مسائل في اللاهوت المسرحي: سعي إلى إعادة روحنة المسرح ذاته!

[wdi_feed id=”1″]

بقلم نورة البدوي

يعتبر المسرح نافذة منفتحة على كل الفنون فهو الجامع بين عوالمها المختلفة، اختلاف البشرية و الحضارات و الأساطير و الأديان على مر العصور. و لذلك عرف المسرح بأنه في حالة من الحركة المستمرة و الدوران الدائم لأداء مهامه الفنية و الجمالية التي لا تنفصل على واقع الإنسانية.
غير أن المتمعن جيدا في واقع مسرحنا العربي اليوم ، و المشهد الفني بخاصة ، يدرك أنه يمر بفترة من الضياع و الاضطراب المتحورين  ، بحسب  الكاتب و الباحث التونسي حاتم التليلي حول التدمير الكلي للمعنى و الإصرار على الخواء و ذلك تمهيداً لانغلاق المعنى حول العدم.
ضمن هذا السياق أصدر  الكاتب و الباحث التونسي حاتم التليلي كتاباً جديداً معنونا بـ  مسائل في اللاهوت المسرحي، و لقد تضمن سلسلة متكونة من 27 مقالا وردت في 150 صفحة عن دار ميارة للنشر.
يضعنا التليلي منذ البداية أمام عنوان إشكالي استفزازي و مركب بين لفظين : اللاهوت و المسرح ليجعلهما في تمظهرات و تشكيلات متنوعة ، تمهيدا لانفتاح المعنى و تعدده من خلال سلسلة المقالات التي حملت بدورها عدة اشكالات.
يتجاوز التليلي في كتابه معنى اللاهوت المتحور في بعده الديني ليلقي به في بعده الأسطوري الإغريقي و طقوسه الانبعاثية في حضرة جمالية فنية للمسرح ليكون العنوان مركبا من أجل إضفاء بعد تاريخي لهذه الكينونة التي حملها المسرح منذ قدم الإنسانية .
يقول التليلي “لقد جاء هذا العنوان كواقعة لغوية تحاول استثمار كل المعاني التي حملتها سلسلة المقالات بالكتاب،  اما فيما يتعلق بمفهوم اللاهوت ففي الحقيقة نحن ننزاح به من المعنى الديني المتداول ونُصيّره ضمن ما هو أسطوري قديم باستدعاء الإله(دموزي/ديونيسيوس) كأول الجينات التي منها ابتدع الإنسان القديم طقوس الخصب والانبعاث وانتشرت تعبيراته واحتفالاته وطقوسه قبل أن تعقلن وتدخل حيز التأسيس مع الفن المسرحي. هذا العنوان يمثل في حقيقة الأمر استفزازا يقول بضرورة عدم تجاهل المفهوم الحقيقي للمسرح بوصفه واقعة انطولوجية وحدثا فنيا في تاريخ البشرية إلى اليوم” .
يكشف كاتبنا واقعنا المسرحي اليوم و ما أصبح عليه من ثقافة الابتذال و الانحطاط و دخوله في بوابة الدعاية و الاستهلاك؛ فما أصبح “يقدم لنا الان من عروض مسرحية بات يعدّ مسخا ابداعيا محضا حسب تعبيره ص 8″.
فمحتوى المسرح العربي المعاصر ، يتردد بين أن يكون مسخاً أو إعلانا صريحاً عن العجز في تقديم بنى سردية ، و هذا بدوره يعدُ اقراراً بالنهايات في البحث عن الأدوار الطبيعية للنقاد و المسرحيين و الكتاب ” ربما نرتجف الآن و بشكل مفرط مرير بنهاية التراجيديا و بنهاية رغبتنا في مقاومات سياسات الالتباس و الخراب و التدمير المنهجي لشتى ضروب حياتنا” ص 8.
يحاول التليلي من خلال هذه السلسلة من المقالات إعادة روحنة المسرح ذاته حسب وصفه و ذلك من خلال طرح المكائد التي تعيق فشل المشروع المسرحي الذي من أجله بعث المسرح و كي لا يتلون الفن الرابع “بقناع هجين و بشع” ص 23.
قناع بيته رأس المال و نقابات مسرحية و مهرجانات و التكنولوجيا و كل منها يسعى إلى إنتاج ثقافة غالب و مغلوب ، بلغة ابن خلدون ،  ليشهد المسرح هشاشته في قصر “من نسيج العنكبوت ” 21 ؛ نسيج  سقط هو الآخر كباقي الفنون الأخرى في مستنقعات الاستهلاك و التشيؤ فأصبح المسرح رهين لرؤوس الأموال و للعبة العناكب و المسار الذي ترسمه لغة التقنية و الديجيتال ” صحيح إن هذا الفن يهدم نفسه و يتجدد باستمرار و لكن منعطفاته الفكرية و الجمالية و تقاطعاته مع الحالة السياسية و الاجتماعية لا يمكن أن تفصله عن كل فاصلة قد تقطعه مع جذوره الاولى ” ص 124.
يقدم لنا التليلي عوائق المسرح اليوم ، التي يمكن أن تعرقل مساره و أهدافه و تحصره في عوالم خرابه ؛ حيث يؤكد كاتبنا ، أن هذه السلسلة من المقالات و ان طرحت جملة من الإشكالات المختلفة والمتنوعة فهي تشترك جميعها في الدفاع عن المسرح ضد معوقاته وضد بعض المسرحيين أيضا. ليس الهدف هنا إقامة ضرب من التشابك المسرحي بقدر ما هو سعي إلى إعادة روحنة المسرح ذاته، إذ ما الفائدة منه اذا كان في صورة غلب عليها الطابع التجاري أو هو يفتقد إلى نقاد أو إلى خلفيات فكرية وجمالية واضحة المعالم خارج الكيتش والانتحال والتبضيع… فماذا بوسع الفن المسرحي أن يقدم لشعوبنا الآن؟

 

elaph.com

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش