قراءة في كتاب “المسرح الامازيغي”تأليف د. جميل حمداوي*

   لحسن ملواني    – مجلة الفنون المسرحية  

     

” المسرح الامازيغي ” كتاب يتناول المسرح الأمازيغي من جانبه التاريخي والشكلي و المضموني ، كما يعرض أهم الأسماء المساهمة في إثرائه ، علاوة على أهم التيمات والقضايا التي يطرحها.

الكتاب من الحجم المتوسط ، ويتألف من 267 صفحة تتوزع وفق أربعة فصول :

الفصل الأول : بين التاريخ والتوثيق.

الفصل الثاني  :الشخصيات المسرحية.

الفصل الثالث : العروض المسرحية.

الفصل الرابع  :المهرجانات المسرحية.

في الفصل الأول انطلق الكاتب من سؤال :هل عرف الأمازيغيون المسرح؟

وقد أجاب عن السؤال بعد مقدمة تشير إلى غض النقاد والباحثين الطرف عن مرحلة مهمة في المسرح القديم فترة تواجد الأمازيغيين، وهم سكان المغرب الأصليون.

وعبر بحث تاريخي عن علاقة الأمازيغيين بالفينيقيين والقرطاجنيين والرومان ..يتوصل الكاتب إلى أن المنطقة الامازيغية قديما عرفت بناء العديد من المسارح التي كان يمارس فيها الفنانون الموسيقى والرقص والرسم وتشخيص مسرحيات تراجيدية وكوميدية ، ففي الجزائر مثلا مسارح أمازيغية منها مسرح ” تيمكاد” و”تـيبازة” وطدقة”.

إن  الأمازيغيين كانوا يقدمون عروضهم المسرحية مستعينين بالرقص والتشكيل البصري على غرار المسرحية التي نشاهدها اليوم ، وقد تأثر المسرح الأمازيغي بخصائص المسرح الإغريقي والروماني وهو ما يؤكده بواسير boissier ، فالامازيغي من عشاق المسرح بكل صدق ومحبة ، وقد شيدت العديد من الممالك الأمازيغية يدرس فيها المسرح وما يرتبط به من فنون،وسيتوقف المسرح الأمازيغي نسبيا ويصاب بركود ناتج عن دخول الفاتحين إلى شمال أفريقيا حيث سينشغل الأمازيغيون بالفتوحات وبالدين الجديد ،ورغم هذا الركود النسبي فإن الامازيغيين عرفوا ما يشبه المسرح متمثلا في “امديازن” الفنانين المتجولين و”أزران أوإزلان “شعر الحب والهوى وكان يؤدى عبر الرقص الفردي والجماعي .

الشخصيات المسرحية الأمازيغية القديمة :

ويذكر الكاتب من هذه الشخصيات (أبوليوس) وكان كاتبا شهيرا نافس الرومانيين واللاتينيين واليونانيين على الرغم من تأثره بهم ، ومن مؤلفاته روايته الشهيرة “الحمار الذهبي” التي أطلقت عليها عدة تسميات ,وإلى جانب هذا الكاتب المسرحي ، هناك المسمى (ترنتيوس أو تريوس)الذي تبحر في العلوم والفنون والآداب وصار كاتبا مسرحيا كبيرا.

وقد لاحظ الكاتب أن المسرح الأمازيغي سبق المسرح العربي بأمد طويل ، لذا من الإجحاف نكران ونفي وجوده بخصوصياته الإبداعية والفنية .

مراحل المسرح الامازيغي وخصائصه :

1ـ مرحلة الأشكال الفطرية أو مرحلة الظواهر المسرحية الموروثة.

2ـ مرحلة التبلور والانبثاق مع مجموعة من المسرحيات الأمازيغية البسيطة التي ظهرت أواخر السبعينات

3ـ مرحلة الاستواء الفني حيث سيعرف المسرح الامازيغي مقوماته التجنيسية وينتعش فنيا ووجوديا .

4ـ مرحلة النضج الفني واكتمال الاستواء الدرامي .

5ـ مرحلة التجريب والاختبار.

ويرى الكاتب أن المسرح الأمازيغي بالريف يردد نفس التيمات تقريبا وتنصب في الدفاع عن الوجود الأمازيغي ومحاربة التهميش والإقصاء ومن الظواهر المتناول فيه الدفاع عن الهوية الامازيغية ، التشبت بالأرض ،تبني اللغة الأمازيغية كتابة وخطا ، تصوير لظاهرة الهجرة إلى الخارج …

وقد قدم الكاتب مجموعة الطرائق التي يلج إليها المخرج المسرح الامازيغي في منطقة الريف ، ومن ذلك توظيف تقنية الراوي وتكسير الجدار الرابع تواصلا مع الجمهور..

ومن السمات المسيئة إلى المسرح الأمازيغي بالريف غياب توثيق العروض المسرحية وافتقار بعض المخرجين إلى تكوين مسرحي مع غياب البنية التحتية والدعم المادي للمخرج الامازيغي.

المسرح الامازيغي المغربي بمنطقة الرف على ضوء نظرية التلقي :

قبل الحديث عن المسرح الأمازيغي على ضوء جمالية التلقي سلط الكاتب الضوء على المسرح والتلقي عبر التاريخ عند اليونان والرومان العرب ليخلص إلى أن المسرح كان وثيق الارتباط بالجمهور مند ظهوره ليتطور هذا الارتباط عبر التاريخ.

أما عن المسرح الامازيغي ، فقد خص الكاتب الحديث عن مكونات وعناصر ينعكس بعضها إيجابا على الجمهور، بينما كسر بعضها أفق انتظار المشاهد ، ومن المسرحيات التي أشار إليها الكاتب مسرحية “تشومعت \اشمعة”التي تناقش قضية الأرض والهوية الامازيغية والصراع بين الخير والشر والدعوة إلى المودة والسلام ، واعتبرها الكاتب إضافة جديدة للمسرح الامازيغي.

أما مسرحية ” أنان إني نْ\ قال الحكماء” فهي في نظره رديئة طبقا لعدة أسباب منها الديكور وتفكك روابطها واللوحات المشكلة لها …أما مسرحية “ثايوجيرت “لمحمد بن سعيد المبنية على خصائص المسرح الرمزي واللامعقول فقد تركت وقعا جماليا انطلاقا من شعرية وإيحائية لغتها…وبصفة عامة فالكاتب يخلص إلى أن العروض المسرحية بعضها تفاعل معه الجمهور وبعضها خيب أمله وبعضها أسس مفهوما جديدا لأفق انتظار القارئ .

المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف : واقع وآفاق

بانطلاق المسرح الأمازيغي بداية التسعينات تمكن من تحقق تنوع مضموني وشكلي وفني ، وقد تناول هذا المسرح عدة قضايا اجتماعية وثقافية وتاريخية وغيرها  ، ويخلص الكاتب إلى أن هذا المسرح رغم نضج بعض عروضه اعترته اختلالات وتعثرات أثرت سلبا على نموه حاضرا ومستقبلا .

حركية الفيلم الامازيغي بالريف

يشير الكاتب إلى الانتعاش الذي عرفه المسرح الأمازيغي مند التسعينات إخراجا وعرضا ، وقد مر هذا المسرح بعدة مراحل أوردها الكاتب بنوع من التفصيل ، وهي المرحلة الفطرية أو الأشكال ما قبل مسرحية ـ مرحلة النشأة والتبلور الجنيني ـ مرحلة استواء المسرح الامازيغي واعتداله ـ مرحة النضج المسرحي والاكتمال الفني مرحلة المسرح التجريبي ومرحلة المسرح الفلكلوري.

ولم يفت الكاتب الإشارة إل جملة التيمات والمواضيع التي اشتغل عليها هذا المسرح،إضافة إلى الجوائز المحصل عليها .

وقد قدم الكاتب بيبليوغرافيا العروض المسرحية الامازيغية المتعلقة بمنطقة الريف بدءا من مسرحية “إيرحاكد أميثناغ (وصل ابننا) 1978م وانتهاء بمسرحيات قدمت 2008م وفي مقدمتها مسرحية “ثاواث ءيمظران / باب القبور”

أما عن المعهد الملكي للثقافة الامازيغية فقد اعتبره الكاتب مساهما بشكل إيجابي في تنشيط الحركة المسرحية الامازيغية وتفعيلها في جميع المناطق الناطقة بالامازيغية .

مدارس المسرح الامازيغي واتجاهاتها الفنية بمنطقة الريف

في هذا الإطار قدم الكاتب نظرة موجزة عن أهم قضايا وظواهر المسرح الأمازيغي الريفي مبرزا بعض سماته الجمالية ، إضافة إلى جرد لأهم المدارس الدرامية والاتجاهات الفنية التي عرفها هذا المسرح مند سبعينيات القرن العشرين إلى اليوم .

ومن الاتجاهات الفنية ، الاتجاه الفطري المتمثل في عدة أشكال مسرحية احتفالية تعد مصدرا دراميا فنيا بالإيحاءات الفولكلورية و الانتروبولوجية لكثير من المسرحيات الامازيغية بالريف.

ومن أهم مسرحيات هذا الاتجاه مسرحية “بوسطاش”.

إلى جانب هذا الاتجاه هناك الاتجاه الفكاهي الشعبي الساخر المنتقد للأوضاع الاجتماعية وغيرها. 

أما الاتجاه الكلاسيكي فيتعلق باستعمال القالب الأرسطي ومن الأعمال التي تمت في هذا الاتجاه مسرحية فؤاد أزروال ” أورتي أورلين /الحديقة الموهومة ” . ومن الاتجاهات المسرحية بالريف الاتجاه الواقعي ومن مسرحياته “نشين سا ” ومسرحية “تابرات ” .

أما الاتجاه التاريخي فيتعلق بمجموعة من المسرحيات التي تناولت التاريخ بالاستكشاف والاستقراء ومنه مسرحية “محاكمة يوغرطة” لمحمد العوفي ومسرحيات ” تندينت ن تارجا / أحلام المدينة” لفاروق أزنابط.

أما الاتجاه الرومانسي فمن مسرحياته مسرحية” أرياز ن ورغ /رجل من ذهب “.

ومن الاتجاهات الخاصة بالمسرح الامازيغي الريفي الاتجاه الميتامسرحي ويقصد به الكاتب تفكير المسرح في نفسه وتوظيف المسرح داخل المسرح ،ومن نماذج هذا الاتجاه في المسرح الامازيغي مسرحية “ءيمحاس ءومزكون/ سجناء المسرح.

الاتجاه الرمزي ويتعلق بالمسرحيات والعروض الدرامية التي توظف الرمز ومن نماذجه “ثاسيرث/الطاحونة” من تأليف محمد بوزكو وخراج سعيد المرسي .

الاتجاه التجريدي الذي يتخطى الواقع نحو الغرابة وتكسير الأمور المتواضع عليها..ومن أمثلته “ءارباع ءاوجاناياوضاد،وتامورغي..”

إلى جانب هذه الاتجاهات هناك ما سماه الكاتب بالاتجاه الشاعري الذي يتخذ الشعر مطية لتعبير المسرحي والتشكيل الدرامي.والمسرح الفردي ومن أمثلته مسرحية “تمرد امرأة”من اخراج ماجدة بناني.

أما المسرح الطفولي فيعتبر “الطيب المعاش” من أهم المخرجين والمهتمين بهذا الاتجاه ومن مسرحياته الفائزة بعدة جوائز مسرحية “طوشا”.

شخصيات مسرحية :

أفرد الكاتب هذا الفصل للحديث عن أسماء لها وقع في المسرح الامازيغي ، وقد قدم المبدعين عبر حديثه عن سيرهم ومساهماتهم الإبداعية واتجاهاتهم المسرحية واهم أعمالهم .ومن هؤلاء ذكر الكاتب كلا من وفاء مراس و فاروق ازنابط المخرج المتميز بالمسرح الريفي ، وربيع الماحي،وطارق الشامي الممثل المتميز بمساهماته في الكوميديا الامازيغية الساخرة، وسعيد المرسي رائد التجريب في المسرح الامازيغي الريفي،وفؤاد أزروال الذي يعتبره الكاتب المؤسس الحقيقي للمسرح الأمازيغي بمنطقة الريف، وفخر الدين العمراني المتميز في الإخراج.

وقد خص الكاتب الفصل الثالث الكاتب بالحديث عن عروض مسرحية امازيغية ، وقد توسع في تقديمها إذ أشار إلى مستواها الدلالي والفني والجمالي والدرامي ….

ومن هذه العروض نذكر”يديرياضنين ” و ثازيري ثاميري/القمر العاشق ” و “أريازن وارغ/رجل من ذهب”…

           أما الفصل الرابع خصه الكتب لمهرجانات المسرحية حيث قدم كرونولوجية لمهرجان الاحترافي الامازيغي لدار البيضاء حيث أشار على مستوى الأعمال المعروضة إضافة على أهمية المهرجانات في المساهمة في إثراء الدراما الامازيغية والدفع بها على الأمام وذلك عبر تشجيعها على العطاء والمبحث على أجود النصوص وخير الرؤى الإخراجية وأحسن التصورات السينوغرافية.

    إن كتاب المسرح الامازيغي تدل مادته على الجهد الكبير المبذول من قبل الكاتب من أجل البحث والجمع والتحليل وإبداء الرأي . وهو كتاب جدير بالقراءة للوقوف على أهم محاوره ومواضيعه ، خاصة وانه كتاب يمكن الاعتماد عليه في البحث عن سمات و إكراهات وأحلام المسرح الامازيغي بشكل عام.

هامش:

*المسرح الأمازيغي تاليف الدكتور جميل حمداوي ـ سلسلة شرفات 25ـ منشورات الزمن ـ الكتاب الخامس والعشرون 2009.

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *