مرحلة جديدة في المسرح الأمريكي

 

في عام 1914 شهد المسرح الأمريكي حدثاً مهمّاً عندما عرضت أولى مسرحيات «أوجين أونيل» (باوند إيست فور كارديف) أي «الحدود الشرقية لكارديف» على مسرح بروفنشتاون في ماساتشوستس.. وكتب أونيل هذا العمل، بعد تجربة شخصية في مصحة، حيث كان يتعافى من مرض السل بين 1912 و1913، قرر حينذاك أن يستثمر كامل وقته لكتابة المسرحية. غير أن مسرحيته الأهم كانت «ما وراء الأفق» التي كتبها في عام 1920، وأرّخ من خلالها لنوع من المسرح الأمريكي الحديث والجاد، بعد أن كان مجمل ما يعرض في المسارح الأمريكية، يحاكي المسرح الأوروبي.
شخصيات المسرحية الرئيسية هي: «روبرت مايو» وشقيقه «أندرو مايو» و«روث أتكينز» و «جيمس مايو» وهناك «كيت مايو» و«الكابتن ديك سكوت» و«السيدة اتكينز» و«دكتور فوسيت».
عرضت المسرحية أول مرة في برودواي، وهي من نوع الدراما/ المأساة، وتطلب هذا العمل من أونيل مدة عامين لإنجازها، حيث بدأ في كتابتها في عام 1918، وقد حصل أونيل بموجبها على جائزة بوليتزر لعام 1920/ فرع الدراما.

تتألف المسرحية من ثلاثة فصول، وتجري أحداثها في مزرعة خلال فصل الربيع، في الفصل الأول، يتعرف المشاهد على الشخصيات الرئيسية الشقيقين «أندرو» و «روبرت»، اللذين يقعان كليهما في حب الحسناء «روث»، وفي قالب يجمع ما بين الكوميديا والدراما، الأقرب إلى الواقعية الاجتماعية أو الرومانسية، يكشف العرض عن أشخاص حالمين خاصة «روبرت» الذي بعد أن يقتنع بأن «روث» تحب شقيقه «أندرو» يقرر السفر، فيفاتح «روث» مبرراً ذلك بأنه يود اكتشاف ما وراء الأفق، ويعبر لها عن سعادته بهذه الرحلة، يؤثّر هذا الكلام الشاعري على «روث» وتفاجئه بأنها تحبه هو، وأن شقيقه لا يعني لها شيئاً، وتصر عليه أن يلغي فكرة السفر، ويعيشا سوياً في مزرعة أبيه، ويكوّنا أسرة.
في المشهد الثاني من الفصل الأول، يخبر روبرت أسرته، بأنه أقلع عن السفر، وسوف يستقر في المزرعة، وها هو يخطط للزواج من «روث» وهو الذي يتلقاه الوالدان (أبوه وأمه) بترحاب شديد، لكن في المقابل هناك شقيقه «أندرو» الذي يكدره الخبر، وتبدو عليه ملامح الارتباك، وهروباً من هذا الموقف الصادم بالنسبة له، واكتشافه أن «روث» تفضل أخاه «روبرت» عليه، يقرر السفر في سفينة الغد، وهنا يبرز دور والدهما، الذي يدعو «أندرو» للبقاء والاعتناء بالمزرعة، وأكثر من ذلك يوبخ «أندرو» جراء انزعاجه من تفضيل «روث» ل «روبرت» وهذا من وجهة نظر الوالد، قرار شخصي، يجب أن لا يحمل أكثر مما يحتمل. في المشهد الثاني من الفصل الأول يلتقي الشقيقان، فيبرر «أندرو» لشقيقه فكرة السفر، لكنهما في النهاية يتعانقان، ويتمنى «أندرو» لروبرت وروث حياة سعيدة.
في الفصل الثاني والثالث، تتغير الأحوال على نحو دراماتيكي، تبدو المزرعة في أسوأ حالاتها، حيث تتدهور صحة «روبرت» وهو الذي ينعكس على أسرته حيث تصاب ابنته باعتلال جسدي، وكذلك «روث» التي سرعان ما تنفر من «روبرت» وتحمله مسؤولية تراجع الأسرة، وتفاجئه بخبر ينزل عليه كالصاعقة، وأنها انخدعت به، وأنها لا تحبه، بل تحب شقيقه «أندرو». في هذه الأثناء يموت الأب، أما «روث» فتنتظر وصول «أندرو» لتصارحه بحبها، غير أنها تفاجأ بعدم اكتراثه، وأن تجربة الغربة قد غيرته، وينصحها للاهتمام بزوجها وابنتهما، وهو الذي ينزل كالصاعقة على روث، وأكثر من ذلك، يقوم «أندرو» بتوبيخها بشدة على عدم اهتمامها بشقيقه «روبرت» ويحمّلها مسؤولية تدهور صحته، يسمع «روبرت» الحديث الذي جرى بين «روث» و «أندرو» فيذهب إلى البحر في إشارة إلى تحرر جسده، ويسبح فيما وراء الأفق، ويوصي «أندرو» ب «روث» ثم يموت.
قوبلت المسرحية بكثير من الثناء النقدي، وقد اعتبرت من المسرحيات المهمة في مسيرة أونيل المهنية، وقد نظر النقاد إليه، بوصفه أحد أعضاء مثلث المسرح الأمريكي الحديث والجاد إضافة إلى تينيسي ويليامز، وآرثر ميلر، بل لعل أونيل، كان الأبرز بين الثلاثة، بما كتبه من أعمال واقعية، كانت نتائجها مبهرة بسلسلة من الأعمال التي عرضت وما تزال على المسارح الأمريكية، كما أثرت الشاشة الكبيرة بأعمال سينمائية مهمة.
بحسب هؤلاء النقاد فقد نظروا إلى الثلاثة «أونيل» و«ويليامز» و«ميلر» باعتبارهم من أفضل ما أنجبته أمريكا خلال القرن العشرين.. أما «أونيل» فقد كان صاحب الحظوة في الثناء النقدي والجماهيري، ولعله الأكثر حيوية وتنوعاً بين الكتّاب الأمريكيين على الإطلاق. وإذا قرأنا مسرحياته العديدة وما تحمله من رسائل، نكتشف كاتباً لم يكف عن التنديد بالقيم المادية في المجتمع الأمريكي، الذي اصطبغ بروح مادية طبعت القرن العشرين، ومع ذلك، لم يكن أونيل كاتباً طوباوياً، بل وصف بأنه من أكثر كتّاب أمريكا واقعية، وواقعيته هذه طبعت الأدب الأمريكي في القرن العشرين، وهو الذي أثّر في واقعية تنيسي ويليامز، وكليفورد أوديتز، وآرثر ميلر.

http://www.alkhaleej.ae

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني