مسرحية تونسية عن موظفة تختزل واقع ثورة أحاط بها الانتهازيون

 

 

 

 

مسرحية من نمط مسرح الوان مان شو تحاول نقد الواقع السياسي لتونس ما بعد الثورة من خلال شخصية موظفة.

غصت مدارج مسرح الحمامات مؤخرا، بجماهير غفيرة جاءت لمتابعة مسرحية “Big Bossa” للفنانة التونسية وجيهة الجندوبي.

مسرحية “Big Bossa” من نوع الوان مان شو، الذي يعتمد ممثلا واحدا على الركح، وقد عرضت بالتزامن مع الاحتفاء بيوم عيد المرأة ضمن فعاليات الدورة 55 لـ مهرجان الحمامات الدولي، وعرفت إقبالا جماهيريا كبيرا، معظمه من النساء.

تروي المسرحية قصة “مدام جليلة” موظفة عمومية، متزوجة، من طبقة متوسطة، تصلها رسالة على هاتفها المحمول تعلمها أنه سيتم تعيينها وزيرة ومن هنا، تبدأ حكاية امرأة تحلم طوال حياتها بالشهرة والنفوذ، ولم يحالفها الحظ لا في المجال الفني ولاالرياضي ولا حتى في حياتها الزوجية.

عرفت وجيهة الجندوبي بنصها القريب من الواقع التونسي والفكاهة والدعابة التي تمتلكها كيف تشد أنظار المتفرجين طيلة ساعة ونصف، تفاعل فيها الجمهور بالحوار والضحك والتصفيق.

“مدام جليلة ” “البيغ بوسا Big Bossa” قدمت برنامجها السياسي للجمهور والمتمثل في تحسين مظهرها الخارجي وانتداب أفراد عائلتها وتكثيف الندوات والزيارات الفجائية، مع التعويل على فريق اتصالي يلمع صورتها قدر الإمكان، مراعية في ذلك حسب قولها “هيبة الدولة”.

جسدت وجيهة الجندوبي بذكاء وضعاً تمر به البلاد بعد الثورة في ظل غياب كفاءات وطنية تضع الوطن والعمل في مقدمة اهتماماتها، وهو ما كان جليا من خلال بعض الشخصيات السياسية التي لم تفعل من خلال مناصبها شيئا للبلاد، بل كان جل عملها معتمدا على تشغيل ذوي القربى وتحسين مظهرهم والعمل للصالح الخاص لا العام، ويذكر كل التونسيين مثلا فترة حكم الإخوان وكيف استخدموا أجهزة الدولة لتحسين أوضاعهم وتشغيل أصهارهم وأقاربهم، وهو ما استمر أيضا حتى بعد الانتخابات التي تلت كتابة الدستور. لذا فالمسرحية لا تهدف فقط إلى الإضحاك، بقدر ما تحاول النقد اللاذع والصريح لمظاهر شتى من الفساد والمحاباة والمحسوبية التي انتشرت في البلاد رغم الجو الديمقراطي الذي تعيشه.

“مدام جليلة “السطحية في أفكارها وتصورها لمستقبل البلاد، أنموذج لبعض من تولوا مناصب عليا وساهموا في تردي أوضاع البلاد في فترة من تاريخ تونس.

في مسار بانورامي متعدد الشخصيات الواقعية بداية من الرؤساء والسياسيين إلى التلميحات لعديد الأحداث الكبرى والصغرى التي عرفتها تونس في السنوات الأخيرة، تتدرج المسرحية في كشف الواقع السياسي ومن خلفه الحال الاجتماعي، في مسار لامست من خلاله بذكاء الشروط التي يجب أن تتوفر في كل مسؤول بعيدا عن عقليّة الغنيمة وعن الهرولة نحو المنافع التي سيأتي بها المنصب الذي يتقلده، في رسالة واضحة إلى أن المسؤول هو قبل كل شيء يحمل مسؤولية خدمة المواطن والوطن. وتتدارك وجيهة الجندوبي الوضع، عندما تعرض برنامج “مدام جليلة” للتصويت فترفضه الأغلبية. وهنا تعامل ذكي مع الإسقاطات التي يقدمها العمل.

فقد تعالت في تونس بعد الثورة بعض الأصوات التي ترفض الديمقراطية بحجة أنها جاءت ببعض الشخصيات الهزلية إلى مناصب عليا في البلاد، وهذه الدعوة للعودة إلى الدكتاتورية لم تلق الرواج والانتشار، حيث مصير الشعب بين يديه، والديمقراطية طال الزمن أو قصر ستثمر التجدد والإصلاح والتغيير.

الجزء الأخير من المسرحية أرادت به وجيهة الجندوبي أن تؤكد أن الشعب التونسي ليس بغبي، وأن بيده تقرير مصير البلاد، خاصة إذا ما أحسن اختيار مسؤوليه وممثليه ممن يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …