مسرحية إناء الحساء للكاتب الأيرلندي وليم بتلر ييتس /د. علي خليفة

 

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

أراني أجد في قراءة مسرحيات الفصل الواحد للكتاب الأيرلنديين متعة كبيرة لا أجد مثلها في قراءة مسرحيات الفصل الواحد لكتاب البلاد الأخرى.
وهذه ظاهرة لا أدري لها تعليلاً، ومع ذلك يمكن أن أجتهد فأقول لعل من أسباب هذا أن كثيرًا من هذه المسرحيات كانت تصور مقاومة المحتل الإنجليزي، وكانت مسرحيات الفصل الواحد هي الأنسب في التعبير عن هذه المقاومة؛ لسهولة عرضها ومشاهدتها خلال فترة الصراع هذه، ثم أيضًا كان من أسباب ذلك أنه ظهر في أيرلندا في بداية القرن العشرين كتاب أجادوا هذا النوع من المسرح مثل جون ملينجنتون سينج، وليدي جريجوري ووليم بتلر ييتس.
ولا عجب إذًا أن يجمع كثير من النقاد على أن أروع تراجيديا كتبت في العصر الحديث هي مسرحية “الراكبون إلى البحر” لسينج. وأيضًا تعد مسرحية طلوع القمر لليدي جريجوري من روائع المسرحيات القصيرة التي تعبر عن مكافحة المستعمر، وذلك من خلال حدث مثير، لا أثر فيه لصوت المدافع ولا لهدير القنابل.
ولعل مما يجذبنا لمسرحيات الفصل الواحد الأيرلندية ما فيها من تصوير للأجواء الشعبية الأيرلندية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وقد عمل سينج بنصيحة وليم بتلر ييتس فعاش في جزر الآران الأيرلندية، وعرف الأساطير والقصص الشعبية التي يتناقلها الناس هناك، وكذلك أعجبته اللغة الشعرية الممتلئة بالصور التي يتكلمها الناس بها، وصور كل هذا في مسرحه لاسيما في مسرحياته ذات الفصل الواحد مثل مسرحية بئر القديسين، ومسرحية الراكبون إلى البحر، ومسرحية ظلال الوادي.
وحتى في مسرح العبث نرى أن صمويل بيكيت صاحب الأصول الأيرلندية يكتب مونودراما عبثية من فصل واحد هي الشريط الأخير.
وقد عرف بيتس بشعره ومسرحه، وفي مسرحيته إناء الحساء يستوحي إحدى الحكايات الشعبية، ويصوغها في مسرحية قصيرة.
وفيها نرى شخصية المتسول المحتال الذي نراه في مقامات الهمذاني والحريري يتجول في البلاد الأيرلندية، ويحصل على رزقه بمهاراته في الاحتيال.
ويتصادف أن يأتي إلى بيت امرأة شديدة البخل – هي سيفي كونيللي -ويدخل مطبخها، ويفاجأ أنه لا يوجد به شيء يصلح لأكله، ويقول لنفسه إنه لم يأكل منذ مدة طويلة، وليس معه في جيبه سوى كسرة خبز، وحجر كان قد أمسك به حين هم كلب بالهجوم عليه.
وحين يعلم أن صاحب هذا البيت تلك المرأة البخيلة يحدث نفسه بأن الأمل ضعيف في أن يحصل على أي طعام فيه، فهي بخيلة جدًّا، وتروى قصص تتناقل بين الناس عن شدة بخلها.
وتدخل هذه المرأة مع زوجها وفي يد زوجها دجاجة يستعدان لطهيها للقس الذي سيزورهم اليوم.
وتفاجأ هذه المرأة بوجود ذلك الشخص وتنهره معتبرة إياه متسولاً، وتقول له إنه لا يوجد في بيتها شيء لتعطيه إياه.
ويقول لها إنه ليس متسولاً، ولم يعتد أن يأخذ من أي أحد شيئًا بل اعتاد أن يعطي ويقدم لمن يقابلهم أشياء من عنده.
ويبدأ هذا المحتال في صيد هذه المرأة، فيغريها أن الحجر الذي معه له قوى سحرية، وأنه حصل عليه من شخص، وعرفه بقواه السحرية، وأنه يمكنه لو وضع في إناء به ما أن يحوله لحساء رائع المذاق أو لعصيدة أو لخمر معتق.
وتنجذب المرأة لكلامه أما زوجها جون فيتابع ما يحدث دون أن تكون له مشاركة فعلية فيه، ويبدو أقرب للمعلق لما يحدث.
ويطلب المتسول أن تأتيه هذه المرأة بإناء وتضع فيه ماء ثم تضع هذا الإناء على الموقد، وتفعل ما يطلبه إليها، ثم يضع حجره في الإناء، ثم يقول لها: لا بد من أن نضع بعض الأعشاب ذات التأثير السحري، وحين تقول له إن هذه الأعشاب غير موجودة عندها، يقول لها: لا بأس سأضع أوراق الكرنب والبصل في الإناء فسوف تقوم بالمراد.
ثم يخبرها أن من القوى السحرية في هذا الحجر أنه إذا وضع في الإناء دجاجة كالتي معها الآن في يوم الجمعة اسودت، في حين أنها لو وضعت في أي يوم آخر ازدات الدجاجة بياضًا. ويضع الدجاجة – على اعتبار أن هذا اليوم ليس جمعة – وخلال وجود الدجاجة في الماء يذكر لهذه المرأة شعرًا تغزل به بعض الشعراء ويوهمها أنهم قالوه فيها، وتسرح بخيالها في ذلك الشعر، وتقول لزوجها: كنت أعلم أنني خسارة فيك.
ثم يخرج المتسول الدجاجة وقد نضجت، ويشرب من الحساء ويقول إنه لذيذ، وتشرب منه هذا المرأة فيعجبها، ولا تلتفت للحيلة التي قالها في عمله، بل تظن أن الحجر هو الذي حول الماء لهذا الحساء.
أما جون زوجها فيدرك هذه الحيلة، ويكتفي بوظيفته كمتابع عن بعد، ومعلق على الأحداث، فيشد على يد على هذا المتسول؛ لكونه بارعًا في احتياله.
وتطلب هذه المرأة إلى ذلك المتسول أن يعطيها هذا الحجر مقابل ما يطلبه، ويرفض في البداية ثم يوافق، وخشية أن ينكشف أمره يعطيها الحجر مقابل أن يأخذ منها الدجاجة التي أنضجها، وتوافق، ويأخذ الدجاجة وبعض النبيذ، ويمضي، وتفرح هي بهذا الحجر الذي تظن أن به قوى سحرية بالفعل، ثم يرى زوجها القس قادمًا فيقول لها إن القس قادم، ولم نعمل له شيئًا لإطعامه بعد، وتنتهي المسرحية.
ولا أستبعد أن يكون وليم بتلر ييتس قد قرأ مقامات الهمذاني والحريري أو أحدهما فأثر المحتال الذي فيهما واضح في هذه المسرحية، وربما نجد في مذكرات بيتس أو بعض خطاباته ما يشير لاتصاله بالأدب العربي القديم من خلال بعض المترجمات، خاصة أن مقامات الحريري قد ترجمت للاتينية خلال وجود العرب في الأندلس. وقد تكون ترجمت منها للغات أوربية أخرى، وأيضًا غير مستبعد أن يكون ييتس رجع لترجمة حديثة في عصره لمقامات الحريري والهمذاني أو أحدهما وظهر أثر ذلك في هذه المسرحية القصيرة.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *