قضايا الواقع والهوية محور مهرجان المسرح المصري / شريف الشافعي

 

 

 

المهرجان القومي للمسرح المصري يعالج ضمن العروض التي يقدمها، أزمات البشر ومشكلاتهم والتحديات الصعبة التي يواجهونها في محطات الحياة الوعرة وسبلها الشائكة.

توافد المسرحيون من أنحاء مصر من ممثلين ومخرجين وكتاب ونقاد على دار الأوبرا مساء السبت للمشاركة في افتتاح المهرجان القومي للمسرح المصري الذي يعتبر بانوراما لعام كامل من الأعمال المسرحية، حيث افتتح المهرجان في دورته الجديدة أمام الجمهور الذي سيتابع طيلة أيامه عروضا متنوعة مختارة مما قدم في المسرح المصري مؤخرا.

القاهرة- تشعل عروض “المهرجان القومي للمسرح المصري” في دورته الثانية عشرة (17 – 30 أغسطس) مصابيح الفن والاستنارة من خلال أكثر من سبعين مسرحية متنوعة تعكس ملامح الواقع الراهن في مصر بكل تفاصيله وتشابكاته ويومياته الزاخمة.

وافتتح المهرجان يوم السبت بحضور لافت من قبل المسرحيين نذكر من بينهم الممثلة سميحة أيوب والمخرج جلال الشرقاوي والممثل عزت العلايلي والناقدة هدى وصفي والممثلة سهير المرشدي.

شمل برنامج الافتتاح عرضا للرقص المعاصر بعنوان “الاستثنائي” من تصميم وإخراج مناضل عنتر يعبر عن تفرد الممثل بموهبته التي حباه بها لله وتمرده على السائد والمألوف وتطلعه الدائم إلى التأثير في المجتمع من أجل تغييره إلى الأفضل.

كما كرمت وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم مجموعة من الفنانين من بينهم الممثل يوسف شعبان والممثلة سوسن بدر والمخرج محسن حلمي والممثل لطفي لبيب والمغني علي الحجار، إضافة إلى بعض الفنانين الذين رحلوا في الآونة الأخيرة مثل فاروق الفيشاوي ومحمود الجندي ومحمد نجم.

الحقيقة والسراب

عرض "سيرة حب" الموسيقي الغنائي
عرض “سيرة حب” الموسيقي الغنائي

لأن ستائر المسرح هي نوافذ الحياة، فإن أبرز الظواهر التي يرصدها ويعالجها “المهرجان القومي للمسرح” في القاهرة، هي أزمات البشر ومشكلاتهم والتحديات الصعبة التي يواجهونها في محطات الحياة الوعرة وسبلها الشائكة.

يتيح التنوع الكبير للمسرحيات المشاركة بين التراجيديا والكوميديا والفانتازيا والغناء والاستعراض والمسرح السياسي ومسرح الطفل ومسرح العرائس المجال واسعا لرسم بانوراما شاملة للقضايا المحلية والعربية الملحّة، خصوصا المتعلقة بالهوية والانتماء والحريات وأزمات الشباب والتفكك المجتمعي وتداعيات الثورات العربية وموجات العنف والتطرف.

تتوزع مسرحيات الدورة الـ12 للمهرجان على ثلاثة مسارات تقود إلى مسابقات ثلاث: عروض المؤسسات المتخصصة في المسرح مثل مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، وعروض الشباب في الجامعات والمعاهد والفرق المستقلة والحرة والورش وغيرها، وعروض الطفل والعرائس.

من بين العروض، مسرحية “تسجيل دخول” (Log In)، من إنتاج مركز الهناجر للفنون، التي تتحرى المنطقة البرزخية بين الحقيقة والسراب، وتناقش قضايا الانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي التي التهمت رؤوس الشباب، فغرقوا في الحياة الافتراضية والعزلة الاختيارية، منفصلين عن الواقع المعيش.

تهدف المسرحية إلى تفجير طاقات الشباب الخلاقة، واستثارة وعيهم، ووقف سيل الاغتراب والاستلاب وغياب البوصلة وفقدان الهوية في ظل التفوق المعلوماتي والهيمنة الرقمية وطغيان المادة والآلة وانحسار الروحانيات. كما تناقش الكثير من القضايا المجتمعية الراهنة في مصر والعالم العربي بأسلوب كوميدي مثير، على رأسها العلاقة بين الثورات التي شهدتها المنطقة العربية وثورة التقنيات الاتصالاتية.

تحمل المسرحية، التي ألفها إسماعيل إبراهيم وفادي سمير وأخرجها هاني عفيفي، رسالة بأن الحياة الافتراضية والواقع الحقيقي على طرفي نقيض، فلا يمكن أن يجمع بينهما شخص سويّ، فإما أن تكون حركة الإنسان متزنة على الأرض، وإما أن تتخطفه الندّاهة الإلكترونية فيحلق في تهويمات خيالية ويسبح في متاهات وأوهام، وتسوقه الشائعات إلى الهاوية.

تطرح المسرحية تساؤلات سياسية وتعري مظاهر وأمورا سلبية في المجتمع، منها: انتشار الفساد، وركوب الدخلاء على الثورات العربية، والاتّجار بالدين والسياسة، وانتشار الإعلام الدعائي الانتهازي، وظاهرة الدعاة الجدد في الفضائيات العشوائية، وغيرها.

وبالعودة إلى أميرة “والت ديزني”، في مسرحية “أليس في بلاد العجائب” لفرقة “تحت 18”، التي تعيد صياغة الأحداث الغرائبية التي صوّرها الكاتب لويس كارول وفق رؤية جديدة، في سياق تابلوهات استعراضية تثير الخيال وتفجّر أفكارا جريئة حول المقاومة والتخلي عن الخوف، تسعى المسرحية بمعالجتها الجديدة من تأليف وإخراج محسن رزق إلى اجتذاب أفراد الأسرة، لتكون مسرحية الآمال المستحيلة، والمتعة البصرية والحركية، وتحمل دعوة صريحة إلى “قتل الوَحش” بمعنى التمرد والتحرر واقتناص الأحلام بتحقيقها، ليكون الغد أفضل.

وإلى المسرح السياسي، حيث ترصد مسرحية “أوبرا بنت عربي” عبر فانتازيا استعراضية انتفاضات الشعوب وصراعات السلطة، ملهمة الجمهور إمكانية هزّ عروش الحُكّام الجائرين. وتقدم المسرحية دراما ملحمية أوبرالية تجمع ألوانا فنية مختلفة وألعاب السيرك والأكروبات الصعبة، كما تُبرز تكافؤ البشر وتعلي شأن القدرات الاستثنائية لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي من إنتاج فرقة مسرح الشمس، وتأليف ياسمين فرج وإخراج هشام علي.

التمسك بالجذور

مسرحيات تعالج موضوع التفكك المجتمعي
مسرحيات تعالج موضوع التفكك المجتمعي

يستعرض مسرح الطفل قضايا الهوية والتمسك بالجذور وإدارة الدولة من خلال عرض “زهرة اللوتس” الكوميدي الاستعراضي المشحون بالسياسة والأساطير، وهو معالجة فنية لصراعات السلطة تستلهم قصة “علاء الدين والمصباح السحري” في طرح فانتازي جديد، من تأليف طارق مرسي وإخراج محمد حجاج.

تأتي مسرحية “مترو” لفرقة “مسرح الشباب” لتفضح مشكلات المجتمع تحت وطأة الواقع الافتراضي وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي عبر فكرة غير نمطية وتقنيات مبتكرة، ففي محطة قطار مجهولة يتوقف الزمن وتتعطل الأحلام ويغوص الشباب المحبطون في سجنهم الداخلي.

ويقيم العرض، الذي كتبه محمد فضل وأخرجه عادل رأفت، علاقة فلسفية مع العوائق التي تعرقل مسيرة الحياة الطبيعية للبشر، إلى درجة أنها قد تجمّد الآمال في القلوب، وتوقف الأرض عن الدوران.

تعرض مسرحية “نوح الحمام” من تأليف وإخراج أكرم مصطفى، أساطير العشق والغواية والموت في معالجة درامية محكمة تغوص في الوجع الإنساني وميراث الخوف والقهر والفزع والموروث الاجتماعي في الجنوب المصري، وتقدم المسرحية صورة مختلفة للبطل الشعبي المنقذ. تتصدى مسرحية “شباك مكسور” من إنتاج فرقة مسرح الطليعة، وتأليف رشا عبدالمنعم، وإخراج شادي الدالي، لانهيار المجتمع وفوضى العلاقات الأسرية، وتتخذ من فكرة “الكسر” مدخلا وثيمة لتجسيد معنى الانكسار على سائر المستويات، الفردية والجماعية، المادية والمعنوية، الهيكلية والروحية، وصولا إلى انكسار الواقع المحيط بأسره، وتفتت الآمال وضياع الأحلام.

تفتح مسرحية “ترنيمة الفلاح الفصيح” نوافذ الحرية والعدل والمقاومة، وتدعو إلى ابتعاث الأمل، عبر وصايا فلاح مصر الفصيح، التي يقدمها في إطار “أوبرا فرعونية” وتابلوهات استعراضية غنائية تعيد اكتشاف “الشعر العربي” دراميا، وهي من إنتاج فرقة مسرح الشباب، وتأليف محمد حمد، وإخراج سعيد سليمان.

الدورة الـ12 من المهرجان هذا العام تشهد مضاعفة القيمة المادية للجوائز لتصل إلى 573 ألف جنيه مصري

يأتي عرض “سيرة حب” الموسيقي الغنائي، الذي كتبه أيمن الحكيم وأخرجه وصمم استعراضاته عادل عبده، مستدعيا وجه الماضي الجميل وصوت العصر الحالي المأزوم من خلال ابتعاث شخصيات الزمن المنقضي: بليغ حمدي، وأم كلثوم، وعبدالوهاب، وغيرهم، ويشهد العرض عقد “محكمة الفن” الفانتازية أمام “قاضي الفن” في مشهد خيالي مثير.

تفسح مسرحية “محطة مصر” لفرقة مسرح العرائس المجال لدمى الماريونت لكي تواجه التطرف والإرهاب وتنشد المحبة والسلام وتدعو إلى تحرير العقل واستعادة الأحلام المخطوفة، ويستعيد العرض أجواء “الليلة الكبيرة” وعروض الأطفال الشيقة الناجحة في القرن الماضي.

احتفاء رسمي

في سياق اهتمام المؤسسة الرسمية في مصر بفن المسرح، باعتباره الأقدر على إحداث التغيير وبث الرسائل التوعوية والتنويرية للتصدي لدعاة العنف والظلام من خلال اللقاء المباشر مع الجمهور، فإن الدورة الـ12 من المهرجان برئاسة الفنان أحمد عبدالعزيز تشهد مضاعفة القيمة المادية للجوائز لتصل إلى 573 ألف جنيه مصري (الدولار بحوالي 16.5 جنيه)، وتُمنح لأفضل عرض وتأليف وإخراج وأداء وديكور وأزياء وإضاءة وتأليف موسيقي.

يُذكر أن المهرجان يحمل اسم الفنان الراحل كرم مطاوع، ويكرم 16 فنانا من الأحياء والراحلين، ويقيم ندوات حول قضايا المسرح المصري، كما يصدر 20 كتابا حول المكرمين والفنان كرم مطاوع وتاريخ المسرح المصري.

______________

المصدر / العرب

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش