الزوجين ،أشبه بمخفر شرطة. بالرغم من الجدران العالية والمسيجة،فالأداة الوحيدة التي تملكها راضية للخروج من النفق المسدود،هوالتسلح بالحكي وتطهير دواخلها من ذكريات دموية والتخلص من تاريخ العبودية والامتلاك وبدء صفحة جديدة وتوقيع حكاية مفعمة بالعشق والحب مع وليدها الجديد وتلقينه درس كرامة الإنسان وعمق إنسانيته الكونية. لاامتلاك ولاعبودية بعد الآن..

سواء أكانت راضية أم الغالية أم فاضلة، قريبا الحرة ومستقبلا مباركة وعايشة وحادة..أسماء كثيرة لازالت تواجه عنف نواميس المجتمع وقهر سلطه وتحجرذهنياته وتقاعس نخبه ومثقفيه.
جماعة فركانيزم،لاتدعو لمسرح تعبوي تحريضي ولا لمسرح نسائي فئوي ولالمسرح نسواني إثني، إنما ترنو الإشتغال على مسرح ينتصر للمعنى. يطرح قضايا المرأة. يدعم فكر الحداثة والحرية. ويدفعنا كمتلقين لتفكيك وتهديم رموزه المقدسة.ألولهما، لا أحد يمتلك الآخر ولا قسمة تتوارث جينيا،إسميا، عائلياوهوياتيا..

مسرحية راضية.. نساء في معترك العنف والمقاومة…
محمد أمين بنيوب .ناقد وكاتب مسرحي

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش