قلب يرى».. ستائر بيضاء تصور نبل الشهادة والصمود/محمد ولد محمد سالم

 مسرح ندوة الثقافة والعلوم في دبي مساء أمس الأول عرض مسرحية «قلب يرى» من تأليف باسمة يونس، وإخراج سعيد الهرش، عادل سبيت، إلهام محمد، خميس اليماحي، مشعل مال الله، عبير الجسمي، خليفة ناصر، وذلك في إطار عروض الدورة العاشرة من مهرجان دبي لمسرح الشباب. وسعيد الهرش ممثل مقتدر، ومخرج شاب له تجارب عديدة سابقة، حيث أخرج في مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة مسرحيات «السموم» و«القربان» و«العطش»، ويواصل تجاربه المسرحية بدأب واجتهاد.
في المشهد الذي افتتحت به المسرحية نكون أمام شاب وشابة متحابين يقف كل منهما في جانب من الخشبة خلف ستارة بيضاء شفافة، وتتناوب عليهما الإضاءة، وكأنهما في مكانين مختلفين، ويخاطب كل منهما خيال الآخر، بعبارات الحب، والحلم بمستقبل مملوء بالحب والورود والأبناء، وينتهي المشهد بلقاء خلف إحدى الستائر نرى من خلالها ظليهما وهما يتبادلان عبارات الحب، ويرقصان كأنهما في ليلة زفافهما، ويحلمان بحياة هنيئة، وأبناء جميلين.
وفي المشهد التالي نكون أمام الحبيبين، وقد صارا زوجين عجوزين، وتبدو الزوجة عمياء، وقد طرزت رغم ذلك رداء جميلاً لحفيدها الذي تنتظر ميلاده بين لحظة وأخرى، ويبدو أن الزوجين ينتظران قدوم ابنهما العائد من جبهة القتال، التي ذهب إليها قبل تسعة أشهر، وبعد يومين من زواجه بفتاة من بنات حيه كان مولعاً بها، لكنّ نداء الواجب الوطني أرغمه على تركها، ويريد أبواه وزوجته أن يكون ابنه القادم مفاجأة سارة له بعد عودته، لذلك أبقوا أمر الجنين سراً، لكي يستمر ابنهما في مواصلة واجبه الوطني.

يطول الانتظار، ويتأخر ابنهما ساعات عن الموعد الذي كان متوقعاً وصوله فيه، الليلة مظلمة والبرد قارس، ولا يمكن للأب أن يخرج لاستطلاع الطريق، لعل عائقاً أعاق ابنه، وفي تلك الأثناء تحضر زوجة الابن قادمة من بيت أبيها القريب، وهي الأخرى قلقة بسبب تأخر زوجها، وأثناء تبادلهم الأحاديث عن المستقبل، وكيف سيستقبلون الصبي الجديد، يدخل جنديان في حالة يرثى لها، من التعب والبرد، وبعد أخذ ورد، وتردد من الجنديين، يصرحان للأسرة بأن ابنهم استشهد في المعركة، فيستسلم الأب لحزن عميق، وتدخل زوجة الابن في موجة من البكاء المفجع، وأما أمه فتبقى شامخة صامدة، تطلب من الجنديين أن يدخلا الجثة لكي تقبلها قبلة الوداع، وترفض فكرة أن ابنها مات، لأنه شهيد، قدم نفسه فداء للوطن، وهو حي وسيكون جزاؤه الجنة.يحمل استخدام المخرج للستائر البيضاء الشفافة رمزية النقاء والسمو الروحي، وقد استطاع استغلالها في عدة أوجه تؤدي كلها ذلك المعنى، فهي ستائر لمنزل الحبيبة، وهي حاجز شفّاف للخيال يستعاد من خلالها زمن الحب البعيد، وهي مهد مطرز للطفل القادم، وهي كفن للشهيد، فكان استخداماً متعدداً، كما حاول أن يستغل الإضاءة بما يخدم المشاهد، كالأحمر لمشهد الاستشهاد، ورغم أن المخرج حاول أن يكسر الرتابة التي خلقتها السردية العالية في المسرحية ببعض الحركية، خصوصاً في مشهد المعركة الذي قتل فيه الابن، إلا أنه لم يمنع من كون الطابع العام للعرض سيطرت عليه الرتابة، والثقل وظل المشهد ثابتاً لا يتحرك نحو الأمام، كما أن العرض شابه طغيان للسرد على حساب الحدث، فكنا طوال الوقت أمام ممثلين يسردون ما حدث، ولا يمثلونه إلا في حالات قليلة، ما قضى على التواصل بين المتفرج وبين العرض.

وقد فتح المخرج الخشبة على آخرها، فبدت واسعة جداً، وبدت حركة الممثلين فيها محدودة، وكان يمكنه أن يضيقها، ويكتفي بمقدمتها، نظراً لمحدودية الممثلين، ومحدودية الحركة والديكور، كما حاول أن يشغلها بكثرة الستائر المدلاة من الأعلى، لكنّ تلك الكثرة كانت عائقاً في بعض الأحيان أكثر منها، وكان يمكن الاكتفاء بعدد محدود منها.

الطرح الذي تقدمه المسرحية طرح مباشر وواضح، وهو طرح نبيل، فالأم عمياء لكنها ترى بقلبها، وتقدر بقلبها، وهي صامدة رغم الألم، ورغم موت وحيدها، لكنها تعرف أنه شهيد، وأنه قدم نفسه فداء لوطنه، وارتفع إلى درجات عالية من المجد، ويكفيها ذلك عزاء. في الندوة التطبيقية التي عقدت بعد العرض قالت كاتبة النص باسمة يونس «إن النصوص جميعها ستقف عاجزة أمام قلوب الأمهات لأنها تختلف عن قلوب البشر، فهي ترى وتعبر عما لا يشعر به ولا يدركه بقية الناس، فما بالك إن كان القلب ينبض في صدر أم يتقاسمه الولد مع الوطن».

وأضافت يونس: أنه لا معنى للمسرح إذا لم يطرح قضايا مؤثرة، وموضوع الشهيد قضية مهمة، ونص «قلب يرى» نص يمس المجتمع الإماراتي، مشيرة إلى أن المسرحية كنص مكتوب لا تأخذ دلالتها وأبعادها إلا من خلال العرض الذي يحول الأوراق إلى حركة وضوء وموسيقى وشخصيات على الخشبة، ومن ثم فالمخرج يحول الخشبة إلى مصباح، والممثلون يحولون الفنار إلى شعلة تصل إلى عقل وقلب المتلقي.

أما المخرج سعيد الهرش فقال: «إنه يعلم كم تعاني قلوب الأمهات غياب الأبناء الطويل، وأن اختيار القماش يعبر عن مشاعر وأحاسيس، تضافرت مع قلق الانتظار، ومحاكاة الوقائع».

وأضاف: أن مهمة المسرح هي حفز الذاكرة، فالدراما هي وسيلة تغيير في الفرد والمجتمع، وأداة للتواصل والتعبير عما في دواخل المتفرجين.

 المصدر/ الخليج
محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *