لير.. ملك كل العصور – بقلم جيهان الجوهري

 

 

نقلًا عن/ صباح الخير جيهان الجوهري تكتب الملك لير

لا زلت أتذكر مدى استمتاعي بـ مسرحية” الملك لير” عندما عرضت في بداية الألفية الحالية وأخرجها أحمد عبد الحليم وكان ‏بطلها يحيى الفخراني. جيهان الجوهري تكتب الملك لير.

وقتها انبهرت بالنص الشكسبيري العاكس لحالنا إنسانيًا واجتماعيًا وسياسيًا وبأداء أبطاله خاصة يحيى ‏الفخراني، وأساتذة الأداء المسرحي بجواره أشرف عبد الغفور في دور “جولستر” وسوسن بدر في دور” جونريل” وآخرين، ‏وثالثًا برؤية أحمد عبد الحليم كمخرج للعرض، الذي نفذها بإمكانيات تناسب ميزانية مسرح الدولة الضعيفة والتي خصمت الكثير ‏‏ من سمة ” الكمال” للعرض المسرحي، ورغم ذلك حققت المسرحية أرقام جيدة في شباك التذكر فاقت كافة عروض مسرح الدولة، واستمر عرضها سنوات.

عندما علمت بإعادة تقديمها مؤخرًا حرصت على مشاهدتها لعدة أسباب أولها “نص المسرحية ” نفسه ُمعبر عن كل زمان ‏ومكان، فهو يتحدث عن عقوق الأبناء والأباء وهي قضية أزلية نعيش تفاصيلها يوميًا، وبشكل متوازي يعبر النص عن سُلطة ‏‏”الحاكم الفرد ” وتفتيته للدولة وإضعافها، وإتاحة الفرصة للمؤامرات والدسائس.

وثانيًا أسماء أبطال العرض بجوار يحيى ‏الفخراني وفاروق الفيشاوي، ستضمن لي الحصول على جرعة فنية محترمة تعوض ما تعطيناه من أعمال بعيدة تمامًا عن الفن ‏والإبداع وقبل هذه الأسباب جميعًا أردت معرفة كيف سيقدم القطاع الخاص عمل عظيم بحجم “الملك لير” لشكسبير؟.

‏ على مسرح الماركيه بالتجمع الخامس شاهدت ” الملك لير”، وعلي مدار 3 ساعات، استمتعت بإبداع مُمثلين من العيار الثقيل، ‏يحيى الفخراني بنجوميته وحضوره الطاغي جذب الجمهور للمسرح، سواء الذين شاهدوا النسخة الأولي أم لا، و بموهبته ‏وأداءه المُتفرد لشخصية “الملك لير” التي سبق وقدمها في المسرح والتلفزيون أعطي نموذج حي للممثل الذي يقدم شخصية ‏واحدة مُحددة أكثر من مرة بشكل مُبهر ومُختلف كما لو كُنت تشاهدها للمرة الأولي.

أيضًا فاروق الفيشاوي بتاريخه ‏ونجوميته أضاف للعرض المسرحي ولعب دور الأمير” جلوستر” حارس الملك بأداء مليء بالحيوية، نال عن استحقاق التصفيق ‏الجماهيري الحار أثناء تحيته للجمهور بنهاية العرض ليضيف لرصيدة نجاح مُختلف. وعلى مستوى الأبطال المشاركين في ‏العرض كان أدائهم للشخصيات باللغة العربية الفصحى المُتقنة بمثابة مفاجئة حقيقية للجمهور، خاصة نضال الشافعي في دور ‏‏”أدموند ” قائد الجيش والابن الشرعي للأمير جلوستر”، وكذلك أحمد عزمي ” إدجار ” الابن غير الشرعي للأمير”جلوستر”، ‏و”محمد فهيم” الذي لعب دور المهرج بهلول المقرب للملك لير والذي لا ينطق سوى الصدق رغم مرارته.

وقد أحتل “فهيم” مساحة ‏رائعة من إعجاب الجمهور خاصةً أن دوره سمح له بالغناء والرقص والتمثيل، وكان ظهوره بجوار يحيى الفخراني علي ‏خشبة المسرح أشبه بسيمفونية رائعة، فهو صوت العقل والحكمة وبسقوط الملك لير وتفتيت مملكته يتلاشى بالتبعية صوت ” ‏المهرج” و يموت‎‏.‏‎ ‎‏

أما رانيا فريد شوقي ” جونريل” لن تستطيع منع نفسك من كرهها فهي إله الشر والأكثر مكرًا ودهاءًا ‏بين شقيقتيها، وظهرت أطماعها عندما أغدقت علي والدها “الملك لير” معسول الكلام لتحظى بنصيب محترم من مملكته، ‏وعندما يتحقق هدفها لا تتردد في عقوقها لوالدها. أما ريهام عبد الغفور المحظوظة التي لعبت دور الابنة الصغرى، بملائكيتها في ‏النسخة الأولى ‏‎ ‎ببداية الألفية الحالية نراها هنا تدخل تحدي مُختلف بتجسيدها لدور الابنة الوسطى، بجحودها وعقوقها لوالدها ‏الملك لتثبت أنها لا تقل عن شقيقتها الكبرى دهاءًا ومكرًا.

أيضًا نجحت‎ ‎‏”هبة مجدي” في تجسيد شخصية‎ ‎‏ “كورديليا” الابنة ‏الصغرى “للملك لير” فقد رفض لسانها النطق بكلام مُنمق زائف من أجل حصولها على جزء من مملكته على غرار شقيقتيها، ‏مؤكدة لوالدها أن حبها له مثل أي بنت تحب والدها مما أغضب “الملك لير” وحرمها من الحصول على أي جزء من مملكته، ‏أيضًا تألق أحمد فؤاد سليم في دور ” كِنت“ وناصر سيف في دور “ألباني”، وكذلك أيمن الشيوي وحمادة شوشة الخادم ‏المُفضل لابنة الملك الكبرى ”جونريل”.‏
بضمير مرتاح أستطيع القول موسيقى مصطفى الحلواني، و ثراء أزياء أبطال المسرحية للمصممة نيفين رأفت باعتباره عنصر ‏رئيسي وهام أعطي للمسرحية “ثقل”، وكذلك ديكور كريم المهدي وإضاءة عمرو عبد الله، جميعهم أعطوا صفة الكمال للعرض.

نجح المخرج تامر كرم في تقديم مسرحية دسمة فنيًا بشكل مُبهر ومُدهش للأجيال الجديدة ليحقق المعادلة الصعبة في كيفية ‏وصول ” الملك لير” كعمل كلاسيكي يحمل توقيع كاتب عظيم بحجم شكسبير للمُتفرج العادي‎ ،‎‏رغم أن أحداث المسرحية من ‏المفروض أن تدور في أنجلترا ، كما يحسب لمخرج العرض إدارته لأبطال من العيار الثقيل ومن مُختلف الأجيال علي خشبة ‏المسرح، بخلاف براعته في تشكيل حركة المجاميع (رجال الملك لير) وغيرهم علي خشبة المسرح وتوظيفهم دراميًا مما أعطي ‏متعة بصرية للمُتفرج.‏

مجدي الهواري كمُنتج وكأحد مؤسسي شركة “كايرو شو” يعلم جيدًا أن إقدامه على عمل كلاسيكي سبق تقديمه بنجاح علي مدار ‏‏٨ سنوات، هو بمثابة مغامرة فنية في ظل عزوف الجمهور عن المسرح لكنه فعلها بذكاء وبثقة وقدم مسرحية تشرف الفن ‏المصري و تشعرك بأجواء عالمية حتي قبل دخولك قاعة العرض.‏

الجمهور الذي شاهدته في مسرحية “الملك لير” أكد علي لهثه خلف الفن الراقي، بعيدًا عن المفردات السلبية التي أعتدنا عليها في ‏معظم عروض مسرح القطاع الخاص والدليل أنه لم يتردد في دفع ثمن التذكرة التي يتراوح سعرها من 350 إلي 1500 جنيه، ‏لنوعية بقيمة شكسبير العظيمة كمؤلف لأهم كلاسيكيات العروض المسرحية، بخلاف وجود الموهوب يحيى الفخراني الذي ‏لا أتخيل أحد مكانه في شخصية “الملك لير” التي ارتبطت به منذ تقديمه لها في بداية الألفية. ‏

أتمنى استمرار شركة “كايرو شو” في مشروعها المسرحي بأعمال تحسب لها وضرورة التعجيل بتصوير مسرحية ” الملك ‏لير”بالأبطال الحاليين حتي لا يكون مصيرها مثل مسرحيات لم يتم تصويرها وكأنها لم تكن

 

 

الصفحة الرئيسية

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش