كورونا… حياة بلا عروض مسرحية – نورة البدوي

كورونا… حياة بلا عروض مسرحية – نورة البدوي

هذا التحقيق يبحث من خلال سؤاله المحوري في الحالة الإبداعية لثلة من المسرحيين في ظل حياة بلا عروض مسرحية فرضتها الكورونا اليوم، ما أثر في المسار الطبيعي للمسرح لينتقل من حالته العادية المبنية على الحركة المستمرة و الدوران الدائم إلى حالة من السكون و الانغلاق.

انغلاق يقول عنه الناقد التونسي عبد الحليم المسعودي “إن فنون الفرجة و على رأسها المسرح تجد معضلة في مواجهة حالة الانغلاق أي في حالة استحالة إلتقاء الفرجة بالجمهور كما هو الحال في أزمات الوباء المعمم “.

وهذا ما يجعلنا نطرق باب تساؤلات عديدة لمختلف العروض الفرجوية التي تأثرت بجائحة الكورونا و انعكاسها على العملية الإبداعية… و من بينها العروض المسرحية التي تعتمد على الطبيعة المباشرة للقاء، باعتبار أن المبدعين المسرحيين حياتهم الركح و الحركة في الفضاء و صناعة فنون الفرجة مع الجمهور.
في إطار تحقيقنا عن التغيرات التي فرضتها الكورونا بتأجيل كل العروض المسرحية توجهت إيلاف إلى مجموعة من المبدعين المسرحيين و هم –”فاطمة الفالحي تونس” و “محمد الحر المغرب” و “أسماء مصطفى الأردن” و “غنام صابر غنام فلسطين” – بالسؤال التالي:

كيف حالك مبدعا مسرحيا في هكذا حياة بلا عروض مسرحية اليوم ؟

فاطمة الفالحي: تونس

لم أفقد المقاومة وأحاول أن أكون إيجابية التفكير:

و تجيب الفالحي موضحة “أن المسرح جزء من هذه الحياة و حياتنا مهددة هذه الأيام فالإنسانية تعيش لحظة درامية فارقة تجدنا مندهشين أمامها و ما أعظمها من لحظة قد تتجاوز المسرح بمسافات، و تضيف: “أن ما يقدم في ظل مبادرة العروض المسرحية على موقع التواصل الاجتماعي اعتبرها مبادرة فرضها واقع حزين و بائس قد تخفف عنا هذا الرعب و الخوف و تجمع شتاتنا و نحن محبوسون، لأن لذة المسرح في المسرح.

وتكمل: “أنا متألمة جدا و حزينة حتى أني أشعر أني أفتقد الإحساس ،أنظر إلى أحبتي و في داخلي إحساس أنني سأفقدهم و أنا عاجزة على الإنقاذ لأول مرة في حياتي أحس العجز وفي الأخير توصلت إلى حل قلت لنفسي يمكن أن نفقد أناسا نحبهم ولكن لا يجب أن تفقدي المقاومة أحاول أن أكون إيجابية التفكير و سلمت أمري للمعرفة و العلم فهما الخلاص … سننجو حتما”.

محمد الحرّ: المغرب
الكورونا تضعنا نحن المسرحيين أمام فرصة تاريخيّة :

من جانبه، يعتبر المسرحي المغربي محمد الحر “أن طرح سؤال: “كيف حالك مسرحيا في حياة بلا عرض مسرحي؟” هو بمثابة سؤال وجودي و لن نقل أن سؤال التأمل هو ما يغريني الآن. أظن أننا أمام فرصة تاريخية لكي نطرح السؤال من جديد، لكي نتقبله و نطرحه جديا هاته المرة، خصوصا أننا نملك الوقت الكافي لكي نتأمله في ثناياه في ظل الحجر الصحي الذي تعيشه اغلب دول العالم، في ظل إقفال الحدود و تجميد الأنشطة التجارية و الاجتماعية الدولية”.

ويضيف: “هي فرصة لا تعوض يهديها لنا هذا الوباء، هي عودة للسؤال الأصل إن صح التعبير. “ما جدوى الفن؟” أودّ فقط أن أشير، أن جل الفرق المسرحية العربية تقدم “موسما” ضبابيا، فعدد العروض التي يتم تقديمها للمسرحية الواحدة هو عدد ضئيل، و أنا هنا أتكلم عن الوضع المواسم المسرحية بالمغرب، فمع برنامج دعم إنتاج و ترويج العروض المسرحية الذي. تبنته وزارة الثقافة، لا تستطيع جل الفرق تقديم عدد لا يتجاوز العشرين في أحسن الأحوال، زيادة على عزوف الجمهور، فالفرق التي تقدم عروضها بالاعتماد على شباك التذاكر هي قليلة جدا و تتعرض لنوع مسرحي واحد. في رأيي ، لم يتغير شيء في ظل هاته الأزمة.

ويستدرك قائلا: “لكنها أزمة تضعنا أمام هذا السؤال الوجودي، ماذا نصنع بالمسرح؟ و فيما يفيد الآخرين؟ إن الوعي بهذا السؤال يقابله تغير في وعي الناس اليوم كما أن أشياء كثيرة تتغير تديريجيا وبصورة لافتة اليوم. فالعالم الدولي الذي كنّا نتوهم انه قرية صغيرة، و أوهمونا أننا نعيش في انفتاح معين، انفتاح يجعلنا نتواصل و نتوصل للمعلومة في ظرف وجيز، العالم يتغير اليوم، و ثوابته بدأت تتحرك و تزيح. نحن نتعرف على بَعضُنَا من جديد. العالم يعيش اليوم عصر الإنصات في ظل أزمة تعنينا كلنا. الفرد يعيد انصهاره اليوم في اللغة الجماعية.

ويكمل: “ما هي الأشياء التي تغيرت؟ إن أول صحوة أصبحنا نعيشها كمجتمع هي أن المنطلقات العلمية و المعرفية هي اليوم في مواجهة التوابث الدينية، و إن المنطلقات الإنسانية أصبحت تحل محل القومية و الوطنية، و بالتالي فنحن سنكون غدا بلا شك أمام خطاب جديد علينا لكنه وليد حاضرنا”.

وفيما يتصل بالخطاب المسرحي يقول مخاطبنا: ” غدا نحن المسرحيين، سيواجهنا خطاب جديد علينا أن نصغي له و نواكبه حتى لا نصبح من ديناصورات عهد ما قبل كورونا. المغربي هو ذلك المواطن الذي كان يعيش في بلد خارج الزمن، لا يتأثر بما يصيب جيرانه، ظلت أسواره تحميه و تجعل منه استثناءا حتى إبان الربيع العربي. هذا المواطن الذي كان يجهل صورة الموت و الحرب اليومية اللهم إلا من خلال وصلات تلفزية أو عبر الشبكة العنكبوتية لكنها تبقى رغم ذلك غير كافية حتى يكون المغربي صورة واضحة عن شيء لا يعيشه في حياته اليومية. اليوم يصحو هذا المواطن و للموت صورة واضحة..قريبة و وشيكة.. صورة الموت و لكن أيضا صور أخرى ستغير مخيلته و مخياله،. كالديموقراطية مثلا.

ويضيف الحر :” أنا متيقن أن المسرحي لا يحب أن يتسرع في تناول فترة تاريخية سنحتاج لزمن آخر حتى نستوعبها. هذا هو الدافع الأول الذي جعلني اتريث في الرد، عدم التسرع حتى اقتبس درويش و حتى لا يكون هناك “خطأ في القصيدة”.

أسماء مصطفى الأردن:
إجازة للجلوس مع ذواتنا وإعادة ترتيب المشهد المسرحي:

من ناحيتها تعتبر المسرحية الأردنية أسماء مصطفي: “أن ما يحدث في العالم اليوم حالة من الفوضى ومواجهة عدو إذا ما اتفقنا على انه عدو هي حالة صعبة على كل المستويات ،و تضيف: “لدي مشروع عربي كان من المفترض أن انزل إلى سوريا كي نباشر التدريبات ولكننا أجلنا بناءا على ظروف “مستر كورونا”،أنا شخصيا أوكسجين الحياة بالنسبة إلي هو المسرح إنما ليس باليد حيلة.

وتستطرد قائلة:”لقد بدأت بفكرة طبقتها بالأمس بما أن مستر كورونا حجر العالم والفيس بوك لا حجر فيه نشرت أعلانا على صفحتي بأن نبث أعمالاً مسرحية عن طريق هذه الوسيلة للتواصل الاجتماعي ونتبادل الآراء حول تلك العروض، كما اعتقد أنه علينا أن نستغل هذه الإجازة بالجلوس مع ذواتنا وإعادة ترتيب المشهد المسرحي من جديد”.

غنام صابر غنام ” فلسطين”:
في ظل كورونا.. بدأت بروفات عمل جديد

ويعتبر المسرحي الفلسطيني غنام صابر غنام: “أن المسرح يعتمد على حضور الناس في المحفل (موقع الاحتفال و الفرجة) غير أن إجراءات الجهات الصحية قد فرضت عدم التجمع، و لا بد أن ذلك أوقف كل العروض الفنية و الفرجوية، و شخصياً حيث أعمل في المسرح (من خلال الهيئة العربية للمسرح) فإنني أكثر الناس شعوراً بهذا (الموت الطارئ) فقد تأجلت مهرجانات مسرحية نشارك في تنظيمها في البحرين و العراق و الأردن، كما تعطلت ترتيبات خاصة بحضوري الشخصي لعروض كانت ستتم في الشارقة و دبي”.و يستدرك غنام قائلا: “لكنني في الوقت نفسه.. بدأت تمارين مسرحية لعمل جديد، تمارين مع فريق يتوق لتقديم عمل، فبالمسرح نتنفس و نعيش.. و إن كانت حلول المسرح في حياتي ذات تفاصيل كثيرة، فأنا اتفاعل مع المسرح إدارياً و إبداعياً، كتابة و تمثيلاً وإخراجاً…

لذا فإنه لم يتوقف تماماً في حياتي اليومية.. بل و يمكن لي أن أدعو الفرق المسرحية إلى استثمار الحالة من خلال ورشات تعيد تهيئة مهارات أعضائها، و التفكير بالمستقبل، و كذلك انتهاز الفرصة بالتفكير في حلول أنجع في إنتاج المسرح و تسويقه، و استثمار حالة الاشتباك المباشر مع القضية التي تشغل العالم كله من خلال الإيمان بعضوية المسرح في اليومي للمجتمع”.

أما عن مبادرات نشر فيديوهات تسجيلات لأعمال مسرحية، لتكون مادة للمشاهدة من قبل الناس أثناء الحجر و المكوث في البيوت فيعتبرها غنام” مبادرات طيبة، و يضيف: “أعتز أن معظم المواد التي نشرها المسرحيون العرب كانت من خزانة الفيديو الخاصة بموقع الهيئة العربية للمسرح، و أظننا بحاجة إلى تطوير تلك المبادرات للاستفادة منها فيما بعد زوال غُمة الكورونا.

كورونا و جوائح كثيرة تمر بالبشرية تباعاً، ويبقى المسرح في كل الملمات جوهراً يسطع و يزداد أهمية فيها كلما أدلهمت”.

نورة البدوي – تونس

(إيلاف)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …